ﻣﺎﻛﺮ وﻇﺮﻳﻒ
ﻟــــﻄــــﺎﳌــــﺎ أﻋــــﺠــــﺒــــﺖ ﺑــــﺤــــﻜــــﺎﻳــــﺎت وﻗـــﻔـــﺸـــﺎت اﻟـﺴـﻴـﺎﺳـﻲ اﻟـﻔـﺮﻧـﺴـﻲ ﺟـــﻮرج ﻛﻠﻴﻤﺎﻧﺼﻮ اﻟــﺬي ﻟﻘﺒﻪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن ﺑـ»أﺑﻮ اﻟﻨﺼﺮ«، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﺰع اﻷﳌﺎن ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة ﺑﺴﻤﺎرك، اﻹﻟﺰاس واﻟﻠﻮرﻳﻦ ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺮب اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺔ )٠٧٨١(، ﻛﺎن ﻛﻠﻴﻤﺎﻧﺼﻮ ﻣﻦ ﺟﺒﻬﺔ اﻟﺮﻓﺾ، وﻋﻘﺪ اﻟﻌﺰم ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺎدة ﻫﺎﺗﲔ اﻟﻮﻻﻳﺘﲔ، واﻧﺘﻈﺮ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻄﺎع دﺣﺮ اﻷﳌـﺎن ﻓﻲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﻈﻤﻰ واﺳﺘﻌﺎدﺗﻬﻤﺎ.
ﺑـــﻴـــﺪ أن ﻣـــﻌـــﻈـــﻢ اﻟـــــﻨـــــﺎس ﻳــــﺘــــﺬﻛــــﺮون ﻣــﻨــﻪ ﻗﻔﺸﺎﺗﻪ وﻧﻜﺎﺗﻪ وﺳﺨﺮﻳﺎﺗﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺬﻛﺮون اﻧﺘﺼﺎراﺗﻪ، ﺣﺘﻰ إن اﻷدﻳﺐ ﺷﺎرل ﺑﻴﻐﻲ ﺗﺤﺪث ﻋﻨﻪ ﻳﻮﻣﴼ ﻓﻘﺎل: »إﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻪ ﻛﺜﻴﺮﴽ ﻷﻧﻪ ﻣﺰح ﻛﺜﻴﺮﴽ«.
ﻻ أدري إذا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ روح اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻟﻔﻜﺎﻫﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺗـﻤـﻴـﺰ ﺑـﻬـﺎ ﺗــﻌــﻮد ﻟﺜﻘﺎﻓﺘﻪ اﻹﻧـﺠـﻠـﻴـﺰﻳـﺔ... ﻓﻘﺪ أدى ﻧﺸﺎﻃﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ إﻟﻰ ﻧﻔﻴﻪ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة، وﻫﻨﺎك درس اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ وﺗﺸﺮب اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷﻧﻐﻠﻮﺳﻜﺴﻮﻧﻴﺔ وروح اﻟﻔﻜﺎﻫﺔ ﻓﻴﻬﺎ.
اﻧﻌﻜﺴﺖ ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﻗﻮاﻟﻪ اﻟﺒﻠﻴﻐﺔ. ﺳﺄﻟﻮه ﻳﻮﻣﴼ ﻋﻦ رأﻳـﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﲔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﲔ ﻛـﺎﻳـﻮ وﺑــﺮﻳــﺎن، ﻓـﻘـﺎل إن اﻷول أﻛﺜﺮ ﺗــﻮاﺿــﻌــﴼ، ﻓــﻬــﻮ ﻳــﺪﻋــﻲ أﻧـــﻪ ﻧــﺎﺑــﻠــﻴــﻮن، ﻓــﻲ ﺣﲔ أن ﺑــﺮﻳــﺎن ﻳـﻌـﺪ ﻧﻔﺴﻪ اﻟـﺴـﻴـﺪ اﳌـﺴـﻴـﺢ. ووﺻــﻒ إدوارد ﻫــﺮﺑــﻮ ﺑــﺄﻧــﻪ »ﻋــﻠــﻢ ﻳــﺮﻓــﺮف ﻣــﻊ ﻛــﻞ ﻫﺒﺔ رﻳﺢ«. وﺗﺤﺪث ﻋﻦ رﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ﺑﻮاﻧﻜﺎره وﺣﻜﻤﻪ اﻟﻀﻌﻴﻒ ﻓﻮﺻﻔﻪ ﺑﺄﻧﻪ »ﻗﺼﺒﺔ ﻣﻄﻠﻴﺔ ﺑـﻠـﻮن اﻟــﺤــﺪﻳــﺪ«، وأﻧـــﻪ »رﺟـــﻞ ﻓــﻲ ﺳــﻦ اﻟــــ٥٧ ﻓﻲ ﺟﻠﺪ أرﻧﺐ، ﻳﻌﻠﻦ اﻟﺤﺮب ﻋﻠﻰ أﳌﺎﻧﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮة، ﺛﻢ ﻳﺴﻠﻢ ﻟﻬﻢ اﻹﻟﺰاس واﻟﻠﻮرﻳﻦ ﻓـــﻲ اﻟــﺴــﺎﻋــﺔ اﻟــﺜــﺎﻧــﻴــﺔ ﻋــﺸــﺮة واﻟــﻨــﺼــﻒ ﺣﻔﻈﴼ ﻟﻠﺴﻼم!«.
ﻛــــﺎن ﺑـــﻮاﻧـــﻜـــﺎره ﻗـــﺪ أﺻـــــﺪر ﻛــﺘــﺎﺑــﴼ ﻓــﺴــﺄﻟــﻮا ﻛﻠﻴﻤﺎﻧﺼﻮ ﻋﻦ رأﻳﻪ ﻓﻴﻪ، ﻓﻘﺎل: »ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ، ﻓﻔﻴﻪ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء؛ ﺣﺘﻰ إﻧﻚ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺸﺒﻬﻪ ﺑـ )ﺳﻴﺎرة ﺷﺎﺣﻨﺔ(«.
ﻣﻦ اﻷﺣــﺪاث اﻟﻈﺮﻳﻔﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻓﺮﻧﺴﺎ أن رﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ دﻳﺸﺎﻧﻴﻞ ﺳﻘﻂ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﺎر ﻳـﻮﻣـﴼ وﻋــﺜــﺮوا ﻋﻠﻴﻪ ﻋـﻠـﻰ اﻟـﺴـﻜـﺔ اﻟـﺤـﺪﻳـﺪ وﻫـﻮ ﺑــﺎﻟــﺒــﻴــﺠــﺎﻣــﺎ، ﻓــﻴــﻤــﺎ ﻋــﺮﻓــﺖ ﺑــــ»ﺣـــﺎدﺛـــﺔ ﻣــــﻮﻻن« اﻟﺸﻬﻴﺮة. وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺑﻠﻐﻮا ﻛﻠﻴﻤﺎﻧﺼﻮ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ، ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺼﺪق ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻪ، ﻓﻘﺎل: »ﻫﻞ ﺗﺤﺎوﻟﻮن إﻗــﻨــﺎﻋــﻲ ﺑــﺬﻟــﻚ؛ أن رأس ﻫـــﺬا اﻟــﺮﺟــﻞ أﺛــﻘــﻞ ﻣﻦ ﻣـﺆﺧـﺮﺗـﻪ؟!«، ﻓﻠﻤﺎ أﻛــﺪوا ﻟﻪ ﺻﺤﺔ اﻟﺨﺒﺮ، ﻗﺎل: »ﻟﻘﺪ وﺟﺪ ﻃﺮﻳﻘﻪ أﺧﻴﺮﴽ«. وأﺿﺎف: »إﻧﻬﺎ ﻗﺼﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ... ﻟﻄﺎﳌﺎ ﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﺎرات وﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﻤﺜﻞ ﻫـﺬه اﳌـﻼﺑـﺲ! وﻟﻜﻦ دﻳﺸﺎﻧﻴﻞ ﻛـﺎن داﺋﻤﴼ ﻣﺴﺘﻌﺠﻼ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻮل«.
ﻛﺎن ﻛﻠﻴﻤﺎﻧﺼﻮ ﺳﻴﺎﺳﻴﴼ رادﻳﻜﺎﻟﻴﴼ، وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻳﻜﺮه اﻻﺷﺘﺮاﻛﻴﺔ واﻻﺷﺘﺮاﻛﻴﲔ، وﺑﺼﻮرة ﺧـﺎﺻـﺔ أﺣــﺪ ﻧﻮاﺑﻬﺎ ﻓـﻲ »اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ«، ﻓــﻘــﺎل: »ﺣــﺘــﻰ ﻋـﻨـﺪﻣـﺎ ﺗﺼﺒﺢ إﺣـــﺪى ﻗــﺪﻣــﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺒﺮ، ﻓـﺈن ﻗﺪﻣﻲ اﻷﺧــﺮى ﺳﺘﻈﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻔﺎ ﻫﺬا اﻟﺸﺨﺺ«.
ﻟـﻘـﺪ ﻛــﺎن ﺳﻠﻴﻂ اﻟـﻠـﺴـﺎن ﺟـــﺪﴽ. ﺟـــﺎءه ﻳﻮﻣﴼ أﺣــﺪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﲔ ﻳـﻌـﺮض ﺧﺪﻣﺎﺗﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﻗــﺎل: »اﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﳌﻌﻴﺸﺘﻲ«. ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ: »وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻻ أرى أي ﺿﺮورة ﳌﻌﻴﺸﺘﻚ«. إن ﻧﻘﺪ اﻟﺬات ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﺴﺎﺧﺮﻳﻦ؛ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﺼﺮت ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻫـﻨـﺄوه وأﺷـــﺎروا ﻟـــﺪوره ﻓﻴﻬﺎ وذﻛـﺎﺋـﻪ ﻓﻲ اﳌﻨﺎﺳﺒﺔ، ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﻢ: »أﻧﺎ ذﻛﻲ؟ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ذﻛﻴﴼ ﳌﺖ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻓﺄﺿﻤﻦ ﻟﻨﻔﺴﻲ إﻗﺎﻣﺔ ﺟﻨﺎزة ﻓﺨﻤﺔ ﻟﻲ«.