اﻟﺴﻠﻔﻴﻮن وأﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ
أول ﻣﻦ أﻟﻒ ﰲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ اﻹﻣﺎم اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ، وﻫﻮ إﻣﺎم ﻋﲆ ﻣﻨﻬﺞ اﻟﺴﻠﻒ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻣﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ، وﻗﺪ رﺻﺪ ﻛﺜريا ﻣﻦ ﻗﻮاﻋﺪ وﻣﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﻬﺞ اﻟﺴﻠﻒ ﰲ ﻓﻬﻢ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ ﰲ ﻋﺪد ﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻛﺘﺒﻪ أﻫﻤﻬﺎ »اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ«، وﻧﻘﻞ ﺟﻤﺎ ﻏﻔرياً ﻣﻤﺎ أﺛﺮ ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻒ ﻣﻦ ﻗﻮاﻋﺪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﻛﺎﻧﺖ أﺻﻞ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ ﻣﺪوﻧﺎت أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ.
وﻗﺪ أﺻﺒﺢ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻌﺪه ﻏﺰﻳﺮا ﰲ املﺬاﻫﺐ اﻷرﺑﻌﺔ، ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺸﺎﻓﻌﻴﻮن اﻷﻛﺜﺮ ﺗﺄﻟﻴﻔﺎ ﻓﻴﻪ، إﻻ أن ﻫﺬه اﻟﻜﺜﺎﻓﺔ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ أن ﻋﻠﻢ اﻷﺻﻮل أﺻﺒﺢ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﺄﺛري ﰲ اﻟﻔﻘﻪ، ﺑﻞ ﻋﲆ اﻟﻌﻜﺲ ﻓﻘﺪ ﻋﺎش اﻟﻌﻠﻤﺎن ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻌﺰﻟﺔ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﻗﺮوﻧﺎ ﻃﻮﻳﻠﺔ، وﻗﺪ ﺗﺴﺒﺐ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻌﺰﻟﺔ أﻣﺮان ﻣﻬﻤﺎن: اﻷول: املﺬﻫﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﻣﻜﺎن اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ، وﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﰲ اﻷﺻﻮل ﺣﺎﺟﺔ، ﻓﺎﻟﻔﻘﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﺤﻔﻆ أﻗﻮال املﺬﻫﺐ ﺑﺄدﻟﺘﻬﺎ أو ﻣﻦ دون أدﻟﺔ، وﺣني ﻳﺴﺘﺨﺪم ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﰲ ﻣﻄﻮﻻﺗﻬﻢ ﻗﻮاﻋﺪ أﺻﻮﻟﻴﺔ ﻓﻠﻴﺲ ذﻟﻚ إﻻ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻋﻦ اﻹﻣﺎم أو ﺗﻢ اﺳﺘﺤﻀﺎرﻫﺎ ﻟﻨﴫة املﺬﻫﺐ وﻟﻴﺲ اﺳﺘﺪﻻﻻ ﻣﺴﺘﻘﻼ، وﺑﺬﻟﻚ ﻓﻬﺬه اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﺪﻟﻴﻞ أﺷﺪ اﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻦ ذﻛﺮ اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻬﻢ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ.
اﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺗﻠﺒﺲ اﻟﻔﻘﻬﺎء واﻷﺻﻮﻟﻴني ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻜﻼم اﻟﺬي ﴏف أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﻋﻦ ﻣﻘﺼﺪه اﻷﺳﺎس وﻫﻮ ﻓﻬﻢ اﻷدﻟﺔ إﱃ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻠًﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻮم اﻟﺠﺪل ﻳﻄﻠﺐ ﻓﻴﻪ أﺻﺤﺎﺑﻪ املﻐﺎﻟﺒﺔ ﰲ ﻣﻨﺎﻇﺮة أﺻﺤﺎب املﺬاﻫﺐ اﻟﻔﺮوﻋﻴﺔ اﻷﺧﺮى؛ ﺣﺘﻰ إن املﺤﺎوﻻت اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ أﻟﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﰲ ﺗﺨﺮﻳﺞ اﻟﻔﺮوع ﻋﲆ اﻷﺻﻮل ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺒﻴﺎن ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ املﻨﺎﴐ ﰲ املﻐﺎﻟﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻊ ﺑني ﻋﻠﻤﺎء املﺬاﻫﺐ ﻟﻼﻧﺘﺼﺎر ملﺬاﻫﺒﻬﻢ وﻟﻴﺲ ﻟﻠﺪﻟﻴﻞ، ﻛﻜﺘﺎب اﻟﺪرة املﻀﻴﺔ واملﻌﻮﻧﺔ ﰲ اﻟﺠﺪل واملﻨﻬﺎج ﰲ ﺗﺮﺗﻴﺐ اﻟﺤَﺠﺎج، ﻓﻜﻠﻬﺎ َﺟَﺪل ﻣﻦ ﻧﺤﻮ إذا ﻗﺎل اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻛﺬا ﺗﺠﻴﺒﻪ ﺑﻜﺬا؛ ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ إﻋﻤﺎﻻً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ ﻷﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻮن ﻗﺎﻋﺪة ﻟﻔﻦ اﻻﺳﺘﻨﺒﺎط.
ﻛﻤﺎ أدى اﻻﻧﺸﻐﺎل ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻜﻼم إﱃ ﻋﺰل اﻷدﻟﺔ اﻟﻌﻘﺪﻳﺔ ﻋﻦ داﺋﺮة إﻋﻤﺎل اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ، ﻓﺎملﻌﻠﻮم أن ﻟﻐﺔ اﻟﻌﺮب واﺣﺪة واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑني ﻣﺎ ﺟﺎء ﰲ ﻓﻘﻪ اﻟﻌﺒﺎدات أو ﻓﻘﻪ املﻌﺎﻣﻼت أو ﻓﻘﻪ اﻟﺠﻨﺎﻳﺎت أو ﻓﻘﻪ اﻟﻨﻜﺎح، ﻓﻬﺬا ﻻ ﺧﻼف ﻓﻴﻪ، ﻓﻜﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺑني ﻫﺬه ﻛﻠﻬﺎ وﻓﻘﻪ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ؛ ﻟﻜﻦ إﻋﻤﺎل ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم ﰲ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ أدى إﱃ إﺳﻘﺎط أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ أﺣﻜﺎﻣﻬﺎ، ﻓﺠﻤﺎﻫري اﻟﻔﻘﻬﺎء واﻷﺻﻮﻟﻴني اﻋﺘﻤﺪوا ﻗﻮاﻋﺪ ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم ﻟﻔﺤﺺ أدﻟﺔ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﺗﺎرﻛني ﻋﻠﻢ اﻷﺻﻮل، ﻓﺄدى ذﻟﻚ إﱃ اﻟﻘﻮل ﺑﻤﺠﺎزﻳﺔ ﺻﻔﺎت اﻟﻠﻪ اﻟﻮاردة ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻣﻊ أن ﻗﻮاﻋﺪ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﺗﺄﺑﻰ ذﻟﻚ، وأﻧﻜﺮوا اﻻﺳﺘﺪﻻل ﺑﺄﺧﺒﺎر اﻵﺣﺎد ﰲ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻣﻊ أن ﻗﻮاﻋﺪ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﺗﺄﺑﻰ ذﻟﻚ، وﻫﻢ ﰲ اﻷﺻﻮل ﻳُﻘﺮُرون أﻧﻬﺎ ﺗُﻔﻴﺪ اﻟﻘﻄﻊ إن اﺣﺘﻔﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺮاﺋﻦ، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻌﻤﻠﻮﻧﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ؛ وﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻌﺎم واﻟﺨﺎص واملﻄﻠﻖ واملﻘﻴﺪ ﺣني ﺗﻜﻮن ﰲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻌﻘﻴﺪة، ﻛﻘﻮﻟﻪ، ﺻﲆ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ: »ﻛﻞ ﺑﺪﻋﺔ ﺿﻼﻟﺔ« ﻓﺈن ﻛﻞ ﻣﻦ أﻟﻔﺎظ اﻟﻌﻤﻮم اﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﺨﺼﺺ ﻟﻬﺎ، وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﺘﻮﺳﻊ أﻛﺜﺮﻫﻢ ﰲ ﺗﺠﻮﻳﺰ أﺻﻨﺎف ﻣﻦ اﻟﺒﺪع ﺣﺘﻰ ﻏﻠﺒﺖ اﻟﺒﺪع ﻋﲆ اﻟﺴﻨﻦ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ، واﻟﺬﻳﻦ أﻋﻤﻠﻮا أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﰲ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ، وﻟﻢ ﺗﺴﺘﻬﻮﻫﻢ ﻣﻨﺎﻫﺞ املﺘﻜﻠﻤني، ﻫﻢ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ اﻟﺼﻮﻟﺔ ﰲ إﻧﻜﺎر اﻟﺒﺪع ﻛﺎﻟﻄﺮﻃﻮﳾ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺤﻮادث واﻟﺒﺪع واﻟﺸﺎﻃﺒﻲ ﺻﺎﺣﺐ اﻻﻋﺘﺼﺎم ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ.
وﻇﻠﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﻌﻠﻤني اﻟﺠﻠﻴﻠني، اﻟﻔﻘﻪ وأﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺰﻟﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ إﻻ ﰲ ﴍوح ﺑﻌﺾ املﺒﺪﻋني ﻛﺎﺑﻦ دﻗﻴﻖ ﰲ ﴍﺣﻴﻪ ﻋﲆ اﻹملﺎم وﻋﲆ ﻋﻤﺪة اﻷﺣﻜﺎم.
ﺣﺘﻰ ﻇﻬﺮ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﺤﻠﻴﻢ، وﻛﺎن ﻇﻬﻮره ﰲ أﺟﻮاء ﻧﻬﻀﺔ ﰲ ﻋﻠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺳﺎﻋﺪﺗﻪ ﻋﲆ إﺣﺪاث ﻧﻘﻠﺔ أﻳﻀﺎ ﰲ رﺑﻂ ﻋﻠﻤﻲ اﻟﻔﻘﻪ واﻷﺻﻮل ﺑﺒﻌﻀﻬﻤﺎ، ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺗﻜﺮارا ﻟﻼﺳﺘﺪﻻل ﺑﺄﺣﺎدﻳﺚ املﺬﻫﺐ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺳﻠﻔﻪ املﻮﻓﻖ ﺑﻦ ﻗﺪاﻣﺔ أو ﺟﺪه ﻋﺒﺪاﻟﺴﻼم ﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ؛ وإﻧﻤﺎ ﻧﻈﺮاً ﺟﺪﻳﺪاً ﰲ اﻷدﻟﺔ أﻟﺠﺄه إﱃ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ ﻟﺘﺠﺪﻳﺪ اﻻﺳﺘﻨﺒﺎط ﻣﻦ اﻷدﻟﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﺧﺎﻟﻒ ﻣﺬﻫﺐ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﰲ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻛﺜرية واﻓﻖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ أو املﺎﻟﻜﻴﺔ أو اﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ﻃﻮرا.
ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺠﺪ ﻟﻪ ﻛﺘﺎﺑﺎً ﻣﻔﺮدا ﰲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﺳﻮى ﻣﺴﻮدة آل ﺗﻴﻤﻴﺔ، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻷﺻﻮل ﻣﺒﺜﻮﺛﺔ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ ﻓﺘﺎواه ﻳﺴﺘﺪل ﺑﻬﺎ وﻳﻨﴫﻫﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﺗﺮاه ﻋﻨﺪ ﺳﻮاه، وﻟﻪ رﺳﺎﺋﻞ ﰲ ﻣﺴﺎﺋﻞ أﺻﻮﻟﻴﺔ ﻣﻔﺮدة ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻼف ﻛﺒري ﺑني اﻟﻌﻠﻤﺎء.
وﻛﺎن ﻟﻈﻬﻮره اﻷﺛﺮ اﻟﺒﺎﻟﻎ ﰲ إﺣﻴﺎء اﻻﺟﺘﻬﺎد وﻇﻬﻮر أﺋﻤﺔ ﺑﻌﺪه، ﻳﺠﺘﻬﺪون ﰲ املﺴﺎﺋﻞ وﻳﻌﺘﻤﺪون ﻋﲆ اﻷدﻟﺔ وﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮن ﻋﲆ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﺑﻘﻮاﻋﺪ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﻛﺎﺑﻦ اﻟﻘﻴﻢ واﺑﻦ ﻛﺜري واﺑﻦ ﺣﺠﺮ اﻟﻌﺴﻘﻼﻧﻲ واﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﻌﺰ واﺑﻦ اﻟﻬﻤﺎم؛ وﻛﺎن ﻣﻦ ﺳﻤﺎت ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺼﺤﻴﺢ اﻟﺘﻴﻤﻴﺔ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻘﺘﴫ ﻋﲆ إﻋﻤﺎل اﻷﺻﻮل ﰲ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻟﻔﺮوع؛ ﺑﻞ وأﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ﰲ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻻﻋﺘﻘﺎد، ﻓﺘﺠﺪه ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ ﻓﺘﺎواه وﻫﻮ ﻳﺮد ﻋﲆ املﺨﺎﻟﻔني أو ﻳﻘﺮر ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻟﻌﻘﻴﺪة ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ ﰲ اﺳﺘﺪﻻﻻﺗﻪ؛ وﰲ اﻟﺠﻤﻠﺔ ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺼﺤﻴﺢ اﻟﺘﻴﻤﻴﺔ اﻧﻔﺘﺎح ﻛﺒري ﻋﲆ اﻻﺟﺘﻬﺎد وﻋﻮدة ﻛﺒرية إﱃ إﻋﻤﺎل أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﺑﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎملﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻛﺘﺐ ﴍوح اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻛﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎري
وﻋﻤﺪة اﻟﻘﺎري وﻃﺮح اﻟﺘﺜﺮﻳﺐ ﰲ ﴍح اﻟﺘﻘﺮﻳﺐ؛ ﻟﻜﻦ ﻋﺎد اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﰲ ﻣﺴﺎﺋﻞ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻘﻤﻊ اﻟﺬي ﻳﻼﻗﻴﻪ أﺗﺒﺎع ﻣﻨﻬﺞ اﻟﺴﻠﻒ؛ وﺣﺎل دون أن ﻳﺤﺼﻞ اﻧﻔﺮاج ﺗﺎم ﻟﻼﺟﺘﻬﺎد وإﻋﻤﺎل ﻷﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ دﺧﻮل اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ وإﻏﻼﻗﻬﻢ ﺑﺎب اﻻﺟﺘﻬﺎد وﻧﺠﺎﺣﻬﻢ ﰲ ﻣﺤﺎرﺑﺘﻬﻢ ﺣﺮﻛﺎت اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻴﻪ ﻛﺤﺮﻛﺎت ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﱪﻛﻮي وﻗﺎﴈ زادة وﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﺮوداﻧﻲ، وﺿﻌﻒ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﰲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ أو ﻛﺎد ﻳﻨﻌﺪم ﺳﻮى ﺣﻮاش وﺗﻘﺮﻳﺮات ﻋﲆ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﺤﺎﺷﻴﺘﻲ اﻟﻌﻄﺎر واﻟﺒﻨﺎﻧﻲ، إﱃ أن أﺣﻴﺎ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﱃ اﻻﺟﺘﻬﺎد ﻣﻊ اﻧﻄﻼق اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ اﻷوﱃ. وﻋﺪم ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺪﻋﻮة ﰲ اﻷﺻﻮل ﻟﻢ ﻳﻜﻦ زﻫﺪاً ﺑﻪ وإﻧﻤﺎ ﻟﻜﻮﻧﻬﻢ ﻳﺘﻮاﺿﻌﻮن ﻋﻦ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻛﻤﺎ أﻧﻬﻢ ﻣﻨﺸﻐﻠﻮن ﺑﺎﻟﺘﺼﺤﻴﺢ اﻟﻌﻘﺪي اﻟﺬي ﺑﺬﻟﻮا ﰲ ﺳﺒﻴﻠﻪ أﻋﻤﺎرﻫﻢ؛ ودﻋﻮﺗﻬﻢ ﻟﻼﺟﺘﻬﺎد وإﻋﻤﺎل اﻷدﻟﺔ ﰲ وﻗﺖ ﻋﻢ ﻓﻴﻪ اﻟﺘﻌﺼﺐ املﺬﻫﺒﻲ وﻃﻢ، ﻛﺎن ﻛﺎﻓﻴﺎ ﻟﻴﻌﺪ دﻋﻮة ﻹﻋﻤﺎل ﻗﻮاﻋﺪ اﻷﺻﻮل ﰲ ﻓﻬﻢ اﻷدﻟﺔ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ أدﻟﺔ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺘﻲ أﻋﻤﻠﻮا ﻋﻤﻮﻣﺎﺗﻬﺎ وﻣﻄﻠﻘﺎﺗﻬﺎ وﻋﻴﻨﻮا ﻣﺨﺼﺼﺎﺗﻬﺎ وﻣﻘﻴﱢﺪاﺗﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻘﻮا إﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ.
