خيارات محدودة لـ »داعش« بعد هزيمته في الموصل
فــي مـثـل هـــذا الــيــوم فــي عـام ٢٠١٤، أعلن أبو محمد العدناني، الـنـاطـق وقـتـهـا بـاسـم »داعــــش«، قـيـام »دولــــة« مـزعـومـة للتنظيم. ومـــا هــي ســـوى أيــــام حـتـى ظهر زعيم »داعش« أبو بكر البغدادي، في خطبته الشهيرة والوحيدة في مسجد النوري في الموصل، معلناً تبوؤه قيادة »دولة داعش.«
لــــكــــن بــــعــــد ثـــــــــلاث ســــنــــوات بالتمام، يواجه »داعـش« مصيراً قاتماً، وسط توقعات بطرده قريباً مـــن مــديــنــة المــــوصــــل، الـعـاصـمـة المفترضة للشق العراقي من »دولة البغدادي .«
وعلى رغـم استماتة عناصر التنظيم فـي الــدفــاع عـن المـوصـل الــتــي انـطـلـقـت مـعـركـتـهـا قــبــل ٨ شـهـور ومـــا زالـــت مـسـتـمـرة، فـإن طـــــرده مــنــهــا بــــات عــلــى الأرجــــح مسألة وقت فقط، وسط توقعات بــأن تعلن الحكومة »تحريرها« خلال أيام، وربما قبل نهاية هذا الأسبوع، إذا ما سارت العمليات العسكرية كما ينبغي، علماً بأنها باتت محصورة في أقل من نصف كيلومتر مربع.
وتــــبــــدو خــــيــــارات »داعـــــــش« بـعـد »تـحـريـر« المـوصـل مـحـدودة جــداً. فالتنظيم سـيـواصـل، على الأرجـــــــــــــح، الــــقــــتــــال فـــــي مــنــاطــق سيطرته داخـل الـعـراق وسـوريـا، لـكـن الـتـوقـعـات الـرائـجـة تتحدث عن معركة وشيكة في تلعفر التي مــا زال الـتـنـظـيـم يـتـحـصـن فيها بمحافظة نينوى. وليس واضحاً بـالـفـعـل مـــا إذا كــانــت الـحـكـومـة الـــعـــراقـــيـــة ســتــســمــح لـــ »الــحــشــد الــشــعــبــي« بــالمــشــاركــة فـــي هــذه المعركة نظراً إلى حساسيات ذلك على النسيج الطائفي الـعـراقـي، علماً بأن »الحشد« موجود حالياً فــي قــضــاء تـلـعـفـر وسـيـطـر على مطارها. وإضافة إلـى تلعفر، ما زال لــ »داعـش« وجـود في مناطق واسـعـة مـن الــعــراق، بـمـا فـي ذلـك صـــحـــراء الأنــــبــــار عــلــى الـــحـــدود الـسـوريـة والمـــدن الأسـاسـيـة على ضفتي الفرات.
لكن خسارة الموصل ستشكل بـــالـــتـــأكـــيـــد ضــــربــــة مـــعـــنـــويـــة لا يُـسـتـهـان بـهـا لـــــ »داعــــش«، لأنـهـا ستعني تحوّله إلى مجرد جماعة مــســلــحــة، مــثــلــه مــثــل كــثــيــر مـن الجماعات الأخرى، وستحرمه من تـرديـد مقولة إنـه »دولـــة... باقية وتــتــمــدد«، عـلـمـاً أن هـــذه المـقـولـة اختفت تقريباً من أدبيات التنظيم. وفـــي هـــذا الإطـــــار، يــبــدو الـخـيـار الأساسي المتاح لـ »داعش« هو أن ينتقل إلى شن »حرب عصابات،« بــوصــفــه جــمــاعــة مــســلــحــة، ضـد الـحـكـومـة الــعــراقــيــة وحـلـفـائـهـا، وأيـــــضـــــاً ضـــــد حــــكــــومــــة دمـــشـــق وحــلــفــائــهــا، مـــع اســـتـــمـــراره فـي قتال فصائل المعارضة السورية. لــكــن غــيــر واضـــــح كــيــف سـيـكـون شكل قيادة »داعــش« في المرحلة المقبلة، لا سيما في ضوء الغياب المتواصل لزعيمه البغدادي الذي لم يظهر علناً سـوى مـرة وحيدة عـــام ٢٠١٤. وتــــــرددت مـعـلـومـات كثيرة في الأيام الماضية عن مقتل الـــبـــغـــدادي، بـيـنـهـا إعـــــلان صــدر عـن وزارة الـدفـاع الـروسـيـة، لكن »داعش« لم يؤكد ذلك.
وسـيـسـبـق سـقـوط »داعـــش« فــــي المــــوصــــل ســقــوطــه الـحـتـمـي أيـــضـــاً فــــي الـــــرقـــــة، »عــاصــمــتــه« الــســوريــة، حـيـث يـحـقـق تـحـالـف مدعوم من الأميركيين تقدماً في قلب هذه المدينة التي كانت في ما مضى المركز الرئيسي للتخطيط لعمليات »داعش« الخارجية.
وإذا كانت استعادة الموصل، وبـعـدهـا الــرقــة، لــن تـعـنـي نهاية الـتـنـظـيـم كــلــيــاً، فــــإن الـــخـــوف أن رد »داعــــــش« ســيــكــون مـــن خــلال تــصــعــيــد عــمــلــيــاتــه فـــــي الــــــدول الـغـربـيـة، عـلـى غـــرار عـمـلـيـات ما يُعرف بـ »الذئاب المنفردة«.
وشــــــهــــــد هــــــــــذا الــــــــنــــــــوع مــن الـعـمـلـيـات تـصـاعـداً واضــحــاً في الــشــهــور المــاضــيــة فـــي أكــثــر مـن دولـــة، حـيـث يُـعـتـقـد أن للتنظيم مناصرين لم يتمكنوا من السفر إلــى سـوريـا والــعــراق بـعـد إغـلاق »رئة داعش التركية« عبر الحدود السورية العام الماضي.
ويُــــــخــــــشــــــى أن مــــنــــاصــــري التنظيم ســيــردون عـلـى سقوطه مـــن خــــلال تـصـعـيـد هـجـمـاتـهـم، ولـو كانت فـي إطــار منفرد، ومن دون ارتــبــاط عــضــوي مــع قـيـادة »داعش«. غير أن خسارة التنظيم لمـعـقـلـيـه الـرئـيـسـيـين فــي الــعــراق وسوريا (الموصل والرقة) ستؤثر بلا شك في قدرته على التخطيط لعمليات خارجية من خلال أفراد مـدربـين تدريباً جـيـداً، على غـرار الخلية التي نفذت هجمات باريس في نهاية ٢٠١٥. ولا تؤدي عمليات »الــــذئــــاب المـــنـــفـــردة« فـــي الــعــادة إلـــــى ســـقـــوط ضــحــايــا كــثــيــريــن، بـعـكـس الـهـجـمـات الــتــي تنفذها خـلايـا مـنـظـمـة مـرتـبـطـة عضوياً بـ »داعش«.
الخيار الثالث أمام »داعش« بـعـد فـقـدانـه المــوصــل يـتـمـثـل في الـلـجـوء إلـــى فــــروع الـتـنـظـيـم، أو ولايـــاتـــه، فــي أكـثـر مــن بـلـد، مثل ليبيا ومصر والساحل الأفريقي وأفغانستان. ويمكن أن تلجأ هذه الفروع التي تشعر بـ »اليتم« بعد خسارة »المركز الأم« في الموصل، إلى الرد بتصعيد في هجماتها، لكن غير واضح مدى قدرتها على القيام بأكثر مما تقوم بها حالياً.
وعــــــلــــــى الـــــــرغـــــــم مـــــــن تـــوقـــع استمرار عمليات فروع »داعش«، فـــإن المــتــوقــع أيــضــاً أن نـشـاطـهـا سيزداد انحساراً مع مرور الوقت، لا سيما مـع تـأقـلـم أجـهـزة الأمـن عـلـى الـتـعـامـل مــع هــذه الـظـاهـرة الإرهـــابـــيـــة، عـلـمـاً بــــأن »ولايـــــات داعش« كانت قد بدأت في التراجع أصلاً في مناطق انتشارها كافة.
ففي ليبيا، تم طـرد التنظيم مــن مـعـقـلـه الأســاســي فــي مدينة سـرت، في حين استعادت أجهزة الأمـــن المـصـريـة المــبــادرة إلــى حد كبير في سيناء وسجّلت نجاحات كثيرة، على رغم التكلفة الباهظة لـلـمـعـركـة. وكـــان انـضـمـام قبائل سيناوية إلى الحرب ضد التنظيم مـــؤشـــراً جـــديـــداً إلـــــى عـــجـــزه عـن كسبها إلى جانبه. وفي الساحل الأفـريـقـي، يُسجّل أيضاً انحسار لــنــشــاط »داعــــــــش« بــعــد تـنـسـيـق العمليات ضده بين أكثر من دولة في المنطقة.
أمــــا فـــي »ولايــــــة خـــراســـان«، فـالمـلاحـظ أن وجــود »داعــــش« لم يــتــجــاوز مــنــاطــق مــــحــــدودة فـي شـــرق الـــبـــلاد، وهـــو واقــــع حـالـيـاً بــين »ســـنـــدان« حــركــة »طــالــبــان« و»مطرقة« قـوات الأمـن الأفغانية والأميركيين.