أﻣﻞ ﺟﻤﺎل ﺗﻄﺎرد اﻟﺤﺮب ﻓﻲ دﻳﻮاﻧﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪ
ﺑﻠﻐﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ
ﺗﻬﻴﻤﻦ اﻟﺤﺮب ﺑﻜﻞ ﺗﺪاﻋﻴﺎﺗﻬﺎ وأﻫــﻮاﻟــﻬــﺎ اﻟـﻜـﺎرﺛـﻴـﺔ ﻋـﻠـﻰ ﻓﻀﺎء دﻳﻮان »ﻻ وردة ﻟﻠﺤﺮب« ﻟﻠﺸﺎﻋﺮة أﻣــﻞ ﺟــﻤــﺎل، اﻟــﺼــﺎدر ﺣـﺪﻳـﺜـﴼ ﻋﻦ دار »ﺑـﺘـﺎﻧـﺔ« ﻟﻠﻨﺸﺮ ﺑـﺎﻟـﻘـﺎﻫـﺮة... ﻓﺒﻌﲔ ﻃﻔﻠﺔ ﻣﺴﻜﻮﻧﺔ ﺑﺎﻟﺨﻮف واﻟﻮﺟﻊ واﻟﺼﺮاخ ﺗﻜﺘﺐ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻋــــﻦ اﻟــــﺤــــﺮب، وﺗــﺴــﺎﺋــﻠــﻬــﺎ ﺑـﻠـﻐـﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺳﻠﺴﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ، وﺑﻮﻋﻲ ﻣـﺒـﺎﺷـﺮ، ﻧــﺎﺑــﻊ ﻣــﻦ أﻋــﻤــﺎق اﻟﻘﻠﺐ واﻟﺮوح، ﺑﻞ ﺗﺤﻮﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﳌﺮﺛﻴﺔ اﻟﺤﺎرة اﻟﻼﻋﺠﺔ ﻟﻠﻮﺟﻮد اﻹﻧــﺴــﺎﻧــﻲ، ﺳـــﻮاء ﻓــﻲ ﻣﻌﺎﻳﺸﺘﻪ ﻟــﻮاﻗــﻌــﻪ اﻟــــﺮاﻫــــﻦ، أو ﻓـــﻲ ﺗﻄﻠﻌﻪ ﳌﺴﺘﻘﺒﻞ ﻏﺎﻣﺾ، ﻣﺸﻮش اﳌﻼﻣﺢ واﻟﺮؤى واﳌﻌﻨﻰ.
ﺗـــﻨـــﻔـــﺘـــﺢ ﻗـــﺼـــﺎﺋـــﺪ اﻟـــــﺪﻳـــــﻮان ﻋــــﻠــــﻰ ﻣـــﺸـــﻬـــﺪ اﻟــــــﺤــــــﺮب ﺑـــﻄـــﺎﻗـــﺔ اﻟﺒﺮاءة اﳌﻐﺘﺎﻟﺔ، ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﺒﺸﺮ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﻌﻨﺎﺻﺮ واﻷﺷﻴﺎء، وﺗﺘﻨﺎﺛﺮ ﺑﺸﺎﻋﺔ ﻫـﺬا اﳌﺸﻬﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺤﻴﺎة: ﻓﻲ اﳌﻴﺪان، واﻟـــــﺸـــــﺎرع، واﳌـــﻘـــﻬـــﻰ، واﻟــﺒــﻴــﺖ، واﻟـــــﺴـــــﻮق، ﺑــــﻞ ﻳــﻤــﺘــﺪ إﻟـــــﻰ ﻋــﺎﻟــﻢ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ واﻷﺣــﻼم واﻟـﺬﻛـﺮﻳـﺎت... ﻓــﺎﻟــﺤــﺮب ﻻ وﻗـــﺖ ﻟــﻬــﺎ وﻻ زﻣـــﻦ، ﻻ وردة، وﻻ ﻣــﻐــﻔــﺮة، ﺗـﻄـﻠـﻊ ﻣﻦ ﺑﺮك اﻟﺪم وأﺷﻼء اﻟﻘﺘﻠﻰ. اﻟﺤﺮب ﻟـﻴـﺴـﺖ ﻣـﻌـﻄـﻴـﴼ ﺳـﻴـﻜـﻮﻟـﻮﺟـﻴـﴼ أو ﺗــﺎرﻳــﺨــﻴــﴼ ﻓــﺤــﺴــﺐ، ﻋــﻠــﻰ ﻓــﺴــﺎد واﺧﺘﻼل اﻟﻘﻴﻢ واﳌﻌﺎﻳﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟـﺬي ﻧﻌﻴﺸﻪ، إﻧﻬﺎ ﻟﺤﻈﺔ ﻓـﺎرﻗـﺔ ﺑـﲔ اﻟــﻮﺟــﻮد واﻟــﻌــﺪم، ﺑﲔ أن ﻧﻜﻮن أو ﻻ ﻧﻜﻮن.
ﺗﻌﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻫﺬه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، وﺗـﺪﻓـﻊ ﺑﻨﺼﻮﺻﻬﺎ ﻓـﻲ اﻟـﺪﻳـﻮان إﻟـــــﻰ اﻟــــﺬﻫــــﺎب أﺑـــﻌـــﺪ ﻓــﻴــﻤــﺎ وراء اﻟﺨﺮاب واﻟﺪﻣﺎر واﻟﻘﺘﻞ واﻟﺪﻣﺎء، ﻓـــﻤـــﺎ ﺗــﺨــﻠــﻔــﻪ اﻟــــﺤــــﺮب ﻣــــﻦ ﻣــــﺂس وﻛـﻮارث، ﻟﻴﺲ وﺟﻮدﴽ اﻓﺘﺮاﺿﻴﴼ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ اﻟﺨﻴﺎل، إﻧﻪ واﻗﻊ ﻣﻌﺎش ﺑــﺎﻟــﻔــﻌــﻞ واﻟــــﻘــــﻮة ﻣـــﻌـــﴼ، ﻳـﺘـﺠـﺴـﺪ ﻛـﻬـﻢ ﺷﺨﺼﻲ وﻋــــﺎم، ﻓــﻲ أﺑﺴﻂ وأدق ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺤﻴﺎة، ﻣﺪرﻛﺔ أن اﻟﺤﺮب ﻧﻘﻴﺾ اﻟﺸﻌﺮ، ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﻀﻌﻒ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻻ ﺗﻤﺠﺪه وﻻ ﺗﺤﺘﻔﻲ ﺑـﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺸﻌﺮ، ﺑــﻞ ﺗـﺤـﺘـﻘـﺮه وﺗـــﺰدرﻳـــﻪ، ﺗﺴﺘﻐﻠﻪ وﺗــﺘــﻮاﻃــﺄ ﺿـــﺪه، ﻟـﺘـﺮﺑـﺢ ﺟﻮﻋﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﳌﻄﺎف.
ﻟــﻜــﻦ اﻟــــﺴــــﺆال اﻟـــــﺬي ﻳــﻔــﺮض ﻧﻔﺴﻪ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺪاﻣﻲ: ﻣﻦ أﻳﻦ ﺗﺒﺪأ ﺣﺮب اﻟﺸﺎﻋﺮ وﻛﻴﻒ ﺗــﻨــﺘــﻬــﻲ، وﻫـــــﻮ اﻟـــﻜـــﺎﺋـــﻦ اﻷﻋــــــﺰل، ﻻ أﺳـﻠـﺤـﺔ ﻟــﻪ ﺳـــﻮى ﻟــﻐــﺔ، ﻛــﻞ ﻣﺎ ﻳـﻄـﻤـﺢ أن ﺗـﺤـﻔـﻆ ﻟــﻪ ﺗــﻮازﻧــﻪ ﻓﻲ ﻓﺮاﻏﺎت اﻟﻮﻋﻲ ﺑﻮﺟﻮده، وواﻗﻌﻪ اﻟﻴﻮﻣﻲ اﻟﻼﻫﺚ اﻟﻀﺎﻏﻂ، ﻧﺎﻫﻴﻚ ﺑﻐﺪ وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ، أﺻﺒﺤﺖ أﺟﻮﺑﺘﻪ وأﺳﺌﻠﺘﻪ ﻣﻜﺮورة وﻣﻌﺎدة ﺑﺸﻜﻞ رﺗﻴﺐ.
ﺑــﺒــﺴــﺎﻃــﺔ ﺷــــﺪﻳــــﺪة ﺗـﺠـﺴـﺪ اﻟـﺸـﺎﻋـﺮة ﻫــﺬه اﻻﺷـﺘـﺒـﺎك اﳌﻌﻘﺪ ﺑـــــﲔ وﻋـــــــﻲ اﻟــــــــــﺬات ﻓـــــﻲ ﻣــﺸــﻬــﺪ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﻴﻮﻣﻲ اﳌﺄﻟﻮف، ووﻋﻲ اﻟﺤﺮب أﻳﻀﴼ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ ﺧﺒﺰﻫﺎ اﻟـــــــﺬي ﻻ ﻳــﻨــﺘــﻬــﻲ ﻣــــﻦ اﻟــــﺨــــﺮاب واﻟــــﺪﻣــــﺎر واﻟـــﻘـــﺘـــﻞ، ﻓــﻴــﻤــﺎ ﺗــﺒــﺪو ﻣــﺴــﺎﻓــﺔ اﻟـــﻮﻋـــﻲ ﺑـــﲔ اﳌـﺸـﻬـﺪﻳـﻦ ﺷــﺎﺳــﻌــﺔ وﻏــﺎﻣــﻀــﺔ وﻣـﻠـﺘـﺒـﺴـﺔ، أﺷـــــﺒـــــﺔ ﺑـــﺴـــﻠـــﺴـــﻠـــﺔ ﻣــــﻌــــﻘــــﺪة ﻣــﻦ اﻟــﺤــﻠــﻘــﺎت واﻟــــــﺪواﺋــــــﺮ... ﺗﺠﺴﺪ اﻟـﺸـﺎﻋـﺮة ﻣـﻼﻣـﺢ ﻫــﺬا اﻻﺷﺘﺒﺎك ﻓـــﻲ ﻗــﺼــﻴــﺪة »ﺻـــــﻼة ﻟــﻠــﺨــﻮف« اﻟــــﺘــــﻲ ﺗــﺴــﺘــﻬــﻞ ﺑـــﻬـــﺎ اﻟـــــﺪﻳـــــﻮان، وﺗﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ: »أﻧﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻛﲔ ﻫﺬا اﻟﻮﻃﻦ دوﻧﻤﺎ أﻗﻨﻌﺔ أو ﺛﻘﺎﻓﺎت أﻣﻀﻲ وأﺳﻴﺮ ﻫﻜﺬا ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺋﻌﻲ اﻟﺨﻀﺮاوات أﻋﺮج وﻣﻊ ﺑﺎﺋﻌﻲ اﻟﺴﻤﻚ أﻧﺎﻗﺶ ﺣﻈﺮ اﻟﺘﺠﻮل وأﻋﺪاد اﻟﻘﺘﻠﻰ وﺛﻤﻦ اﻟﻄﻤﺎﻃﻢ. أﺗﺮك ﻧﻔﺴﻲ ﺻﺨﺮة ﺗﻀﺮﺑﻬﺎ اﻟﺮﻳﺢ وﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ أﺑﻜﻲ أﺗﺄﻣﻞ أﻃﻔﺎﻟﻲ اﻟﻨﺎﺋﻤﲔ ﻓﻲ ﺣﺪاﺋﻖ أﺣﻼﻣﻬﻢ ﻓﺘﺨﺮج أﺳﺌﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﻜﻤﻨﻬﺎ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻠﺨﺎرﻃﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸﻄﻰ وﺗﻨﻈﺮ ﻟﻠﻐﺪ واﻟﺘﺎرﻳﺦ وﻟــــﻠــــﺼــــﺤــــﺮاء اﻟـــــﺰاﺣـــــﻔـــــﺔ ﻋــﻠــﻴــﻨــﺎ ﺑﺘﻮﺣﺸﻬﺎ وأﺧﺎف ﻛﻜﻞ اﳌﺴﺎﻛﲔ أﺧﺎف«. ﻋــﻠــﻰ ﻋــﻜــﺲ ﻣــﺸــﻬــﺪ اﻟــﺤــﺮب اﻟــﺬي ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻔﻌﻞ اﳌــﻮت ﻛﻄﺎرد ﻟﻠﺤﻴﺎة، وﻣﺴﺘﻠﺐ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﻢ اﻷﻣــﺎن واﻟﻌﺪل واﻟﺠﻤﺎل، ﻳــﺒــﺪو ﻓـﻌـﻞ اﻟــﺨــﻮف ﻓــﻲ ﻧﺼﻮص اﻟـﺪﻳـﻮان، وﻛﺄﻧﻪ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟـــﺬات وﺗﺮﺑﺼﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ، وﻫﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻣــﺰدوﺟــﺔ ﻓﻨﻴﴼ وﺷﻌﻮرﻳﴼ ﻓـﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺘﻬﺎ ورﻣﺰﻳﺘﻬﺎ اﻟﻔﻨﻴﺔ، ﻓــــﻲ ﻃــﻴــﺎﺗــﻬــﺎ ﻓـــﻜـــﺮة اﻟــــﺨــــﻮف ﻣـﻦ اﻟﺸﻲء، وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺨﻮف ﻋﻠﻴﻪ وﻣﻨﻪ وﺿﺪه ﻣﻌﴼ.