ﻓﻤﻨﺬ إﻧﺸﺎء أول ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺳﻌﻮدﻳﺔ،
أﺣﺪث ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺨﺼﺺ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ وﻛﺎن ﻟﻪ ﻗﺒﻮل ﻋﻈﻴﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﺪارﺳني واﻟﺒﺎﺣﺜني، وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻣﺮﻛﺰا ﻹﻋﺎدة ﺗﺤﻘﻴﻖ وﻧﴩ أﻛﱪ اﻟﻜﺘﺐ اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ املﺬاﻫﺐ، وﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻣﻦ أﻛﱪ اﻷﺳﻮاق اﻟﺘﻲ ﺗﺮوج ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺘﺐ اﻷﺻﻮل، واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ ﻣﺮاﻋﺎة ﰲ ﻓﺘﺎوى اﻟﻌﻠﻤﺎء املﻌﺘﱪﻳﻦ وﰲ ﻫﻴﺌﺎت اﻹﻓﺘﺎء اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ، وﺣﺴﺒﻚ ﻣﺆﻟﻔﺎت اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻣني اﻟﺸﻨﻘﻴﻄﻲ وﻓﺘﺎواه وأﺧﺺ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻔﺴريه أﺿﻮاء اﻟﺒﻴﺎن اﻟﺘﻲ ﻣﻠﺌﺖ ﺑﺎﻟﺒﻨﺎء ﻋﲆ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ وﻫﻮ ﺳﻠﻔﻲ ﺳﻌﻮدي ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ اﻷﺻﻞ.
وﻗﺪ ﻇﻬﺮت ﻓﺌﺔ ﻣﻤﻦ اﻧﺘﺴﺐ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﰲ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ وﺣﺪﻫﺎ ﺑﻞ ﰲ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻻ ﻳﻘﻴﻤﻮن ﻟﻌﻠﻢ اﻷﺻﻮل وزﻧﺎ، ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻤﺜﻠﻮن اﻻﺗﺠﺎه اﻟﺴﻠﻔﻲ املﻨﻀﺒﻄﺔ ﻓﺘﺎواه ﺑﻀﻮاﺑﻂ اﻟﺪﻟﻴﻞ واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ.
وﻗﺪ ﺣﻈﻲ ﺗﺨﺮﻳﺞ اﻟﻔﺮوع ﻋﲆ اﻷﺻﻮل ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻟﺪى اﻟﺒﺎﺣﺜني اﻟﺴﻌﻮدﻳني ﺣﺘﻰ إﻧﻚ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺠﺪ ﻗﺎﻋﺪة أﺻﻮﻟﻴﺔ إﻻ وﻗﺪ ﺗﻢ ﺗﺨﺮﻳﺞ اﻟﻔﺮوع ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ رﺳﺎﻟﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ أو ﺑﺤﺚ ﻣﺴﺘﻘﻞ، وﻇﻬﺮ ﻋﻠﻤﺎء ﺳﻠﻔﻴﻮن ﻛﺘﺒﻮا ﻣﻮﺳﻮﻋﺎت ﰲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﻪ ﻛﺎﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪاﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﻨﻤﻠﺔ واﻟﺸﻴﺦ ﻳﻌﻘﻮب اﻟﺒﺎﺣﺴني.