انتظار التمويل الأمريكي؟
مــع دخــول أوكرانيــا العــام الثالــث منــذ الغــزو الــروسي، ســلط تقريــر مــن مجلــس العلاقـات الخارجيـة Cfr)( الضـوء عـلى الدعـم الأمريكــي ومعنويــات الشــعب الأوكرانــي، لأن فشـل الولايـات المتحـدة في مواصلـة المسـاعدات العســكرية لأوكرانيــا مــن شــأنه أن يــؤدي إلى كارثـة بالنسـبة لأوكرانيـا وحلفائهـا الغربيـين. ويبــيّن التقريــر أن المــدن الكــبرى، بمــا في ذلــك أوديســا ودنيــبرو وكييــف، كلهــا مزدحمـة وصاخبـة عـلى الرغـم مـن الغارات الجويـة المنتظمـة، بينمـا تعـترض الدفاعـات الجويــة الأوكرانيــة معظــم الطائــرات بــدون طيــار والصواريــخ الروســية. حتــى خاركيــف، ثانــي أكــبر مدينــة في أوكرانيــا، لا تــزال تعمــل عــلى الرغــم مــن مواجهتهــا القصـف الـروسي العنيـف، لأنهـا تقـع عـلى بُعــد 20 ميــلا فقــط (32 كيلومــترًا) مــن الحــدود الروســية، حيــث اعتــاد معظــم الأوكرانيـين عـلى الحـرب، ويسـتمرون فيهـا بأفضـل مـا يسـتطيعون، فالاستسـلام ليـس خيــارا لديهــم. وقالــت نائبــة وزيــر الخارجيــة، إيرينــا بوروفيتــس، بينمــا انطلقــت صفــارات الإنــذار: »النــاس مصدومــون، ولكــن ليــس لدينــا خيــار آخــر. إذا انتــصر الــروس، فســتكون هنــاك إبــادة جماعيــة.«
وفي اســتطلاعات الــرأي العــام، تضاعــف تقريبًــا عــدد الأوكرانيــين الذيــن أعربــوا عــن دعمهــم تقديــم تنــازلات إقليميــة لإنهــاء الحــرب، حيــث ارتفــع مــن 10 % في مايــو 2023 (قبـل بـدء الهجـوم الأوكرانـي المضـاد الكبــير) إلى 19 % في ديســمبر (بعــد فشــله). لكــن الغالبيــة العظمــى مــن الأوكرانيــين لا تــزال ترغــب في القتــال حتــى يتــم تحريــر جميــع الأراضي الأوكرانيــة المحتلــة (نحــو 20 % مــن إجمــالي الأراضي) مــن الســيطرة الروســية.
وعـلى الرغـم مـن أن الحـرب كبـدت شـعب أوكرانيــا واقتصادهــا خســائر فادحــة، فــإن البـلاد تواصـل العمـل بطريقـة طبيعيـة. والآن بعد أن أصبح لأوكرانيا قائد عسكري جديد، فهل يطرأ أي تغيير في التكتيكات؟ يــرى التقريــر أن نجــاح أوكرانيــا غــير المعلــن في البحــر الأســود يشــكل شــهادة عــلى براعتهــا في مواجهــة الصعــاب التــي تبــدو مســتعصية عــلى الحــل، حيــث اعتمــدت أوكرانيــا عــلى الطائــرات البحريــة بــدون طيــار والصواريـخ وغـارات الكومانـدوز في إخـراج البحريـة الروسـية مـن مرسـاها التاريخـي في سيفاسـتوبول، وإعـادة فتـح البحــر الأســود أمــام صــادرات الحبــوب الأوكرانيــة. ويشـير نجـاح أوكرانيـا في البحـر إلى أهميـة اسـتخدام تكتيـكات غـير متكافئـة ضـد روسـيا بـدلا مـن الهجمـات المبـاشرة مثـل الهجـوم المضـاد الفاشـل في العـام المـاضي، الـذي أدى إلى اسـتبدال الجنـرال فالـيري زالوزنـي كقائـد عسـكري لأوكرانيـا. وتحـت قيـادة الجنـرال أولكسـندر سيرسـكي، الـذي خلّـف زالوزنـي، بـدأت أوكرانيـا تتحـول إلى إسـتراتيجية دفاعيـة عـلى طـول خـط المواجهـة، شريطـة أن تكـون لـدى القـوات الأوكرانيـة ذخـيرة كافيـة، وهـو أمـر غـير مؤكـد عـلى الإطـلاق لأن الجمهوريـين في مجلـس النـواب الأمريكـي مسـتمرون في منـع المزيـد مـن المسـاعدات الأمريكيـة، لذلـك لا بـد أن تكـون قـادرة عـلى منـع أي اختراقـات روسـية كبيرة . في الوقــت نفســه، يمكــن لأوكرانيــا اســتخدام منصــات الــضرب بعيــدة المــدى، بمــا في ذلــك الطائــرات بــدون طيــار والصواريــخ، لاعـتراض خطـوط الإمـداد الروسـية، واسـتهداف القواعـد الروسـية في شـبه جزيـرة القـرم، مـا يجعـل مـن الصعـب عـلى روسـيا الحفـاظ عـلى قواتهـا عـلى الجبهـة. ويعــد وصــول الطائــرات المقاتلــة مــن طــراز »إف16-« تعزيــزا إلى حــد كبــير لقــدرة أوكرانيــا عــلى توجيــه ضربــات بعيــدة المـدى، ولكـن كييـف سـوف تحتـاج أيضـا إلى المزيـد مـن صواريـخ كـروز مـن أوروبـا والولايـات المتحـدة، وأنظمـة الصواريـخ التكتيكيـة العسـكرية الأطـول مـدى ATACMS).( وإذا نجحـت أوكرانيـا في إسـتراتيجيتها الهجوميـة البعيـدة المـدى، فقـد يخلـق ذلـك الظـروف الملائمـة لهجـوم مضـاد أكثـر نجاحـا في 2025. مــا الــذي ينبغــي لحلفــاء أوكرانيــا الغربيــين التركيــز عليــه في الأشــهر المقبلــة؟ يوضــح التقريــر أنــه مــن الــضروري أن تتوصــل الولايــات المتحــدة وأوروبــا إلى إســتراتيجية قابلــة للتطبيــق وطويلــة الأمــد لدعــم أوكرانيــا، وهــذه ليســت مجــرد مســألة إيثــار، بــل هــي مســألة مصلحــة ذاتيــة، فــإذا فــازت روســيا في أوكرانيــا، فمــن المرجــح أن تكــون الأجــزاء الســابقة الأخــرى مــن الإمبراطوريــة الســوفيتية (بمــا في ذلـك بولنـدا وجمهوريـات البلطيـق الأعضـاء في منظمـة حلـف شـمال الأطلـسي) هـي التاليـة في قائمـة الأهـداف للرئيـس الـروسي فلاديمـير بوتـين، وهـذا بـدوره قـد يـؤدي إلى توريـط الولايـات المتحـدة في حـرب، بـشرط ألا يكــون دونالــد ترمــب رئيسًــا للولايــات المتحــدة في ذلــك الوقــت، وألا يقــوض »ناتــو« أو يدمــره بالفعــل. إن تنفيـذ إسـتراتيجية طويلـة الأمـد يعنـي التعجيـل بانضمـام أوكرانيـا إلى الاتحـاد الأوروبـي، والتوقيـع عـلى اتفاقيـات ثنائيـة لتزويـد أوكرانيـا بالمسـاعدات العسـكرية والاقتصاديـة المسـتمرة، ولا بـد أن يذهـب جـزء مـن المسـاعدات الغربيـة إلى مسـاعدة أوكرانيـا في بنـاء صناعتهـا الدفاعيـة، حتـى تتمكـن مـن تحقيـق قـدر أكـبر مـن الاكتفـاء الذاتـي في مجـال التسـلح، ولـن يكـون هـذا التزامـا رخيصـا، لكنـه أرخـص كثـيرا مـن البديـل المتمثـل في السـماح لروسـيا بالانتصـار، وبالتـالي إرسـال إشـارة إلى المعتديـن المحتملـين الآخريـن (مثـل الصـين) بأنهـم قـادرون عـلى مهاجمـة جيرانهـم، والإفـلات مـن العقـاب.