Al-Watan (Saudi)

ا بطال في العقل الجمعي

أمتنا تعيش تأخرًا علميًا ومعرفيًا تحتاج أن يكون البطل فيه هو المفكر والمخترع والفيلسوف.

- عبدربه الطهيفي

العقل الجمعي هو الحالة النفسية التي يفترض فيها الجماهير أن تصرفات الجماعة تعكس سلوكًا صحيحًا، وبالتالي الأبطال في العقل الجمعي هم قدوة المجتمع.

ومما لا شك فيه أن القدوة من أكبر العوامل المؤثرة في بناء الأخلاق والعادات في المجتمع فتأثيرها أكثر بكثير من تأثير الوعظ وغيره

ونرى كيف يقلد شبابنا اليوم من اعتبروهم قدوة وأبطالًا حتى في ملابسهم وقصات شعرهم..

ومن أفضل من درس وشرح هذه الظاهرة عالم النفس الكبير، مؤسس علم النفس الاجتماعي الحديث الدكتور مظفر شريف ولديه عشرات الكتب في تخصصه هذا وقام بتجارب مشهورة جدًا.

وقد تنبّه القادة إلى تأثير الأبطال في العقل الجمعي منذ القدم لذلك صنعوا شخصيات أبطال تخدم مخططاتهم واحتياجات حضاراتهم

حتى أمراء الحروب والعصابات الإرهابية عرفوا واستفادوا من تأثير البطل على العامة، بجعلها من مراهق أزهق روحه رخيصة في سبيل تحقيق أهدافها ومصالحها أسطورة وبطلًا لتستقطب المزيد من الشباب والمراهقين لتنفيذ أجندتها، إن لتأثير القدوات مفعول السحر على العقل الجمعي وتقوم بعض الحكومات باختيار نوع البطل بما يتناسب مع احتياجات المرحلة، مثلًا أثناء الحرب العالمية الثانية صنع النظام السوفيتي يُدعى »قناص ستالينجراد« )فاسيلي زايتسيف) وكُتبت الكتب وصُنعت الأفلام حول هذه الشخصية الأسطورية التي صنعها الإعلام السوفيتي في وقت كان يحتاج أن يكون البطل في العقل الجمعي في تلك المرحلة هو المقاتل وليس العامل هذه المرة لكي يصدوا الزحف النازي، ونرى أيضًا أن ستالين الذي أعدم آلاف من رجال الدين وأغلق الكنائس قبل الحرب العالمية الثانية ليتيح المجال أمام أبطال الفلسفة الشيوعية.

يعود في الرابع من سبتمبر 1943 ويصدر قرارًا بإعادة إنشاء مؤسسة البطركية لأنه يحتاج أن يكون الشهيد وعيسى بطلًا تلك المرحلة وليس الملحد وماركس، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانطواء تلك المرحلة عاد ليصنع أبطالًا من نوع آخر يناسبون المرحلة الجديدة.

أين نحن -كأمة عربية- من صنع القدوات الإيجابية البناءة للمجتمع؟ ولماذا لا نصنع قدوات مناسبة للمرحلة التي تمر بها أمتنا؟

يتهرب بعضنا من الإجابة، بإلقاء اللوم على الحكومات، ومع أن الحكومات إذا تولت صناعة القدوة الحسنة فستكون النتيجة مفيدة وسريعة، ولكن هذا لا يعني أن الأب والأم والأستاذ لا يستطيعون خلق القدوة الحسنة المناسبة في مخيلة أبنائهم وطلابهم، فهذه مسؤولية الجميع وأي فرد يستطيع على الأقل إصلاح نفسه وتلك خطوة كبرى نحو النجاح كما يقول الفيلسوف الكبير صاحب كتاب الأبطال (الذي بالمناسبة أنصف رسول الله وجعله هو المثال على البطل في صورة نبي) يقول (اجعل من نفسك شخصًا نزيها وسوف تتأكد من أن عدد »السيئين« في العالم قد نقص واحد).

ماذا عنا اليوم كأمة عربية ما هو نوع البطل والقدوة الذي نحتاج؟ ونحن أمة تأخرت كثيرًا في سباق الأمم التكنولوجي والمعرفي، ونحن أيضًا أمة يعاني كثير من أقطارها من الحروب الأهلية الداخلية.

ونعلم أن القدوة تُصنع حسب الحاجة الراهنة للأمة فمثلًا في وقت الحروب وصد الغزو لا مانع أن يكون البطل هو المقاتل ولكن في الحروب الأهلية والداخلية يفترض أن يكون البطل هو المتسامح قال رسول الله (ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) نحتاج اليوم أن يكون البطل من يملك نفسه عند الغضب، والمتسامح.

ومن جهة أخرى فإن أمتنا تعيش تأخرًا علميًا ومعرفيًا تحتاج أن يكون البطل فيه هو المفكر والمخترع والفيلسوف، من المؤسف أن ليس من أبطال العقل الجمعي عندنا على سبيل المثال بني موسى أحمد والحسن ومحمد الذين اخترعوا وصمموا كثيرا من الآلات والأجهزة الميكانيكي­ة الآلية والصمامات والكثير من الاختراعات الأخرى إضافة إلى الإسهامات العلمية الرياضية والفلكية ويكفي الاطلاع على كتابهم (كتاب الحيل) لجعلهم أبطالًا ومصدر إلهام لشبابنا، كما كان أيضًا مصدر إلهام لبطل مغمور آخر وهو الجرزي (بديع الزمان أبوالعز) وهو أحد أكبر مخترعي الآلات، مثل آلة رفع المياه والمضخات والساعات وغيرها الكثير والذي كان بدوره مصدر إلهام هو وبني موسى لليوناردو دافنشي إلا أن دافنشي في العقل الجمعي الأوروبي يعتبر أحد أعظم الأبطال بينما ملهموه لا يكاد يكون لهم ذكر في العقل الجمعي العربي للأسف الشديد.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia