قمة الظهران: الرهان على حلف الاعتدال
مــن بــين الـنـجـاحـات الـكـبـيـرة الــتــي حـمـلـهـا الأمــيــر مـحـمـد بـن ســلــمــان ولــــي الــعــهــد الــســعــودي فــي جـولـتـه الأخــيــرة، هــي إعــادة مـوضـعـة الــرؤيــة الـسـعـوديـة في السياسة الخارجية، وتصحيح الـرؤى المغلوطة حولها بـدءاً من مــلــف الــيــمــن وخــــيــــارات الأســــوأ والسيئ في ظل تعنت الحوثيين وإصــــــــرارهــــــــم عــــلــــى اســــتــــهــــداف المـــمـــلـــكـــة، وهـــــو أمـــــر يـــقـــع تـحـت تـكـنـيـك »الـتـشـغـيـب الـسـيـاسـي« لا أكـثـر، ومحاولة اللعب كطرف مؤثر، لكن الأمر هو الإصرار على تأجيل الحل في اليمن وتجريف هـــويّـــتـــه الـــعـــربـــيـــة والإســـلامـــيـــة بتحويل الدولة المنهكة وحلبها لـتـعـزيـز اقــتــصــاديــات الميليشيا عبر الابتزاز والإتاوات والخطف والتهديد وتجنيد الأطفال.
عـــلـــى الـــصـــعـــيـــد الــخــلــيــجــي اسـتـطـاعـت جـولـة الأمــيــر محمد تصحيح الـنـظـر فـي الـخـلاف مع النظام القطري، حيث لم يتعرض المـوجـز الـرسـمـي للبيت الأبيض حــــول اجـــتــمــاع ولــــي الــعــهــد مـع الرئيس ترمب إلى ذلـك، بل على العكس تم تأكيد أهمية مجموعة الـــعـــمـــل الأمـــيـــركـــيـــة الــســعــوديــة الإمـاراتـيـة الـجـديـدة ومخططات عقد اجتماعات ثلاثية منتظمة مـــع مــســتــشــاري الأمــــــن الــقــومــي بهدف وضع خطط استراتيجية أمـنـيـة وتـنـسـيـق كــل المـشـروعـات الــــــعــــــســــــكــــــريــــــة والـــــســـــيـــــاســـــيـــــة والاقتصادية.
ويــــأتــــي ذلـــــك بــعــد الــخــطــوة الـــــتـــــي كـــــانـــــت تـــشـــبـــه الــــقــــفــــزات الـبـلـهـوانـيـة مــن قـبـل نــظــام قطر حــين أصـــدرت قـائـمـة جــديــدة من الــتــصــنــيــفــات الإرهــــابــــيــــة، وهــو جــزء مــن اسـتـراتـيـجـيـة الـتـعـامـل الـــجـــزئـــي والمـــخـــتـــزل مــــع قـضـيـة كبيرة كالإرهاب لم يعد المجتمع الــدولــي يـتـسـامـح مـعـهـا، رغــم أن تــــصــــريــــحــــات وزيــــــر الخارجية السعودي كـــــــانـــــــت تـــــــصـــــــبّ فـــي صالح »الأمـل بعودة الـنـظـام الـقـطـري إلـى الــصــواب وتـصـحـيـح الــــخــــطــــأ«، لـــكـــن ذلـــك لا بـــد أن يــأتــي وفــق بــــرنــــامــــج ومــــشــــروع تــكــامــلــي يــســتــهــدف رعـــــــــايـــــــــة الـــــنـــــظـــــام القطري للتنظيمات المؤيدة لـ »القاعدة« و»داعش« وغيرهما من جماعات الإســـــــــــلام الـــســـيـــاســـي الــــتــــي تــم تـصـنـيـفـهـا تـنـظـيـمـات إرهــابــيــة، والأهــــــــــــم الاعــــــــتــــــــراف بــمــعــضــلــة تـمـويـل ودعـــم إعـــلام »الــجــزيــرة« لـلـمـعـارضـات المــقــوضــة لـسـيـادة تـلـك الــــدول وإثـــــارة الــــرأي الـعـام ضد استقرارها، فاستقرار الدول الأربــــع الــيــوم بــات ضـمـن سـيـاق تحالفي أكـبـر »حـلـف الاعـتـدال«، لا يمكن استهدافه من قبل تذاكي قـــنـــاة »الــــجــــزيــــرة« عــلــى طـريـقـة تـخـصـيـص كــل مـرحـلـة لـلـهـجـوم عــلــى دولـــــة حــســب المــلــفــات ذات الطابع المثير.
الـــــــيـــــــوم، الــــتــــحــــالــــف يــتــجــه نـحـو تـكـويـن قــاعــدة صـلـبـة على مـسـتـوى المــواقــف ورأب الـصـدع؛ مصر تتعافى، والبحرين تتحول إلـــى دولــــة نـفـطـيـة، والــســعــوديــة والإمــــــــارات تـــعـــززان فـــرص بـنـاء مـــنـــطـــقـــة اقـــــتـــــصـــــاديـــــة واعــــــــــدة، والــعــديــد مــن الــــدول الـعـاقـلـة في المـنـطـقـة تـسـعـى إلــــى كــســب هــذا التحالف والانـضـمـام لـه بعد أن أدركت جدية الانتهاكات الإيرانية فــي المـنـطـقـة وعـلاقـتـهـا المـبـاشـرة بخرائبها بدءاً من مناطق التوتر فـي سـوريـا وصـــولاً إلــى تعطيل الحالة اللبنانية عبر »حزب الله«، والاستمرار في نكء جراح اليمن وأهله عبر تقوية الحوثيين.
قـــــمـــــة الـــــظـــــهـــــران كــــانــــت، عـــلـــى خـــلاف قـــــمـــــم أخــــــــــــــرى، ذات اهــتــمــام كــبــيــر حـتـى على مستوى المتابعة الــــدولــــيــــة، واخــتــيــار الـــظـــهـــران الـــتـــي تـقـع عـلـى سـاحـل الخليج الـعـربـي رســالــة على بـعـد كـيـلـومـتـرات من مــلالــي طــهــران بـأن حلف الاعتدال يولد من أقرب نقطة لهم، وهي رمزية تبعتها إشارات قوية وواضحة ضد انتهاكات طهران ودورهــــــــــا الــعــبــثــي فــــي ســـوريـــا ولبنان واليمن.
تـغـيـرت الأوضـــــاع كـثـيـراً في عالمنا العربي والإسـلامـي، وهو الأمــــــــر الــــــــذي يـــضـــع مــســؤولــيــة كبيرة أمام الولايات المتحدة في طريقة إدارتها للعلاقات الدولية واسـتـراتـيـجـيـة الــحــوار مــع هـذه المـتـغـيـرات الــجــديــدة، لـيـس فقط عــلــى شــكــل بـــراغـــمـــاتـــي يــحــاول التواصل مع الخطابات الغالبة أو المهيمنة بقدر حاجتها الماسّة إلـــــى إعــــــــادة كـــشـــف حــســابــاتــهــا فــــي المــنــطــقــة عـــلـــى أســـــــاس تـلـك المــــتــــغــــيــــرات، ومــــــا أحـــدثـــتـــه مـن مستجدات على مستوى الخطاب الــثــقــافــي والاجـــتـــمـــاعـــي، ولـيـس الــســيــاســي فــقــط، حــيــث تـعـمـلـق الإرهـــــــــــــــاب وتــــضــــخــــم مـــنـــســـوب التطرف في المنطقة.
فــي المـنـطـقـة الــيــوم مـشـاريـع متعددة المشارب طرفاها مشروع تقويض اسـتـقـرار الــدول بقيادة إيــــــــــران وحـــلـــفـــائـــهـــا وأذرعــــــهــــــا، ومــشــروع الاعــتــدال الـــذي تـقـوده الــســعــوديــة، واســتــطــاع تــجــاوز تــحــديــات ومــخــاطــر كـبـيـرة على مـــــدى الـــســـنـــوات الــســابــقــة مـنـذ ريــاح الـثـورات ثـم صـعـود منطق المــيــلــيــشــيــات (الـــتـــحـــدي الأكــبــر الــذي تواجهه السعودية اليوم) مما يتطلب دوراً رئيسياً لا يقل أهمية عن دورها في الحرب على الإرهاب.
لعبة الأهـلّـة في طريقها إلى الأفـــــول، والــتــي تــم اسـتـخـدامـهـا بانتهازية سياسية شديدة، عبر التلويح بمشروع الهلال الشيعي ثـم استغلاله عبر التضخيم من قبل هلال الإسلام السياسي الذي تعاملت معه السياسة الخارجية السعودية بوعي سياسي كبير جعلها على مرمى إعلام الهلالين وتحالفهما ضـدهـا، وربـمـا كـان الــدور الأكـبـر فـي قــادم الأيــام هو إخـــــــراج دول المــنــطــقــة المــتــعــثــرة بتجربة الربيع العربي من سياق هـويـاتـهـا الـسـيـاسـيـة الـحـزبـيـة، ومن أجواء المعارضة التي كانت تعيشها طيلة فترة تشكلها، إلى أن تصبح دولاً فاعلة في السياق الإقـلـيـمـي لـتـيـار الاعـــتـــدال، وفـق مبدأ التحالف والتعاون المشترك، وليس الابتلاع الآيديولوجي أو التصدير الفكري الذي أحال واقع إيران إلى ما آلت إليه من حصار إقـــلـــيـــمـــي وانــــهــــيــــار اقـــتـــصـــادي وشيك.
درس الــتــاريــخ المــتــجــدد هو أن أي دولــــة قــويــة لا يـمـكـن لـهـا أن تـقـف عـنـد حــدود التفكير في نـهـضـتـهـا الـداخـلـيـة دون إعـــادة مـوضـعـة ذاتــهــا خــارجــيــاً بشكل مستقل وقوي، وهو ما اجترحته السياسة الـخـارجـيـة للسعودية الـــجـــديـــدة، حــيــث اتـــخـــذت بــعــداً آخــــــر بــــالــــخــــروج إلــــــى الأزمــــــــات ومــواجــهــتــهــا، وكــــان بــدايــة هــذا الــتــوجــه هــو قـطـع الــطــريــق على الأذرع الإيرانية في المنطقة، وهو خيار رصدنا جـزءاً من الالتفاف عليه في قمة الظهران وبانتظار تأييد واسع من المجتمع الدولي والـقـوى الغربية لإعــادة الـتـوازن لمنطقة فقدت منطقها طويلاً.