Asharq Al-Awsat Saudi Edition

محمد بن سلمان... واللحظة التاريخية

-

عندما يتم كل هذا الذي تم في المملكة العربية السعودية وتصبح نسبة الشباب نحو سبعين في المائة وربما أكثر في المواقع الـقـيـادي­ـة الـعـلـيـا، ومـواقـع صـنـع الـقـرارات السياسية والاقتصادي­ة... وكل شيء فإن هذا يعني أن هناك تحولات »استراتيجية« في هذا البلد العربي الذي غدا، ونحمد الله على هـذا، رقماً رئيسياً ليس في المعادلة الإقليمية فقط، وإنما في المعادلة الدولية والمعادلة الكونية كلها، وإلاّ ما معنى أن تنعقد وخلال عشرة أيام فقط القمم الثلاث في الرياض قبل نحو شهر فقط، وحضرها كأول حضور له في مثل هذا التجمع رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب.

إنه يجب النظر إلى كل هذه التحولات المفصلية الـتـي شهدتها المملكة العربية السعودية من زاوية أنها وقفة عند نهاية قرن بأكمله، وأنها انطلاقة جديدة لدولة كانت قد تعالى بنيانها على يد المؤسس الكبير العظيم فـعـلاً عبد العزيز بـن عبد الـرحـمـن آل سـعـود، الــذي سيقرأ أحفادنا وأحــــفــ­ــاد أحـــفـــا­دنـــا ذات يــــوم بــعــيــد، أنــه باتساع أفقه وقـوة عزيمته وثبات إرادتـه قــد صـنـع مـعـجـزة حقيقية وفـعـلـيـة، وفـي زمن لا معجزات فيه عندما أقام هذه الدولة المترامية الأطراف في ظروف كانت في غاية الـصـعـوبـ­ة، وأنــه قـد بــدأ مـن نقطة الصفر لبناء هذه الدولة التي أصبحت على ما هي عليه الآن وغدت بعد نحو قرن، والقرن في حسابات الزمن وحسابات البناء لا شيء، بحجم الكرة الأرضية كلها كعلاقات دولية وكتأثير في المعادلة الكونية وكتطور بقي متصاعداً ومستمراً على صعيد الإنجازات الداخلية وأيضاً الخارجية.

إن المسألة ليست مجرد استبدال ولي عهد بـولـي عهد وهـكـذا فـإنـه يجب النظر إلى كل هذا الذي جرى في المملكة العربية السعودية من زاوية أن ولي الأمر وصاحب الــقــرار، الــذي هـو بالطبع خــادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، قد وجد أنه لا بد من ثورة إصلاحية حقيقية وفعلية بعد دخـول الألفية الثالثة، القرن الحادي والعشرين، بأكثر من عقد ونصف العقد من الأعوام، وفي ضوء أن جيلاً كاملاً مــن الـشـبـاب الـسـعـودي­ــين، يـشـكـل عـنـوانـاً ورمـــزاً لــه الأمــيــر مـحـمـد بــن سـلـمـان، بـات مؤهلا ليتبوأ مواقع المسؤولية وكـل هذا وبينما عملية التجسير، لنقل مسؤوليات الحكم وإدارة الـدولـة بكل مـا فيها وعلى الأصعدة كافة، قد تمت فعلياً في وقت مبكر، وانـتـهـت إلـى أنـه لا بـد مـن انتقالة نوعية شاملة، فالأيام تمضي بسرعة والزمن لا يرحم وكل تأخير سيكلف الدولة السعودية والمجتمع السعودي الكثير من أجل تدارك الأمور، والالتحاق بركب الحضارة الكونية الـذي في هذا الزمن، الـذي تتلاحق الأمور فيه بسرعة الضوء، لا يمكن أن ينتظر أحدا.

ربما أن هناك من يتجنب وصف هذا الـذي جـرى في المملكة العربية السعودية بــــ »الـــثـــو­رة« والـحـقـيـ­قـة أن كــل الـتـحـولا­ت التاريخية سواء كانت ثقافية أم اجتماعية أم اقـتـصـادي­ـة أم تـربـويـة وتـعـلـيـم­ـيـة هي ثورات، وذلك لأنها استبدلت واقعاً قديماً، انتهى إلى أنه لا بد من ليس تغييره، وإنما البناء عليه ليصبح ذلـك واقـعـاً جـديـداً لا بـد أن يـكـون أداتـــه الفاعلة جيل الشباب، الذي لا بد من أن يستكمل ما أنجزه الجيل والأجــيــ­ال الـسـابـقـ­ة لـكـن بـمـفـاهـي­ـم وطــرق جــديــدة، وعـلـى أســـاس أن حـركـة الـتـاريـخ كـمـيـاه الـنـهـر الــتــي تــبــدو وكــأنــهـ­ـا راكـــدة ومتوقفة بـصـورة كـامـلـة، مـع أنـهـا تتغير ودائمة التغير في كل لحظة.

إنــــه لا شـــك فـــي أن ســـنـــوا­ت الـنـصـف الثاني من القرن الماضي، القرن العشرين، قـــد شــهــدت إنــــجـــ­ـازات هــائــلــ­ة فـــي المـمـلـكـ­ة العربية السعودية وفي كل المجالات لا بد من اعتبارها قفزة نوعية قياساً، ومقارنة بالنصف الأول منه، وهذا يعني أن الآباء قد حققوا ما كان مطلوباً منهم وأكثر وأهمه على الإطلاق هو أنهم أطلقوا ثورة تعليمية حقيقية بـقـيـت مـتـصـاعـد­ة إلــى أن أصبح هــنــاك هـــذا الـجـيـل الـشـبـابـ­ي، الــــذي رمــزه الأمير محمد بن سلمان، الذي كان لا بد من انتقال مواقع المسؤولية والمواقع القيادية في الدولة إليه، ولكن تدريجياً حتى تكون أي خـطـوة إلـى الأمــام موضوعية، وحتى يبقى للآباء المؤسسين دور الرقابة إلى أن تتحقق معظم الإنجازات المطلوبة، وإلى أن يكون هناك اطمئنان في أن القاطرة تسير في الاتجاه الصحيح.

وهــنــا فـــإن مــا يــجــب أن يــقــال هــو أن تــراكــم الإنـــجــ­ـازات، إن فــي مـجـال التعليم وإن فـــي مــجــال الاقـــتــ­ـصـــاد، وأيـــضـــ­اً وإن فـي مجال الإعــلام والاطــلاع عـن قـرب على تجارب الشعوب والأمـم والـدول المتقدمة، وحيث إن خريجي أهم الجامعات والمعاهد العلمية العالمية من الشباب السعوديين قد أصبحوا بعشرات الألوف سنويا، قد أدى إلى هذه القفزة النوعية التي بمصطلحات حـركـة الـتـاريـخ يجب أن تسمى ومـن دون تردد ولا خجل ولا وجل : »ثورة إصلاحية .«

كان الأمير محمد بن سلمان، الذي هو رمز هذا الجيل السعودي الصاعد كله، قد أثبت وخلال سنوات قليلة أنه جدير بقيادة هذه الثورة الإصلاحية، وهنا فإن المقصود هو الاستمرار بما أنجزه الآباء المؤسسون مــن وضــع لـلأجـيـال الـصـاعـدة فــي مـواقـع المــســؤو­لــيــة وفـــي كــل المـــجـــ­الات والـحـقـول والقطاعات... لا بل إنَّ ما هو منتظر هو أن تكون هناك قفزة نوعية بقيادة ولي العهد الجديد الـذي هـو، وبشهادة حتى رؤسـاء وقــــادة الــــدول الـكـبـرى، الــولايــ­ات المـتـحـدة وروســــيـ­ـــا الاتـــحــ­ـاديـــة وألمـــانـ­ــيـــا وفــرنــسـ­ـا والصين، رجل دولة بكل معنى الكلمة ومن الطراز الرفيع.

إنــه غـيـر مستبعد أن يـبـرز بـعـد هـذه الانـــطــ­ـلاقـــة... وهـــــذه الـــثـــو­رة الإصــلاحـ­ـيــة الـشـامـلـ­ة مــن الـتـعـلـي­ـم إلــى الاقـتـصـا­د إلـى التطور التقني والصناعات إلى الإمكانيات العسكرية... إلى كل شيء من سيحاولون الشد عكسياً وإلى الخلف، وحقيقة أن هذا حدث في كل حركات التاريخ منْ ما يسمى الثورة الرأسمالية إلى الثورة الاجتماعية التي اجتاحت أوروبا بدءاً من خمسينيات الـقـرن المـاضـي إلـى الـثـورة التعليمية إلى الثورة الثقافية في الصين، لكن المؤكد أن هؤلاء ومهما حاولوا لن يستطيعوا إيقاف الحركة التاريخية المتسارعة ويقيناً أن كل هـذا الـذي بـات يجري فـي المملكة العربية السعودية لا يمكن إيقافه وقد انطلق هذه الانطلاقة المباركة، مهما سعى البعض إلى تعطيل هذه الحركة التاريخية.

إن المؤكد أنَّ الأمير محمد بن سلمان، الذي بحكم عوامل كثيرة وبحكم قربه المبكر من موقع القرار، واطلاعه على كل شيء في المملكة العربية السعودية، سيستعين بكل

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia