ﻣﻬﺎﺟﺮو اﻟﻘﺴﺮ
ﻗﺎل ﻛﺎﺗﺐ ﻧﻤﺴﺎوي إن اﻟﺬي ﻳﻬﺎﺟﺮ إﻧﺴﺎن ﻻ ذﻛﺮﻳﺎت ﻟﻪ. ﺗﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻄﻠﻊ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺗﺮى أن ﺟﻤﻴﻊ اﳌﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎن. إﻻ ﻣﻬﺎﺟﺮو اﻟﻘﺴﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻓﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﻃﻔﺎل واﻟﺮﺿﻊ. وﻷﺳﺒﺎب ﺷﺨﺼﻴﺔ وﻋﺎﻣﺔ، ﻗﻀﻴﺖ ﻣﻌﻈﻢ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﺮ، ﺳﻔﺮﴽ وﻫﺠﺮة. واﻷﻗﺴﻰ ﻣﻦ اﻻﺛﻨﲔ أن ﺗﻜﻮن ﻏﺮﻳﺒﴼ ﻓﻲ ﻣﻮﻃﻨﻚ، ﻓﺘﻜﻮن آﻧﺬاك، ﻣﻬﺠﻮرﴽ ﻻ ﻣﻬﺎﺟﺮﴽ. ﺧﺮﺑﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺋﻴﺔ، ﻣﺜﻞ ﺑﻴﺖ ﻗﺪﻳﻢ ﻫﺪم ﺟﺪراﻧﻪ اﻟﻬﺠﺮ واﻟﻨﺴﻴﺎن. وﻫﺬا ﺣﺎل ﻣﻼﻳﲔ اﻟﻌﺮب، ﻛﺒﺎرﴽ وﺻﻐﺎرﴽ. ﻟﻘﺪ ﺗﻬﺪم ﻋﺎﳌﻬﻢ، ﻣﺮة ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ، وﻣﺮة ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج، وﺟﻠﺴﻮا ﻳﻨﺘﻈﺮون ﻋﺎﳌﴼ آﺧﺮ.
ﻻ أﻋﺮف ﻋﺪد اﻟﺮﺣﻼت اﻟﺘﻲ ﻗﻤﺖ ﺑﻬﺎ ﺑﲔ ﺑﺎرﻳﺲ وﻟﻨﺪن. ﻣﻦ اﻟﺠﻮ، ﺗﺘﺮاء ى ﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺨﻀﺮة واﻷﻧﻬﺮ واﻟﺒﺤﻴﺮات واﳌﻨﺎزل ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ، وﻣﻦ اﻟﻘﻄﺎر ﺗﻤﻸ أﻧﻈﺎرك ﺳﻄﻮح اﻟﻘﺮﻣﻴﺪ واﻟــﺠــﺴــﻮر واﳌـــﺮاﻋـــﻲ. ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣــﻦ أﺟــﻤــﻞ ﻋـﺎﺻـﻤـﺔ إﻟـــﻰ أﻫـﻢ ﻋﺎﺻﻤﺔ. ﺗﺎرﻳﺦ إﻣﺒﺮاﻃﻮري ﻣﻦ ﻫﻨﺎ وﻣﻦ ﻫﻨﺎك. واﺣﺪة ﻏﻴﺮت وﺟﻪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﺜﻮرة اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ، وأﺧﺮى ﺑﺎﻟﺜﻮرة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ.
وﻟﻜﻦ رﺟﻼ واﺣﺪﴽ ﻛﺎن رﻗﻴﺒﴼ ﻓﻲ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻨﻤﺴﺎوي، أﻣﺮ ﺑﺪك ﻟﻨﺪن، وﺗﻤﻨﻊ ﺟﻨﻮده ﺑﺎﺣﺘﻼل ﺑﺎرﻳﺲ. ﺗﻤﺸﺖ ﺟﺰﻣﺎت اﻟﻬﺘﻠﺮﻳﲔ اﻟﻠﻤﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺎﻧﺰﻟﻴﺰﻳﻪ واﻟﺴﺎن ﺟﻴﺮﻣﺎن واﻷوﺑﺮا. ودﻣﺮت ﻣﻘﺎﺗﻼﺗﻪ ﺟﺴﻮر ﻟﻨﺪن اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺎول أﺣﺪ ﺿـﺒـﺎﻃـﻪ اﻏـﺘـﻴـﺎﻟـﻪ ﺑــﻮﺿــﻊ ﻗﻨﺒﻠﺔ ﻓــﻲ اﺟـﺘـﻤـﺎع اﻷرﻛـــــﺎن، ﻗﺘﻞ اﻷرﻛﺎن وﻟﻢ ﻳﺼﺐ ﻫﻮ إﻻ ﺑﺠﺮوح.
ﺟﻤﻴﻊ اﳌﺤﺎوﻻت ﻟﻌﺰﻟﻪ، أو ﻗﺘﻠﻪ، أﺧﻔﻘﺖ، وﻟﻢ ﻳﻤﺖ إﻻ ﺑـﺎﻻﻧـﺘـﺤـﺎر ﺑـﻌـﺪﻣـﺎ أﺣـــﺮق ﻧـﺼـﻒ أوروﺑــــﺎ وﻛــﻞ أﳌــﺎﻧــﻴــﺎ. أراد ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ دﻛﺎﻧﴼ، وروﺳﻴﺎ ﻣﺰرﻋﺔ، وﻓﺮﻧﺴﺎ ﻣﻌﺮﺿﴼ، وﺑﻮﻟﻨﺪا ﺧﺎدﻣﺔ. وﻛﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ ﻣﻦ ﺑﺎرﻳﺲ إﻟﻰ ﻟﻨﺪن، أو اﻟﻌﻜﺲ، أﻗﻮل ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ: ﳌﺎذا ﻻ ﻳﺒﻘﻰ اﻟﺘﺎرﻳﺦ، ﻣﺜﻞ اﻟﻴﺎﻓﻌﲔ، ﺑﻼ ذﻛﺮﻳﺎت؟ ﳌﺎذا ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﺤﺸﻮ ﻣﻦ اﻵﻻم واﻟﺠﺮاح واﻟﺘﺸﺮد واﻷﻣﺮاض واﻟﺮﻋﺐ واﻟﺒﺮد واﳌﻮت؟ وﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﻦ، وﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻣﺎذا؟
ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﻤﺸﻰ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺘﻮﻳﻠﺮي، أو ﻏﺎﺑﺔ ﺑﻮﻟﻮﻧﻴﺎ، أو ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻠﻮﻛﺴﻤﺒﻮرغ، أﻗﻮل ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ: ﻣﺎذا ﻛﺎن ﺷﻌﻮر اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ اﳌﺘﻨﺰﻫﺔ ﻫﻨﺎك وﻫــﻲ ﺗﺴﻤﻊ وﻗــﻊ اﻟﺠﺰم اﻷﳌﺎﻧﻴﺔ ﺗﺤﺎول أن ﺗﺰرع اﻟﺮﻋﺐ واﻟﺬل ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻷﻃﻔﺎل؟
ﻟــﻜــﻦ ﻛــﻤــﺎ ﺧــــﺮج ﻓــﺮﻧــﺴــﻴــﻮ ﻧــﺎﺑــﻠــﻴــﻮن ﻣـــﻦ روﺳـــﻴـــﺎ أذﻻء اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ، ﻫﻜﺬا ﺧﺮج أﳌﺎن ﻫﺘﻠﺮ ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ. وﻳﻌﻮدون اﻟﻴﻮم ﺳﻴﺎﺣﴼ. وﻳﺤﻞ اﺑﻦ اﳌﺎرﺷﺎل ﻏﻮرﻳﻨﻎ ﺿﻴﻔﴼ ﻋﻠﻰ اﺣﺘﻔﺎل ٤١ ﻳﻮﻟﻴﻮ )ﺗﻤﻮز(.