Asharq Al-Awsat Saudi Edition

صفقة »هول فوودز« تطبيق عملي لمغامرات »أمازون« المحسوبة

»الخوض في المخاطر«... طريق بيزوس للتفوق

- نيويورك: ديفيد ستريتفيلد *

امــــــزح قـــــدر مــــا تـــشـــاء حــول وجــــبـــ­ـات الأطـــعــ­ـمـــة الـــتـــي تُــنــقــل بـالـطـائـ­رات المــســيـ­ـرة. فــإن رهــان »أمازون« الذي يكلفها ١٣٫٤ مليار دولار لــلاســتـ­ـحــواذ عـلـى شـركـة البقالة الأميركية »هـول فـوودز« ذات القيمة السوقية البالغة ٨٠٠ مليار دولار تتناسب تماما مع نموذج الأعمال التجارية لشركات التجزئة.

وعلى العكس تقريبا من أي رئـيـس تنفيذي آخــر، فــإن جيف بيزوس مؤسس شركة »أمازون« قــــــد شــــيــــ­د شــــركـــ­ـتــــه عــــــن طـــريـــق الـخـوض فـي المـخـاطـر، وتجاهل التحركات الواضحة، وتصور ما سوف يريده العملاء فيما بعد – حتى قبل أن يعرفوا ذلك.

ومــــــــ­ــــــــــ­ـــــــــن أســــــــ­ــــــــــ­ـــــــــس هـــــــــ­ــــذه الاســتــر­اتــيــجــ­يــة كــانــت مـقـاربـتـ­ه نحو الفشل. ففي حين أن الشركات الأخرى كانت تخشى الوقوع في الأخطاء الكبيرة، يبدو أن السيد بيزوس لا يعبأ بذلك. فإن فقدان الملايين من الــدولارا­ت لسبب من الأسباب أمر لا يعول عليه كثيرا، إنما تكمن الأهمية فـي النجاح. ولـقـد أنـشـأ ذلــك ثقافة تجريبية تتسم بالجرأة والشراسة سببت الكثير من الاهتزازات القوية في البيئة، والتكنولوج­يا، ولا سيما تجارة التجزئة.

وبـيـزوس هـو أحـد الـرؤسـاء الـــتـــن­ـــفـــيــ­ـذيـــين الــــقـــ­ـلائــــل الــــذيــ­ــن يتندرون حول مقدار الأموال التي فقدوها.

وهـــــــو يـــــقـــ­ــول عــــــن ذلـــــــك فــي مؤتمر عقد فـي عـام ٢٠١٤: »لقد كـسـبـت مــلــيــا­رات الـــــــد­ولارات من الفشل«، مضيفا أن الأمـر سوف يبدو كعملية لخلع ضرس العقل مـن دون تـخـديـر؛ إذا تـحـدث عن القائمة الكاملة لمغامراته.

كــــان هــنــاك هــاتــف »فـــايـــر«، عـلـى سبيل المــثــال، الـــذي وصـف بـــأنـــه مـــن المــنــتـ­ـجــات الــحــاسـ­ـمــة فــي مـسـتـقـبـ­ل شــركــة »أمــــــاز­ون«. ولقد كان من أكبر الأخطاء التي ارتـكـبـتـ­هـا الـشـركـة مـنـذ الإعـــلان عـن منتج »نيو كــوك« مـن إنتاج شـركـة كــوكــاكـ­ـولا. وعـنـد مرحلة من المراحل، خفضت »أمازون« من سعر الهاتف إلى ٩٩ سنتا فقط. غير أنه هذه الخطوة لم تنفع في شيء.

وبالنسبة لأي شركة أخرى، كانت هـذه تعتبر تجربة مفعمة بــالإهــا­نــة وذات عــواقــب وخيمة لــلــغــا­يــة. ولـــــم يـــصـــدر أي شــيء مـن وول ستريت بشأنها، حتى عــنــدمــ­ا شـطـبـت »أمــــــــ­ازون« ١٧٠ مليون دولار ذات الصلة بالجهاز الجديد.

وفسر بيزوس الأمـر إذ قال: »إن كنت على استعداد للدخول فــــي رهـــــانـ­ــــات جـــريـــئ­ـــة، فــســوف تتحول إلى تجارب. وإن صارت كــذلــك، فــإنــك لا تـعـلـم مـقـدمـا إن كانت سوف تنجح أم تفشل. حيث إن الـتـجـارب بطبيعتها عرضة للفشل. ولـكـن بعض النجاحات الــكــبــ­يــرة تــعــوض الـــعـــش­ـــرات ثـم الـــعـــش­ـــرات مــــن الـــتـــج­ـــارب الــتــي فشلت .«

وهذا من المناهج المعمول بها فـي الـشـركـة مـنـذ الـبـدايـة – وهـو مـن المـنـاهـج الصعبة للغاية، إن لــم يـكـن مـسـتـحـيـ­لا، حـتـى يمكن للمنافسين محاكاته. تصور كيف بدأت خدمات »أمازون« للإنترنت أول الأمــــــ­ــر مــــشــــ­روعــــا صــغــيــر­ا لـلـحـوسـب­ـة الـسـحـابـ­يـة الـداخـلـي­ـة لمـسـاعـدة الأعـمـال الأسـاسـيـ­ة في داخل الشركة. ثم بدأت الشركة في بيع الإمكانات السحابية الكبيرة إلى الشركات الأخرى.

وقــــبـــ­ـل أن تــــــــد­رك »غــــوغـــ­ـل« و»مـايـكـروس­ـوفـت« الأمـــر، كانت »أمــــــــ­ـــــازون« قــــد أنــــشـــ­ـأت أعـــمـــا­لا بـــهـــام­ـــش ربـــحـــي فـــائـــق يـــقـــار­ب مـلـيـارات الــــدولا­رات؛ مما يعتبر تعديا على مجالات أعمالهم. ولا تـزال »غوغل« و»مايكروسوفت« تكافحان من أجل محاولة اللحاق بالركب. ُ

وإن قـــدر لأعــمــال الـحـوسـبـ­ة السحابية الـنـمـو فـحـسـب، لكان »أمــــــاز­ون بـــرايـــ­م« مــن الــرهــان­ــات الـــجـــر­يـــئـــة مـــنـــذ الــــبـــ­ـدايــــة، وهـــو الـــخـــد­مـــة المــكــاف­ــئــة لــشــعــا­ر »كــل مـــا يــمــكــن أن تــأكــلــ­ه« بـالـنـسـب­ـة للمتسوقين: ادفع رسوما سنوية لتحصل على تغطية كاملة لكافة مــصــاريـ­ـف الـشـحـن لــعــام كـامـل. ولقد ارتفعت نفقات الشحن لدى »أمـــازون« بـصـورة كبيرة، ولكن الإيـــــر­ادات ارتـفـعـت هـي الأخــرى، لدرجة أن أحـدا لم يعبأ بارتفاع النفقات.

يــقــول كــولــين سـيـبـاسـت­ـيـان، المحلل الاقتصادي لدى مؤسسة »روبــــرت دبـلـيـو بـيـرد وشـركـاه« الاستثماري­ة: »عندما يكون لديك هـذا المنظور طويل الأجــل؛ حتى أنك تفكر لعقود بدلا من الأرباع الفصلية، يسمح لك ذلك بالقيام بــأشــيــ­اء والـــدخــ­ـول فــي مـخـاطـر تـعـتـقـد بـقـيـة الــشــركـ­ـات أنــهــا لا تصب في مصالحها المباشرة«.

بـــــــــ­دأت شــــركـــ­ـة »أمــــــــ­ــــــازون«، بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون يــــــتــ­ــــذكــــ­ــرون، كــــشــــ­ركــــة صــغــيــر­ة لـبـيـع الـكـتـب بـالـخـصـو­مـات عبر الإنــتــر­نــت فـــي عــــام ١٩٩٥. وفــي خـضـم تـألـق طـفـرة الإنـتـرنـ­ت في أواخــــــ­ـر الــتــســ­عــيــنــا­ت، أصـبـحـت الشركة رمزا للكيفية التي سوف يــغــيــر بـــهـــا الاخــــــ­تــــــراع الــجــديـ­ـد »شـبـكـة الإنــتــر­نــت الـعـالمـي­ـة« من وجه الحياة في كل شيء. ثم على غـــرار شــركــات الإنـتـرنـ­ت الــرائــد­ة الأخرى، توقف كل شيء. لم يكن العالم على أتـم اسـتـعـداد لقبول شــركــة »أمــــــــ­ـــازون«. ولــقــد كـانـت الشركة قاب قوسين أو أدنـى من الانهيار.

ضاعف بيزوس من تركيزه عــلــى الـــعـــم­ـــلاء، وأغـــلـــ­ق الـشـركـة في وجـه وسائل الإعـلام إلـى حد كــبــيــر، وانــطــلـ­ـق لإجــــــر­اء الـكـثـيـر مـن الـتـجـارب الـجـادة والجريئة. وتـطـورت »أمـــازون«، على سبيل المـــثـــ­ال، وأنــتــجـ­ـت جــهــاز كـيـنـدل لـلـقـراءة الإلـكـتـر­ونـيـة، الـــذي بـدا لبعض الـوقـت مـحـاولـة للقضاء عــلــى الـــــقــ­ـــراءة الـــعـــا­ديـــة لـلـكـتـب بالكامل.

الــــشـــ­ـيء الـــوحـــ­يـــد الـــــــذ­ي لـم تفعله شـركـة التجزئة هـو جني المزيد من الأمـوال. وخلال عملها لمدة عشرين عاما بصفتها شركة عامة، تمكنت »أمازون« من تأمين الأربـــــ­ــاح الــتــراك­ــمــيــة بـقـيـمـة ٥٫٧ مليار دولار. وبالنسبة للشركة التي تبلغ قيمتها السوقية ٥٠٠ مليار دولار، فــإن الـرقـم الأول لا يكاد يُذكر. أما شركة »وولمارت«، الـــتـــي تــبــلــغ قــيــمــت­ــهــا الــســوقـ­ـيــة تـقـريـبـا نـصـف الـقـيـمـة السوقية لــــ »أمـــازون«، فـقـد حققت أربـاحـا بـقـيـمـة ١٤ مـلـيـار دولار فــي عـام ٢٠١٦ وحده.

كانت الأرباح الهائلة دائما ما تُنحى جانبا في شركة »أمازون« حتى يمكن للشركة إجـراء المزيد من الاستثمارا­ت. ولقد دفـع هذا الـــتـــو­جـــه المــشــكـ­ـكــين – ولا يـــزال هناك عـدد قليل منهم حتى الآن – والمنافسين إلى حافة الجنون. وجاء المقال الافتتاحي الأسبوع المـــاضــ­ـي عــلــى مــوقــع Seeking» Alpha« المـعـنـي بـالاسـتـث­ـمـارات يحمل عنوان »هل تحاول أمازون جذب الانتباه ؟«

ولــكــن عـــشـــرا­ت المـــلايـ­ــين مـن العملاء لا يهتمون مـا إذا كانت »أمـازون« شركة محققة للأرباح بــــصــــ­ورة كـــبـــيـ­ــرة. بــــل يـهـتـمـون عندما تحاول الشركة أن تجعل حياتهم أسهل أو أفضل.

يــــــقــ­ــــول كــــــريـ­ـــــس كـــوبـــي­ـــكـــا، مــســتــش­ــار الــكــتــ­ب الإلــكــت­ــرونــيــ­ة ومطور البرمجيات الـذي يراقب أعــمــال »أمــــــاز­ون« عــن كـثـب: »إن جيف بيزوس يجعل من التسوق متعة عظيمة. ولقد جعلني أتوقع الأفــضــل مــن كــل ركـــن مــن أركـــان مـوقـع الـشـركـة. حـسـنـا، يمكنني مــراجــعـ­ـة عــربــة الــتــســ­وق المـلـيـئـ­ة بالبقالة دون توقف أثناء محاولة إيقاف سيارتي في المرآب.«

بـــــعـــ­ــد مــــــنــ­ــــاوشـــ­ـــة الــــشـــ­ـركــــة الكارثية مـع هاتف »فـايـر«، كان يمكن لأمازون أن تفعل ما تفعله شـــــركــ­ـــات الــــهـــ­ـواتــــف المــحــمـ­ـولــة الــخــاسـ­ـرة الأخــــرى وتـسـتـمـر في إنتاج المنتجات التي يتجاهلها أغـــلـــب الــــنـــ­ـاس طــلــبــا لمــنــتــ­جــات »آبــــــل« وأجـــهـــ­زة »ســامــســ­ونــغ«. بــــدلا مـــن ذلـــــك، وفــــي عــــام ٢٠١٤ أصـــــدرت الــشــركـ­ـة جــهــاز »إكــــو«، الــســمــ­اعــة الــتــي تـشـبـه الأنــبــو­ب الــــصـــ­ـغــــيـــ­ـر. والمـــــس­ـــــاعـــ­ــد الــــذكــ­ــي »ألـــيـــك­ـــســـا«، والـــتـــ­ي تــعــمــل عـلـى جـهـاز »إكـــو«، ويمكنها تشغيل المــوســي­ــقــى وتــــــــ­لاوة الـــنـــك­ـــات... والآن، تـحـاول شـركـات »غـوغـل« و»آبـل« و»مايكروسوفت« تقليد »أمازون« في ذلك.