ﺗــــــﺤــــــﺎول اﻟــــــــــــﺬات اﻟــــﺸــــﺎﻋــــﺮة ﻋــﻠــﻰ ﻣـــــﺪار ﻗــﺼــﺎﺋــﺪ اﻟــــﺪﻳــــﻮان أن ﺗـﺒـﺪد ﻫــﺬه اﻟــﺨــﻮف أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗــﻞ
ﺗﻨﻔﺘﺢ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻮان ﻋﻠﻰ ﻣﺸﻬﺪ اﳊﺮب ﺑﻄﺎﻗﺔ اﻟﱪاءة اﳌﻐﺘﺎﻟﺔ... ﰲ داﺧﻞ اﻟﺒﺸﺮ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﻌﻨﺎﺻﺮ واﻷﺷﻴﺎء وﺗﺘﻨﺎﺛﺮ ﺑﺸﺎﻋﺔ ﻫﺬا اﳌﺸﻬﺪ ﰲ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﳊﻴﺎة
ﺗﺘﻌﺎﻳﺶ ﻣـﻌـﻪ، وﺗﺘﺄﻣﻠﻪ ﻛﻐﺮﻳﺰة ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ، ﻻ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﺎ واﻧــﻔــﻌــﺎﻻﺗــﻬــﺎ وﻫـــﻮاﺟـــﺴـــﻬـــﺎ، ﻋـﻦ ﻣـﺸـﻬـﺪ اﻟــﺤــﺮب، وﻣـﺸـﻬـﺪ اﻟـﺤـﻴـﺎة ﻣــــﻦ ﺣـــﻮﻟـــﻬـــﺎ. ﻛــــﻞ ﻣــــﺎ ﺗــــﺮﺟــــﻮه أﻻ ﺗﻬﺘﺰ ﻗﻨﺎﻋﺘﻬﺎ ﺑﺄﺣﻼﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻋﺎدل وﺳﻮي، أن ﺗﺼﻤﺪ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺑــﺈﻏــﺮاءاﺗــﻬــﺎ اﻟــﺮﺧــﻮة اﻟــﺪاﻓــﻘــﺔ ﻓﻲ ﻣــﻮاﺟــﻬــﺔ اﻟـــﺰﻣـــﻦ واﳌـــــــــﻮت... ﻟـﻜـﻦ ﻛـﻴـﻒ ﻳـﺘـﺄﺗـﻲ ﻟـﻬـﺎ ذﻟـــﻚ ﻓــﻲ ﻓـﻀـﺎء ﺧــﺎﻧــﻖ، ﻻ رﻫـــﺎن ﻓـﻴـﻪ ﻋـﻠـﻰ ﺷــﻲء، ﺳﻮى اﻟﺨﺴﺮان؟ ﻓﻼ ﺑﺄس إذن ﻣﻦ أن ﺗﻐﻨﻲ ﻟـﻠـﻤـﻮت، ﺗﺴﻠﺒﻪ ﻋﻨﺼﺮ اﳌﺒﺎﻏﺘﺔ واﳌﻔﺎﺟﺌﺔ، ﺑﺎﻟﻘﺪرة - أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺗﻔﺴﺪ راﻣﻴﺘﻬﺎ اﳌﻔﺠﻌﺔ، ﺗﺘﻌﺎﻃﻰ ﻣﻌﻪ ﻛﻤﺠﺮد ﺳﻠﻮك ﻋﺎدي ﻳﻜﺮر ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺮﺗﺎﺑﺔ وﻣﻠﻞ ﻳﺜﻴﺮان اﻟﺸﻔﻘﺔ واﻻﺷﻤﺌﺰاز ﻣـﻌـﴼ... ﺗﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻓﻲ أﻏﻨﻴﺘﻬﺎ ﻟﻠﻤﻮت: »أﻧﺎ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﺣﺘﻰ اﳌﻮت ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﻟﻜﻦ اﳌﻮت ﻣﺸﻐﻮل ﻋﻨﻲ ﺑﺎﻟﺰﻧﺎزﻳﻦ وﺛﻼﺟﺎت اﳌﻮﺗﻰ. اﳌـــــــﻮت ﻳــﺠــﻠــﺲ ﻋـــﻠـــﻰ رؤوﺳـــﻬـــﻢ وﻳﺒﻜﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﺄﺗﻲ أﻣﻬﺎﺗﻬﻢ ﻓﻴﺘﺮﻛﻬﻢ ﳌﺎﻟﻚ اﻟﺪﻣﻊ واﻟﺼﺮﺧﺎت وﻳﺠﺮي ﳌﻼﻗﺎة دﻣﺎء ﺟﺪﻳﺪة وﺟﺜﺚ ﺳﺎﺧﻨﺔ ﺗﻨﻤﻮ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺣﻼﻣﻬﻢ اﻟﻐﻀﺔ وﻗﺒﻼت اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﻄﻔﺄت«. ﻫـــــــــﺬه اﳌــــﻌــــﺎﻳــــﺸــــﺔ اﻟــــﻬــــﺎدﺋــــﺔ اﻟﺮﺷﻴﻘﺔ ﻟﻔﻌﻞ اﳌـﻮت، اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻞ إﻟــﻰ ﺣــﺪ اﻟﺨﺠﻞ ﻣﻨﻪ واﻟﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣــﻌــﻪ، ﺗــﻀــﻤــﺮ ﻓـــﻲ ﻃــﻴــﺎﺗــﻬــﺎ ﺣـﺴـﴼ ﻋــﻔــﻮﻳــﴼ ﺑــﻔــﻠــﺴــﻔــﺔ اﻟـــﺒـــﺪاﻫـــﺔ، اﻟــﺘــﻲ ﺗــﻌــﻨــﻰ ﺑـﺎﻟـﻨـﻈـﺮ إﻟـــﻰ اﻷﺷـــﻴـــﺎء ﻓﻲ ﺑﺴﺎﻃﺘﻬﺎ وﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺘﻬﺎ، وﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟــﺸـﻌــﺒــﻲ، ﺑــﻌــﻴــﺪﴽ ﻋــﻦ اﳌــﺤـﻤــﻮﻻت اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ واﳌﻌﻘﺪة ﻟﻠﻘﻀﺎﻳﺎ واﻷﻓـــﻜـــﺎر. وﻣـــﻦ ﺛـــﻢ، ﻓــﺎﳌــﻮت ﻳﻈﻞ ﻣﺠﺮد ﻏﻼﻟﺔ وﻗـﺸـﺮة، ﻟﻔﻌﻞ رﺧﻮ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻜﺄس اﻟﻔﺎرﻏﺔ، ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻦ ﻳﻤﻸﻫﺎ، ﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ اﻟﻜﺄس وﻣﺎ ﺗﺤﺘﻮﻳﻪ.
ﺑﻬﺬه اﻟﺮوح ﻣﻦ اﻟﻨﺪﻳﺔ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟـــﺬات اﻟـﺸـﺎﻋـﺮة اﳌـــﻮت وﺗﺨﺎﻃﺒﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻃﻔﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﺺ ﻧﻘﺴﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ: »أﻳﻬﺎ اﳌﻮت ﻳﺎ ﺑﻄﻞ اﻟﺘﺮاﺟﻴﺪﻳﺎ ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﺻﺎﺻﺎت ﺗﺤﺘﺎج ﻟﺘﻬﺪأ ﻓﻲ ﺣﻀﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﺗﺮﺗﺎح؟« وﻓـــــــــــﻲ ﺑـــــﻌـــــﺾ اﻟـــــﻨـــــﺼـــــﻮص اﻷﺧـــــــــــﺮى ﺗـــﻜـــﺜـــﻒ اﻟـــــﺸـــــﺎﻋـــــﺮة ﻣــﻦ زﺧــــﻢ ﻣــﻮاﺟــﻬــﺘــﻬــﺎ ﻟــﻬــﺬه اﻟـﻠـﺤـﻈـﺔ اﻟﻜﺎﺑﻮﺳﻴﺔ، ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ وﻧﻈﺎﺋﺮﻫﺎ اﳌﺸﺒﻮﺑﺔ ﺑﺎﳌﺰاح وروح اﳌـﺮح واﻟﻔﻜﺎﻫﺔ، ﻓﻲ ﺗﻨﻮﻳﻊ زواﻳﺎ اﳌﺸﻬﺪ، وﺑـﻨـﺎء ﻣﺸﻬﺪﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة، ﻣــــﺸــــﻐــــﻮﻟــــﺔ ﺑــــﺎﻟــــﻬــــﻢ اﻹﻧـــــﺴـــــﺎﻧـــــﻲ، وﻣﻐﺴﻮﻟﺔ ﺑـﻪ إﻟــﻰ ﺣـﺪ اﻟﺘﻤﺎﻫﻲ، ﻓﻔﻲ ﻟﻄﺸﺎت واﺧﺰة ﺗﺸﺒﻪ ﺿﺮﺑﺎت اﻟــﻔــﺮﺷــﺎة اﳌــﺮﺗــﺠــﻠــﺔ ﻋــﻠــﻰ ﻣﺴﻄﺢ اﻟـــﻠـــﻮﺣـــﺔ، ﺗــــﻨــــﺪاح اﻟـــﺴـــﺨـــﺮﻳـــﺔ ﻣـﻦ اﻟﺤﺮب، ﻣﻦ اﳌــﻮت، ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ، ﺑﻞ ﻣــﻦ اﻟــﺸــﻌــﺮ ﻧــﻔــﺴــﻪ، وﻳــﺼــﻞ اﻷﻣــﺮ إﻟـﻰ ﺣﺪ ﻣﻤﺎزﺣﺔ اﳌــﻮت، ﻓﺘﻌﺎﻣﻠﻪ اﻟـــﺸـــﺎﻋـــﺮة ﺿــﻴــﻔــﴼ وﻋـــﺎﺑـــﺮ ﺳـﺒـﻴـﻞ، ﺗﻘﺪم ﻟﻪ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺎي، وﺗﺸﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ وﻫﻮ ﻳﺘﻌﺮق وﻳﺒﻜﻲ ﻣﻦ ﻛﺜﺮة أﻋﺪاد اﻟﻘﺘﻠﻰ: ﻳﻄﺎﻟﻌﻨﺎ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻓﻲ ﻧــﺺ راﺋــﻖ ﻣــﻦ ﻧـﺼـﻮص اﻟـﺪﻳـﻮان ﺑﻌﻨﻮان »ﻗﺎﻟﺖ اﻟﺒﻨﺖ« ﺗﻘﻮل ﻓﻴﻪ: »ﻻ وردة أﺿﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻴﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺒﺎح ﻟﻴﻨﺰل اﻟﻨﺪى ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮب ﻓﻴﻄﻔﺌﻬﺎ ﻻ ﻗﻠﺐ ﻳﺸﺮق ﻣﻦ ﻗﻨﺒﻠﺔ. أﻧﺎ ﻳﺘﻴﻤﺔ ﻳﺎ رب ودﻣﻮﻋﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻀﻲء ﻓﻜﻴﻒ أﻋﺒﺮ إﻟﻰ اﻟﻀﻮء وﺣﺪي؟ أﻳﻬﺎ اﳌﻮت ﺗﻔﻀﻞ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﻟﺴﺖ ﻏﺮﻳﺒﴼ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ أﻳﻬﺎ اﳌﻮت اﺳﺘﺮح ﺳﺄﺻﻨﻊ ﻟﻚ ﺷﺎﻳﴼ وأﻓﺘﺢ ﻟﻚ اﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن وأﺻﻤﺖ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﻬﻲ اﻟﺤﺮب ﻣﻦ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻗﻮاﺋﻤﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة«. إن ﻫــﺬه اﻟـﺘـﺪاﻋـﻴـﺎت اﳌﻠﺘﻬﺒﺔ، اﳌﺤﺎﺻﺮة ﺑﻤﺨﺎﻃﺮ اﳌﻮت واﻟﺤﺮب، ﻛﺜﻴﺮﴽ ﻣﺎ ﺗﺘﺤﻮل ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻮان، إﻟﻰ ﻣـــﺤـــﺎوﻟـــﺔ ﻟـــﺨـــﺮق ﺟــــــــﺪران اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ اﻟﺼﻤﺎء اﻟﺼﻠﺪة اﻟﺰاﺋﻔﺔ، ﻓﺎﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺮﻗﺺ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺬات اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﻨﺼﻮص ﺑﻌﻨﻮان »رﻗﺺ«، ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺘﺠﺎوز ﻛﻮﻧﻬﺎ وﻣــﻀــﺔ ﻫــــﻮس ﺳـــﺎﺧـــﺮة، ﻟﺘﺼﺒﺢ ﺣـﺎﻟـﺔ وﻣﻮﻗﻔﴼ ﺷﻌﺮﻳﲔ، ﺿـﺪ أﺣﺪ أﻧﻈﻤﺔ اﻟـﻌـﺎﻟـﻢ، اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﺘﺮ ﺗﺤﺖ أﻗﻨﻌﺘﻬﺎ اﻟﺤﺮب ﻧﻔﺴﻬﺎ.
ﻳﺒﺮز ﻫﺬا ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻻﻓﺖ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة »ﺳـﻴـﺪﺗـﻲ اﻟـﻌـﻮﳌـﺔ« وﻫﻲ أﺣﺪ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻼﻓﺘﺔ ﺑﺎﻟﺪﻳﻮان، ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺤﻮل اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ إﻟﻰ ﻣﻌﻮل ﺷﻌﺮي ﺷﻔﻴﻒ ﻟﻠﻬﺪم واﻟﺒﻨﺎء ﻣﻌﴼ: »ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻚ ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﻌﻮﳌﺔ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﻻ ﺣﺎﺟﺔ أن ﺗﺠﺮﺣﻲ رﻫﺎﻓﺘﻚ ﺑــﻴــﺎﺳــﻤــﻴــﻨــﺔ ﻗــﺘــﻠــﻬــﺎ اﻟـــــﻔـــــﺮار ﻣـﻦ اﻟﺒﺮاﻣﻴﻞ اﳌﺘﻔﺠﺮة أو ﺗﺮﻫﻘﻲ ﻋﻴﻮﻧﻚ ﻓﻲ ﻋﺪ اﻟﻐﺎرﻗﲔ اﻟﻬﺎرﺑﲔ ﻓﻲ ﻗﻮارب وﻻ ﺗـﺠـﻬـﺪي ﻋﻘﻠﻚ ﻓــﻲ ﺗﺘﺒﻊ أﺛـﺮ اﻟﺪﻣﺎء ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻚ ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ ﻻ ﺗﻔﺴﺪي ﻟﻴﻠﺘﻚ وﻧﺎﻣﻲ ﻗﻠﻴﻼ«.
ﻓﻬﻜﺬا، ﺗﻠﻤﻠﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮة »ﺟﺮاح اﻷﻣــــﺲ واﻟــﻴــﻮم واﻟــﻐــﺪ« ﻓــﻲ ﺳﻠﺔ اﻟــــﺤــــﺮب، ﺗـﺤـﻤـﻠـﻬـﺎ ﻋــﻠــﻰ ﻛﺘﻔﻴﻬﺎ وﺗـﻨـﺎدي وﺳــﻂ اﻟـﺨـﺮاب واﻟـﺪﻣـﺎء، ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪﻳﻮان اﻟﺸﻴﻖ اﳌﺘﻤﻴﺰ: »أﻧﺎ ﺑﺎﺋﻌﺔ اﻟﺮوﺑﺎﺑﻴﻜﻴﺎ أﺟﻤﻊ ﺿﺤﻜﺎت اﻷﻃﻔﺎل اﳌﻜﺴﻮرة أﻟﻌﺎﺑﻬﻢ ﻧﺼﻒ اﳌﺤﺘﺮﻗﺔ وﺑﻜﺎءﻫﻢ اﻟﻄﻮﻳﻞ أﻧﺎ ﺑﺎﺋﻌﺔ اﻟﺮوﺑﺎﺑﻴﻜﻴﺎ ﻻ أﺑﻮاب أﻃﺮﻗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺪن اﳌﻮت ﻓﻤﻦ ﻳﺸﺘﺮي ﻣﻦ أﺟﻠﻬﻢ ﺣﻴﺎة؟!«.