ﳌﺎذا ﻳﺘﺤﻮل اﻹﻧﺴﺎن ﻷداة ﻟﻠﻘﺘﻞ واﻟﻌﻨﻒ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻳﻘﻮم ﺑﻘﺘﻞ ذاﺗﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ أن ﻳﻘﺘﻞ اﻵﺧﺮﻳﻦ؟
ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﺟﻮﻫﺮ اﻹﻧﺴﺎن«، ﻣﺤﻄﺔ دراﺳﻴﺔ ﺗﻠﻘﻲ ﺣـﺰﻣـﴼ ﻣـﻦ اﻷﺿـــﻮاء ﻋﻠﻰ اﻟﺪاﺧﻞ اﻟـــﺒـــﺸـــﺮي، اﻟــﻌــﻨــﻒ ﺑــﻜــﻞ أﻟــــﻮاﻧــــﻪ وﻋــﻠــﻰ ﻧﻘﻴﻀﻪ اﻟﺤﺐ واﻟﺤﻴﺎة وﻋﺸﻘﻬﺎ. ﳌﺎذا ﻳﺘﺤﻮل اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ أداة ﻟﻠﻘﺘﻞ واﻟﻌﻨﻒ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻳﻘﻮم ﺑﻘﺘﻞ ذاﺗﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ أن ﻳﻘﺘﻞ اﻵﺧـﺮﻳـﻦ؟ أو أن ﻳﺘﺤﻮل اﳌـﻮت إﻟـﻰ ﻟﺬة ﻃــﺎﻏــﻴــﺔ ﻳــﻤــﺎرﺳــﻬــﺎ إﻧـــﺴـــﺎن ﺿـــﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻨﺘﺤﺮﴽ ﻛﻤﺎ ﺣــﺪث ﻣــﺮارﴽ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻓﺮدﻳﺔ أو ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ؟
إﻳﺮﻳﻚ ﻓــﺮوم ﻳﻘﻮل: إن اﻟﺒﻴﻮﻓﻴﻠﻴﺎ ﻫﻲ ﺣﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ اﻟﻨﻜﺮوﻓﻴﻠﻴﺎ اﻟــﺤــﻴــﺔ. وﺑـــﻘـــﺪر ﻣـــﺎ ﻫـــﻮ ﻣــﻴــﻞ ﻟـﻠـﺤـﻔـﺎظ ﻋــﻠــﻰ اﻟـــﺤـــﻴـــﺎة، وﺻــــــﺮاع ﺿـــﺪ اﳌـــــﻮت«. ﺣﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﺘﺠﺬر ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﺒﺸﺮ. اﻟﺒﻨﺎء اﳌﺘﻮاﺻﻞ اﻟﺬي ﻳﺸﻴﺪه اﻹﻧﺴﺎن ﻛﻞ ﻳﻮم ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ. اﻟﻌﻘﻮل اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻜﺮ وﺗﺒﺤﺚ وﺗﻘﺪم اﻻﺧﺘﺮاﻋﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺐ واﻟﻔﻴﺰﻳﺎء واﻟﻜﻴﻤﻴﺎء. اﳌﺒﺪﻋﻮن ﻓﻲ اﻟﻔﻦ واﻷدب. اﻟــﺰواج ﺑﲔ اﻟﺬﻛﺮ واﻷﻧﺜﻰ اﻟﺬي ﻳﻌﻄﻲ ﻗﻮة اﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻳﺆﻛﺪ أن ﺣﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﻫﻮ اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺴﻮﻳﺔ ﻟﺠﻮﻫﺮ اﻹﻧﺴﺎن وﺳﻠﻮﻛﻪ.
اﻟﻨﻜﺮوﻓﻴﻠﻴﺎ... ﺣﺐ اﳌﻮت وﻋﺒﺎدة اﻟــﻔــﻨــﺎء واﻟــﻌــﻨــﻒ واﻟــﺘــﺪﻣــﻴــﺮ، ﻧــﺘــﻮء ﻓﻲ اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻌﻠﻪ أﺣــﻴــﺎﻧــﴼ ﻋــﻠــﻰ اﳌــﺴــﺘــﻮى اﻟــــﻔــــﺮدي، وﻗــﺪ ﻳــﺘــﺠــﺎوز ذﻟـــﻚ إﻟـــﻰ ﺳــﺎﺣــﺎت اﻟـﺠـﻤـﺎﻋـﺔ، ﻟـــﻜـــﻦ اﻟـــــﻔـــــﺮد ﻫـــــﻮ اﻟــــﻘــــﺪاﺣــــﺔ اﻟــﻨــﻔــﺴــﻴــﺔ اﳌــﺸــﻮﻫــﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺗـﺸـﻌـﻞ ﻧـــﺎر اﻟــﺨــﻠــﻞ ﻓﻲ اﻟﺬات اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ وﺗﺘﺴﻊ داﺋﺮة ﺛﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ آﺧـﺮﻳـﻦ. ﻳﻘﻮل ﻓــﺮوم: »إن اﻟﺸﺨﺺ ذا اﻟــﺘــﻮﺟــﻪ اﻟــﻨــﻜــﺮوﻓــﻴــﻠــﻲ ﻫـــﻮ ﺷﺨﺺ ﻣــﻨــﺠــﺬب ﻧــﺤــﻮ ﻛـــﻞ ﻣـــﺎ ﻟــﻴــﺲ ﺣــﻴــﴼ، ﻛﻞ ﻣـﺎ ﻫـﻮ ﻣﻴﺖ، اﻟﺠﺜﺚ، اﻟﺘﺤﻠﻞ، اﻟـﺒـﺮاز، اﻟــﻘــﺬارة، وﻣﻔﺘﻮن ﺑــﻪ«. اﻟﻨﻜﺮوﻓﻴﻠﻴﻮن ﻫﻢ ﻣﻦ ﻳﺤﺒﻮن اﻟﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﳌﺮض، ﻋﻦ اﻟﺪﻓﻦ، وﻋﻦ اﳌﻮت.
وﻳﻌﺪ ﻫﺘﻠﺮ ﻣﺜﺎﻻ واﺿﺤﴼ ﻟﻠﻨﻤﻂ اﻟﻨﻜﺮوﻓﻴﻠﻲ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻔﺘﻮﻧﴼ ﺑﺎﻟﺘﺪﻣﻴﺮ، وراﺋﺤﺔ اﳌﻮت ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺬﺑﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻴﻪ. وﻓــﻲ ﺣـﲔ ﺑــﺪا ﻓـﻲ ﺳـﻨـﻮات ﻧﺠﺎﺣﻪ أﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ ﻓﻘﻂ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﻣﻦ اﻋﺘﺒﺮﻫﻢ أﻋﺪاءه، ﻓــﻘــﺪ ﺑـﻴـﻨـﺖ أﻳــــﺎم ﻏــﻮﺗــﺮ داﻣــﻴــﺮوﻧــﻎ ﻓﻲ اﻟـﻨـﻬـﺎﻳـﺔ أن رﺿـــﺎه اﻷﻋــﻤــﻖ ﻫــﻮ ﻓــﻲ أن ﻳﺸﻬﺪ اﻟﺘﺪﻣﻴﺮ اﻟﻜﺎﻣﻞ واﻟﻜﻠﻲ: ﺗﺪﻣﻴﺮ اﻟـﺸـﻌـﺐ اﻷﳌـــﺎﻧـــﻲ، وﺗــﺪﻣــﻴــﺮ ﻣــﻦ ﺣـﻮﻟـﻪ، وﺗــﺪﻣــﻴــﺮ ﻧــﻔــﺴــﻪ. وﻗـــﺪ ﺟـــﺎء ﻓـــﻲ ﺗـﻘـﺮﻳـﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ اﻷوﻟﻰ، وإن ﻟﻢ ﻳﺘﻢ إﺛﺒﺎﺗﻪ، أن »ﺟﻨﺪﻳﴼ رأى ﻫﺘﻠﺮ واﻗﻔﴼ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻧـﺸـﻮة، ﻣﺤﺪﻗﴼ ﻓـﻲ ﺟﺜﺔ ﻣﺘﻌﻔﻨﺔ وﻏﻴﺮ راﻏﺐ ﻓﻲ اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻨﻬﺎ«.
اﻟـﻌـﻨـﻒ اﻟــﻔــﺮدي واﻟــﺠــﻤــﺎﻋــﻲ ﻛﺘﺐ ﺻﻔﺤﺎت ﻓـﻲ ﻣﺠﻠﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺒﺸﺮي، وﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ اﻟﺴﺆال اﻟﻴﻮم: ﳌﺎذا اﻧﺘﺸﺮت ﻇﺎﻫﺮة أن ﻳﻘﺘﻞ إﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻨﺘﺤﺮﴽ ﻣــﻦ أﺟــﻞ أن ﻳﻘﺘﻞ أﻛـﺒـﺮ ﻋــﺪد ﻣــﻦ أﻧــﺎس ﻻ ﻳــﻌــﺮف أﺣــــﺪﴽ ﻣــﻨــﻬــﻢ، ﻻ ﻋــــﺪاوة ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻨﻬﻢ؟
وﻛــﻴــﻒ اﺳــﺘــﺴــﻠــﻢ ﻣــﺌــﺎت اﻟــﻨــﺎس، ﺑــﻴــﻨــﻬــﻢ ﻣــﺘــﻌــﻠــﻤــﻮن، أﺳــــﺎﺗــــﺬة وﻃــﻠــﺒــﺔ وﻣـﻬـﻨـﺪﺳـﻮن، إﻟــﻰ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﺮﻳﻀﺔ ﻣـــﺜـــﻞ ﺟـــﻴـــﻢ ﺟــــﻮﻧــــﺰ، ﻳـــﺴـــﻴـــﺮون وراءه ﻛــﺎﻟــﻘــﻄــﻴــﻊ اﳌـــــــﺮوض اﻟـــﺘـــﺎﺑـــﻊ. ﻳﻨﻘﻠﻬﻢ ﻣـــﻦ ﻣـــﻜـــﺎن إﻟـــــﻰ آﺧـــــﺮ دون اﻋـــﺘـــﺮاض. ﻳــﻨــﻔــﺬون أواﻣــــــﺮه دون ﻫــﻤــﺲ، وﺻــﻞ ﺑـﻬـﻢ اﻻﺳــﺘــﺴــﻼم اﳌــﺮﻳــﺾ أن ﻳﺸﺮﺑﻮا اﻟــﺴــﻢ ﻃــﺎﺋــﻌــﲔ، ﻳــﺮﺣــﻠــﻮن إﻟــــﻰ اﳌـــﻮت وﻳﺮﺿﻌﻮن أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺪﻓﻌﻮه إﻟﻰ أﻓﻮاﻫﻬﻢ؟
ﻃﺎﻟﺐ ﺷﺎب ﻳﺸﺘﺮي ﺑﻨﺪﻗﻴﺔ آﻟﻴﺔ، وﻳﺘﻮﺟﻪ إﻟﻰ ﻣﺪرﺳﺘﻪ ﻟﻴﻘﺘﻞ أﻛﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻦ زﻣﻼﺋﻪ. ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﻘﻮل إﻧﻪ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺟﻨﻮن أو اﺿﻄﺮاﺑﺎت ﻧﻔﺴﻴﺔ. ﻫــﻨــﺎك ﻣـﺠـﺎﻧـﲔ ﻳــﻌــﺒــﺮون ﻋــﻦ ﺟﻨﻮﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﺮﻗﺺ أو اﻟﻐﻨﺎء أو اﻟﺮﻛﺾ.
اﻟــﻨــﻜــﺮوﻓــﻴــﻠــﻴــﺎ أو ﻋــــﺒــــﺎدة اﳌـــــﻮت، ﻳــﺒــﺪو أﻧــﻬــﺎ ﻧــﺘــﻮء ﻣــﺮﺿــﻲ ﻛــﺎﻣــﻦ ﺗﺤﺖ ﺗﺮﺑﺔ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﻨﻔﺴﻲ اﻟﺒﺸﺮي، ﺗﻌﺮﻳﻪ رﻳﺎح اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ واﻟﻘﻔﺰات اﳌﺘﻨﻮﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﻬﺪﻫﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺗﺠﻌﻞ أﻓﺮادﴽ وﺟﻤﺎﻋﺎت ﻳﺘﻠﺬذون ﺑﻘﺘﻞ اﻵﺧﺮ، وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻷداة ﻗﺘﻞ أﻧﻔﺴﻬﻢ.