مسار رفع الفائدة في أميركا بات أسرع مما كان متوقعاً
معدلات التضخم تتزايد بوتيرة لافتة
كـــشـــفـــت مـــحـــاضـــر اجـــتـــمـــاع الــلــجــنــة الـــفـــيـــدرالـــيـــة الأمــيــركــيــة لـلـسـوق المـفـتـوحـة أن المـسـؤولـين قــلــلــوا مـــن أهــمــيــة قــــــراءات الـنـمـو البطيء فـي الـربـع الأول، وأعـربـوا عــن ازديـــــاد ثـقـتـهـم فــي الاقـتـصـاد الأميركي.
واتــــفــــقــــت غـــالـــبـــيـــة واضـــعـــي السياسات على أن الرفع الإضافي لأسعار الفائدة ستكون له مبررات قوية هـذا العام في ظل التوقعات بتحسن ظـروف سوق العمل، وأن يــرتــفــع الــتــضــخــم الأســـاســـي إلــى الـنـسـبـة الـتـي تستهدفها اللجنة والــبــالــغــة ٢ فـــي المـــائـــة فـــي المـــدى المتوسط.
وأشار تقرير صادر عن دائرة الــــــدراســــــات والأبـــــحـــــاث فــــي بـنـك الكويت الوطني إلى وجـود اتفاق بين واضعي السياسات بالنسبة للسنة الحالية، ولكن هناك خلاف حـــــول المــــســــار المــــلائــــم لـلـسـيـاسـة النقدية في ٢٠١٩ و٢٠٢٠.
وتشير محاضر الاجتماع إلى أن المسار الملائم لسعر الفائدة على الأمــــوال الـفـيـدرالـيـة فـي الـسـنـوات القليلة المقبلة سيكون على الأرجح أكثر حـدة قليلا مما كـان متوقعا سابقا.
ويـــعـــنـــي تـــوقـــع مـــســـار أكــثــر حدة تغيرا من ثلاث مرات من رفع الفائدة هذه السنة إلى أربع مرات وأكثر في ٢٠١٩ و٢٠٢٠.
وعلى صعيد التضخم رصد التقرير ارتفاع الأسعار في أميركا الشهر الماضي بعد أن ارتفع مؤشر سعر المستهلك من ٢٫٢ في المائة إلى ٢٫٤ فـي المـائـة، فيما ارتـفـع مؤشر سعر المستهلك الأسـاسـي مـن ١٫٨ في المائة إلى ٢٫١ في المائة. وتشير هذه الأرقام إلى أن التضخم ارتفع بأسرع وتيرة له في سنة، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى تغيير في طـريـقـة احـتـسـاب الـتـضـخـم إذ لم يـتـم احـتـسـاب الــرســوم المـتـراجـعـة لـلـهـواتـف الـنـقـالـة، الـتـي خفضت الـنـمـو الـسـعـري الـسـنـة المـاضـيـة. وبــالــتــالــي، كـــان الــتــوقــع الـسـابـق لمــجــلــس الاحــــتــــيــــاط الـــفـــيـــدرالـــي صـحـيـحـا بــــأن تــكــالــيــف خــدمــات الهواتف النقالة عاملا كبيرا وراء الـتـضـخـم المـنـخـفـض. وستضيف المؤشرات الأخيرة المزيد من الدلائل على أن الضغوطات السعرية هي شاملة وفي ارتفاع.
وعـــلـــى صــعــيــد المــنــتــج، جــاء الــنــمــو الــســعــري الــشــهــر المــاضــي فوق التوقعات بالنسبة للتضخم الـكـلـي والـتـضـخـم الأســاســي. فقد ارتفع المعدل السنوي لمؤشر سعر المنتج من ٢٫٩ في المائة إلـى ٣ في المـائـة مـع ارتــفــاع المـعـدل الشهري بنسبة ٠٫٣ في المائة. وارتفع الرقم الأساسي بنسبة ٠٫٤ في المائة من شهر لآخر، وبلغت نسبة الارتفاع من سنة لأخرى تبلغ ٢٫٩ في المائة.
وهــــذا هــو أكــبــر ارتـــفـــاع منذ أغــســطــس (آب) ٢٠١٤ بـالـنـسـبـة للبيانات الأساس. ويدعم الارتفاع الواسع النطاق في أسعار الجملة الـــــرأي بـــأن الـتـضـخـم فــي ارتــفــاع هــــذه الــســنــة. ويــعــتــقــد كــثــيــر مـن الاقتصاديين أن تقييد سوق العمل وضــعــف الـــــــدولار والـــدعـــم المــالــي عوامل ستدعم النمو السعري.
عـــلـــى صــعــيــد مـــتـــصـــل، كـــان الأســــــبــــــوع المـــــاضـــــي ســيــئــا عـلـى مـــســـتـــوى كـــثـــيـــر مـــــن الـــبـــيـــانـــات الاقـتـصـاديـة مـع اسـتـمـرار تنامي الاضطراب السياسي العالمي. وكان احتمال اشتباك بين القوى الغربية وروســيــا فـي سـوريـا مهيمنا في الغالب على اتجاه الأسـواق. وفي هــــذه الأثــــنــــاء، انــخــفــض مـنـسـوب الـــتـــوتـــر مـــن حـــــرب تـــجـــاريـــة بـعـد أن قـدمـت كـل مـن أمـيـركـا والـصـين بـوادر إيجابية. فقد وعد الرئيس الـــصـــيـــنـــي بـــخـــفـــض الــــضــــرائــــب عــلــى الـــــــــــواردات وفـــتـــح الأســــــواق أكــثــر. ومــن نـاحـيـة أمـيـركـا، أشــار الرئيس ترمب إلـى أن المفاوضات مــع الــصــين سـتـفـضـي إلـــى نـتـائـج إيجابية، فيما كـرر تفاؤله حيال اتفاقية نافتا. وكان اقتراح إعادة الانـضـمـام لاتـفـاقـيـة الـشـراكـة عبر المـحـيـط الــهــادي المـفـاجـأة الكبرى التي تشير إلى تحول محتمل في الاستراتيجية.
وفــــي هــــذه الأثــــنــــاء، تـتـراجـع عملات المـلاذ الأمـن (الـين الياباني والـفـرنـك الـسـويـسـري) بـالاقـتـران مـــع الــتــحــســن الـــحـــذر فـــي اتــجــاه المستثمرين العالميين نحو المخاطر. وقــد تـراجـعـت المــخــاوف المـتـزايـدة حـيـال حـرب تـجـاريـة عـالمـيـة، وفي الوقت نفسه، فإن لتنامي المخاطر الــجــيــوســيــاســيــة مـــن الــتــطــورات المستمرة في سوريا تأثيرا سلبيا على الأسواق العالمية.
وعـلـى صـعـيـد الـعـمـلات، كـان الدولار ضعيفا في بداية الأسبوع عقب صــدور آخــر تقرير للرواتب غير الـزراعـيـة والــذي جـاء أضعف من المتوقع. ولعب أيضا التحسن في إقبال المستثمرين على المخاطر دورا بعد أن وعد الرئيس الصيني شــــي جــيــنــبــيــنــغ بــفــتــح اقــتــصــاد البلاد أكثر وخفض الـرسـوم على الــواردات. واستمر الزخم السلبي لــــلــــدولار يـــــوم الأربـــــعـــــاء المــاضــي بسبب احتمال التدخل العسكري الأميركي في سوريا. وتغير المسار السلبي للدولار في نهاية الأسبوع بـعـد أربــعــة أيـــام مــن الـتـراجـع مع تــضــاؤل المـــخـــاوف حــيــال الـخـطـر مــن اشـتـبـاك بــين الــقــوى الـغـربـيـة وروسيا في سوريا. وفي الإجمال، تراجع الدولار الأميركي بنسبة ٠٫٤ في المائة خلال الأسبوع الماضي.
