حول طاولة »العشرين«... هل تتغلب المصالح الاقتصادية المشتركة على الخلافات؟
التجارة الحرة والاتفاقات مع أميركا أبرز محاور الاشتباك
قــبــل أيــــــام مـــن انـــطـــلاق قـمـة الـعـشـريـن فــي مـديـنـة هـامـبـورغ، تبدو أوراق الدول الكبرى مختلطة بشكل كبير وربـمـا غير مسبوق فيما يخص المصالح والتوجهات الاقتصادية، وبينما تشكل ألمانيا »رأس حــربــة« جـبـهـة المـعـارضـة فـي وجــه أمـيـركـا، تسعى فرنسا والصين للعب دور أكثر ليونة من أجـل الـوصـول إلـى حلول ترضي كل الأطراف على طاولة الحوار.
وتـــتـــركـــز أغــــلــــب الـــخـــلافـــات الـحـالـيـة حـــول قـضـيـة »الـتـجـارة الحرة«، وهي مسألة ينظر إليها كل طـرف بعينه رائياً ما يريد... فبينما يـريـد الـرئـيـس الأمـيـركـي دونالد ترمب تحقيق ما يراه من »عـدالـة مـفـقـودة« لحماية تجارة بلاده من »اتفاقات ظالمة« أبرمت خـــــلال الـــعـــهـــود المــــاضــــيـــة، تـــرى ألمانيا بزعامة المستشارة أنجيلا مـيـركـل، وبـمـسـانـدة مــن الـصـين، أن تلك »الحمائية« ضـارة بشكل عــام بـحـريـة الـتـجـارة والأســـواق، وأن الاتـــفـــاقـــات الــســابــقــة يـجـب احترامها، مع إمكانية التفاوض حول تعديلها إذا كان هناك ثمة مــا يـدعـو لـذلــك؛ ولـيـس التنصل منها كلية.
ولا تتوانى ميركل عن إعلان خــلافــهــا مــــع تـــرمـــب عــلــى المــــلأ؛ إذ أعــلــنــت يـــوم الاثــنـــين المــاضــي مــجــددا عــن وجــــود خــلافــات لها مع الرئيس الأميركي في قضية التعاون الـدولـي، وهـو مـا تزامن مع إلغاء وزير التجارة الأميركي ويلبور روس زيارته لألمانيا في اللحظة الأخيرة، حسبما أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية أول من أمس، دون توضيح أسباب ذلك.
وكان روس يعتزم لقاء وزيرة الاقـــتـــصـــاد الألمـــانـــيـــة بـريـجـيـتـه تسيبريس لإجراء محادثات حول النزاع التجاري الدائر منذ شهور مع الولايات المتحدة، وتهديدات واشـــــنـــــطـــــن بـــــفـــــرض إجـــــــــــــراءات تـقـيـيـديـة عـلـى صــــادرات الصلب الأوروبية والألمانية.
ويــأتــي الـــنـــزاع عـلـى خلفية ســـيـــاســـة »أمــــيــــركــــا أولا« الــتــي يتبعها الرئيس ترمب. وتعرض هــــــذه الـــســـيـــاســـة الـــقـــائـــمـــة عـلـى »الانــعــزال الاقـتـصـادي« التوافق بــين الــــدول الاقـتـصـاديـة الـكـبـرى للخطر.
وخلال مشاركتها في واحدة من سلسلة الندوات التي تقيمها مجلة »بريجيته« عن انتخابات ٢٠١٧، قالت ميركل مساء الاثنين، إن ترمب لديه تصور عن العولمة يـخـتـلـف كـثـيـرا عــن تــصــورهــا... »وعــلــيــنــا أن نـــأخـــذ هـــــذا مــأخــذ الجد .«
وقـــالـــت مــيــركــل إنــــه كــــان قـد اتضح في عهد الرئيس الأميركي الــســابــق بــــــاراك أوبـــامـــا أن عـلـى الأوروبـــيـــين أن يــتــولــوا أمــورهــم بأنفسهم بصورة أقوى: »وهذا ما تأكد مرة أخرى الآن عبر الرئيس الأميركي الجديد .«
وأضـافـت ميركل أنـهـا تعتقد أن العولمة والتعاون الدولي يمكن أن يـكـونـا مـكـسـبـا لـكـل الأطـــــراف، ولــيــس أن هـــذا الــطــرف سيكسب والآخر سيخسر، لافتة إلى أن هذا هـو الـخـلاف فـي النهج مـع ترمب. وتــابــعــت أن مـــن المــهــم أن يـعـرف الأوروبــيــون المـجـال الــذي يمكنهم فيه الاعـتـمـاد على »الـشـراكـة عبر الأطلسي،« وأشـارت إلى أن مجال حـمـايـة المــنــاخ لـيـس مــن بــين هـذه المــــجــــالات فـــي الــلــحــظــة الــراهــنــة. وكــــان تــرمــب أعــلــن خــــروج بــلاده مـــن »اتــفــاقــيــة بــــاريــــس« لـحـمـايـة المناخ التي تم التوصل إليها بعد مفاوضات شاقة، والتي تم التوقيع عليها من كل دول العالم تقريبا.
مـــــن نـــاحـــيـــة أخــــــــــرى، قــالــت مـيـركـل إنـهـا تـعـول عـلـى سلمية المـظـاهـرات التي ستصاحب قمة الـعـشـريـن المــزمــع عـقـدهـا يـومـي ٧ و٨ يـولـيـو (تـــمـــوز) المـقـبـل في هــامــبــورغ، وطـالـبـت بـالـنـأي عن الـــعـــنـــف، وأكــــــــدت أن كــثــيــرا مـن الأشياء في العالم لم تكن ممكنة لــولا زعــمــاء مـجـمـوعـة الـعـشـريـن التي تمثل اتحاد أهم اقتصادات في العالم، معربة عن أملها في أن تقدم ألمانيا نفسها بوصفها بلدا منه الجميع.
وقالت المستشارة الألمانية إن الفائض التجاري الضخم لبلدها يـرجـع جـزئـيـا إلــى عـوامـل خـارج سيطرتها، ومن بينها السياسة النقدية التوسعية للبنك المركزي الأوروبـــــــــــــــي وأســــــعــــــار الـــطـــاقـــة. وأضــافــت: »رؤيــتــي لـلـعـولمـة هي أنه في العالم الشامل والمترابط، نحتاج إلى نظام للتجارة يستند إلى القواعد، ويمكن فيه لجميع الأطراف أن تحقق مكسبا.«
من جانبه، دعا رئيس وزراء الصين لي كه تشيانغ إلى التجارة مساء أول من أمس، إن »التجارة الحرة هي الشرط المسبق للتجارة الـعـادلـة... تقييد التجارة الحرة ســـــــــــوف يــــجــــلــــب تــــــــجــــــــارة غــيــر متساوية«.
وأعادت كلمة لي إلى الأذهان الدفاع الشديد الذي أبداه الرئيس الصيني شي جينبينغ عن العولمة والــــتــــجــــارة الــــحــــرة فــــي مــنــتــدى دافوس الاقتصادي في سويسرا في يناير (كانون الثاني) الماضي، كما جاءت متناقضة مع التدابير الــحــمــائــيــة لــلــرئــيــس الأمــيــركــي ودعــواتــه لعقد اتـفـاقـيـات مبنية على التجارة »العادلة«.
ورغـــم الـتـأيـيـد المـعـلـن لـقـادة الصين للتجارة الحرة، فإن الدولة تواجه منذ فترة طويلة انتقادات بـسـبـب تـقـيـيـد دخــــول الـشـركـات الأجنبية إلــى الـسـوق الصينية. وقــالــت شــركــات أوروبــيــة الشهر الماضي إنها وجـدت أن الأنشطة التجارية في الصين أصبحت أكثر صعوبة وتشعر بترحيب أقل من ذي قـبـل. ولـكـن لـي قــال: »الصين ســـــوف تـــزيـــد مــــن فـــتـــح ســوقــهــا وتوفر فرصا متساوية للشركات المحلية والأجنبية«.
كـمـا قــال تشيانغ إن الصين تسيطر على المخاطر المالية التي تواجهها وسط المخاوف الدولية من أن يزيد الدين المتزايد للدولة من تباطؤ اقتصادها. وأضاف أن نمو الاقتصاد الصيني يحتفظ بزخم منذ الربع الأول هذا العام عــنــدمــا ارتــــفــــع الـــنـــاتـــج المــحــلــي الإجـمـالـي بنسبة ٦٫٩ فــي المـائـة على أســاس سـنـوي. وأضــاف أن الدولة قادرة على تحقيق هدفها فـي النمو الاقـتـصـادي، وهـو ٦٫٥ في المائة خلال العام بالكامل.
وأشــــــــــــار تـــشـــيـــانـــغ إلــــــــى أن »الصين قد أحجمت عن التحفيز الـضـخـم،« مضيفا أن الاقـتـصـاد الـــصـــيـــنـــي أقـــــــل اعـــــتـــــمـــــادا عــلــى الصادرات والاستثمارات؛ وأكثر اعتمادا على الاستهلاك.
في غضون ذلك، وفي محاولة لإعادة إحياء الاتفاقات التجارية الــتــي شــهــدت تـــأزمـــا مــنــذ تـولـي ترمب السلطة، دعـت ميركل إلى تحريك المـفـاوضـات بـين الاتـحـاد الأوروبـــــــــي والـــــولايـــــات المــتــحــدة حول اتفاقية »الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي.«
وقــــــــــالــــــــــت خـــــــــــــلال مــــؤتــــمــــر اقتصادي نظمه حزبها الاتحاد المـسـيـحـي الــديــمــقــراطــي: »إنـنــي أؤيـــــــــد اســـتـــئـــنـــاف المــــفــــاوضــــات حــــــول اتــــفــــاق تــــبــــادل حــــر كــهــذا بـين الــولايــات المـتـحـدة والاتـحـاد الأوروبــي، يسمح أيضا بتسوية كل المشكلات معا«.
لكن وزيـر التجارة الأميركي ويـلـبـور روس قـام بمداخلة عبر شــريــط فــيــديــو مـسـجـل مـسـبـقـا، أعـــــرب خــلالــهــا مـــجـــددا عـــن عــزم الـولايـات المـتـحـدة على التصدي لـــــ »مــــمــــارســــات الإغــــــــــــراق« الــتــي والعمل على حل يزيد مبادلاتنا بـصـورة عامة مـع خفض عجزنا التجاري في آن.«
والمفاوضات حول الاتفاقية، التي بدأت عام ٢٠١٣ بهدف إقامة مـنـطـقـة تــبــادل حــر واســعــة على جانبي الأطلسي، توقفت بشكل تـام مـع وصـول ترمب إلـى البيت الأبـيـض، بـنـاء عـلـى بـرنـامـج ذي توجهات حمائية.
وبــعــدمــا شـنـت إدارة تـرمـب حـــربـــا عــلــى الــعــجــز فــــي المـــيـــزان التجاري مع مختلف الدول، يبدو أنها باتت تعتقد أن التوصل إلى اتفاق سيسمح بالحد من العجز التجاري مع الاتحاد الأوروبي، لا سيما مـع ألمـانـيـا، مـن خــلال فتح هذه الأسـواق أكثر أمام الشركات الأمــيــركــيـة. وكــانــت ألمـانـيـا الـتـي تحقق فـائـضـا تـجـاريـا قياسيا، من الأهـداف الرئيسية لانتقادات الإدارة الأميركية الـجـديـدة التي اتـــهـــمـــت هــــــذا الـــبـــلـــد بــمــمــارســة منافسة غير نزيهة.
مــن جـهـة أخـــرى، ومــع توقع بدء المباحثات حول مسألة إعادة التفاوض حول »اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا ،«( فـي أغسطس (آب) المقبل، عرض عـشـرات المـسـؤولـين فـي قطاعات الــصــنــاعــة والــــزراعــــة والــتــجــارة وجهات نظرهم أول من أمس على إدارة ترمب.
وبــــــاشــــــر مـــكـــتـــب الــــتــــجــــارة الأميركي نقاشات تستمر ٣ أيام سـتـعـرض خـلالـهـا وجــهــات نظر مـتـبـايـنـة حــــول الاتــفــاقــيــة الـتـي أبـرمـت قبل ٢٣ عـامـا. وسينضم منتقدون لاتفاقية »نافتا«، بينهم مــجــمــوعــات مــدافــعــة عـــن حـقـوق الـعـمـال، إلـى ممثلين عـن القطاع الصناعي الذين يدعمون التجارة عبر الحدود، في هذه المباحثات.