ﺳﻨﻮات اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ
اﻟﺬاﻛﺮة اﳋﺼﺒﺔ )٠٨٩١( ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﺸﻮار ﻣﻴﺸﺎل ﺧﻠﻴﻔﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ
رﻏــﻢ أن ﺻــﻮت اﳌــﺨــﺮج ﻣﻴﺸﺎل ﺧﻠﻴﻔﻲ ﻟـﻢ ﻳﻌﺪ ﻣﺸﺎﻋﴼ وﻋﺎﻟﻴﴼ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺤﺎل ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺒﻞ أرﺑﻌﲔ وﺛﻼﺛﲔ ﺳﻨﺔ ﻣﻀﺖ، ﻓﺈن إﺳﻬﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺳﻴﻨﻤﺎ ﺗﺴﺠﻴﻠﻴﺔ - رواﺋـﻴـﺔ واﻗﻌﻴﺔ وﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺐ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺣﻮل ﻓـﻠـﺴـﻄـﲔ ﻻ ﻳــــﺰال ﻣـﻠـﻜـﴼ ﻟــﻠــﺘــﺎرﻳــﺦ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻐﻴﻴﺮه.
»ذﻛـــــﺮﻳـــــﺎت ﺧـــﺼـــﺒـــﺔ« ﻛـــــﺎن أول أﻋــــﻤــــﺎﻟــــﻪ. ﻟـــﻜـــﻦ ﺧــﻠــﻴــﻔــﺔ ﻛـــــﺎن ﺧـﻄـﻂ ﳌﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻣﻨﺬ أن اﺗﺨﺬ ﻣــــﻦ ﺑــــﺮوﻛــــﺴــــﻞ، ﺑــﻠــﺠــﻴــﻜــﺎ، ﻣــﻮﻃــﻨــﻪ اﻟــﺜــﺎﻧــﻲ. اﺷــﺘــﻐــﻞ ﻣـﺴـﺮﺣـﻴـﴼ وأﺧـــﺮج أﻋﻤﺎﻻ ﺗﻠﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ ﺛﻢ ﻗﺪم ﻓﻴﻠﻤﻪ اﻷول ﻫﺬا اﻟﺬي ﺻﻮره ﻛﺎﻣﻼ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﲔ ﻟﻴﻌﺮض ﻓﻴﻪ ﺟﻮاﻧﺐ ﺣﺴﺎﺳﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑـــﺎﳌـــﺮأة اﻟـﻔـﻠـﺴـﻄـﻴـﻨـﻴـﺔ، وﺑــﻮﺟــﻮدﻫــﺎ اﻻﺟـﺘـﻤـﺎﻋـﻲ، وﺑــﺮﻣــﻮزﻫــﺎ اﻟﻨﻀﺎﻟﻴﺔ اﻟــﺘــﻲ ﻻ ﻧــﻌــﺮف ﻋــﻨــﻬــﺎ ﺳــــﻮى ﺻــﻮر اﳌـــﻈـــﺎﻫـــﺮات ﻓـــﻲ اﻷﻓـــــﻼم اﻟـﺘـﻮﺛـﻴـﻘـﻴـﺔ اﻷﺧﺮى.
ﺗﺤﺪث ﺧﻠﻴﻔﻲ ﻋﻦ ﺷﺨﺼﻴﺘﲔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺘﲔ. ﻟﻜﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﻤﺎ ﻛﻤﺎدة ﺟـﻮﻫـﺮﻳـﺔ ﺗﺘﺒﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ ذاﺗــﻬــﺎ ﺣﻴﺚ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﻲ، واﻗﻌﻲ، وﻓـﻴـﻪ ﻃﻌﻢ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ، ﺟﻤﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﺎة وﺑﺴﺎﻃﺘﻬﺎ اﳌﻨﺸﺮﺣﺔ. اﻟﺴﻴﺪة اﻷوﻟﻰ )ﻓﺮح ﺣﺎﻃﻮم( اﻣﺮأة ﻣـﺘـﻤـﺴـﻜـﺔ ﺑـﺤـﻘـﻬـﺎ ﻓــﻲ اﻷرض اﻟـﺘـﻲ ﺻﺎدرﻫﺎ اﻟﺠﻴﺶ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ واﻟﺘﻲ ﻳــﻌــﺮض اﻵن ﺗــﺴــﻮﻳــﺔ اﳌــﺴــﺄﻟــﺔ ﻋﺒﺮ ﺷﺮاﺋﻪ ﻟﻬﺎ. واﻟﺴﻴﺪة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ )ﺳﺤﺮ ﺧﻠﻴﻔﺔ( اﻣﺮأة ﻣﺘﻤﺴﻜﺔ ﺑﻨﻀﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ أﻓــﻀــﻞ. ﻓــﻲ اﻻﺛـﻨـﲔ ﺛـــــﻮرة واﺣـــــــﺪة. اﻟــﺘــﻌــﺒــﻴــﺮ ﻋــﻨــﻬــﺎ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺨﺘﻠﻒ: اﻟﺴﻴﺪة اﻷوﻟﻰ ﺗﺮﻓﺾ ﺑﻴﻊ اﻷرض ﺑﻌﻨﺎد ﺷﺪﻳﺪ، وﺑﺪﻋﻮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ اﳌﺮأة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ أوﻻ، وﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ.
ﺻـــــﻮر اﳌــــﺨــــﺮج ﺣـــﻴـــﺎة اﳌـــﺮأﺗـــﲔ اﻟــــﺨــــﺎﺻــــﺔ )اﻟـــــﻜـــــﻞ ﻋـــﻠـــﻰ ﺣــــــــﺪة( ﻓــﻲ اﻟــﺴــﻬــﻮﻟــﺔ واﳌــﻌــﺎﻳــﺸــﺔ ﻧـﻔـﺴـﻬـﺎ اﻟـﺘـﻲ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ إﻻ ﻣﺨﺮج ﻛﺒﻴﺮ. ﺧـﻠـﻴـﻔـﻲ ﻳـﻜـﺘـﻔـﻲ ﺑـﺎﻟـﺒـﻴـﺌـﺔ ﺳــﻨــﺪﴽ ﻟــﻪ، وﺑﻔﻬﻤﻪ ﻟﻬﺎ وﻟـﺘـﻮاﺻـﻠـﻪ ﻣــﻊ ﻫﺎﺗﲔ اﳌــﺮأﺗــﲔ اﻟـﻠـﺘـﲔ، ﻛﺒﺎﻗﻲ ﺷﺨﺼﻴﺎت اﻟـﻔـﻴـﻠـﻢ اﳌــﻘــﺘــﺼــﺪة، ﻟــﻢ ﺗــﻘــﻒ ﺳـﺎﺑـﻘـﴼ أﻣـــﺎم أي ﻛـﺎﻣـﻴـﺮا أو ﻋـﻠـﻰ ﺧﺸﺒﺔ أي ﻣﺴﺮح. ﻳﺪﻟﻒ ﺑﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻮاﻗﻒ ﻓﻴﻬﺎ إدارة ﺳــﺮدﻳــﺔ، ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺘﺨﻠﻰ ﻗﻴﺪ أﻧﻤﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﺲ اﻟﻮاﻗﻌﻲ - اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ، وﻳﻨﺠﺐ ﻟﺤﺴﺎب ﻓـــﻦ اﻟـﺴـﻴـﻨـﻤـﺎ ﻣـــﺎ ﻳــﻤــﻜــﻦ أن ﻧﺴﻤﻴﻪ ﺳﻴﻨﻤﺎ اﳌﻌﺎﻳﺸﺔ. وﻃﺮﻳﻘﺘﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﺰج اﻟﺘﺴﺠﻴﻠﻴﺔ ﺑﺎﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺴﺮدﻳﺔ اﳌﻄﻠﻮﺑﺔ ﻣـﻦ دون دراﻣـــﺎ، وﻣـﻦ دون أن ﻳﺆﺛﺮ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮرة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ اﳌﺴﺘﺨﻠﺼﺔ.
ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻔﻴﻠﻢ، ﻻ ﻳﺒﺪو أن ﻫﺎﺗﲔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺘﲔ ﻟﺪﻳﻬﺎ رواﺑﻂ ﻏﻴﺮ ﻋﺎدﻳﺔ ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ اﳌﺤﻴﻂ ﺑﻬﻤﺎ، ﻫـﺬا رﺑﻤﺎ ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻤﺴﺎت اﻟــــﺤــــﺰﻳــــﻨــــﺔ، واﻟــــﺘــــﻌــــﺎﺑــــﻴــــﺮ اﻟـــــﺠـــــﺎدة واﳌﺴﺘﻜﻴﻨﺔ ﻓﻲ آن. ﻟﻜﻦ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻻﺣﻘﴼ ﻳــﺼــﻞ إﻟــــﻰ اﳌــــــﺪرج اﻟـــــﺬي ﻣـــﻦ ﻋـﻠـﻴـﻪ ﺗــﺘــﺼــﺎﻋــﺪ اﳌــــﻮاﻗــــﻒ اﻟــﺴــﻴــﺎﺳــﻴــﺔ ﺛـﻢ ﺗﺘﺪﻓﻖ وﻣﻌﻬﺎ ﻳﺘﺪﻓﻖ اﻟﺤﻨﺎن اﻟﺬي ﻓﻲ اﻟﻔﻴﻠﻢ. ﻫﺬا اﻟﺘﺪﻓﻖ ﻻ ﻳﺮﻓﻊ ﺷﻌﺎرﴽ ﺑﻞ ﻳﻌﻠﻦ ﻗﻀﻴﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﻧﺰاع ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻬﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮات ﺣﻮﻟﻬﺎ أو اﳌﻮاﻗﻒ.
اﻟﻜﺎﻣﻴﺮا ﻫﻲ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺼﺎﻣﺘﺔ ﻓﻲ اﳌﻜﺎن. ﻻ ﺗﺒﺪو ﻣﻄﻠﻘﴼ ﻣﺘﺪاﺧﻠﺔ وﻟﻮ أن ﻫﻨﺎك ﺗﺮﺗﻴﺒﴼ ﻣﻌﻴﻨﴼ ﻟﺒﻌﺾ ﻣﺸﺎﻫﺪﻫﺎ ﺑــﺪت ﻓﻴﻪ ﻣﺬﻛﺮة ﺑﻮﺟﻮدﻫﺎ.
»ذﻛﺮﻳﺎت ﺧﺼﺒﺔ« ﻫﻮ أﻳﻀﴼ أﺣﺪ اﻷﻓـﻼم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ اﳌـــــﺮأة اﳌـــﻮﺿـــﻮع واﳌـــﺤـــﻮر ﻓــﻘــﻂ ﺑﻞ اﻟﻜﻴﺎن ﻛﻠﻪ. إﻧﻬﺎ اﻟﺘﻤﺎﺛﻞ اﻟﺬي ﻳﺤﻦ إﻟـﻴـﻪ اﻟــﺮﺟــﺎل: اﳌـــﺮأة - اﳌـــﺮأة، اﳌـــﺮأة - اﻷرض، واﳌـــﺮأة - اﻷم. ﻫــﺬا اﻟﺘﻤﺎﺛﻞ ﻣﺴﻨﻮد ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻣﻦ اﻟﺴﺮد اﻟﻬﺎدئ، ﺑــﻠــﻘــﻄــﺎت ﻃــﻮﻳــﻠــﺔ ﻟـــــﻸرض، وﺑـﺤـﺲ ﺧﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻠﻔﻴﻖ. إﻧﻪ ﻓﻴﻠﻢ أﺧﺎذ ﻓﻲ ﺻﺪﻗﻪ وﺟﻤﺎل ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ )اﻟﻄﺒﻴﻌﺘﺎن: ﻃــﺒــﻴــﻌــﺔ اﻟــﻔــﻴــﻠــﻢ وﻃــﺒــﻴــﻌــﺔ اﻟــﺒــﻴــﺌــﺔ واﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻘﻠﻬﺎ( ﺟﺎء ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﻛــﺎﻧــﺖ اﻣــﺘــﻸت ﺑــﺎﻷﻓــﻼم اﻟﺤﻤﺎﺳﻴﺔ اﻟــﺘــﻲ اﺷــﺘــﺮت ﻋــﻮاﻃــﻒ اﳌـﺸـﺎﻫـﺪﻳـﻦ ﺑــﺄﺑــﺨــﺲ اﻷﺳــــﻌــــﺎر. اﻹﻧــــﺘــــﺎج ﻟـﻴـﺲ ﻋﺮﺑﻴﴼ، ﻟﻜﻦ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻋﺮﺑﻲ ﺑﺄﺣﺎﺳﻴﺴﻪ وﺑﺮؤﻳﺔ ﻣﺨﺮﺟﻪ ﻣﺮورﴽ ﺑﺸﺨﺼﻴﺎﺗﻪ. ﻛــﺬﻟــﻚ ﺑــﻤــﻜــﺎن ﺗــﺼــﻮﻳــﺮه وﺑــﻤــﻮاﻗــﻔــﻪ وﺑﻄﺮوﺣﺎﺗﻪ وأﻓﻜﺎره.