Asharq Al-Awsat Saudi Edition

عشر سنوات من الإثارة!

- حسين شبكشي

الهواتف الذكية وقنوات التواصل الاجتماعي أصـبـحـت لـديـهـا سـمـعـة سـيـئـة جـــدا فــي الـعـالـم العربي، فهناك مجاميع كبيرة من الناس ترى أنها كانت أهم الأدوات المساعدة في إحداث الفوضى العارمة في المنطقة، وتزييف الحقائق والوقائع على الأرض، وخداع الرأي العام، ونشر الإشاعات والأكاذيب على أنها أخبار دقيقة وموثقة.

الــعــالـ­ـم الــيــوم يـحـتـفـل بــمــرور عــشــرة أعـــوام على إطلاق أشهر الهواتف الذكية »آيفون« الذي أنتجته شـركـة »آبـــل« الأمـيـركـ­يـة الـعـمـلاق­ـة، وقـد كتبت الكثير عن الأثر الذي أحدثه هذا الجهاز في حياة الناس، وأسهم في تغيير أنماط وأساليب العيش اليومي، خصوصا فيما يعني الخدمات المقدمة والمطلوبة.

واللافت هنا أنه في السنوات العشر المقبلة سيكون المقدم من قبل الهواتف الذكية ما يمكن أن يوصف بأنه ثوري بالفعل وصادم جدا بالمعنى الحرفي للكلمة تماما. مـن المتوقع والمنتظر أن يكون الجزء المخصص للهاتف كوظيفة عملية لا يزيد على عشرة في المائة من مهمة الجهاز. وقد يصعب تخيل معنى الجملة السابقة إلا لو تمعنا في التفاصيل المقصودة.

الجهاز سيصبح بشكل عملي ذاكـرة حاملِه وموجهِ قراراته كلها. سيتحول الجهاز إلى خريطة عميقة لمعرفة أهواء ورغبات وآراء حامل الجهاز، وذلــــك بـسـبـب تـمـكـيـنـ­ه بــقــوة غـيـر مـسـبـوقـة من الذكاء الاصطناعي الذي يمكن الجهاز من تحليل وتفسير كل تحركات وأذواق حامل الجهاز، وعليه سيتمكن بطريقة ذكية ومنطقية من توجيهه إلى شـراء واقتناء حاجياته بأسلوب منطقي وذكي وسلس، سواء كان لشراء بطاقة طيران أو سلعة من السوبر ماركت أو ملابس أو أجهزة إلكترونية وآلــيــة. سيخاطب الـجـهـاز سلسلة مـن الأجـهـزة التي يرتديها حامل الجهاز مثل الساعة الذكية والنظارة الذكية والخاتم الذكي، وأجهزة ستكون من ضمن الملابس والأحذية نفسها.

إنــنــا مــقــدمــ­ون عــلــى عــالــم مـخـتـلـف تـمـامـا، سـيـكـون الـجـهـاز وسـيـلـة الــســداد المـعـتـمـ­دة، لأن النقود الورقية والمعدنية والبلاستيك­ية سيكون قد تم القضاء عليها وانقرضت، سيكون الجهاز وسـيـلـة الـــقـــر­اءة الأولـــــ­ى، فـالـصـحـف ستنقرض تماما، وكذلك الأمر بالنسبة للتلفاز كما نعرفه الــيــوم؛ إذ سيحل محلها الـجـهـاز والتطبيقات الهائلة التي سيتم استحداثها وتكون متوفرة. هـذا التطور سيجعل من حامل الجهاز صاحب قــوة وتـمـكـين أكـبـر فــي الاخــتــي­ــار، سيفتح عليه آفـاقـا عظيمة الاخـتـصـا­ر؛ فـي الـوقـت، والـدرجـة، والفعالية، والتأثير في صناعة القرار، المعلومة سـتـكـون مــتــوفــ­رة بـشـكـل أدق وأســـــرع وأشــمــل، والتعليم سيصبح حقاً أممياً عـامـاً، لأن حامل الـجـهـاز سـيـتـمـكـ­ن مــن الـحـصـول عـلـى شـهـادات معتمدة فـي أي مجال يختاره مـن مناهج حول العالم، بمشاركة طلبة من كل أنحاء العالم في جو افتراضي فريد من نوعه.

المواصلات بشتى أنواعها ستصبح مفتوحة بتطبيقات أكثر ذكـاء، موفرة خيارات بأشكالها الذكية المختلفة، فتقل الحوادث، وتختفي حالات فقدان الرحلة، وضياع القطار، وغيرها من الأعذار التي اعتاد عليها الإنسان. مع كل ذلك الانفتاح الــذكــي، سـيـزيـد حـجـم الاخــتــي­ــارات، وهــي سـلاح ذو حدين، فهناك فريق يحبذ زيادة الاختيارات ويــرحــب بــهــا، ويــعــدهـ­ـا تـمـكـيـنـ­اً وتـوسـيـعـ­اً في الفرص، وهناك من يرى أنها زيـادة في حيرة لا داعي لها وتعقيد لمسألة مبسطة، ويستشهدون على ما يحدث بمقهى »ستاربكس« الذي الغرض من الدخول إليه طلب فنجان قهوة، بينما يوفر المقهى ٨٦ ألف خيار (نعم ٨٦ ألفا) بين النكهات والمقاسات والأنواع من المشروبات، وكذلك الأمر بالنسبة لخيار الجنس في »فيسبوك«، الذي يقدم ٨٤ خياراً، نعم ٨٤!

عشر سنوات مذهلة من الهاتف، التي ما هي إلا مقدمة متواضعة لوعد الغد المـذهـل. ستيف جوبز لم يكن مبالغا حينما وعد بجهاز سيغير أسلوب الحياة؛ وقد فعل!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia