المجر بين زحف الشيخوخة ورفض المهاجرين
ســــــعــــــيــــــاً وراء الــــــــــفــــــــــوز فـــي الانتخابات البرلمانية التي أجريت نهاية الأسبوع الماضي، نظم الحزب الــحــاكــم فـــي الــنــمــســا »فــيــديــســز«، حملة ضد المهاجرين. وربما يبدو غــريــبــاً داخـــــل بــــلاد تــضــم الـنـسـبـة الأقل من السكان المولودين في بلاد أجـنـبـيـة عـلـى مـسـتـوى دول الـعـالـم المتقدم وتعتبر معدلات الخصوبة بها أقل حتى عن المتوسط الأوروبي الـــواهـــن. بـيـد أن الـحـقـيـقـة أن هـذه الحملة لـم تـأت اسـتـجـابـة لحقائق ديموغرافية، وإنما جـاء ت بمثابة حملة ثقافية كاسحة جعلت المجر مـن أقـل الــدول تـقـبـلاً لـلاجـئـين على مستوى القارة الأوروبية.
فـي واقـع الأمـر، لا تعتبر المجر دولة معادية للمهاجرين، ويتجلى ذلــك فــي الإحــصــاء ات الـتـي تكشف أنـــــه خـــــلال عـــــام ٢٠١٦ أحــــــدث عــام تـتـوافـر إحـصـاء ات رسمية بشأنه،
ً انتقل إليها ٢٣ ألـفـا و٨٠٣ أجانب. وقــــد ظــلــت هــــذه الأرقـــــــام مـسـتـقـرة قبل صعود رئيس الـوزراء فيكتور أوربـــان للسلطة عــام ٢٠١٠. وجـاء أقل عن نصف هؤلاء المهاجرين من مواطني الاتحاد الأوروبي.
ولا يعد هذا رقماً كبيراً بمعايير الدول الغنية، لكنه في الوقت ذاته لـــيـــس بـــرقـــم ضـــئـــيـــل. عـــلـــى سـبـيـل المثال، نجد أن البرتغال، وهي مثل المجر، يبلغ عدد سكانها قرابة ١٠ مــلايــين نــســمــة، اسـتـقـبـلـت ١٥ ألـفـاً ومـــائـــة مـــواطـــن أجــنــبــي فــقــط ذلــك العام. علاوة على ذلك، فإن حكومة أوربــــان نــفــذت حـتـى مـــارس (آذار) ٢٠١٧ برنامج سندات إقامة موجه إلى الآسيويين على وجه التحديد لاقـــــى انــــتــــقــــادات واســـــعـــــة. وتــبــعــاً لـلـبــرنـامــج، فــإنــه مـقـابــل اسـتـثـمـار ٣٠٠ ألـــف يــــورو (٣٧٠ ألـــف دولار) في سندات الحكومة المجرية، يحق لـلـفـرد الـحـصـول عـلـى إقـامـة دائـمـة بــالــبــلاد. وبــالــفــعــل، الــتــحــق بـهـذا البرنامج ٢٠ ألف شخص بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٧ مـــا أســهــم فـــي إثـــراء مـجـمـوعـة مــن الأشــخــاص أصـحـاب الاتصالات السياسية والذين تولوا إدارة شركات وساطة.
ومــــع هـــــذا، تـــبـــدو المـــجـــر تـحـت قـيـادة أوربــان رافـضـة بـشـدة لنمط معين من الهجرة.
فـي هــذا الــصــدد، قــال المـتـحـدث الــرســمــي بــاســم الـحـكـومـة زولــتــان كــــوفــــاكــــس خــــــــلال مــــحــــادثــــة مــعــه مـــــؤخـــــراً: »لـــقـــد عــشــنــا إلـــــى جــــوار الإســلام والمـسـلـمـين عـلـى مــدار ٥٠٠ عام ونعي تماماً أنهم لن يندمجوا فـي المجتمع. إنـنـا نتعامل مـع هذا الأمــــــر بـــاعـــتـــبـــاره مــشــكــلــة تـتـعـلـق بالحضارة«.
وتـــبـــعـــاً لمـــــا ذكــــــــره كـــوفـــاكـــس، فـــإن المـسـلـمــين يــعــمــدون إلـــى بـنـاء »مـجـتـمـعـات مــوازيــة« داخــل الــدول الأوروبــــيــــة الــتــي تـسـتـقـبـلـهـم، ولا يــرغــب المــجــريــون فـــي حــــدوث ذلــك ببلادهم. وبالفعل، خلصت دراسة أجــراهــا مـعـهـد بـيـو لــلأبــحــاث عـام ٢٠١٦ إلــــــى أن ٧٢ فــــي المــــائــــة مـن أبـــنـــاء المــجــر لــديــهــم نــظــرة سـلـبـيـة تجاه المسلمين في بلادهم، مقارنة بـمـتـوسـط يـبـلـغ ٤٣ فــي المــائــة على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وتبعاً لما ذكره غابور غيولاي، مــديــر بــرنــامــج لمــســاعــدة الـلاجـئـين يتبع لجنة هلسنكي المجرية، التي تمثل المنظمة الوحيدة التي وفرت مساعدة قانونية مجانية للاجئين، فـــــــإن حـــــــزب »فــــيــــديــــســــز« تــحــمــس عـنـدمـا بــدأ لاجـئـون مـن دول شـرق أوسطية مزقتها الحروب يتدفقون عـبـر الــحــدود الـصـربـيـة عــام ٢٠١٥ فـــي طــريــقــهــم إلــــى ألمــانــيــا والـــــدول الاسـكـنـدنـافـيـة. وأضــــاف غــيــولاي: »كان الحزب قد أعيد انتخابه للتو عـام ٢٠١٤، لكن شعبيته كـانـت في تـــراجـــع بـسـبـب الــفــســاد وعــــدد مـن الــفــضــائــح. وعــلــيــه، فـإنـهـم وجـــدوا في هذه القضية ضالتهم المنشودة ويعمدون إلى استغلالها منذ ذلك الحين .« الـعـامـة فــي المـجـر الـــذي وفــر فـرص عمل لأكثر عن ١٦٠ ألـف فـرد عانوا من البطالة لفترات طويلة. وكشفت دراسة معهد بيو سالفة الذكر أن ٦٤ في المائة من المجريين لديهم نظرة سلبية إزاء الغجر.
ومـع هـذا، ربما تتمثل المشكلة الـــــكـــــبـــــرى وراء تــــركــــيــــز حـــكـــومـــة فـي الـتـعـامـل مـع الأشــخــاص الـذيـن يـنـجـحـون بــصــورة مــا فــي اجـتـيـاز الـــــجـــــدار فـــــي نــقــلــهــم إلــــــى الــضــفــة الأخـــــرى مــنــه فــي أي نـقـطـة يـجـري ضبطهم عندها.
ولا تــعــتــبــر هــــذه عــمــلــيــة طــرد رسمية تخلف وراءهــا سلسلة من الأوراق التي يمكن تتبعها، وإنما عـنـدمـا يـجـري ضـبـط شـخـص دون فـــيـــزا، فــإنــه يــجــري بــبــســاطــة نـقـلـه إلـى الـجـدار ثـم الـدفـع بـه إلـى داخـل صـــربـــيـــا، وانـــتـــهـــى الأمـــــــر! وطــبــقــاً لــلــبــيــانــات الــــصــــادرة عـــن الــشــرطــة المجرية، فـإن ٩ آلاف و١٣٦ شخصاً جرى »نقلهم« إلى الجانب الآخر من الجدار العام الماضي.
من ناحية أخـرى، فـإن محاولة الــدخــول إلـــى المــجــر لـلـتـقـدم بـطـلـب لـلـحـصـول عـلـى الـلـجـوء الـسـيـاسـي تـــــبـــــدو دون جــــــــــدوى عــــلــــى نــحــو مـتـزايـد. والـلافـت أن آلاف العالقين فرداً، والآن تراجعت إلى فرد واحد فـــقـــط. وأضـــــــاف غــــيــــولاي: »يــعــنــي ذلــــك أنــــه إذا ســمــح لأســـــرة مـكـونـة من خمسة أفراد بدخول البلاد، لن يسمح بدخول أي شخص آخر على مدار أسبوع.«
وبمجرد السماح لهم بالدخول إلى المجر، يجري احتجاز المتقدمين بطلبات اللجوء طـوال فترة النظر فـي الـطـلـب داخــل مـجـمـعـات مؤلفة مـــن حــــاويــــات، ومـــحـــاطـــة بــأســلاك شائكة. وليس أمامهم شيء للقيام به، وتتوافر أمامهم بالكاد مساحة لــلــحــركــة داخــــــل الــــحــــاويــــات الــتــي قـد تـصـل درجـــات الــحــرارة بـهـا في الصيف إلى ٤٥ درجة سيليزية.
كما أنـه غير مسموح لوسائل الإعــلام والمنظمات غير الحكومية بالدخول إلـى مثل هـذه المجمعات. وقد بلغت الظروف حداً لا إنسانياً دفــــــع المـــــفـــــوض الــــســــامــــي لـــشـــؤون الــلاجــئــين الــتــابــع لــلأمــم المــتــحــدة، الأربعاء، لمناشدة الدول الأوروبية عــدم إرســــال أي طـالـبـي لــجــوء إلـى المجر في إطار ما يطلق عليه نظام دبـلـن، والــذي تبعاً لـه يتحتم على المــرء الـتـقـدم بـطـلـب لـلـحـصـول على وضـع لاجـئ سياسي فـي أول دولـة مــن دول الاتــحــاد الأوروبــــي يـدخـل إليها.
فــــي مــعــظــم الأحـــــــــــوال، يـقـضـي المتقدمون بطلبات اللجوء أسابيع وشــــهــــوراً داخـــــل هــــذه الـــحـــاويـــات. ويــبــلــغ عـــدد هــــؤلاء الأفـــــراد حـالـيـاً داخــل المـجـر ١٠١ شـخـص، حسبما أفـــــــاد المــــفــــوض الـــســـامـــي لـــشـــؤون الــلاجــئــين. مــن نـاحـيـة أخــــرى، بـلـغ مــعــدل رفــــض طــلــبــات الــلــجــوء مـن جـانـب المـجـر الـعـام المـاضـي ٧٠ في المـــائـــة بــالــنــســبــة لــلأفــغــان (الـــذيـــن يـجـري إخـبـارهـم أن باستطاعتهم الانتقال إلى مناطق أكثر أماناً داخل بــلادهــم) و٧٤ فـي المـائـة للعراقيين و٦٠ في المائة للسوريين.
وحــتــى الــذيــن يـحـصـلـون عـلـى حـــــث الــــلــــجــــوء لـــيـــس بـــمـــقـــدورهـــم انـــتـــظـــار أي شـــــيء مــــن الــحــكــومــة المجرية، ذلك أنه يجري منحهم ٣٠ يوماً من الدعم الأولي داخل منشأة اسـتـقـبـال تــوجــد قـــرب الــحــدود مع النمسا وسلوفاكيا. ولا يحصلون على دورات لتعلم اللغة أو الحصول عـلـى فـرصـة تـوظـيـف. مــن جهتها، تأمل السلطات المجرية في أن يرحل اللاجئون الجدد بعيداً عن البلاد، الأمر الذي يحدث بالفعل. ولا ينجز الأيام الـ٣٠ سوى عدد قليل منهم.
في المقابل، فإن أفضل ما يتعين على الدول الأوروبية الأخرى فعله لـلـتـصـدي لــهــذا الــوضــع إظــهــار أن المهاجرين المسلمين يمكن دمجهم بنجاح داخل مجتمعاتهم الجديدة. ومــع أن هــذه الـعـمـلـيـة تـحـتـاج إلـى نـــفـــس طـــــويـــــل، فــــإنــــه إذا نــجــحــت ستسهم نهاية الأمر في تقديم دليل يسهم في إقناع من لم يدركوا بعد أن الهرم السكاني الأوروبي الحالي الذي تزحف عليه الشيخوخة ليس بالأمر المستدام.
* بالاتفاق مع »بلومبيرغ«