يــــــقــ­ــــول ســـــــان­ـــــــدر كــــيــــ­كــــري، الـــبـــر­وفـــســـو­ر لــــدى كــلــيــة »تـيـبـر لــــلأعــ­ــمــــال« الـــتـــا­بـــعـــة لــجــامــ­عــة »كارنيجي ميلون:« »إن بيزوس يـتـقـدم الـصـفـوف عـلـى الـــــدوا­م... رأينا ذلـك في تجارب (الـدرونـز) (الطائرات المسيرة دون طيار) أو (أمازون غو( ‪Amazon Go‬ – وهي مـــن تـــجـــار­ب الــتــســ­وق بـأسـلـوب (الالــــتـ­ـــقــــاط والمــــــ­ـغـــــــا­درة) والــتــي تتجنب التعامل مع موظفي نقاط الدفع من البشر – إنـه قـادر على صـيـاغـة اسـتـراتـي­ـجـيـات الأعـمـال ووضع أمازون في موضع متقدم عن بقية المنافسين.«

ومع استمرار التجارب التي تجريها شركة »أمـــازون«، فإنها تــخــاطــ­ر مــع ذلـــك بـــأن يـعـتـبـره­ـا الـنـاس أقـل تعطيلا، لكنها أكثر تـهـديـدا لـكـل مـا هـو قـديـم. ولقد عينت الشركة الكثير من العمال فــي المـسـتـود­عـات الـتـي تملكها، ولكنها تـراهـن فـي الـوقـت نفسه وبـــشـــك­ـــل كــبــيــر عـــلـــى الأتـــمــ­ـتـــة. و»أمازون غو« بعد كل شيء هي محاولة لإخراج العمالة البشرية بعيدا عن مجالات التسوق.

ويـقـول الـبـروفـس­ـور كيكري: »)أمــــازون) تخاطر بالعمل على أن تصبح شركة ضخمة للغاية.«

يــرغــب فــي عــض الــنــقــ­اد في أن تنجح صفقة »هــول فــوودز« فـي كـبـح جـمـاح الـشـركـة. وأشــار »مــعــهــد الاعــتــم­ــاد المــحــلـ­ـي عـلـى الــــــــ­ــــــذات«، وهـــــــو مـــــن الـــخـــص­ـــوم المعتادين لدى »أمـازون«، إلى أن الشركة تحاول الهيمنة واحتكار تـجـارة الـتـجـزئـ­ة عـبـر الإنـتـرنـ­ت، وأن »أمــــازون بــرايــم« و»أمــــازون إكـــو« هـمـا مــن الاسـتـرات­ـيـجـيـات الــهــادف­ــة إلــــى الاســـتــ­ـحـــواذ عـلـى الــعــمــ­لاء وضــمــان عـــدم ذهـابـهـم للتسوق في أي مكان آخـر. ولقد رفضت شركة »أمازون« التعليق على هذه الموضوعات.

أيــــــن يــمــكــن أن يــنــتــه­ــي كـل ذلك؟ فكر كوبيكا مليا بشأن هذا الأمــر. يمكن إدراك فكر وفلسفة »أمــــــــ­ـــــازون« مــــن واقـــــــ­ع الــجــهــ­ود الطويلة لتقليص الفارق الزمني بــين »مــا أريـــد« و»مـــا أمــلــك« إلـى فــــتــــ­رة وجــــيـــ­ـزة مــــن الــــزمــ­ــن قـــدر الإمكان. والخاتمة المنطقية لذلك هـو مـا يسميه كوبيكا »أمــازون إمب« ‪Amazon Imp‬ ، وهي اللفظة المختصرة لكلمة »زرع« وأيضا كلمة »دافع«... لأنها سوف تكون كـمـثـل الــرقــاق­ــة الـذكـيـة المــزروعـ­ـة تحت الجلد.

وقـــــال كـوكـبـيـك­ـا فـــي رســالــة بــالــبــ­ريــد الإلـــكــ­ـتـــرونــ­ـي: »ســـوف تـــســـتـ­ــشـــعـــ­ر الـــــرقـ­ــــاقــــ­ـة دوافـــــع­ـــــك ورغـبـاتـك، ثـم تـحـاول تلبية تلك الــرغــبـ­ـات مــن خـــلال تـحـفـيـز المـخ (مـقـابـل بضعة دولارات مسددة إلــى أمـــازون بـالـطـبـع)، أو سـوف تـمـلأ صــنــدوق بمختلف السلع الـجـيـدة الـتـي تجدها عند عتبة منزلك (مـقـابـل ســداد مبلغ أكبر بالطبع .«(

وكــــــــ­ــــل الــــــــ­رغــــــــ­بــــــــا­ت ســـيـــتـ­ــم تــلــبــي­ــتــهــا... إذ أضـــــاف كـوبـيـكـا يقول: »إنني واثق حتى الآن من أن (أمــازون) تحاول تطوير مثل هذه الرقاقة .«

* خدمة »نيويورك تايمز«

 ??  ?? صفقة »هول فوودز« تطبيق عملي لمغامرات »أمازون« المحسوبة (أ.ف.ب)
صفقة »هول فوودز« تطبيق عملي لمغامرات »أمازون« المحسوبة (أ.ف.ب)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia