قطر... فشل وإفلاس
بيّنت الأزمـة مع النظام القطري مجموعة مـن الـشـبـكـات والـعـلاقـات، وفـكّـت الـكـثـيـر مـن الألــغــاز، وأبطلت مفاعيل أسئلة كثيرة؛ طوال عقدين، تــم تـشـغـيـل خـلايـا أزمــــة، تـعـمـل ليل نهار ضمن مشروعٍ تبيّنت خطورته من خلال إعلان الدول الأربع مقاطعة الإمارة المشاغبة الصغيرة، من ضمن تلك الخلايا ما عـرف برصد الإعـلام الــــســــعــــودي، وذلــــــــك بــغــيــة إســـقـــاط مصداقيته داخلياً لـدى السعوديين من قنواتٍ وصحف ومجلات ومنابر ومؤسسات، تـدار رحى الحرب كلها مــن دون المــســاس بــالإعــلام الـقـطـري ولا التركي، مقابل الهجوم المستمر غير المبرر على شخصياتٍ سعودية، ورجــــالات دولــــة، ومـفـكـريـن وكـتـاب، وصـحـافـيـين وذلـــك لـجـعـل المرجعية الإعلامية الصادقة خارج فلك الرعاية الــســعــوديــة ومــصــالــحــهــا، لـتـنـفـرد قـطـر بـالـتـوجـيـه، وبـالـتـالـي تتمكن مــن الانـــفـــراد بـتـوجـيـه الــــرأي الــعــام، وبـرغـم كـل ذلـك الصخب والضجيج لـم يستطع أولـئـك تحقيق أي هـدفٍ مـن أهـــداف دول رعـايـة الإخــــوان في المنطقة، بسبب مستوى وعـي الفرد السعودي والخليجي.
وضعت المعايير لوصف التصهين ضمن مشروع قطر المباشر، فانتقاد كل ما يمسّ بمسار تمددها الإقليمي هو مبرر كـافٍ للوصف بالصهينة، فانتقاد الإخوان المسلمين، واعتبارها جماعة إرهابية، تربّى على رموزها وتـــغـــذى مـــن مـفـاهـيـمـهـا أســـامـــة بن لادن وأيـــمـــن الـــظـــواهـــري وأبــــو بكر الــبــغــدادي، وانــتــقــاد حــركــة حـمـاس بـوصـفـهـا جــمــاعــة تــقــوم بـعـمـلـيـات إرهابية انتحارية ضد المدنيين وأنها أســــاس الـــخـــراب بـقـضـيـة فـلـسـطـين، والـنـاقـضـة الـكـبـرى لـلاتـفـاقـيـات بين أطــــــراف الـقـضـيـة يـعـتـبـر مـــن أسـهـل المــبــررات لـلـوصـف بـهـذا الـنـعـت، كل ذلــك يـأتـي ضـمـن اغـتـبـاطٍ مؤسسي قطري، ورعاية شاملة من قبل النظام، ولعل الأيام تثبت الكثير من الدهاليز والغوامض حول هذه القصة بالذات، ولتنكشف أقلام أرادت ضرب الإعلام الــســعــودي ورمــــــوزه لــغــرض تـبـرئـة ساحة الإعلام الآخر لدى دول رعاية الإخوان.
لــم يـعـد هــذا الــوصــف الـرخـيـص وســيــلــة تــخــويــف إخــــوانــــي بـسـبـب الاسـتـهـلاك، ولأن كـل الـذيـن وصفوا بــذلــك كــانــوا مــع المــشــاريــع المـدنـيـة، ضــمــن ولاءات صــافــيــة لأوطــانــهــم، وضد الحركات الراديكالية بأنواعها وأصنافها الشيعي منها والسني، المقاول منها والمقاوم، كلها تأتي في الـسـيـاق ذاتـــه، مـن يستخدم السلاح خارج نطاق الدولة فهو يقوم بعملٍ إرهـــــابـــــي مــهــمــا كــــانــــت مــشــروعــيــة قضيته، وعدالة فكرته، وأصالة حقه.
غبار الأزمــة مـع النظام القطري أثبتت وجــود مـتـورّط ومــورط، وكل الـــتـــردد المــشــهــود مــن بـعـض الأقـــلام والــــرمــــوز مـــــرده إلــــى حــالــة الـــتـــورّط والــــتــــوريــــط، ولأن المـــســـألـــة جــــاءت مفاجئة وعلى حين غرة، وستطال كل من كان ضمن المشروع القطري ضد إعلام بلده، أو المؤسسات التي ترعى مصالح بلده، من العجيب أن قضى أحدهم ثلث حياته يهاجم مؤسسة إعـلامـيـة واحـــدة، مقابل عــدم انتقاد أي مؤسسة قطرية بحرفٍ واحد، هل يمكن أن تـكـون هــذه صـدفـة؟! الأيــام ستكشف ذلك، والمؤسسات الرسمية ستقوم بالإيضاح والتبيين.
الــــحــــالــــة الــخــلــيــجــيــة المـــعـــاشـــة كشفت عـن جـوانـب مريعة مـن تدني المستويات الأخلاقية، أسماء كثيرة انــخــرطــت ضــمــن المـــشـــروع الـقـطـري المـــعـــادي طــــوال عـقـديـن مــن الــزمــان، كـانـوا يعلمون أن الـهـدف الأسـاسـي منه إقــلاق الـسـعـوديـة، واستفزازها وإلــهــاءهــا عــن بــنــاء الــتــقــدم، ركـبـوا الموجة صارخين بكل حقد وكراهية، لكن سـرعـان مـا تـهـاوى الحلم، وآيـة ذلــــك أن قــطــر الآن بــمــوضــع الــدفــاع والمــقــاطــعــة، وهـــي تــغــرق الآن بـشـرّ أفـعـالـهـا، والـقـصّـة ليست بالجانب القطري المحموم بالعداوة، والمسموم بالحقد، وإنما يجب أن تكون الأزمة مدخلاً للمحاسبة الداخلية.
إن الأزمـــة الـقـطـريـة مـهـمـا كانت نهاية قصتها، يجب أن تكون بداية للتمشيط، وذلـك للأخذ بالمتطرفين نحو المحاكمة، وإخضاعهم للقوانين وعلى رأسها الأمر الملكي ٤٤-أ القاضي بتجريم الجماعات الإرهـابـيـة، ومن بـيـنـهـا جــمــاعــة الإخــــــوان المـسـلـمـين، وهـــــي فـــرصـــة لمــحــاســبــة الــحــركــيــين الـــذيـــن كـــانـــوا ضــمــن مـــشـــروع قـطـر لإحداث الاضطرابات، وإشعال الفتن، لأن مـثـل هــذه الـعـمـلـيـات تـعـتـبـر من الخيانات العظمى، والجرائم الكبرى، وبخاصة ولدى الحكومة السعودية كل المستندات والوثائق التي توضح مستوى التهمة المنسوبة لكل منضوٍ ضمن المشروع القطري العدواني.
لـــقـــد فـــشـــل الإعـــــــــــلام الـــقـــطـــري، وتـبـعـتـه، فـشـلاً وإفــلاســاً، خـطـابـات التخويف الحركي المضحكة، وتبيّن الــــهــــدف، وكـــشـــف الـــســـبـــب، أن تـلـك الـهـجـمـات الإلـكـتـرونـيـة انـطـلـقـت من الـدوحـة، لإخــراج الإعــلام المـدافـع عن مصالح السعودية من مجال المنافسة ونزع المصداقية منه، وقد جاء وقت الـحـسـاب الــشــامــل، وشــتــان بــين من دافع عن وطنه وصان، وبين من كان خنجراً مسموماً ضده وخان.