أمــا بالنسبة للعملة المـوحـدة، فلم يتردد اليورو في الاستفادة من ضعف الـــدولار فـي بـدايـة الأسـبـوع. ولــقــي أيــضــا المـــزيـــد مـــن الـــدعـــم من رئيس البنك المركزي الأوروبي حين قــال إن الــتــراجــع فــي ســوق الأسـهـم هذه السنة لم يكن له أي تأثير مادي على الظروف المالية لمنطقة اليورو، واقترح أن يبقى واضعو السياسات هــادئــين بــشــأن الـتـقـلـب الأخــيــر في الأسواق.
وكــان لأحـد واضـعـي السياسة في البنك المركزي الأوروبــي، إيوالد نـووتـنـي، تعليقات إيجابية أيضا بـعـد أن دعـــا الـبـنـك إلـــى المـضـي في سياسته النقدية التقييدية تدريجيا وأن يبدأ بمعدل الفائدة على الودائع. ولـــكـــن الــــيــــورو تــــراجــــع فــــي نـهـايـة الأسبوع مع ارتفاع الدولار. وساهم تراجع المخاوف من تصعيد وشيك للصراع بين أميركا وروسيا في إزالة أحد عوامل دعم اليورو، وهو موقعه كملاذ آمن بامتلاكه فائضا ضخما في حسابه الحالي. وارتفع اليورو بنسبة ٠٫٥٢ فـي المـائـة فـقـط مقابل الدولار في أسبوع التداول الماضي.
وأثــــــــــــــــار اجــــــتــــــمــــــاع واضـــــعـــــي الـــســـيـــاســـات فـــــي الـــبـــنـــك المــــركــــزي الأوروبــــــــــي الــشــهــر المـــاضـــي الـقـلـق بـشـأن الـحـمـائـيـة الـتـجـاريـة ورفـض إعـــلان أن الــظــروف مـلائـمـة تقريبا لإنهاء برنامج البنك لشراء السندات. وكشف اجتماع المجلس الحاكم أن واضـعـي الـسـيـاسـات كـانـوا قريبين مــن بـلـوغ الــهــدف بـوضـع التضخم عـلـى مــســار مـسـتـدام نـحـو الـنـسـبـة المـــســـتـــهـــدفـــة فـــــي المــــــــدى المــتــوســط والبالغة ٢ فـي المـائـة تقريبا. ولكن المــــســــؤولــــين خـــلـــصـــوا إلــــــى أنــــــه لـم يكن هـنـاك دلـيـل كـاف للقيام بذلك، وقـــال بـعـض الأعــضــاء إن الـتـبـاطـؤ فــي الاقــتــصــاد قــد يــكــون أكــبــر مما يعتقدونه.
وكــان مبعث القلق الـثـانـي هو قـــوة الـــيـــورو فــي الأشــهــر الأخــيــرة، ويـــــرجـــــع ذلــــــك بــشــكــل جــــزئــــي إلـــى المــخــاوف مـن الحمائية الأمـيـركـيـة. ولــم يـخـفـض تـحـرك الــيــورو مقابل الــــدولار الـطـلـب بـشـكـل كـبـيـر، ولكن واضـعـي الـسـيـاسـات وصـفـوا سعر الصرف بأنه »مصدر كبير« للقلق، وتوقع بعضهم تأثيرا أكثر سلبية على التضخم.
وفـــي الإجـــمـــال، فـــإن المـجـمـوعـة الأكثر تأثيرا في المجلس، بمن فيها رئيس البنك ماريو دراغـي ورئيس الاقتصاديين بيتر برايت، تعتقد أنه لا يزال هناك مجال للتنفس.
ومن ناحية أخرى، قال واضعو السياسات إن الـقـدرة الإضـافـيـة قد اسـتـهـلـكـت بـشـكـل كـبـيـر فــي منطقة اليورو وإن المسألة هي مسألة وقت قبل أن يرتفع التضخم. وبذلك يمكن لـلـبـنـك المــركــزي الأوروبــــــي أن يـقـيّـد سياسته النقدية ويعطي وقتا للنمو السعري لكي يرتفع.
ودعـــا عـضـو المـجـلـس الـحـاكـم، إيوالد نووتني، مؤخرا البنك للمضي في العملية لضمان أن تأخذ منهجا تدريجيا وأن تبدأ بسعر الفائدة على الـودائـع، الـذي كان في نطاق سلبي منذ منتصف ٢٠١٤. وقد توقع البنك أن يـكـون التضخم الأسـاسـي قريبا جدا من ٢ في المائة في ٢٠٢٠. ويبدو أن الـبـنـك يــحــاول جــاهــدا أن يـكـون صقوريا دون التسبب بارتفاع حاد في العملة الموحدة.
أمـــــــا الـــجـــنـــيـــه الإســتــرلــيــنــي فـــحـــافـــظ عـــلـــى أدائـــــــــه الإيـــجـــابـــي الأسبوع الماضي وكان الأفضل أداء بين عملات دول مجموعة العشر. وارتفع الجنيه إلى أعلى مستوى له منذ أواخر يناير (كانون الثاني) مقابل الدولار وهو قريب من أعلى مـسـتـوى لـه مـقـابـل الــيــورو. وكـان وراء هذا الارتفاع تحسن التوقعات السياسية، وانـتـعـاش طفيف في المؤشرات الاقتصادية وقوة مؤشر »هـــالـــيـــفـــاكـــس« لــســعــر المــســاكــن. وكان واضعو السياسات في بنك إنجلترا قد حذروا الأسواق مؤخرا مـــن رفــــع قـــــادم لأســـعـــار الــفــائــدة، وتـتـوقـع الأســـواق الآن أن تصوّت لجنة السياسة النقدية على رفع آخــــر فـــي اجــتــمــاع مـــايـــو (أيـــــــار). ويـمـيـل رفـــع أســعــار الــفــائــدة إلـى دعم العملات مع تدفق الرساميل الخارجية إلـى الــدول التي ترتفع فيها العوائد، ويمكن أن نرى ذلك بشكل خاص في تحركات اليورو مـقـابـل الـجـنـيـه. وارتـــفـــع الـجـنـيـه بـمـقـدار ١٤٤ نـقـطـة أســـاس مقابل الدولار الأسبوع الماضي.
في المقابل، كان الملاذ الآمن الين في ارتفاع حتى الخميس الماضي مع استمرار تقلب الأسواق ما بين الإقــبــال عـلـى المـخـاطـر والابـتـعـاد عنها. وبدأ الين تراجعه منتصف الـخـمـيـس مــع انــخــفــاض تــوتــرات الحرب بعد أن خفف الرئيس ترمب لهجته. وبالإضافة إلى ذلك، كشفت المـــحـــاضـــر الــصــقــوريــة لاجــتــمــاع مـجـلـس الاحــتــيــاط الــفــيــدرالــي أن أسعار الفائدة قد ترتفع أكثر هذه الـسـنـة، والــين حـسـاس جــدا تجاه السياسات النقدية للدول الأخرى. ويرجع السبب في ذلك إلى النظرة بأن بنك اليابان سيكون بين آخر البنوك المركزية الرئيسة في تقييد سياسته النقدية. وخسر الين ٠٫٣٨ في المائة من قيمته مقابل الدولار فــي الأيـــــام الـخـمـسـة الأخـــيـــرة من التداول.
ومن ناحية السلع، قد يستمر المــعــدن الأصــفــر فــي ارتـفـاعـه هـذه الــســنــة بــعــد الارتـــفـــاع الــقــوي في ٢٠١٧. والسبب الأهم وراء ذلك هو ارتفاع الطلب على الذهب في أوقات الخطر والتقلب. وسيوفر ازديـاد التقلب فـي أســـواق الأسـهـم أيضا دعما لأسـعـار الـذهـب كما شهدنا سابقا هذه السنة. وخلال الأسبوع الماضي، ارتفع الذهب بنسبة ٠٫٨٧ فـي المـائـة مقابل الــدولار مـع إلقاء الــــتــــوتــــرات الــســيــاســيــة الــعــالمــيــة بـظـلالـهـا قـلـيـلا عـلـى الأسـاسـيـات الاقتصادية الأميركية.