»التباس« دراغي يتلاعب باليورو
الاقتصاد الأوروبي مبشر خلال العام الحالي
بـعـد أن دفــعــت تـصـريـحـات لرئيس البنك المركزي الأوروبـي مـاريـو دراغــي العملة الأوروبـيـة المـوحـدة (يــورو) لأعلى مستوى لها في عـام، بعد أن فهمت على أنــهــا تـفـتـح الــبــاب أمــــام تـعـديـل ســيــاســات الـبـنـك الــجــامــدة منذ نحو عقد، عادت مصادر بالمركز الأوروبي أمس لتؤكد أن السوق بـالـغـت فــي تـفـسـيـر تـصـريـحـات دراغــــــــي، مــمــا أدى إلــــى تــراجــع الـــيـــورو والــعــائــد عــلــى ســنــدات المنطقة أمس.
وعقب كلمته أول من أمس، فــي مـؤتـمـر لـلـمـركـزي الأوروبــــي بــالــبــرتــغــال، فــهــم المـسـتـثـمـرون والمـراقـبـون أن دراغـــي يلمح لأن واضـــعـــي الــســيــاســات الـنــقــديــة بــــالــــبــــنــــك مــــســــتــــعــــدون لـــلـــبـــدء فــــي ســحــب الـــحـــوافـــز الــطــارئــة لـلاقـتـصـاد الــتــي سـيـطـرت على صـــنـــع الـــســـيـــاســـات لـــنـــحـــو ١٠ سنوات، وأنه قد يفتح الباب أمام تعديل سياسة البنك التحفيزية الجريئة، وهو ما أذكى توقعات في السوق بأن المركزي سيقلص بــرنــامــجــه الــتــحــفــيــزي بـحـلـول سبتمبر (أيلول) المقبل.
وقـــــــال دراغـــــــــي فــــي كــلــمــتــه: »سيصبح انتهاج سياسة ثابتة أكـثـر مـلائـمـة، ويستطيع البنك المركزي التجاوب مع التعافي من خـلال تعديل معايير سياسته، لـيـس بــهــدف تــشــديــدهــا، وإنـمـا للإبقاء عليها بشكل عام من دون تـغـيـيـر.« كـمـا أكـــد أن سـيـاسـات التحفيز للبنك المركزي الأوروبي تـعـمـل بـشـكـل جــيــد، وستنتهي بشكل تدريجي مـع تـسـارع أداء الاقتصاد، لكنه حـذر في الوقت ذاتــــــــه مـــــن أن أي تــــغــــيــــرات فـي ســيــاســة الــبــنــك، الــتــي تتضمن أسعار فائدة سلبية ومشتريات ضخمة من السندات، ينبغي أن تــكــون تـدريـجـيـة، حـيـث لا تــزال هناك حاجة إلى دعم نقدي كبير، وسيعتمد تعافي التضخم أيضاً على أوضاع مالية عالمية مواتية.
ويـطـبـق المــركــزي الأوروبــــي برنامجاً لشراء الأصول بقيمة ٦٠ مليار يـورو شهرياً، فـي مسعى لـتـحـفـيـز الــنــمــو والــتــضــخــم في منطقة اليورو. وأشار دراغي إلى أن تعديلات لهذه البرامج يجب أن تكون تدريجية، وعندما تبدو ديناميكية الاقتصاد آمنة بشكل كافٍ.
ودفـــــــع فـــهـــم الــتــصــريــحــات عـــلـــى أنــــهــــا تــــوحــــي بــإمــكــانــيــة تــعــديــل ســيــاســات الـــيـــورو إلــى أعـلـى مـسـتـوى لــه فــي عـــام، لكن تصريحات لمسؤولين بالمركزي، عــــصــــر أمـــــــــــس، لــــــــ »رويـــــــتـــــــرز«، أوضـحـت أن الـسـوق بـالـغـت في تفسير تصريحات دراغي.
وقالت مصادر مطلعة على فكر دراغي إنه كان يريد التلميح لتقبل فترة من ضعف التضخم، وليس تشديد السياسة النقدية قــريــبــاً، فـــي الــتــصــريــحــات الـتـي أدلـى بها الثلاثاء، وتسببت في اضطراب الأسواق. وامتنع البنك المــركــزي الأوروبــــي عـن التعليق بشكل أكثر مباشرة.
تعافٍ أوروبي
وجـاءت كلمات دراغـي التي أربكت الأسواق، عقب ساعات من إعـلانـه أن الـــرأي المـضـاد لمنطقة اليورو قد تلاشى على مدار العام الماضي منذ استفتاء بريطانيا للخروج مـن الاتـحـاد الأوروبــي، مـــؤكـــداً أن »تـــوقـــعـــات الـتـعـافـي الاقتصادي تحسنت، والنداءات بزوال الاتحاد الأوروبي أصبحت بالكاد همسات«، ومـشـدداً على أن سياسة البنك النقدية لعبت دوراً في ذلك.
ولا تـــــــزال مــنــطــقــة الــعــمــلــة المـنـفـردة تـواجـه المـشـكـلات التي نـتـجـت عــن الأزمـــــة المــالــيــة، ولــم تـــزد الإنــتــاجــيــة، خـصـوصـاً مع تقدم عمر السكان. وقـال دراغـي إن المــســألــة الأســاســيــة الآن مع معطيات موقف اقتصادي أفضل هـــي »كـــيـــف تــجــعــل هـــــذا الـنـمـو مستديماً، يعتمد بشكل أقل على التحفيز النقدي«.
وكـــــشـــــف الــــبــــنــــك المـــــركـــــزي الأوروبـــــــــــــــــي، خــــــــلال اجـــتـــمـــاعـــه الاسـتـثـنـائـي فــي تـالـين عاصمة إستونيا بـدايـة الشهر الحالي، عــن ثـقـة أكــبــر فــي اقـتـصـاد دول منطقة اليورو.
وبالفعل، فإن منطقة اليورو تشهد عدداً من المؤشرات الجيدة خلال الفترة الأخيرة. وفي ألمانيا، الــــدولــــة الأولـــــــى اقــتــصــاديــاً فـي منطقة اليورو وعمودها الفقري، ارتـــفـــع مــؤشــر الــثــقــة فـــي مـنـاخ الأعمال الألماني لأعلى معدل له، بحسب مـا أظـهـره مـؤشـر معهد »إيــفــو« لـلأبـحـاث الاقـتـصـاديـة، الذي صدر مطلع الأسبوع، حيث ارتفع إلى ١١٥٫١ نقطة في يونيو (حزيران) الحالي، مقارنة بـ ١١٤٫٦ نقطة في مايو (أيار) الماضي.
وقال المعهد إن قطاع الأعمال الألمــانــي يـــرى أن مــنــاخ الأعــمــال تحسن بصورة كبيرة، كما أظهر تفاؤلاً حيال الستة أشهر المقبلة. وأوضـح رئيس المعهد كليمنس فوست أن »هناك شعوراً بالتفاؤل بين المديرين التنفيذيين الألمان،« مــضــيــفــاً: »لـــقـــد تــحــســن الـطـلـب وطلبات الأعمال بصورة كبيرة، وما زالت خطط الإنتاج تركز على التوسع .«
وفيما يتعلق بقطاع الجملة، ارتـــفـــع مــؤشــر الــثــقــة فـــي مـنـاخ الأعــمــال لأعـلـى مـسـتـوى لـه منذ عـام ٢٠١٠. وكــان المعهد قـد رفع الأســبــوع المــاضــي مــن تـوقـعـاتـه لنمو الاقتصاد الألماني عام ٢٠١٧ لنسبة ١٫٨ في المائة، و٢ في المائة لعام ٢٠١٨، بناء على زيادة طلب المستهلكين ونشاط قطاع البناء والصادرات.
أمـــــــا فــــرنــــســــا، وهـــــــي ثــانــي اقـتـصـادات منطقة الـيـورو قـوة، فتوقع تقرير صـادر عن »المعهد الـوطـنـي لـلإحـصـاء والــدراســات الاقتصادية« الفرنسي (آنسي)، الأسبوع الماضي، نمو الاقتصاد الـفـرنـسـي بـأقـوى وتـيـرة لـه منذ عام ٢٠١١.
وبــــحــــســــب الــــتــــقــــريــــر ربــــع الـسـنـوي، فـإنـه مـن المـتـوقـع نمو اقـــتـــصـــاد فـــرنـــســـا خـــــلال الـــعـــام الحالي بمعدل ١٫٦ في المائة من إجــمــالــي الــنــاتــج المــحــلــي، وهــو أعلى معدل نمو منذ ٢٠١١. وكان الاقــتــصــاد الــفــرنــســي قـــد سجل نمواً بمعدل ١٫١ في المائة خلال العام الماضي.
ووفـقـاً لهذه التوقعات، فإن الـنـشـاط الاقـتـصـادي فـي فرنسا ســـيـــعـــود إلــــــى الـــنـــمـــو بــوتــيــرة تقترب مـن متوسط وتـيـرة نمو اقتصادات منطقة اليورو، وذلك بعد ٣ سنوات من النمو بوتيرة أقـل من وتيرة نمو الاقتصادات المجاورة.
ويـــــــتـــــــوقـــــــع المــــــعــــــهــــــد نـــمـــو الاقـتـصـاد الفرنسي بمعدل ٠٫٥ فـي المـائـة خــلال الـربـعـين الثاني والــثــالــث مــن الــعــام الــحــالــي، ثم بمعدل ٠٫٤ في المائة من إجمالي الناتج المحلي خلال الربع الأخير مـن الــعــام. وذكــر المـعـهـد أن نمو النشاط الاقتصادي وسياسات خـفـض نـفـقـات الـعـمـالـة ستعزز التوظيف فـي فـرنـسـا. وبحسب المعهد، فـإنـه مـن المتوقع ارتـفـاع عدد العاملين في فرنسا بمقدار ٢٢٠ ألــــــف عــــامــــل خــــــلال الـــعـــام الـحـالـي، وهـو مـا سيدفع معدل البطالة إلى التراجع بمقدار ٠٫٦ نقطة مئوية، إلى ٩٫٤ في المائة، بنهاية العام.
كما يتوقع المعهد أن يكون مــعــدل الـتـضـخـم بـنـهـايـة الــعــام ١٫١ فــي المــائــة، فــي حــين أنــه من المحتمل استمرار معدل التضخم الرئيسي، الـذي لا يشمل أسعار الغذاء والطاقة الأشد تقلباً، عند مستوى منخفض قـدره ٠٫٨ في المائة بنهاية العام الحالي، مقابل ٠٫٤ فــي المــائــة فــي نـهـايـة الـعـام الماضي.
وفـــــي إيــطــالــيــا أيـــضـــاً، قــال الاتــــحــــاد المــمــثــل لــلــشــركــات فـي إيطاليا (كونفيندوسترا) أمس إنه يتوقع نمو ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بوتيرة أسرع خـلال هـذا الـعـام، ولكن حـذر من أن رأس المـــال الأجـنـبـي يـتـراجـع بسبب عدم الاستقرار السياسي والديون المرتفعة.
وأشــــار الاتــحــاد، فــي أحــدث توقعاته، إلى أن إجمالي الناتج المحلي سوف يرتفع بنسبة ١٫٣ فــي المــائــة هـــذا الــعــام، و١٫١ في المائة العام المقبل. وكان الاتحاد قــد تــوقــع فــي ديـسـمـبـر (كــانــون الأول) المــــاضــــي نــمــو إجــمــالــي الناتج المحلي بنسبة ٠٫٨ و١ في المائة للعامين على التوالي.
وما زال الاقتصاد الإيطالي ينمو بوتيرة أبطأ من بقية دول منطقة اليورو، ولكن من المتوقع أن يـقـضـى عـلـى فـجـوة مـعـدلات النمو في ٢٠١٧ و٢٠١٨، إلى ٠٫٧ نقطة مئوية، مقارنة بـ١٫٤ نقطة عام ٢٠١٥.
ويذكر أن إيطاليا عانت من ركــود عميق عقب الأزمــة المالية العالمية عام ٢٠٠٨، وقال الاتحاد إنــه مـقـارنـة بـبـدايـة الأزمــــة، فـإن إجـمـالـي الـنـاتـج المـحـلـي تـراجـع بنسبة ٧ فـي المـائـة، كما أن عدد الأشــخــاص الـذيـن يـعـيـشـون في فــقــر مــطــلــق تــضــاعــف ٣ مــــرات تـقـريـبـاً، لـيـصـل إلــى ٤٫٦ مليون شخص.