Al-Watan (Saudi)

هل التجار يصلحون مسؤولين في الحكومة

البلد يمر بمرحلة تاريخية، وقفزة هائلة نحو التقدم والازدهار، ويجب الاستفادة من كل طاقات ومهارات أبنائه، والقطاع الخاص يزخر بالكفاءات

- صفوق الشمري

غير الربحي!. أما مسألة تضارب المصالح والفساد، فربما حاليا شبه اختفت، ولا خوف منها كثيرا، بسبب النشاط الكبير لهيئة مكافحة الفساد. ولو رجعنا تاريخيا لوجدنا أن بعض التجار أثبتوا كفاءتهم في العمل العام، لأنهم يملكون مهارات الإدارة فطريا، فالعديد من سفراء وممثلي الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - في عدة بلدان كانوا تجارا أو من »العقيلات«، وأبدعوا في القطاع العام، وكان الناس يمدحونهم وراضين عن أدائهم. طبعا كل مرحلة لها طبيعتها وظروفها، لكن هذا مثال كان ناجحا في بداية تأسيس الدولة. إذن، ما المشكلة في فشل بعض التجار والقطاع الخاص في تولي وإدارة المنصب الحكومي؟. أعتقد أنه على الرغم من حماسي للقطاع الخاص، لسد الفجوة في الكفاءات في القطاع العام، فإن البعض ربما لا يصلح للعمل الحكومي على الرغم من نجاحه كتاجر!. ربما هو أتقن التجارة وتشربها، ويملك المهارات المطلوبة في مجالها، لكن لا يملك أهم ثلاث صفات في إدارة المنصب العام »إعادة برمجة التفكير - الرؤية الإستراتيج­ية للأمور العامة - مهارة التأقلم والمرونة«، فعندما يعين في منصب حكومي، فلا شك أنه يستطيع الاحتفاظ بمهاراته وكفاءته وخبرته الإدارية السابقة، لكن يجب عليه، لكي ينجح، أن يعيد برمجة التفكير، ليواكب أهداف ومهمة المركز الجديد، ويجب أن تكون لديه رؤية ذات أفق أوسع للأمور فيما يخص حياة الناس، وهنا العوامل تكون عديدة، حيث يبدو من زاوية ما أن هذه الإستراتيج­ية أو القرار صائب جدا، وهذا ما اعتاده، لكن عندما يدخل كل العوامل الأخرى المتعلقة بحياة الناس، وينظر من عدة زوايا، ربما يغير رأيه، وربما قبل 24 ساعة، عندما كان تاجرا، لو عرض عليه الموضوع لأختار - دون تردد - هذا القرار أو الإستراتيج­ية، لكن بعد 24 ساعة عندما أصبح في المنصب الحكومي، فإنه إذا كان ذا رؤية إستراتيجية، ويعرض عليه الموضوع نفسه، فإنه سيختار قرارا مختلفا!. أما الصفة الثالثة، وهي التأقلم والمرونة، فعندما كان تاجرا كانت الأمور ربما أسهل، ويمكن التحكم في كثير من العوامل، لكن عندما دخل »معمعة« العمل الحكومي المتشعب، فإن الموضوع ليس بالبساطة والسهولة لإنجاز الأمور، لذلك يجب التأقلم والمرونة لإنجاز الأمور. أيضا المنصب الحكومي يفرض على المسؤول التقرب، ومراعاة شؤون الناس، والاستماع إلى تطلعاتهم ورغباتهم، فربما في القطاع الخاص قد تطلب دراسة سوقية أو دراسة جدوى من أحد المكاتب الاستشارية أو بيوت الخبرة، وتأتيك البيانات والتحليلات، وتتعامل معها كأرقام، لكن في المنصب الحكومي ربما تحتاج أيضا للاقتراب من الناس، ومعرفة ردودهم وتفاعلهم. الموضوع في المنصب العام ليس ورقة وقلما وحسابات فقط، بل أمور متعلقة بحياة الناس، وليس فقط تطبيق قوانين، بل ربما روح القانون، وربما حتى تعديل القانون، لمساعدة الناس، فالقوانين وضعت في الأصل لتنظيم حياة البشر، والسياسات والإستراتي­جيات ليست شيئا مقدسا، فهي قابلة للتعديل والمرونة، بناء على الأوضاع والظروف. وللإجابة عن السؤال المطروح في عنوان المقال، فهي: نعم، ولكن البعض!. ما زلت بعض الشيء متحمسا لدخول بعض المميزين في القطاع الخاص، والاستفادة منهم في القطاع الحكومي، لكن بعد فلترة، لتوفير الصفات الثلاث التي ذكرناها أعلاه، فمثلا ليس لدي أي تحفظ لو أن مسؤولا بنكيا يدير إحدى الجامعات إذا توافرت لديه الصفات، على الرغم من الاختلاف الكبير بين المجالين!، وأعتقد أنه سينجح أكثر من العديد من بعض مديري الجامعات الذين قد لا يملكون الكفاءة أو المؤهلات. البلد الآن يمر بمرحلة تاريخية، وقفزة هائلة نحو التقدم والازدهار، ويجب الاستفادة من كل طاقات ومهارات أبنائه، والقطاع الخاص يزخر بالكفاءات، لكن نحتاج كفاءات كما هي مبدعة في الإدارة، تعرف جيدا وتتذكر روح وأهداف المنصب الحكومي، الذي هو لخدمة الشعب والمواطن، يلبي توقعاته ورضاه، وعدم التقوقع في البرج العاجي، فالكرسي له سحره، لكن يجب تذكر - جيدا - مهارات القطاع الخاص، ونسيان أهدافه!، وإعادة ترتيب الأولويات والأهداف.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia