Asharq Al-Awsat Saudi Edition

خيارات محدودة لـ »داعش« بعد هزيمته في الموصل

- لندن: كميل الطويل

فــي مـثـل هـــذا الــيــوم فــي عـام ٢٠١٤، أعلن أبو محمد العدناني، الـنـاطـق وقـتـهـا بـاسـم »داعــــش«، قـيـام »دولــــة« مـزعـومـة للتنظيم. ومـــا هــي ســـوى أيــــام حـتـى ظهر زعيم »داعش« أبو بكر البغدادي، في خطبته الشهيرة والوحيدة في مسجد النوري في الموصل، معلناً تبوؤه قيادة »دولة داعش.«

لــــكــــ­ن بــــعــــ­د ثـــــــــ­لاث ســــنــــ­وات بالتمام، يواجه »داعـش« مصيراً قاتماً، وسط توقعات بطرده قريباً مـــن مــديــنــ­ة المــــوصـ­ـــل، الـعـاصـمـ­ة المفترضة للشق العراقي من »دولة البغدادي .«

وعلى رغـم استماتة عناصر التنظيم فـي الــدفــاع عـن المـوصـل الــتــي انـطـلـقـت مـعـركـتـه­ـا قــبــل ٨ شـهـور ومـــا زالـــت مـسـتـمـرة، فـإن طـــــرده مــنــهــا بــــات عــلــى الأرجــــح مسألة وقت فقط، وسط توقعات بــأن تعلن الحكومة »تحريرها« خلال أيام، وربما قبل نهاية هذا الأسبوع، إذا ما سارت العمليات العسكرية كما ينبغي، علماً بأنها باتت محصورة في أقل من نصف كيلومتر مربع.

وتــــبـــ­ـدو خــــيــــ­ارات »داعـــــــ­ش« بـعـد »تـحـريـر« المـوصـل مـحـدودة جــداً. فالتنظيم سـيـواصـل، على الأرجـــــ­ــــــــح، الــــقـــ­ـتــــال فـــــي مــنــاطــ­ق سيطرته داخـل الـعـراق وسـوريـا، لـكـن الـتـوقـعـ­ات الـرائـجـة تتحدث عن معركة وشيكة في تلعفر التي مــا زال الـتـنـظـي­ـم يـتـحـصـن فيها بمحافظة نينوى. وليس واضحاً بـالـفـعـل مـــا إذا كــانــت الـحـكـومـ­ة الـــعـــر­اقـــيـــة ســتــســم­ــح لـــ »الــحــشــ­د الــشــعــ­بــي« بــالمــشـ­ـاركــة فـــي هــذه المعركة نظراً إلى حساسيات ذلك على النسيج الطائفي الـعـراقـي، علماً بأن »الحشد« موجود حالياً فــي قــضــاء تـلـعـفـر وسـيـطـر على مطارها. وإضافة إلـى تلعفر، ما زال لــ »داعـش« وجـود في مناطق واسـعـة مـن الــعــراق، بـمـا فـي ذلـك صـــحـــرا­ء الأنــــبـ­ـــار عــلــى الـــحـــد­ود الـسـوريـة والمـــدن الأسـاسـيـ­ة على ضفتي الفرات.

لكن خسارة الموصل ستشكل بـــالـــت­ـــأكـــيـ­ــد ضــــربـــ­ـة مـــعـــنـ­ــويـــة لا يُـسـتـهـان بـهـا لـــــ »داعــــش«، لأنـهـا ستعني تحوّله إلى مجرد جماعة مــســلــح­ــة، مــثــلــه مــثــل كــثــيــر مـن الجماعات الأخرى، وستحرمه من تـرديـد مقولة إنـه »دولـــة... باقية وتــتــمــ­دد«، عـلـمـاً أن هـــذه المـقـولـة اختفت تقريباً من أدبيات التنظيم. وفـــي هـــذا الإطـــــا­ر، يــبــدو الـخـيـار الأساسي المتاح لـ »داعش« هو أن ينتقل إلى شن »حرب عصابات،« بــوصــفــ­ه جــمــاعــ­ة مــســلــح­ــة، ضـد الـحـكـومـ­ة الــعــراق­ــيــة وحـلـفـائـ­هـا، وأيـــــضـ­ــــاً ضـــــد حــــكــــ­ومــــة دمـــشـــق وحــلــفــ­ائــهــا، مـــع اســـتـــم­ـــراره فـي قتال فصائل المعارضة السورية. لــكــن غــيــر واضـــــح كــيــف سـيـكـون شكل قيادة »داعــش« في المرحلة المقبلة، لا سيما في ضوء الغياب المتواصل لزعيمه البغدادي الذي لم يظهر علناً سـوى مـرة وحيدة عـــام ٢٠١٤. وتــــــرد­دت مـعـلـومـا­ت كثيرة في الأيام الماضية عن مقتل الـــبـــغ­ـــدادي، بـيـنـهـا إعـــــلان صــدر عـن وزارة الـدفـاع الـروسـيـة، لكن »داعش« لم يؤكد ذلك.

وسـيـسـبـق سـقـوط »داعـــش« فــــي المــــوصـ­ـــل ســقــوطــ­ه الـحـتـمـي أيـــضـــاً فــــي الـــــرقـ­ــــة، »عــاصــمــ­تــه« الــســوري­ــة، حـيـث يـحـقـق تـحـالـف مدعوم من الأميركيين تقدماً في قلب هذه المدينة التي كانت في ما مضى المركز الرئيسي للتخطيط لعمليات »داعش« الخارجية.

وإذا كانت استعادة الموصل، وبـعـدهـا الــرقــة، لــن تـعـنـي نهاية الـتـنـظـي­ـم كــلــيــاً، فــــإن الـــخـــو­ف أن رد »داعــــــش« ســيــكــو­ن مـــن خــلال تــصــعــي­ــد عــمــلــي­ــاتــه فـــــي الــــــدو­ل الـغـربـيـ­ة، عـلـى غـــرار عـمـلـيـات ما يُعرف بـ »الذئاب المنفردة«.

وشــــــهـ­ـــــد هـــــــــ­ـذا الــــــــ­نــــــــو­ع مــن الـعـمـلـي­ـات تـصـاعـداً واضــحــاً في الــشــهــ­ور المــاضــي­ــة فـــي أكــثــر مـن دولـــة، حـيـث يُـعـتـقـد أن للتنظيم مناصرين لم يتمكنوا من السفر إلــى سـوريـا والــعــرا­ق بـعـد إغـلاق »رئة داعش التركية« عبر الحدود السورية العام الماضي.

ويُــــــخـــ­ـــشــــــ­ى أن مــــنــــ­اصــــري التنظيم ســيــردون عـلـى سقوطه مـــن خــــلال تـصـعـيـد هـجـمـاتـه­ـم، ولـو كانت فـي إطــار منفرد، ومن دون ارتــبــاط عــضــوي مــع قـيـادة »داعش«. غير أن خسارة التنظيم لمـعـقـلـي­ـه الـرئـيـسـ­يـين فــي الــعــراق وسوريا (الموصل والرقة) ستؤثر بلا شك في قدرته على التخطيط لعمليات خارجية من خلال أفراد مـدربـين تدريباً جـيـداً، على غـرار الخلية التي نفذت هجمات باريس في نهاية ٢٠١٥. ولا تؤدي عمليات »الــــذئــ­ــاب المـــنـــ­فـــردة« فـــي الــعــادة إلـــــى ســـقـــوط ضــحــايــ­ا كــثــيــر­يــن، بـعـكـس الـهـجـمـا­ت الــتــي تنفذها خـلايـا مـنـظـمـة مـرتـبـطـة عضوياً بـ »داعش«.

الخيار الثالث أمام »داعش« بـعـد فـقـدانـه المــوصــل يـتـمـثـل في الـلـجـوء إلـــى فــــروع الـتـنـظـي­ـم، أو ولايـــاتـ­ــه، فــي أكـثـر مــن بـلـد، مثل ليبيا ومصر والساحل الأفريقي وأفغانستان. ويمكن أن تلجأ هذه الفروع التي تشعر بـ »اليتم« بعد خسارة »المركز الأم« في الموصل، إلى الرد بتصعيد في هجماتها، لكن غير واضح مدى قدرتها على القيام بأكثر مما تقوم بها حالياً.

وعــــــلـ­ـــــى الـــــــر­غـــــــم مـــــــن تـــوقـــع استمرار عمليات فروع »داعش«، فـــإن المــتــوق­ــع أيــضــاً أن نـشـاطـهـا سيزداد انحساراً مع مرور الوقت، لا سيما مـع تـأقـلـم أجـهـزة الأمـن عـلـى الـتـعـامـ­ل مــع هــذه الـظـاهـرة الإرهـــاب­ـــيـــة، عـلـمـاً بــــأن »ولايـــــا­ت داعش« كانت قد بدأت في التراجع أصلاً في مناطق انتشارها كافة.

ففي ليبيا، تم طـرد التنظيم مــن مـعـقـلـه الأســاســ­ي فــي مدينة سـرت، في حين استعادت أجهزة الأمـــن المـصـريـة المــبــاد­رة إلــى حد كبير في سيناء وسجّلت نجاحات كثيرة، على رغم التكلفة الباهظة لـلـمـعـرك­ـة. وكـــان انـضـمـام قبائل سيناوية إلى الحرب ضد التنظيم مـــؤشـــر­اً جـــديـــد­اً إلـــــى عـــجـــزه عـن كسبها إلى جانبه. وفي الساحل الأفـريـقـ­ي، يُسجّل أيضاً انحسار لــنــشــا­ط »داعـــــــ­ـش« بــعــد تـنـسـيـق العمليات ضده بين أكثر من دولة في المنطقة.

أمــــا فـــي »ولايــــــ­ة خـــراســـ­ان«، فـالمـلاحـ­ظ أن وجــود »داعــــش« لم يــتــجــا­وز مــنــاطــ­ق مــــحــــ­دودة فـي شـــرق الـــبـــل­اد، وهـــو واقــــع حـالـيـاً بــين »ســـنـــدا­ن« حــركــة »طــالــبــ­ان« و»مطرقة« قـوات الأمـن الأفغانية والأميركيي­ن.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia