ليس معروفاً لدى السلطات
عــــلــــى مـــــــدى الأشــــــهــــــر الـــثـــلاثـــة الأخيرة، كانت لندن على موعد مع أربـع ضربات إرهابية غـادرة، ولكنّ قـاسـمـاً مـشـتـركـاً أعـظـم يـظـل يجمع بين الضربة الأولـى، التي جاءت في الثاني والعشرين مـن مـارس (آذار) على رصيف البرلمان، وبين الأخيرة الـتـي كـانـت مـسـاء الـثـامـن عـشـر من هـذا الشهر على رصيف مسجد من مساجدها!
ورغــم أن الـدهـس كـان غالباً في المــــرات الأربـــــع، وكــذلــك الـطـعـن، فـإن الدهس لم يكن قاسماً مشتركاً أعظم فيها، ولا كذلك الطعن، لأن بريطانياً من أصل ليبي قد فجر نفسه في مرة منها، فأوقع ٢٢ قتيلاً، وأصاب ١١٦ بينهم أطفال!
فـي المـرة الأولــى غـادر بريطاني مسلم بيته، متوجهاً نحو البرلمان، وهــنــاك طـعـن شـرطـيـاً حـتـى المـــوت، ودهس أربعة، قبل أن يلقى مصرعه عـلـى يــد الـشـرطـة فــي المـــكـــان!.. كـان اسـمـه خـالـد مـسـعـود، ولــم تـكـن في حياته أي مقدمات تنبئ بأنه يمكن يوماً أن يسلك هـذا السبيل، ولذلك، كان لافتاً أن البوليس الإنجليزي قد أغلق ملفه، بعد تحقيقات لم تكشف عن أي شيء، ثم كتب على غلاف الملف هذه العبارة: مات... وسره معه!
وفي المرة الأخيرة، كان المصلون في أحد مساجد لندن قد فرغوا على الـتـو مـن صــلاة الـتـراويـح، وكــان كل واحـد منهم قـد هـمّ بـالانـصـراف إلى بيته، وبينما كانوا بالكاد يغادرون، فاجأهم البريطاني داريـن أوزبـورن بسيارته مندفعاً بها، بسرعة وصلت إلــى ٨٠ كيلومتراً في الساعة، فسقط واحد منهم قـتـيـلاً، وعـشـرة مــــــصــــــابــــــين...! ومـــمـــا قاله جيران أوزبـورن، بـل أجـمـعـوا عـلـيـه، أن شـيـئـا فـــي حــيــاتــه لـم يكن يشير بأي درجة، إلى أنه يمكن أن يكون قـاتـلاً، أو إرهـابـيـاً، أو مـــــروعـــــاً لـــلـــنـــاس فــي عرض الشارع.
أمــــــــــــــــا الــــــقــــــاســــــم المشترك الأعظم بينه وبين مسعود، فلم يكن فقط في أن حياة كليهما قد خلت من أي مقدمات تشير إلى هذه الخاتمة القاتمة، وإنما كان أيضاً في أن وزيــر الـدولـة البريطاني لشؤون الأمـن، قد صـرح بعد حـادث المسجد بعبارة لا تختلف من حيث مدلولها، عن العبارة التي صارت عنواناً لملف خـــالـــد مــســعــود بــعــد مـــــوتـــــه... قــال الــوزيــر الـبـريـطـانـي إن أوزبـــــورن لم يكن معروفاً لدى السلطات في مجال التطرف!
فــي الـحـالـتـين يـتـبـين لـنـا حجم الجهد الـواقـع على كـاهـل حكومات العصر فـي مـواجـهـة إرهــابــه... ففي سـنـوات سـابـقـة كـانـت أجـهـزة الأمـن المـعـنـيـة تـحـتـفـظ بـقـائـمـة لـجـمـاعـات الــــتــــطــــرف، ولــلــمــنــتــمــين إلــــــى هـــذه الـجـمـاعـات اسـمـا اسـمـا، وكـانـت مع كل عملية إرهابية جديدة تستطيع بسهولة أن تتوصل إلى الفاعل مهما كانت قدرته على الفرار والتخفي... تـمـامـاً كـمـا هــو الــحــال مــع الـجـرائـم الجنائية التي تتمكن الــشــرطــة فـــي الـغـالـب مـــــــن الــــــتــــــوصــــــل إلـــــى مـرتـكـبـيـهـا، مــن خـلال قوائم المسجلين خطر لديها.
ولـــكـــن الــبــولــيــس فـي حـالـة مثل حالتي مسعود أو أوزبـــورن، وهـــمـــا عــلــى كـــل حــال لــــــيــــــســــــتــــــا حـــــالـــــتـــــين فريدتين من نوعهما، يجد نفسه أقــرب إلى وضعية الباحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة...! فالنهاية في حادث مــســعــود أنـــــه مـــــات وســـــــره مـــعـــه... والبداية في حالة أوزبورن أنه لم يكن مـعـروفـاً لــدى الـسـلـطـات بـالـتـطـرف، وفـي الحالتين يبدو زمـام الأمـر كله فـي يـد الإرهــابــي، ويـبـدو البوليس في صورة المتفرج على الموضوع من خارجه، دون أن يكون في استطاعتك اتهامه بأي تقصير!
ولعلنا نذكر أن القاضي لما سأل قاتل الدكتور فرج فودة في تسعينات القرن الماضي، عن السبب الذي دعاه إلى قتل الرجل أجاب بأنه، أي فودة، كافر!
وعــــاد الــقــاضــي يــســألــه: مــن أي كتاب مـن كتبه عرفت أنـه كـافـر... ؟! أجـاب المسكين: أنـا لـم أقـرأ أي كتاب للدكتور!
فـسـألـه الـقـاضـي: لـم تـقـرأ لـه أي كـتـاب؟! لمـــاذا؟! أجــاب: لأنـي لا أعـرف القراءة ولا الكتابة!
يعني الشاب القاتل لم يكن، شأنه شأن أوزبورن، معروفاً لدى السلطات بــأي شــيء، ولا سبيل بـالـتـالـي إلـى منعه من ارتكاب جريمته، ولو كان موضع مراقبة من الدنيا كلها!
وربما كان من حُسن حظ لندن، أن أوزبــــورن لا يــزال حـيـاً، وأنــه قيد الـتـحـقـيـق والــــعــــلاج، لــعــل عـاصـمـة الـضـبـاب تـحـصـل مـنـه عـلـى تفسير لــعــمــلــيــات الـــدهـــس والـــطـــعـــن الــتــي تفاجئ مواطنيها ومقيميها... لقد سمعه المـصـلـون وهــو يصيح أثناء اندفاعه نحوهم بسيارته قائلاً: أريد أن أقتل كل المسلمين... إن السؤال هو: لمــاذا؟! ومنذ متى تم شحنه إزاء كل مسلم بهذه الحدة، وبهذا القدر من الغضب؟!
كم خالد مسعود يعيش بيننا، وكم أوزبورن يعيش بين الإنجليز؟! هذا هو السؤال المخيف الذي لا جواب عـنـه، وإلــى أن يـعـرف العالم أسباب هذا الوباء، ويتعاطى معها، سينزف الكثير من الأرواح... إن شهر رمضان مـا كـاد يـغـادر، حتى كـان المسلمون الذين خرجوا يحتفلون بعيد الفطر، في مدينة نيوكاسل شمال بريطانيا، على موعد مع سيارة دهستهم أمام مركز رياضي في المدينة، فأصابت منهم ستة!
وكــــــــــان مــــمــــا قــــالــــتــــه الـــشـــرطـــة الـبـريـطـانـيـة بـعـد الــحــادث، أنــه غير مرتبط بــالإرهــاب، بما يعني أنها، وأن الــعــالــم مــعــهــا، أمــــــام ضــربــات تفاجئ ضحاياها دون أي مقدمات! فـمـا أصعبها مـن مهمة عـالمـيـة، في مواجهة داء لم يكن على بال العالم... ولا في خاطره!