ﻗﺒﻀﺔ اﻟﻘﻴﺎدة اﳊﺪﻳﺪﻳﺔ
ﻟــﻢ ﻳــــﺄِت ﻟــﻘــﺐ »اﳌـــــﺮأة اﻟــﺤــﺪﻳــﺪﻳــﺔ« اﻟــــﺬي أﻃﻠﻘﻪ اﻹﻋــــــﻼم اﻟـــﺮوﺳـــﻲ ﻋــﻠــﻰ رﺋــﻴــﺴــﺔ وزراء ﺑـﺮﻳـﻄـﺎﻧـﻴـﺎ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﺎرﻏﺮﻳﺖ ﺛﺎﺗﺸﺮ، ﻣـﻦ ﻓــﺮاغ، ﺣﻴﺚ ﺗﺠﻠﺖ اﻟـﻘـﺪرة اﻟﻘﻴﺎدﻳﺔ ﻟﺜﺎﺗﺸﺮ ﻓﻲ ﺣﺎدﺛﺔ وﺻﻔﺖ ﺑﺄﻧﻬﺎ أﻃﻮل ﻧﺰاع ﺻﻨﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، أﺿﺮب ﻋﻠﻰ أﺛﺮه ﻣﻌﻈﻢ ﻋﻤﺎل ﻣﻨﺎﺟﻢ اﻟﻔﺤﻢ ﻋﺎم ٤٨٩١ ﺑﻌﺪ اﻋﺘﺰام ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺛﺎﺗﺸﺮ إﻏﻼق ﺗﻠﻚ اﳌﻨﺎﺟﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﻇﻒ ﻧﺤﻮ ٠٠٢ أﻟﻒ ﺷﺨﺺ.
ﺗــﻠــﻚ اﻟــﻘــﻀــﻴــﺔ ﻣـــﻸت اﻟــﺪﻧــﻴــﺎ وﺷــﻐــﻠــﺖ اﻟــﻨــﺎس، واﺳــﺘــﻤــﺮت ﻷﻛــﺜــﺮ ﻣــﻦ ﻣـﺎﺋـﺘـﻲ ﻳـــﻮم ﻣــﻦ اﻹﺿــﺮاﺑــﺎت واﳌﻮاﺟﻬﺎت ﻣﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺸﺮﻃﺔ، وﻗﻴﻞ إﻧﻬﺎ ﻛﻠﻔﺖ ﻧﺤﻮ ٣ ﻣﻠﻴﺎرات ﺟﻨﻴﻪ إﺳﺘﺮﻟﻴﻨﻲ، وﻫﻮ ﻣﺒﻠﻎ ﻫﺎﺋﻞ ﻓـﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﺒﺔ. ﻓـﻲ ردﻫــﺎ ﻋﻠﻰ ﻣـﺎ ﺣــﺪث اﻋﺘﺒﺮت ﺛﺎﺗﺸﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎدﺛﺔ ﺧﺮوﺟﴼ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﺗﻬﺪﻳﺪﴽ ﻟﻠﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ واﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻲ ﺑﻼدﻫﺎ، ﻓﺄﻟﻘﺖ ﺧﻄﺒﺔ ﻋﺼﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﺒﺮﳌﺎن ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﳌﻤﺜﻠﻲ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﻌﺪ أن ﺣﺪث ﻣﺎ ﺣﺪث: »ﺳﻮف ﺗﺮون ﻗﻴﺎدة ﺟﺪﻳﺪة« ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد، وﻛﺮرﺗﻬﺎ ﻣﺮﺗﲔ ﺑﻨﺒﺮة ﺣﺎدة. وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺑﺪأت اﳌﻮاﺟﻬﺎت وﺗﻌﺜﺮت ﻛﻞ ﺳﺒﻞ اﳌﻔﺎوﺿﺎت ﻣﻊ ﻣﻤﺜﻠﻲ اﻟﻨﻘﺎﺑﺎت اﻟﺘﻲ دﻋﺖ ﻟﻺﺿﺮاب. وﺑﻌﺪ ﻣﺨﺎض ﻋﺴﻴﺮ ﻋﺎد اﳌﻀﺮﺑﻮن »ﺑﺨﻔﻲ ﺣﻨﲔ«.
ﻣﺎ ﻳﻬﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﻫـﺬه اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻛﻴﻒ ﺗﻌﺎﻣﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﺎدﻳﺔ ﻣﻊ ﻫﺬه اﻷزﻣﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻠﺖ اﻟﺒﻼد. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ أن ﻋﻤﺎل اﳌﻨﺎﺟﻢ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﻣــﺮادﻫــﻢ، وﻣــﻀــﺖ اﻟــﺪوﻟــﺔ ﻓــﻲ ﺧﻄﺘﻬﺎ اﻟــﺘــﻲ رأﺗـﻬـﺎ ﻣﻬﻤﺔ ﻟﻮﺿﻊ ﺣﺪ ﻟﻨﺰﻳﻒ اﳌﺼﺎرﻳﻒ ﻓﻲ ﻣﺸﺮوﻋﺎت ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ذات ﺟﺪوى، ﺣﻴﺚ اﻧﺨﻔﺾ ﻋﺪد اﳌﻨﺎﺟﻢ ﻣﻦ ٠٧١ إﻟﻰ ﻧﺤﻮ أﻗﻞ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻣﻨﺠﻤﴼ ﺣﺎﻟﻴﴼ. واﻷﻫﻢ ﻧﺠﺤﺖ اﻹدارة اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﻓـﻲ ﺗﻤﺮﻳﺮ ﻗـﺎﻧـﻮن ﻳﺤﺪ ﻣـﻦ ﺻﻼﺣﻴﺎت اﻟﻨﻘﺎﺑﺎت ﻓـﻲ اﻟـﺪﻋـﻮة ﻹﺿــﺮاب ﻋﺎم ﻣﻦ دون اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﻧﺤﻮ ٥٨ ﻓﻲ اﳌﺎﺋﺔ ﻣﻦ اﻷﻋـﻀـﺎء، واﻧـﺘـﺰاع ﺣﻖ اﻟﻨﻘﺎﺑﺎت ﻓﻲ ﺗﻌﻮﻳﺾ اﳌــﺸــﺎرﻛــﲔ ﻓـــﻲ إﺿـــــﺮاب ﻟـــﻢ ﻳــﺤــﺼــﻞ ﻋــﻠــﻰ اﻟـﻨـﺴـﺒـﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ، وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺴﻌﻰ ﻟﺘﻔﻮﻳﺖ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﻴﺎدات اﻟﻨﻘﺎﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻠﺠﺄ ﻟﻠﺘﺼﻌﻴﺪ ﺑـــﺈﺿـــﺮاب ﺷــﺎﻣــﻞ ﻻﻋــﺘــﺒــﺎرات ﺳـﻴـﺎﺳـﻴـﺔ أو ﻟﺘﻨﻔﻴﺬ أﺟﻨﺪﺗﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ. وﻣـﻊ ذﻟـﻚ ﻟﻢ ﺗﺼﺎدر اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺣــﻖ ﻫـــﺆﻻء اﳌــﺸــﺮوع ﻓــﻲ اﻻﻋــﺘــﺼــﺎم أو اﻹﺿــــﺮاب. ﺣـــﺪث ذﻟـــﻚ ﻛــﻠــﻪ وﻟـــﻢ ﻧــﻘــﺮأ ﻋــﻦ ﺣــﻤــﺎم دم أو إﻃــﻼق أﻋﻴﺮة ﻧﺎرﻳﺔ أودت ﺑﺤﻴﺎة ﻣﺌﺎت ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮرﻳﺔ. وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎت ﻣﻦ اﻋﺘﻘﺎل ﻧﺤﻮ ١١ أﻟﻒ ﺷﺨﺺ وﻣﻌﺎﻗﺒﺔ ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف ارﺗﻜﺒﻮا ﻣﺨﺎﻟﻔﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.
ﻫﺬه اﻟﻘﻀﻴﺔ اﻟﺘﻲ دﺧﻠﺖ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﺒﺮ أدﺑﻴﺎت اﻹدارة واﻟﻘﻴﺎدة واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺗﻌﻄﻲ ﻟﻨﺎ ﻣﺜﻼ ﻋﻠﻰ أن اﻟﺘﺠﺎوب ﻣـﻊ ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﻟﻴﺲ داﺋـﻤـﴼ ﻗــﺮارﴽ ﺻﺎﺋﺒﴼ، ﻓﻘﺪ ﻳﻠﺠﺄ اﻟـﻨـﺎس ﻟﺘﺼﻌﻴﺪ ﺗﺒﺪو ﻟﻠﻘﻴﺎدة ﺧــﻄــﻮرﺗــﻪ، وﺳــﺮﻋــﺎن ﻣــﺎ ﻳـﺘـﺮاﺟـﻌـﻮن ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳــﺮون ﺻﻼﺑﺔ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻘﻴﺎدات اﻟﺮﺷﻴﺪة.
ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻨﻲ ﻧﻘﺎﺑﻲ ﺳﺎﺑﻖ، وﻻ أﻣﻴﻞ ﳌﺼﺎدرة ﺣﻖ اﻟﻨﻘﺎﺑﺎت ﻓﻲ إﺑﺪاء رأﻳﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺗﺪﻫﻮر أوﺿﺎﻋﻬﺎ، ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺨﻞ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎم، ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻣﻊ ﻓﻜﺮة أن اﻟﻘﻴﺎدي ﻣـﻦ ﺣﻘﻪ أن ﻳﻤﻀﻲ ﻓـﻲ ﻗــﺮاراﺗــﻪ إذا رأى ﻣـﻦ ﺧﻼل ﻓﺮﻳﻖ ﻣـﻦ اﳌﺨﺘﺼﲔ، وﺑـﻨـﺎء ﻋﻠﻰ دراﺳـــﺎت أو آراء ﻣــﻮﺿــﻮﻋــﻴــﺔ، أن ﻓــﻲ ﻗــــﺮاره ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣـﻬـﻤـﺔ ﻟﻠﺒﻼد واﻟﻌﺒﺎد. وﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ ﻣﺪﻋﺎة ﻟﻠﺘﺄﻣﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ وزراء ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻳﺘﺮاﺟﻌﻮن ﻋﻦ ﻣﺸﺮوع ﺗﻨﻤﻮي ﻣﻬﻢ ﻓﻮر ﻣﺎ ﺗﻄﻠﻖ ﺿﺪﻫﻢ ﺣﻤﻠﺔ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻓﻲ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أو »ﻫﺎﺷﺘﺎغ« ﻫﺰﻳﻞ ورﺑﻤﺎ ﻣﻔﺒﺮك ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻼﻳﲔ اﳌﺘﺎﺑﻌﲔ اﻟﻮﻫﻤﻴﲔ، ﻓﻴﻔﻮت اﻟﻮزراء ﻋﻠﻰ ﺑﻠﺪاﻧﻬﻢ ﻓﺮﺻﺔ ذﻫﺒﻴﺔ ﻛﺎن ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺨﻠﺪ ذﻛﺮاﻫﻢ.
إن اﻟــﻘــﻴــﺎدي اﻟــﻔــﺬ ﻫــﻮ ﻣــﻦ ﻳــﺤــﻜــﻢ ﻋـﻠـﻰ رﺟـﺎﺣـﺔ ﻗﺮاراﺗﻪ ورؤﻳﺘﻪ اﻟﺜﺎﻗﺒﺔ ﺑﻌﺪ ردح ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺤﻂ ﺣﺮب اﳌﻮاﺟﻬﺔ أوزارﻫﺎ، ﻓﺘﺰول اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ وﺗﺤﻞ ﻣﺤﻠﻬﺎ اﳌـﻮﺿـﻮﻋـﻴـﺔ. واﻟـﻘـﻴـﺎدة اﻟــﻔــﺬة، ﻣﺜﻞ أﺣــﺪاث اﻟﺘﺎرﻳﺦ، ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺴﺘﻮﻋﺒﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧﴼ إﻻ ﺑﻌﺪ ﻣﺪة زﻣﻨﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﻘﺼﻴﺮة.