صفقة »هول فوودز« تطبيق عملي لمغامرات »أمازون« المحسوبة
»الخوض في المخاطر«... طريق بيزوس للتفوق
امــــــزح قـــــدر مــــا تـــشـــاء حــول وجــــبــــات الأطـــعـــمـــة الـــتـــي تُــنــقــل بـالـطـائـرات المــســيــرة. فــإن رهــان »أمازون« الذي يكلفها ١٣٫٤ مليار دولار لــلاســتــحــواذ عـلـى شـركـة البقالة الأميركية »هـول فـوودز« ذات القيمة السوقية البالغة ٨٠٠ مليار دولار تتناسب تماما مع نموذج الأعمال التجارية لشركات التجزئة.
وعلى العكس تقريبا من أي رئـيـس تنفيذي آخــر، فــإن جيف بيزوس مؤسس شركة »أمازون« قــــــد شــــيــــد شــــركــــتــــه عــــــن طـــريـــق الـخـوض فـي المـخـاطـر، وتجاهل التحركات الواضحة، وتصور ما سوف يريده العملاء فيما بعد – حتى قبل أن يعرفوا ذلك.
ومـــــــــــــــــــــــــــن أســـــــــــــــــــــــــــس هـــــــــــــذه الاســتــراتــيــجــيــة كــانــت مـقـاربـتـه نحو الفشل. ففي حين أن الشركات الأخرى كانت تخشى الوقوع في الأخطاء الكبيرة، يبدو أن السيد بيزوس لا يعبأ بذلك. فإن فقدان الملايين من الــدولارات لسبب من الأسباب أمر لا يعول عليه كثيرا، إنما تكمن الأهمية فـي النجاح. ولـقـد أنـشـأ ذلــك ثقافة تجريبية تتسم بالجرأة والشراسة سببت الكثير من الاهتزازات القوية في البيئة، والتكنولوجيا، ولا سيما تجارة التجزئة.
وبـيـزوس هـو أحـد الـرؤسـاء الـــتـــنـــفـــيـــذيـــين الــــقــــلائــــل الــــذيــــن يتندرون حول مقدار الأموال التي فقدوها.
وهـــــــو يـــــقـــــول عــــــن ذلـــــــك فــي مؤتمر عقد فـي عـام ٢٠١٤: »لقد كـسـبـت مــلــيــارات الـــــــدولارات من الفشل«، مضيفا أن الأمـر سوف يبدو كعملية لخلع ضرس العقل مـن دون تـخـديـر؛ إذا تـحـدث عن القائمة الكاملة لمغامراته.
كــــان هــنــاك هــاتــف »فـــايـــر«، عـلـى سبيل المــثــال، الـــذي وصـف بـــأنـــه مـــن المــنــتــجــات الــحــاســمــة فــي مـسـتـقـبـل شــركــة »أمــــــازون«. ولقد كان من أكبر الأخطاء التي ارتـكـبـتـهـا الـشـركـة مـنـذ الإعـــلان عـن منتج »نيو كــوك« مـن إنتاج شـركـة كــوكــاكــولا. وعـنـد مرحلة من المراحل، خفضت »أمازون« من سعر الهاتف إلى ٩٩ سنتا فقط. غير أنه هذه الخطوة لم تنفع في شيء.
وبالنسبة لأي شركة أخرى، كانت هـذه تعتبر تجربة مفعمة بــالإهــانــة وذات عــواقــب وخيمة لــلــغــايــة. ولـــــم يـــصـــدر أي شــيء مـن وول ستريت بشأنها، حتى عــنــدمــا شـطـبـت »أمــــــــازون« ١٧٠ مليون دولار ذات الصلة بالجهاز الجديد.
وفسر بيزوس الأمـر إذ قال: »إن كنت على استعداد للدخول فــــي رهـــــانـــــات جـــريـــئـــة، فــســوف تتحول إلى تجارب. وإن صارت كــذلــك، فــإنــك لا تـعـلـم مـقـدمـا إن كانت سوف تنجح أم تفشل. حيث إن الـتـجـارب بطبيعتها عرضة للفشل. ولـكـن بعض النجاحات الــكــبــيــرة تــعــوض الـــعـــشـــرات ثـم الـــعـــشـــرات مــــن الـــتـــجـــارب الــتــي فشلت .«
وهذا من المناهج المعمول بها فـي الـشـركـة مـنـذ الـبـدايـة – وهـو مـن المـنـاهـج الصعبة للغاية، إن لــم يـكـن مـسـتـحـيـلا، حـتـى يمكن للمنافسين محاكاته. تصور كيف بدأت خدمات »أمازون« للإنترنت أول الأمــــــــر مــــشــــروعــــا صــغــيــرا لـلـحـوسـبـة الـسـحـابـيـة الـداخـلـيـة لمـسـاعـدة الأعـمـال الأسـاسـيـة في داخل الشركة. ثم بدأت الشركة في بيع الإمكانات السحابية الكبيرة إلى الشركات الأخرى.
وقــــبــــل أن تــــــــدرك »غــــوغــــل« و»مـايـكـروسـوفـت« الأمـــر، كانت »أمـــــــــــــازون« قــــد أنــــشــــأت أعـــمـــالا بـــهـــامـــش ربـــحـــي فـــائـــق يـــقـــارب مـلـيـارات الــــدولارات؛ مما يعتبر تعديا على مجالات أعمالهم. ولا تـزال »غوغل« و»مايكروسوفت« تكافحان من أجل محاولة اللحاق بالركب. ُ
وإن قـــدر لأعــمــال الـحـوسـبـة السحابية الـنـمـو فـحـسـب، لكان »أمــــــازون بـــرايـــم« مــن الــرهــانــات الـــجـــريـــئـــة مـــنـــذ الــــبــــدايــــة، وهـــو الـــخـــدمـــة المــكــافــئــة لــشــعــار »كــل مـــا يــمــكــن أن تــأكــلــه« بـالـنـسـبـة للمتسوقين: ادفع رسوما سنوية لتحصل على تغطية كاملة لكافة مــصــاريــف الـشـحـن لــعــام كـامـل. ولقد ارتفعت نفقات الشحن لدى »أمـــازون« بـصـورة كبيرة، ولكن الإيـــــرادات ارتـفـعـت هـي الأخــرى، لدرجة أن أحـدا لم يعبأ بارتفاع النفقات.
يــقــول كــولــين سـيـبـاسـتـيـان، المحلل الاقتصادي لدى مؤسسة »روبــــرت دبـلـيـو بـيـرد وشـركـاه« الاستثمارية: »عندما يكون لديك هـذا المنظور طويل الأجــل؛ حتى أنك تفكر لعقود بدلا من الأرباع الفصلية، يسمح لك ذلك بالقيام بــأشــيــاء والـــدخـــول فــي مـخـاطـر تـعـتـقـد بـقـيـة الــشــركــات أنــهــا لا تصب في مصالحها المباشرة«.
بـــــــــدأت شــــركــــة »أمــــــــــــــازون«، بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون يــــــتــــــذكــــــرون، كــــشــــركــــة صــغــيــرة لـبـيـع الـكـتـب بـالـخـصـومـات عبر الإنــتــرنــت فـــي عــــام ١٩٩٥. وفــي خـضـم تـألـق طـفـرة الإنـتـرنـت في أواخـــــــر الــتــســعــيــنــات، أصـبـحـت الشركة رمزا للكيفية التي سوف يــغــيــر بـــهـــا الاخــــــتــــــراع الــجــديــد »شـبـكـة الإنــتــرنــت الـعـالمـيـة« من وجه الحياة في كل شيء. ثم على غـــرار شــركــات الإنـتـرنـت الــرائــدة الأخرى، توقف كل شيء. لم يكن العالم على أتـم اسـتـعـداد لقبول شــركــة »أمـــــــــــازون«. ولــقــد كـانـت الشركة قاب قوسين أو أدنـى من الانهيار.
ضاعف بيزوس من تركيزه عــلــى الـــعـــمـــلاء، وأغـــلـــق الـشـركـة في وجـه وسائل الإعـلام إلـى حد كــبــيــر، وانــطــلــق لإجــــــراء الـكـثـيـر مـن الـتـجـارب الـجـادة والجريئة. وتـطـورت »أمـــازون«، على سبيل المـــثـــال، وأنــتــجــت جــهــاز كـيـنـدل لـلـقـراءة الإلـكـتـرونـيـة، الـــذي بـدا لبعض الـوقـت مـحـاولـة للقضاء عــلــى الـــــقـــــراءة الـــعـــاديـــة لـلـكـتـب بالكامل.
الــــشــــيء الـــوحـــيـــد الـــــــذي لـم تفعله شـركـة التجزئة هـو جني المزيد من الأمـوال. وخلال عملها لمدة عشرين عاما بصفتها شركة عامة، تمكنت »أمازون« من تأمين الأربـــــــاح الــتــراكــمــيــة بـقـيـمـة ٥٫٧ مليار دولار. وبالنسبة للشركة التي تبلغ قيمتها السوقية ٥٠٠ مليار دولار، فــإن الـرقـم الأول لا يكاد يُذكر. أما شركة »وولمارت«، الـــتـــي تــبــلــغ قــيــمــتــهــا الــســوقــيــة تـقـريـبـا نـصـف الـقـيـمـة السوقية لــــ »أمـــازون«، فـقـد حققت أربـاحـا بـقـيـمـة ١٤ مـلـيـار دولار فــي عـام ٢٠١٦ وحده.
كانت الأرباح الهائلة دائما ما تُنحى جانبا في شركة »أمازون« حتى يمكن للشركة إجـراء المزيد من الاستثمارات. ولقد دفـع هذا الـــتـــوجـــه المــشــكــكــين – ولا يـــزال هناك عـدد قليل منهم حتى الآن – والمنافسين إلى حافة الجنون. وجاء المقال الافتتاحي الأسبوع المـــاضـــي عــلــى مــوقــع Seeking» Alpha« المـعـنـي بـالاسـتـثـمـارات يحمل عنوان »هل تحاول أمازون جذب الانتباه ؟«
ولــكــن عـــشـــرات المـــلايـــين مـن العملاء لا يهتمون مـا إذا كانت »أمـازون« شركة محققة للأرباح بــــصــــورة كـــبـــيـــرة. بــــل يـهـتـمـون عندما تحاول الشركة أن تجعل حياتهم أسهل أو أفضل.
يــــــقــــــول كــــــريــــــس كـــوبـــيـــكـــا، مــســتــشــار الــكــتــب الإلــكــتــرونــيــة ومطور البرمجيات الـذي يراقب أعــمــال »أمــــــازون« عــن كـثـب: »إن جيف بيزوس يجعل من التسوق متعة عظيمة. ولقد جعلني أتوقع الأفــضــل مــن كــل ركـــن مــن أركـــان مـوقـع الـشـركـة. حـسـنـا، يمكنني مــراجــعــة عــربــة الــتــســوق المـلـيـئـة بالبقالة دون توقف أثناء محاولة إيقاف سيارتي في المرآب.«
بـــــعـــــد مــــــنــــــاوشــــــة الــــشــــركــــة الكارثية مـع هاتف »فـايـر«، كان يمكن لأمازون أن تفعل ما تفعله شـــــركـــــات الــــهــــواتــــف المــحــمــولــة الــخــاســرة الأخــــرى وتـسـتـمـر في إنتاج المنتجات التي يتجاهلها أغـــلـــب الــــنــــاس طــلــبــا لمــنــتــجــات »آبــــــل« وأجـــهـــزة »ســامــســونــغ«. بــــدلا مـــن ذلـــــك، وفــــي عــــام ٢٠١٤ أصـــــدرت الــشــركــة جــهــاز »إكــــو«، الــســمــاعــة الــتــي تـشـبـه الأنــبــوب الــــصــــغــــيــــر. والمـــــســـــاعـــــد الــــذكــــي »ألـــيـــكـــســـا«، والـــتـــي تــعــمــل عـلـى جـهـاز »إكـــو«، ويمكنها تشغيل المــوســيــقــى وتــــــــلاوة الـــنـــكـــات... والآن، تـحـاول شـركـات »غـوغـل« و»آبـل« و»مايكروسوفت« تقليد »أمازون« في ذلك.
يــــــقــــــول ســـــــانـــــــدر كــــيــــكــــري، الـــبـــروفـــســـور لــــدى كــلــيــة »تـيـبـر لــــلأعــــمــــال« الـــتـــابـــعـــة لــجــامــعــة »كارنيجي ميلون:« »إن بيزوس يـتـقـدم الـصـفـوف عـلـى الـــــدوام... رأينا ذلـك في تجارب (الـدرونـز) (الطائرات المسيرة دون طيار) أو (أمازون غو( Amazon Go – وهي مـــن تـــجـــارب الــتــســوق بـأسـلـوب (الالــــتــــقــــاط والمـــــــغـــــــادرة) والــتــي تتجنب التعامل مع موظفي نقاط الدفع من البشر – إنـه قـادر على صـيـاغـة اسـتـراتـيـجـيـات الأعـمـال ووضع أمازون في موضع متقدم عن بقية المنافسين.«
ومع استمرار التجارب التي تجريها شركة »أمـــازون«، فإنها تــخــاطــر مــع ذلـــك بـــأن يـعـتـبـرهـا الـنـاس أقـل تعطيلا، لكنها أكثر تـهـديـدا لـكـل مـا هـو قـديـم. ولقد عينت الشركة الكثير من العمال فــي المـسـتـودعـات الـتـي تملكها، ولكنها تـراهـن فـي الـوقـت نفسه وبـــشـــكـــل كــبــيــر عـــلـــى الأتـــمـــتـــة. و»أمازون غو« بعد كل شيء هي محاولة لإخراج العمالة البشرية بعيدا عن مجالات التسوق.
ويـقـول الـبـروفـسـور كيكري: »)أمــــازون) تخاطر بالعمل على أن تصبح شركة ضخمة للغاية.«
يــرغــب فــي عــض الــنــقــاد في أن تنجح صفقة »هــول فــوودز« فـي كـبـح جـمـاح الـشـركـة. وأشــار »مــعــهــد الاعــتــمــاد المــحــلــي عـلـى الــــــــــــــذات«، وهـــــــو مـــــن الـــخـــصـــوم المعتادين لدى »أمـازون«، إلى أن الشركة تحاول الهيمنة واحتكار تـجـارة الـتـجـزئـة عـبـر الإنـتـرنـت، وأن »أمــــازون بــرايــم« و»أمــــازون إكـــو« هـمـا مــن الاسـتـراتـيـجـيـات الــهــادفــة إلــــى الاســـتـــحـــواذ عـلـى الــعــمــلاء وضــمــان عـــدم ذهـابـهـم للتسوق في أي مكان آخـر. ولقد رفضت شركة »أمازون« التعليق على هذه الموضوعات.
أيــــــن يــمــكــن أن يــنــتــهــي كـل ذلك؟ فكر كوبيكا مليا بشأن هذا الأمــر. يمكن إدراك فكر وفلسفة »أمـــــــــــــازون« مــــن واقـــــــع الــجــهــود الطويلة لتقليص الفارق الزمني بــين »مــا أريـــد« و»مـــا أمــلــك« إلـى فــــتــــرة وجــــيــــزة مــــن الــــزمــــن قـــدر الإمكان. والخاتمة المنطقية لذلك هـو مـا يسميه كوبيكا »أمــازون إمب« Amazon Imp ، وهي اللفظة المختصرة لكلمة »زرع« وأيضا كلمة »دافع«... لأنها سوف تكون كـمـثـل الــرقــاقــة الـذكـيـة المــزروعــة تحت الجلد.
وقـــــال كـوكـبـيـكـا فـــي رســالــة بــالــبــريــد الإلـــكـــتـــرونـــي: »ســـوف تـــســـتـــشـــعـــر الـــــرقـــــاقـــــة دوافـــــعـــــك ورغـبـاتـك، ثـم تـحـاول تلبية تلك الــرغــبــات مــن خـــلال تـحـفـيـز المـخ (مـقـابـل بضعة دولارات مسددة إلــى أمـــازون بـالـطـبـع)، أو سـوف تـمـلأ صــنــدوق بمختلف السلع الـجـيـدة الـتـي تجدها عند عتبة منزلك (مـقـابـل ســداد مبلغ أكبر بالطبع .«(
وكــــــــــــل الــــــــرغــــــــبــــــــات ســـيـــتـــم تــلــبــيــتــهــا... إذ أضـــــاف كـوبـيـكـا يقول: »إنني واثق حتى الآن من أن (أمــازون) تحاول تطوير مثل هذه الرقاقة .«
* خدمة »نيويورك تايمز«