Al-Watan (Saudi)

الخميس والمشكلة التي أشار إليها ا مير

- خالد العضاض

الثراء والتنوع المذهبي في المجتمع السعودي في وسطه وجهاته الأربع، هو عامل الجذب المهم في سعودية ما بعد رؤية 2030، وهو العامل القوي الطارد لكل خطابات التطرف والإقصاء، هذه التنوع وهذا الثراء محميٌ بموجب النظام الأساسي للحكم، والذي نص في الباب الثالث منه، وفي مادته الثانية عشرة، على أن: »تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام«، وزيادة على ذلك جاء في بعض خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ما يؤكد أهمية ترسيخ هذا المفهوم، قائلًا: »نؤكد حرصنا على التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة، والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع بما يضر بالوحدة الوطنية، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات«.

وفي حديث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لمجلة (ذا أتلانتك) في مارس 2022، قال: (الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس السعودية، فالسعودية لديها المذهب السنّي والشيعي، وفي المذهب السنّي توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتم تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية، ولا يمكن لشخص الترويج لإحدى هذه المذاهب ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية، وربما حدث ذلك أحيانًا سابقًا؛ بسبب أحداث قلتها لكم من قبل، خصوصًا في عقدَي الثمانينيا­ت

والتسعينيا­ت، ومن ثم في أوائل القرن الحادي والعشرين، لكن اليوم نحن نضعها على المسار الصحيح كما قلت من قبل، فنحن نرجع إلى الأساس، إلى الإسلام النقي).

ورغم هذه التأكيدات، وتكرارها في عدة أشكال، فإنه لا تكاد تشعر بأي تغيير يجري في عقول قطاع واسع من أبناء المجتمع، ربما كان هذا نابعًا من الأمر الذي وضع عليه اليد سمو ولي العهد في حديثه المشار إليه لمجلة (ذا أتلانتك) حينما قال: (إن ما حدث هو أن المتطرفين اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه، بحسب مصالحهم، حيث إنهم يحاولون جعل الناس يرون الإسلام على طريقتهم، والمشكلة هي انعدام وجود من يجادلهم

ويحاربهم بجدية، وبذلك سنحت لهم الفرصة في نشر هذه الآراء المتطرفة المؤدية إلى تشكيل أكثر جماعات الإرهاب تطرفًا، في كلٍّ من العالمين السني والشيعي).

ورغم هذا التوضيح الجلي، ما زال نقاد ظاهرة الصحوة والتطرف الديني يدورون في حلقة مفرغة، بالرغم من أن حديث الأمير اختط طريقًا مباشرًا للخروج من هذه الدائرة والذهاب إلى الأصل، بقول سموه: (نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول - عليه الصلاة والسلام - والخلفاء الأربعة الراشدون، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة، وكان عندهم مسيحيون ويهود يعيشون في تلك المجتمعات، وأرشدتنا هذه التعاليم أن نحترم جميع الثقافات والديانات بغض النظر عنها. وهذه التعاليم كانت مثالية، ونحن راجعون إلى الجذور، إلى الشيء الحقيقي).

تداعت إلى ذهني هذه الأفكار، وأنا أشاهد الاحتفاء المحموم بالدكتور عثمان الخميس، أثناء زيارته لأحد الأماكن في المدينة المنورة، ولكون هذا الرجل يمثل -في نظري- خطابًا ووجهًا متشددًا ومتطرفًا تجاوزه المجتمع السعودي، ثم يتم الاحتفاء به بهذا الشكل، فهذا أمر يجعلنا نعيد التفكير في منظومة الخطاب الديني لدينا.

الخميس هذا، قال كلامًا يطول منه العجب عن الهالك ابن لادن، نقلها عنه حساب (قناة وصال) على تويتر، في مايو 2011: (الشيخ عثمان الخميس: والأصل أن

يمسك المسلم لسانه عن الخوض في أعراض المسلمين خاصة في مثل حالة ابن لادن غير الواضحة، فأمره إلى الله والله حسيبه)، هذا الذي تلطخت يداه بدماء الأبرياء، وكفر الفئام من المسلمين، أصبح أمره غير واضح في نظر الخميس، ومن أراد العجب فليتابع دروسه وفتاواه، التي تروَّج بشكل منتظم، ومكثف بمناسبة وبدون مناسبة، وهذا القول عينة من طرف المخلاة فقط.

وحينما تحلل خطاب الخميس الكويتي، ستجد أن كل مرتكزاته ومقوماته مبنية على خطاب سلفي سعودي، تم صناعته بالتقاسم بين المدرسة السلفية السعودية، والخطاب الصحوي العام، وأتحدى أن يأتي أحد بفتوى للخميس قالها، ولا يجد لها مشابه في فتاوى مشايخ السعودية الذين تتلمذ عليهم في الأصل، وكأن فتاوى الخميس خرجت علينا بعد تجاوزنا للخطاب المتطرف من (الفريزر) مجمدة حتى حان وقتها إعادة طهيها وتقديمها للمجتمع السعودي، المشغول بصناعة مستقبله وفقًا لمبادئ التسامح والسلم، وبغض النظر عن مدى انتساب الخميس للسلفية أو الصحوية أو غيرهما، فإنه يجب مراقبة هذا التوجه الخطير، الذي يقول حاليًا ما يعجز عن قوله الصامتون في البلد من رموز الخطاب المتطرف.

يجب ألا يمكن لهؤلاء الثلة الذين يلقبهم الناس بالمشايخ، كي يحتكوا مباشرة بالمجتمع، دون رقابة أو ضبط، فقد رأينا ما الذي سببه هذا الاحتكاك في زمن مضى،

ورجل الدين المنتشر والمستأثر بالمشهد اليوم لا يختلف كثيرًا عن رجل الدين الصحوي، إلا في مسألة الافتئات على الدولة والثناء عليها، وإلا فالمنطلقات ذاتها واحدة، والتطرف ذاته واحد، ومن هنا يجب أن نحمي مجتمعنا من خلال عدم تركه نهبًا لعقول متكلسة تتصدر للمجتمع بخطاب ديني رخو، ومتهالك، سواء في الفتوى أو الخطبة أو البرنامج التليفزيون­ي، أو في المقالة الصحفية.

يجب أن نركز على منع انتشار الرأي المتطرف ورواجه، وتسويقه، حتى لو لم يبدو أنه يتجه إلى شرعنة العنف، ويجب أن يتجاوز العمل مهمة إيقاف إنتاج الآراء المتطرفة، وتجفيف منابعها، إلى خلق مجالات أوسع للبهجة والفرح والمتعة، والتي هي أحد أهم معالجات ومصدات الفكر المتطرف.

علينا كأفراد في مجتمع متطلع للحرية المنضبطة، أن نعي أننا نُستخدَم أحيانًا كمطايا ونحن لا نشعر، لإعادة تلميع صورة الخطاب الصحوي، خصوصًا ونحن نرى بأم أعيننا، كيف يحاولون هدم صورة: أن مجتمعنا مجتمع متدين ومحافظ، في نفوس أفراده، بسبب القرارات الحكيمة التي تسابق الزمن لإعادة الحياة لنا.

أخيرًا، إن ما يناسبنا في هذه المرحلة، هو العودة إلى الإسلام المبكر، الإسلام المكتمل، الذي مات عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ، وهو المحجة البيضاء.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia