Al-Watan (Saudi)

العناق في ميزان الصحة

النزلاء الذين تلقوا عناقاً أو ملامسة جسدية، وتواصلوا مع الأصدقاء والزوار، لديهم ميل إلى الاستقرار النفسي والانتعاش الذهني أكثر من غيرهم.

- مريم النويمي

أساليب التربية الشرقية تتوارثها الأجيال، ورغم التطور تبقى هناك مفاهيم غير قابلة للتغيير عند البعض، هناك من يرى أن الدلع لم يُخلق للذكور، فينشأ الولد على الشدة والصرامة، حتى أنهم يسلبونه حق البكاء، لأن الرجل من العيب أن يبكي، تهيئة لمواجهة قسوة الحياة وتحمل المسؤولية، رغم أن في البكاء راحة تغبط عليها النساء. ولكن ماهو الدلع المسموح به للأولاد حتى لا ينشؤون مسخاً؟

ربما أن لا تكون جميع طلباتهم أوامر مطاعة، ذكوراً وإناثاً، علينا إعدادهم لحياة سعيدة لا قاسية رغم الصعوبات، فالسعداء يعرفون كيف يتجاوزونها بشكل أفضل، علينا أن نمنحهم الحب والحنان من غير قيد أو شرط ، لمسة حانية، كلمات حب، قبلات، ونغمرهم بأحضان دافئة، تُشعرهم بالانتماء، وتحافظ على صحتهم النفسية والعقلية.

تنشئة الذكور التي ترضخ في كثير من الأحيان لمعايير معينة تحرمهم من الاستمتاع بعناق الوالدين بالذات في سن المراهقة، ربما يشعرون بالحرج لأنهم لم يتعودوا على ذلك في صغرهم، أو لإحساسهم بأنهم كبروا، وهناك استطلاع لإحدى الدراسات أظهر أن قرابة %61 من الأباء يتوقفون عن احتضان أبنائهم، ذكوراً وإناثاً عند وصولهم لسن البلوغ بالذات الذكور، وهذا ربما يبرر قلة فوائد الاحتضان لديهم في الكبر عن أقرانهم من الإناث. كما أوضحت بعض الدراسات حيث كان مستوى هرمون الكورتيزون منخفضاً بشكل كبير لدى النساء اللاتي تلقينّ احتضاناً، بينما لم

يحدث بالدرجة ذاتها للرجال. الأبحاث لم تتوصل إلى سبب مقنع لذلك، ولكن أظن أن الكروموسوم إكس الأكثر وفرة لدى النساء هو جينٌ للبهجة، الهرمونات الذكورية ربما تعيق حصول ذلك رغم العلاقة العكسية بينهما، النشأة الخشنة بدورها ممكن أن تعزز هذا السلوك. ماذا يفعل الاحتضان بلغة علم النفس؟ أثناء الاحتضان يفرز الجسم الأوكسيتوس­ين، الدوبامين، والسيروتون­ين وهي هرمونات مسؤولة عن الحب والسعادة وتحسين الحالة المزاجية، وتبعاً لذلك تقل فرص الاكتئاب وذلك بانخفاض هرمون الكورتيزون في الجنسين، ولكن كم حضن يحتاج الشخص في اليوم ليكون بخير؟ حسب المأثور عن فرجينيا ساتير، الأخصائية الاجتماعية والمتخصصة في العلاج الأسري، بأن الإنسان يحتاج 4 أحضان ليعيش، 8 ليبقى سليما، و12 كي ينمو، هل لدينا من الوقت ما يسمح لمنح هذا الكم من الأحضان للأحبة! بالذات لأبنائنا؟

مع المهام اليومية، وتوفر التقنيات والأجهزة الذكية ومنصات التواصل الاجتماعية، أصبح الناس يقضون وقتا أطول في التفاعل مع تقنياتهم أكثر مما يقضونه مع بعضهم البعض على أرض الواقع، وهذا يؤدي إلى برود المشاعر والعزلة.

البعض ربما يظن أن اللمس والاحتضان هما من أنواع الدلع وليس ضرورة، لكنه حقيقة يلعب دورا أساسيا في تجاربنا اليومية، يؤثر في اختياراتنا، وما نأكله، ومن نحب، وحتى كيف نتعافى، أقل القليل من العناق أو الاحتضان في أي صورة كان هو 4 مرات في اليوم، وأفضل القليل 8، كما أجمعت بعض التوصيات، ربما هناك من يتساءل وهل هناك أشكال أخرى للعناق غير تلك المتعارف عليها؟ وضع اليد على الكتف هو حضن، التقاء كفي اليدين هو عناق من نوع آخر، هناك عناق سهل، لا يستوجب وجود شخص سواك، ببساطة احضن نفسك، يبدو من السخافة فعل ذلك، ولكنها حقيقة علمية، بالفعل لها نفس مفعول عناق الآخرين، مفعول العناق أو الاحتضان ليس فقط لتحسين الحالة المزاجية والنفسية بل هو أكثر من ذلك، فهناك أكثر من عشرين فائدة صحية للعناق، لا يتسع المقال لذكرها بإسهاب، العناق علاج متوفر للألم بلا وصفة طبية، حتى أولئك المصابين بالألم الليفي العضلي ) FIBROMYALG­IA( كانت اللمسة اللطيفة كفيلة بتخفيف آلامهم، وتحسين جودة حياتهم كما أثبتت الدراسات، ترتفع المناعة فتقل الأمراض المعدية، يعمل على تحسين صحة القلب، وذلك بتخفيف الضغوطات، يقلل من آثار الهرم على الجسد، وذلك لتأثير هرمون الأوكسيتوس­ين في تجديد كتلة العضلات وتنشيط الإشارات العصبية للعضلات، مما يضمن نشاطها وحيويتها، التلامس والاحتضان من طرق الرعاية المقدمة للأطفال الخدج في العناية المركزة لحديثي الولادة، حيث وجد أن هؤلاء الخدج يتجاوزون مخاطر الخداجة بسلام ويخرجون من المستشفى بوقت أسرع، ليست هناك سن معينة للاحتضان، فكل إنسان يحتاج إلى حضن يحتويه بحب حتى يتعافى، الطفل، المراهق، البالغ، والمسنون، فهناك دراسة سويدية أجريت على 172 نزيلا في دار المسنين، وجدت أن النزلاء الذين تلقوا عناقاً أو ملامسة جسدية، وتواصلوا مع الأصدقاء والزوار، لديهم ميل إلى الاستقرار النفسي والانتعاش الذهني أكثر من غيرهم.

إن احتجت إلى احتواء ولم تجد من يقدمه لك، فافتح ذراعيك واحتضن قلبك، فأنت أحق الناس بحبك.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia