Al-Watan (Saudi)

للقضيب الحديدي مهمة أخرى، الطرق على أبواب غرف البيوت الشعبية التي تقطنها العمالة اVسيوية، Tيقاظهم للصلاة

- خالد العضاض

بإعطاء صاحبنا موعدًا على هامش الوقت والأعمال، ولكن بضعف الثمن، وأن يشتري البضاعة من محله، وعلى أن يتم العمل على مرحلتين، الأولى في وقت متأخر من الليل لتركيب السماعات، والثاني بعد الفجر مباشرة لوزن الصوت، بحكم ارتباط »الحضرمي« بمواعيد أخرى في كلٍ من الزلفي والغاط والمجمعة، قبل الذهاب إلى الرياض، حيث الكعكة الأكبر. كان عمله في مساجد وجوامع المدن والمحافظات المختلفة عبارة عن وزن أجهزة الصدى ومفخمات الصوت لا غير، وكان يجني من وراء ذلك مبالغ مجزية. وكان صاحبنا، في رمضاناتٍ مضت، لا يؤذن ولا يصلي في مسجده صلاتي العشاء والتراويح، بل يذهب باكرًا قبل أذان العشاء ليحجز مكانًا قصيًا من الصف الأول في جامع القارئ الشهير الذي تعرف عليه لاحقًا، وتوطدت العلاقة بينهما، كان مكانه المفضل، قبل نهاية الصف الأول من اليسار، بمواجهة إحدى السماعات، التي تصم آذان الآخرين غير المهووسين بقراءة ذلك الإمام حسن الصوت، وبعد سنوات من هذا الحضور الملفت لصاحبنا

مع القارئ الشهير، تسنم مهمة إمامة المصلين في صلاة العشاء وصلاتي التراويح والقيام في مسجده الذي يؤذن فيه لضعفٍ صحي طرأ على الإمام الراتب، ومن يومها حُرِم صاحبنا من سماع قارئه المفضل بشكل مباشر، ولكنه لم يُحرم من متعة تقليده

بشكل فجٍّ مبالغ فيه، أثناء إمامته للناس. أنهى صاحبنا أوراده وخيالاته، والتقط القضيب الحديدي، وخرج ليمارس احتسابًا بدأ ينتشر مؤخرًا في أحياء المدينة المطمئنة في هجعة الليل وهدوء الفجر، واستلم المحتسب بقضيبه الحديدي أول عمود نور قابله بعد خروجه من المسجد، وطرقه بعنف وعنفوان وكأن بينهما ثأرًا أو دمًا، ثم انتقل للعمود الثاني والثالث والرابع، حتى أنهى الطرق على كل أعمدة الشارع، ولم يكن يهدأ دوي صوت العمود حتى يستأنف الضرب على العمود الآخر، وعلى الرغم من سماعه بكاءات الصغار، وحنق بعض سكَّان الشقق من الأشقاء العرب، إلا أن هذا لم يكن ليثنيه عن احتسابه المزعج، وبعد أن ينتهي من أعمدة النور، سيكون للقضيب الحديدي مهمة

أخرى، وهي الطرق على أبواب الغرف بعد مداهمة البيوت الشعبية التي تقطنها العمالة الآسيوية، فيقتحمها صاحبنا ويبدأ بالطرق الشديد على أبواب الغرف لإيقاظ العمالة للصلاة، كان يطرق جميع الأبواب ما عدا باب غرفة »أختر« الذي خرج عليه ذات فجر، وكاد أن يفتك به لو لا تدخل أصدقاء »أختر« وزملاؤه في الغرف المجاورة. أحدهم، داعب صاحبنا ذات يوم، قائلًا له: »لم تُقرع أجراسُ كنيستك العشر هذا الصباح، أتمنى أن يكون المانع خيرًا، أم أن دفء الفراش هزمك هذه المرة أيضًا«، فأشاح صاحبنا بوجهه عنه، وهو يعرف جيدًا أن هذا الشخص يعرفه حق المعرفة، ولن يستطيع مجابهته في جدال. أنهى صاحبنا عادته الاحتسابية تلك بعد أن قام المحسن الذي يتكفل بالمسجد وحاجاته، بإسكان جزء من عمالته في سكن »أختر«، وطلب إلى صاحبنا عدم إزعاج العمَّال أثناء نومهم، وحتى يحفظ ماء وجهه، اشترط عليه أن يتعهد بأدائهم للصلاة في وقتها ولو في غرفهم، فكفل له المحسن ذلك، وقال له المحسن: أنا كثير السفر، ومن الآن ستتواصل مع المحاسب السوداني، لاستلام المبالغ الشهرية المخصصة للأسر الفقيرة، حسب المعتاد. وفي أول لقاء مع المحاسب، طلب المحاسب إليه طلبًا صغيرًا: »مش ترحمنا يا زول من إزعاج كل فجر«، ومن يومها توقف قرع الأجراس، تدريجيًا، وبدأ الناس في الحي يستمتعون ويستشعرون قول المؤذن: »الصلاة خير من النوم .« أخيرًا، لم يكن التشدد والتزمت يومًا لشرع الله -عز وجل- فيه نصيب.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia