Al-Watan (Saudi)

جبن وتهاون وتملص من المسؤولية

- ميسون الدخيل

أحيانا أجد صعوبة في الكتابة عن الجمال وأنا أراه يشوّه كل لحظة... كل ثانية... من بشر منشغلين بالقرش بالدينار... بالدولار! بشر منشغلون بضرب البشر بالبشر، ولسان حالهم يقول بغيري أفضل من أن تصل إليّ! العالم بالنسبة إليهم خشبة مسرح يستمتعون بتحريك الدمى عليها.

أريد أن يشعر الكفيف بكلماتي كما يقرؤها المبصر... ولكن اليد التي تعودت على صوت القلم وهو يسير على الأسطر والصفحات، باتت شبه مشلولة! تكتب سطرًا وعند إعادة القراءة تجد أنه ما بين كل كلمة وكلمة تاهت... كلمات!

كيف يمكنني الكتابة؟ هل أكتب بعقلي؟ هل يوجد آلة تقرأ ما يجري فيه؟ قد تتعطل ما إن تدخل، وقد تحترق، تماما كما يحدث عند إدخال جهاز 110 فولت في فتحة 220 فولت!

لكنني أعرف أن الكلمة التي تخرج من القلب عادة ما تجد طريقها، قد تتعثر لكنها بالنهاية تصل، لفرد لاثنين أم لمجموعة... من يدري قد يحالفني الحظ وقد تصل أفكاري إلى الناس من خلال الإلهام لمحدِّث أو حكواتي، وبدلا من أن يقرأ من كتابه، يغمض عينيه ويستقبلني وينقل كلماتي!

ما الذي يهم؟ طالما أنني أكتب لا بد وأن هنالك من يقرأ، أليس هذا بكافٍ؟!

ربما! ولكن سأظل أبحث عن الجمال ولن أكون أسيرة للأفكار القبيحة كالرجل المتشائم الذي يتغذى على أوهامه.

ألم يمر بكم؟ غريبة! مع أنه يتكاثرون مثل الفطر مع نزول كل ودق من السماء. شخصيات سلبية متشككة ومتشائمة، لا يشغل بالها سوى التفكير في القبح والأمور السيئة، قد تكون بسبب الأحداث التي مروا بها في حياتهم التي مما لا شك به قامت بتقوية إحساس القبح بداخلهم.

يعيشون أحياء لكنهم موتى يسيرون بيننا، يحرقون الأخضر واليابس وهم يرتدون أقنعة الطهر والعفة، لا لشيء سوى لأنهم لا يستطيعون رؤية أي شيء غير الرماد! ليس لديهم القدرة على التفكير في رقة الزهر وعبق عطره، ولا فهم صفاء النهر وخرير مائه، ولا يصلهم حفيف الأشجار وتغريد الطيور، قد تكون مرت أمامهم مشاهد الجمال ولكن بسبب تشاؤم وقذارة فكرهم، لم يروها أبدًا، لم تتركهم الأفكار السيئة... أو بالأحرى لم يتركوا الأفكار السيئة أبدًا.

أعينهم لا ترى سوى وحوش ضارية تحيط بهم لتغدر في أي لحظة! بدلا من بناء الجسور يبدعون في بناء السدود ليس ما بينهم والآخر لأنهم مقصدهم الوصول إليه، بل في الطرقات والأزقة وكل منفذ يرونه في صالح تواصل الغير واندماجهم، لأن اجتماع الآخرين يعني أنه سوف تخاط المكائد والدسائس ضدهم! إن رأوا ثوبًا أبيض بحثوا عن أي نقطة سوداء فيه! لا يتذكرون سوى السيئات أو الأخطاء... لماذا ينتظر ابني موتي ليرثني، لماذا شقيقي يريد أن يحرمني حقوقي، لماذا جاري ينظر إلى زوجتي، لماذا زملائي يريدون فشلي، لماذا هذا المسؤول يسعى لإقصائي... وآلاف أخرى من الأفكار اليائسة السوداء!

وبهذه الأفكار ومن هذه الأفكار

يشيدون جدران سجونهم الأبدية في عقولهم، يحولون الأوهام إلى حقائق بسلوكياتهم نحو الغير، وبهذا يقطعون كل سبل التواصل مع العقول الأخرى من أجل خلق فرص جديدة للمراجعة والتصحيح، وهم أصلًا لا يسعون لذلك، فهم لا يرون سوى أنهم على حق وجميع من حولهم على باطل.

لا تستطيع أن تتجنبهم لتنجو من شرهم، فإما تجدهم يختفون خلف أقنعة أم يخرجون إليك بأنيابهم ومخالبهم، وما عليك سوى أن تواجه أو تتأقلم مع الأذى! كثير منا حاول أن يصلح أو يخفف من حدة السواد الذي في قلوبهم، ولكن قلة من نجح! وإلا كيف نفسر كل هذا الشر في العالم من حولنا؟!

في المقابل تجد أن النفوس الطيبة لا ترى سوى الجمال في كل شيء حتى الفشل والموت، هذا لأنه بالنسبة إليهم الجمال هو نهاية الطريق مهما كان متعثرا أو وعرًا أو حتى قبيحًا.

إنهم الشخصيات التي تجعل الآخرين يشعرون بالأمان والسلام؛ أرواحهم الجميلة تعكس عقولًا نقية، وقلوبًا محبة رحيمة ورقيقة، تسعى دائمًا لخلق السلام والإيجابية والسعادة في الناس، فعندما تصادفهم تشعر بصفاء وإيجابية داخل نفسك مما يجعلك تنجذب إليهم، إنهم بشر يتصفون بضبط النفس والاستقامة،

يزعجهم الإضرار بالغير ولا يقضون وقتهم بالبحث عن عيوب الغير، ومن المعروف عنهم الصبر والثبات والرحمة تجاه جميع مخلوقات الله، متمكنون من مهارات الإصغاء والتواصل، لا يعرفون التشاؤم، ويحاولون دائما أن يبحثوا عن معنى إيجابي من كل حدث مهما كان مؤلما أو صادمًا، لأنهم يبحثون عن الحلول وليس عمن أذنب ومن أخطأ ومن قصّر، بل عن طرق إعادة الأمور إلى موازينها بأقل قدر من الخسائر إن أمكن.

وقف أحد المحامين أمام هيئة المحلفين وبيده كأس بها ماء وبالأخرى حبر سائل، وعند كل ذكر لنقطة تدعو للشك أنزل نقطة في الكأس... »شك، شك، شك،« هكذا أخذ يردد حتى انتهى وأصبح الماء بالكأس أزرق بعد أن كان شفافًا.

ما أريد أن أصل إليه من هذه المقالة هو أن نقاط الحبر شوشت على نقاء الحياة من حولنا لدرجة أن الحبر طغى ولم نعد نستطيع أن نفرق ما بين الخير والشر!

نعم قد لا نستطيع أن نلغي البشر الذين يتغذون على أذية الغير، وقد لا نستطيع تجنبهم لكثرتهم، لكن في المقابل يجب ألًا نقف بكل سلبية ولا نفعل شيئًا... على الأقل يجب ألّا نترك لهم الفرص في أن يتمادوا في شرورهم، فأي شيء غير ذلك يعتبر جبنا وتهاونا وتملصا من المسؤولية!

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia