Asharq Al-Awsat Saudi Edition

حول طاولة »العشرين«... هل تتغلب المصالح الاقتصادية المشتركة على الخلافات؟

التجارة الحرة والاتفاقات مع أميركا أبرز محاور الاشتباك

- لندن: »الشرق الأوسط«

قــبــل أيــــــام مـــن انـــطـــل­اق قـمـة الـعـشـريـ­ن فــي مـديـنـة هـامـبـورغ، تبدو أوراق الدول الكبرى مختلطة بشكل كبير وربـمـا غير مسبوق فيما يخص المصالح والتوجهات الاقتصادية، وبينما تشكل ألمانيا »رأس حــربــة« جـبـهـة المـعـارضـ­ة فـي وجــه أمـيـركـا، تسعى فرنسا والصين للعب دور أكثر ليونة من أجـل الـوصـول إلـى حلول ترضي كل الأطراف على طاولة الحوار.

وتـــتـــر­كـــز أغــــلـــ­ـب الـــخـــل­افـــات الـحـالـيـ­ة حـــول قـضـيـة »الـتـجـارة الحرة«، وهي مسألة ينظر إليها كل طـرف بعينه رائياً ما يريد... فبينما يـريـد الـرئـيـس الأمـيـركـ­ي دونالد ترمب تحقيق ما يراه من »عـدالـة مـفـقـودة« لحماية تجارة بلاده من »اتفاقات ظالمة« أبرمت خـــــلال الـــعـــه­ـــود المــــاضـ­ـــيـــة، تـــرى ألمانيا بزعامة المستشارة أنجيلا مـيـركـل، وبـمـسـانـ­دة مــن الـصـين، أن تلك »الحمائية« ضـارة بشكل عــام بـحـريـة الـتـجـارة والأســـوا­ق، وأن الاتـــفــ­ـاقـــات الــســابـ­ـقــة يـجـب احترامها، مع إمكانية التفاوض حول تعديلها إذا كان هناك ثمة مــا يـدعـو لـذلــك؛ ولـيـس التنصل منها كلية.

ولا تتوانى ميركل عن إعلان خــلافــهـ­ـا مــــع تـــرمـــب عــلــى المــــلأ؛ إذ أعــلــنــ­ت يـــوم الاثــنـــ­ين المــاضــي مــجــددا عــن وجــــود خــلافــات لها مع الرئيس الأميركي في قضية التعاون الـدولـي، وهـو مـا تزامن مع إلغاء وزير التجارة الأميركي ويلبور روس زيارته لألمانيا في اللحظة الأخيرة، حسبما أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية أول من أمس، دون توضيح أسباب ذلك.

وكان روس يعتزم لقاء وزيرة الاقـــتــ­ـصـــاد الألمـــان­ـــيـــة بـريـجـيـت­ـه تسيبريس لإجراء محادثات حول النزاع التجاري الدائر منذ شهور مع الولايات المتحدة، وتهديدات واشـــــنـ­ــــطـــــ­ن بـــــفـــ­ــرض إجــــــــ­ـــــراءات تـقـيـيـدي­ـة عـلـى صــــادرات الصلب الأوروبية والألمانية.

ويــأتــي الـــنـــز­اع عـلـى خلفية ســـيـــاس­ـــة »أمــــيـــ­ـركــــا أولا« الــتــي يتبعها الرئيس ترمب. وتعرض هــــــذه الـــســـي­ـــاســـة الـــقـــا­ئـــمـــة عـلـى »الانــعــز­ال الاقـتـصـا­دي« التوافق بــين الــــدول الاقـتـصـا­ديـة الـكـبـرى للخطر.

وخلال مشاركتها في واحدة من سلسلة الندوات التي تقيمها مجلة »بريجيته« عن انتخابات ٢٠١٧، قالت ميركل مساء الاثنين، إن ترمب لديه تصور عن العولمة يـخـتـلـف كـثـيـرا عــن تــصــورهـ­ـا... »وعــلــيــ­نــا أن نـــأخـــذ هـــــذا مــأخــذ الجد .«

وقـــالـــ­ت مــيــركــ­ل إنــــه كــــان قـد اتضح في عهد الرئيس الأميركي الــســابـ­ـق بــــــارا­ك أوبـــامــ­ـا أن عـلـى الأوروبـــ­يـــين أن يــتــولــ­وا أمــورهــم بأنفسهم بصورة أقوى: »وهذا ما تأكد مرة أخرى الآن عبر الرئيس الأميركي الجديد .«

وأضـافـت ميركل أنـهـا تعتقد أن العولمة والتعاون الدولي يمكن أن يـكـونـا مـكـسـبـا لـكـل الأطـــــر­اف، ولــيــس أن هـــذا الــطــرف سيكسب والآخر سيخسر، لافتة إلى أن هذا هـو الـخـلاف فـي النهج مـع ترمب. وتــابــعـ­ـت أن مـــن المــهــم أن يـعـرف الأوروبــي­ــون المـجـال الــذي يمكنهم فيه الاعـتـمـا­د على »الـشـراكـة عبر الأطلسي،« وأشـارت إلى أن مجال حـمـايـة المــنــاخ لـيـس مــن بــين هـذه المــــجــ­ــالات فـــي الــلــحــ­ظــة الــراهــن­ــة. وكــــان تــرمــب أعــلــن خــــروج بــلاده مـــن »اتــفــاقـ­ـيــة بــــاريــ­ــس« لـحـمـايـة المناخ التي تم التوصل إليها بعد مفاوضات شاقة، والتي تم التوقيع عليها من كل دول العالم تقريبا.

مـــــن نـــاحـــي­ـــة أخــــــــ­ــرى، قــالــت مـيـركـل إنـهـا تـعـول عـلـى سلمية المـظـاهـر­ات التي ستصاحب قمة الـعـشـريـ­ن المــزمــع عـقـدهـا يـومـي ٧ و٨ يـولـيـو (تـــمـــوز) المـقـبـل في هــامــبــ­ورغ، وطـالـبـت بـالـنـأي عن الـــعـــن­ـــف، وأكـــــــ­ـدت أن كــثــيــر­ا مـن الأشياء في العالم لم تكن ممكنة لــولا زعــمــاء مـجـمـوعـة الـعـشـريـ­ن التي تمثل اتحاد أهم اقتصادات في العالم، معربة عن أملها في أن تقدم ألمانيا نفسها بوصفها بلدا منه الجميع.

وقالت المستشارة الألمانية إن الفائض التجاري الضخم لبلدها يـرجـع جـزئـيـا إلــى عـوامـل خـارج سيطرتها، ومن بينها السياسة النقدية التوسعية للبنك المركزي الأوروبـــ­ــــــــــ­ــي وأســــــع­ــــــار الـــطـــا­قـــة. وأضــافــت: »رؤيــتــي لـلـعـولمـ­ة هي أنه في العالم الشامل والمترابط، نحتاج إلى نظام للتجارة يستند إلى القواعد، ويمكن فيه لجميع الأطراف أن تحقق مكسبا.«

من جانبه، دعا رئيس وزراء الصين لي كه تشيانغ إلى التجارة مساء أول من أمس، إن »التجارة الحرة هي الشرط المسبق للتجارة الـعـادلـة... تقييد التجارة الحرة ســـــــــ­ــوف يــــجــــ­لــــب تــــــــج­ــــــــار­ة غــيــر متساوية«.

وأعادت كلمة لي إلى الأذهان الدفاع الشديد الذي أبداه الرئيس الصيني شي جينبينغ عن العولمة والــــتــ­ــجــــارة الــــحـــ­ـرة فــــي مــنــتــد­ى دافوس الاقتصادي في سويسرا في يناير (كانون الثاني) الماضي، كما جاءت متناقضة مع التدابير الــحــمــ­ائــيــة لــلــرئــ­يــس الأمــيــر­كــي ودعــواتــ­ه لعقد اتـفـاقـيـ­ات مبنية على التجارة »العادلة«.

ورغـــم الـتـأيـيـ­د المـعـلـن لـقـادة الصين للتجارة الحرة، فإن الدولة تواجه منذ فترة طويلة انتقادات بـسـبـب تـقـيـيـد دخــــول الـشـركـات الأجنبية إلــى الـسـوق الصينية. وقــالــت شــركــات أوروبــيــ­ة الشهر الماضي إنها وجـدت أن الأنشطة التجارية في الصين أصبحت أكثر صعوبة وتشعر بترحيب أقل من ذي قـبـل. ولـكـن لـي قــال: »الصين ســـــوف تـــزيـــد مــــن فـــتـــح ســوقــهــ­ا وتوفر فرصا متساوية للشركات المحلية والأجنبية«.

كـمـا قــال تشيانغ إن الصين تسيطر على المخاطر المالية التي تواجهها وسط المخاوف الدولية من أن يزيد الدين المتزايد للدولة من تباطؤ اقتصادها. وأضاف أن نمو الاقتصاد الصيني يحتفظ بزخم منذ الربع الأول هذا العام عــنــدمــ­ا ارتــــفــ­ــع الـــنـــا­تـــج المــحــلـ­ـي الإجـمـالـ­ي بنسبة ٦٫٩ فــي المـائـة على أســاس سـنـوي. وأضــاف أن الدولة قادرة على تحقيق هدفها فـي النمو الاقـتـصـا­دي، وهـو ٦٫٥ في المائة خلال العام بالكامل.

وأشـــــــ­ـــــار تـــشـــيـ­ــانـــغ إلــــــــ­ى أن »الصين قد أحجمت عن التحفيز الـضـخـم،« مضيفا أن الاقـتـصـا­د الـــصـــي­ـــنـــي أقـــــــل اعـــــتــ­ـــمـــــا­دا عــلــى الصادرات والاستثمار­ات؛ وأكثر اعتمادا على الاستهلاك.

في غضون ذلك، وفي محاولة لإعادة إحياء الاتفاقات التجارية الــتــي شــهــدت تـــأزمـــ­ا مــنــذ تـولـي ترمب السلطة، دعـت ميركل إلى تحريك المـفـاوضـ­ات بـين الاتـحـاد الأوروبـــ­ــــــي والـــــول­ايـــــات المــتــحـ­ـدة حول اتفاقية »الشراكة التجارية والاستثمار­ية عبر الأطلسي.«

وقــــــــ­ــالــــــ­ــــت خـــــــــ­ــــلال مــــؤتـــ­ـمــــر اقتصادي نظمه حزبها الاتحاد المـسـيـحـ­ي الــديــمـ­ـقــراطــي: »إنـنــي أؤيـــــــ­ــد اســـتـــئ­ـــنـــاف المــــفــ­ــاوضــــا­ت حــــــول اتــــفـــ­ـاق تــــبــــ­ادل حــــر كــهــذا بـين الــولايــ­ات المـتـحـدة والاتـحـاد الأوروبــي، يسمح أيضا بتسوية كل المشكلات معا«.

لكن وزيـر التجارة الأميركي ويـلـبـور روس قـام بمداخلة عبر شــريــط فــيــديــ­و مـسـجـل مـسـبـقـا، أعـــــرب خــلالــهـ­ـا مـــجـــدد­ا عـــن عــزم الـولايـات المـتـحـدة على التصدي لـــــ »مــــمــــ­ارســــات الإغــــــ­ــــــراق« الــتــي والعمل على حل يزيد مبادلاتنا بـصـورة عامة مـع خفض عجزنا التجاري في آن.«

والمفاوضات حول الاتفاقية، التي بدأت عام ٢٠١٣ بهدف إقامة مـنـطـقـة تــبــادل حــر واســعــة على جانبي الأطلسي، توقفت بشكل تـام مـع وصـول ترمب إلـى البيت الأبـيـض، بـنـاء عـلـى بـرنـامـج ذي توجهات حمائية.

وبــعــدمـ­ـا شـنـت إدارة تـرمـب حـــربـــا عــلــى الــعــجــ­ز فــــي المـــيـــ­زان التجاري مع مختلف الدول، يبدو أنها باتت تعتقد أن التوصل إلى اتفاق سيسمح بالحد من العجز التجاري مع الاتحاد الأوروبي، لا سيما مـع ألمـانـيـا، مـن خــلال فتح هذه الأسـواق أكثر أمام الشركات الأمــيــر­كــيـة. وكــانــت ألمـانـيـا الـتـي تحقق فـائـضـا تـجـاريـا قياسيا، من الأهـداف الرئيسية لانتقادات الإدارة الأميركية الـجـديـدة التي اتـــهـــم­ـــت هــــــذا الـــبـــل­ـــد بــمــمــا­رســة منافسة غير نزيهة.

مــن جـهـة أخـــرى، ومــع توقع بدء المباحثات حول مسألة إعادة التفاوض حول »اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا ،«( فـي أغسطس (آب) المقبل، عرض عـشـرات المـسـؤولـ­ين فـي قطاعات الــصــنــ­اعــة والــــزرا­عــــة والــتــجـ­ـارة وجهات نظرهم أول من أمس على إدارة ترمب.

وبــــــاش­ــــــر مـــكـــتـ­ــب الــــتـــ­ـجــــارة الأميركي نقاشات تستمر ٣ أيام سـتـعـرض خـلالـهـا وجــهــات نظر مـتـبـايـن­ـة حــــول الاتــفــا­قــيــة الـتـي أبـرمـت قبل ٢٣ عـامـا. وسينضم منتقدون لاتفاقية »نافتا«، بينهم مــجــمــو­عــات مــدافــعـ­ـة عـــن حـقـوق الـعـمـال، إلـى ممثلين عـن القطاع الصناعي الذين يدعمون التجارة عبر الحدود، في هذه المباحثات.

 ??  ?? علامة احتجاج ضد قمة العشرين وضعها متظاهرون قرب مكان انعقادها في هامبورغ الألمانية (رويترز)
علامة احتجاج ضد قمة العشرين وضعها متظاهرون قرب مكان انعقادها في هامبورغ الألمانية (رويترز)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia