اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ... ﻣﻦ ﺟﺒﺔ اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ إﻟﻰ ﺣﻀﻦ اﻟﻮﻃﻦ
ﻳﺸﺒﻪ اﻻﺋﺘﻼف اﻟﺬي اﺣﺘﻞ اﳌﺮﺗﺒﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻷﺧﻴﺮة اﳌــــــــــﺎء، ﻓـــﻬـــﻮ ﻳـــﺘـــﻜـــﻮن ﻣـــــﻦ ﻋــﻨــﺼــﺮﻳــﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﲔ ﺗـﻤـﺎﻣـﴼ؛ اﻷول ﻳـﻀـﻢ أﺣـﺰاﺑـﴼ ﻋـﻠـﻤـﺎﻧـﻴـﺔ أﺑـــﺮزﻫـــﺎ اﻟــﺤــﺰب اﻟـﺸـﻴـﻮﻋـﻲ، واﻟـﺜـﺎﻧـﻲ ﻳﻀﻢ أﺣــﺰاﺑــﴼ ذات ﻣﻨﻄﻠﻘﺎت دﻳـﻨـﻴـﺔ ﻛــﺤــﺰب »اﻻﺳــﺘــﻘــﺎﻣــﺔ اﻟـﻮﻃـﻨـﻲ« اﻟــﺬي ﻳﻌﺪ رﺟـﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻘﺘﺪى اﻟﺼﺪر زﻋﻴﻤﴼ روﺣﻴﴼ ﻟﻪ. ﻛﺄﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻫﻨﺎ أﻣﺎم ﻏﺎزي اﻷﻛﺴﺠﲔ واﻟﻬﻴﺪروﺟﲔ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻟﻦ ﻳﻨﺘﻘﻼ أﺑﺪﴽ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻐﺎزﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﺎﺋﻠﺔ إﻻ ﺑﻔﻀﻞ اﺗﺤﺎدﻫﻤﺎ ﺑــﻨــﺴــﺒــﺔ ذرﺗـــــﻲ ﻫـــﻴـــﺪروﺟـــﲔ ﻟــﻜــﻞ ذرة أﻛﺴﺠﲔ.
ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل، ﻣﻊ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺘﻴﺎرﻳﻦ اﳌﺨﺘﻠﻔﲔ، ﻓﻠﻮ دﺧﻞ اﻟﺤﺰب اﻟﺸﻴﻮﻋﻲ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت وﺣﺪه ﻟﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻌﺪ واﺣـــﺪ ﻓــﻲ أﺣــﺴــﻦ اﻷﺣـــــﻮال. ﻛــﺬﻟــﻚ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻣﻊ اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ذي اﻟﺘﻮﺟﻪ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﳌﻨﺸﺄ ﺣﺪﻳﺜﴼ: »اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ اﻟﻮﻃﻨﻲ«، ﻓــﺈﻧــﻪ اﻵﺧــــﺮ ﻟــﻦ ﻳـﺤـﺼـﻞ إﻻ ﻋـﻠـﻰ ﻋـﺪد ﻣﺤﺪود وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﳌﻘﺎﻋﺪ.
ﻫــﻨــﺎ وﺑـــﻌـــﺪ ﻣـــــﺮور ﺧــﻤــﺲ ﻋــﺸــﺮة ﺳـﻨـﺔ ﻋـﺠـﻔـﺎء، ارﺗـــﺪ ﻣـﺴـﺘـﻮى اﳌﻌﻴﺸﺔ ﻟﻘﻄﺎﻋﺎت واﺳـﻌـﺔ ﻣـﻦ اﻟﻌﺮاﻗﻴﲔ ﻧﺤﻮ اﻟــــﺪرك اﻷﺳــﻔــﻞ، ﺑﻴﻨﻤﺎ اﺗـﺴـﻌـﺖ داﺋــﺮة اﻟﻔﺴﺎد وﻧﻬﺐ ﻣـﻮارد اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻟﻪ ﻣﺜﻴﻞ، ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺑﻠﻐﺖ ﻣـــﻮارد اﻟـﻨـﻔـﻂ ﻣــﻦ ﻋــﺎم ٣٠٠٢ إﻟــﻰ ﻋـﺎم ٤١٠٢ )ﺣــﺘــﻰ وﺻـــﻮل اﻟــﺪﻛــﺘــﻮر ﺣﻴﺪر اﻟﻌﺒﺎدي ﻟﺮﺋﺎﺳﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ( أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ دﺧـــﻞ ﻋــﻠــﻰ اﻟـــﻌـــﺮاق ﻣـــﻦ ﺑــﻴــﻊ اﻟــﺒــﺘــﺮول ﻣــﻨــﺬ ﺑـــﺪء إﻧــﺘــﺎﺟــﻪ ﺗــﺠــﺎرﻳــﴼ ﻓـــﻲ أواﺋـــﻞ اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﳌﺎﺿﻲ، وﺣﺘﻰ إﺳــﻘــﺎط ﻧــﻈــﺎم ﺻــــﺪام ﺣـﺴـﲔ ﻋـﻠـﻰ ﻳﺪ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة وﺣﻠﻔﺎﺋﻬﺎ ﻋﺎم ٣٠٠٢.
ﻟــــﺬﻟــــﻚ، وﺑـــﻐـــﺾ اﻟــﻨــﻈــﺮ ﻋــــﻦ ﻋــﺪد اﳌﻘﺎﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷﺣــﺰاب اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﺋﺘﻼف »ﺳﺎﺋﺮون«، ﻓﺈن ﺿــﻤــﻪ ﻟـﻘـﻄـﺒـﲔ ﻳـﺨـﺘـﻠــﻔـﺎن ﺟـــﺬرﻳـــﴼ ﻓﻲ اﻟـﻜـﺜـﻴـﺮ ﻣــﻦ اﻟــﻘــﻨــﺎﻋــﺎت اﻷوﻟـــﻴـــﺔ، ﺣــﺪث ﻳﻌﻜﺲ ﺗــﺤــﻮﻻ ﻣﻠﻤﻮﺳﴼ ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻇﻠﺖ ﺗﻌﺪ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﳌﺬﻫﺒﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ أﺳﺎﺳﴼ ﻳﺴﺒﻖ اﳌﻮاﻃﻨﺔ واﻻﻧﺘﻤﺎء إﻟـﻰ اﻟﻮﻃﻦ اﻟـﻮاﺣـﺪ. وﺑﺘﻌﻘﺐ اﻻﺋـﺘـﻼﻓـﺎت اﻷﺧـﺮى ﻧــﻜــﺘــﺸــﻒ وﺟــــــﻮد ﻗــﺎﺋــﻤــﺘــﲔ ﻋــﺎﺑــﺮﺗــﲔ ﻟــــﻠــــﻄــــﻮاﺋــــﻒ واﻹﺛـــــﻨـــــﻴـــــﺎت واﻷدﻳــــــــــــﺎن، وﻫــﺎﺗــﺎن ﻫـﻤـﺎ ﻗـﺎﺋـﻤـﺘـﺎ »اﻟــﻨــﺼــﺮ« اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ ٢٤ ﻣﻘﻌﺪﴽ )ﺣﺴﺐ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻷوﻟـــﻴـــﺔ( و»اﻟــﻮﻃــﻨــﻴــﺔ« اﻟــﺘــﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﻋـﻠـﻰ ١٢ )ﻣـــﻦ دون ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻋــﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻻﻧــﺘــﺨــﺎﺑــﺎت اﻟــﺴــﺎﺑــﻘــﺔ(. أﻣـــﺎ اﻟـﺨـﺎﺳـﺮ اﻷﻛﺒﺮ ﻓﻬﻮ اﺋﺘﻼف دوﻟﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺬي ﻳﺘﺰﻋﻤﻪ رﺋﻴﺲ اﻟـﻮزراء اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻧﻮري اﳌــﺎﻟــﻜــﻲ اﻟـــﺬي ﻳـﻤـﺜـﻞ ﺑــﺎﻟــﺪرﺟــﺔ اﻷوﻟـــﻰ ﺣﺰب اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺸﻴﻌﻲ، ﻓﻘﺪ ﺣـﺼـﻞ ﻋـﻠـﻰ ٥٢ ﻣـﻘـﻌـﺪﴽ )أي ﺑـﺨـﺴـﺎرة ﻣﻘﺎﻋﺪ ﺑﻠﻐﺖ ٧٦ ﻣﻘﻌﺪﴽ ﻋﻦ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟـﺴـﺎﺑـﻘـﺔ(. ﻓــﻲ اﳌـﻘـﺎﺑـﻞ ﺣـﺼـﻞ اﺋـﺘـﻼف »ﺳـــﺎﺋـــﺮون« ﻋــﻠــﻰ ٤٥ ﻣــﻘــﻌــﺪﴽ )ﺑــﺰﻳــﺎدة ٠٣ ﻣــﻘــﻌــﺪﴽ ﻋــﻦ اﻧــﺘــﺨــﺎﺑــﺎت ﻋـــﺎم ٤١٠٢ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ(.
ﻣـــــﻊ ذﻟــــــﻚ ﻓــــــﺈن اﻟــــﺘــــﺤــــﻮل ﻟـــــﻢ ﻳــﻜــﻦ ﻛﻠﻴﴼ، ﻓﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﻬﺎ اﺋﺘﻼف »اﻟﻔﺘﺢ« اﻟـﺬي ﻳﻤﺜﻞ اﻟﺤﺸﺪ اﻟﺸﻌﺒﻲ، ﺗﻌﻜﺲ وﺟﻮد ﻗﻄﺎع ﻣﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺧﺒﲔ ﻣﺎ زاﻟﻮا ﻳﺸﻌﺮون ﺑﺎﻟﻌﺮﻓﺎن ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻞ ﻟـﻬـﺬه اﻟﻘﻄﻌﺎت ﺷﺒﻪ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ واﺟﻬﺖ »داﻋــﺶ« وأﺳﻬﻤﺖ ﻓﻲ دﺣﺮه وﻗﺪﻣﺖ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻀﺤﻴﺎت ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬا اﻟﻬﺪف، وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن اﺣﺘﻼﻟﻬﺎ اﳌﻮﻗﻊ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻋﺪد اﳌﻘﺎﻋﺪ اﻟﺒﺮﳌﺎﻧﻴﺔ )٧٤ ﻣﻘﻌﺪﴽ( ﻳﻌﻜﺲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﳌﻠﺘﺒﺴﺔ.
ﻳــــﻤــــﻜــــﻨــــﻨــــﻲ اﻟــــــــﻘــــــــﻮل إن ﻧـــﺘـــﺎﺋـــﺞ اﻻﻧـﺘـﺨـﺎﺑـﺎت ﺗﺸﻜﻞ ﺗـﺤـﻮﻻ ﻧﻮﻋﻴﴼ ﻓﻲ ﻣــﺴــﺎر اﻟــﺤــﺎﻟــﺔ اﻟــﻌــﺮاﻗــﻴــﺔ ﺑــﻌــﺪ اﻧـﻬـﻴـﺎر اﻟـــﺪوﻟـــﺔ وﺣـــﻞ ﺟـﻴـﺸـﻬـﺎ وﻣـﺆﺳـﺴـﺎﺗـﻬـﺎ اﻷﻣﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ »اﳌﺤﺎﻓﻈﲔ اﻟﺠﺪد« ﻓﻲ إدارة اﻟـﺮﺋـﻴـﺲ ﺑــﻮش اﻻﺑـــﻦ، ﻣـﻦ ﺧﻼل اﻷواﻣـــﺮ اﻟـﺘـﻲ ﻧﻔﺬﻫﺎ ﺑــﻮل ﺑﺮﻳﻤﺮ ﺣﺎل ﺗﺴﻠﻤﻪ رﺋﺎﺳﺔ ﻣﺎ ﻋﺮﻓﺖ آﻧﺬاك ﺑـ »ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ اﳌﺆﻗﺘﺔ« ﻟﻠﻌﺮاق. ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ أدى إﺻــــﺪار ﻗــﺎﻧــﻮن اﻗــﺘــﻼع »اﻟـﺒـﻌـﺚ« إﻟـﻰ ﻃـﺮد اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﳌﻮﻇﻔﲔ اﻷﻛﻔﺎء وإﺣـــﻼل أﺷــﺨــﺎص ﻋــﺎﺷــﻮا ﻋــﻘــﻮدﴽ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓـﻲ ﻣﻬﻦ ﺣــﺮة ﺧــﺎرج اﻟـﻌـﺮاق أو ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻋﺪات اﻟﺪول اﳌﻀﻴﻔﺔ ﻟﻬﻢ، ﻣــﺤــﻠــﻬــﻢ. وﻣـــﻊ ﻣــــﺮور اﻟـــﻮﻗـــﺖ ﺗـﺤـﻮﻟـﺖ اﻟــــﻮزارات إﻟــﻰ ﻗــﻼع ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋـــﻦ ﺑــﻌــﺾ، وﺗــﺪﻳــﺮﻫــﺎ ﻓــﺌــﺎت ﻻ ﺻﻠﺔ ﻟــﻬــﺎ ﺑــﺨــﺪﻣــﺔ اﳌــﻮاﻃــﻨــﲔ، وﻏــﺮﻳــﺒــﺔ ﻋﻦ إﻳـﻘـﺎع اﻟﻌﻤﻞ اﻟـﺒـﻴـﺮوﻗـﺮاﻃـﻲ اﻟﻨﻈﺎﻣﻲ اﻟﺬي ﺗﺸﻜﻞ ﻋﺒﺮ ﻋﺸﺮات اﻟﺴﻨﻮات ﻣﻦ ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻋﺎم ١٢٩١.
أﻣــــــﺎم اﻧــــﻌــــﺪام اﳌـــﻘـــﻮﻣـــﺎت اﻷوﻟـــﻴـــﺔ ﻟــﺘــﺤــﻘــﻖ اﻷﻣــــﻦ اﻟــﺸــﺨــﺼــﻲ ﻟـﻠـﻤـﺪﻧـﻴـﲔ اﻟــﻌــﺮاﻗــﻴــﲔ واﺿــــﻄــــﺮار أﻋــــــﺪاد ﻛـﺒـﻴـﺮة ﻣـــﻦ اﻟــﻌــﺴــﻜــﺮﻳــﲔ إﻟــــﻰ اﻻﻧـــﻀـــﻤـــﺎم إﻟــﻰ اﳌﻴﻠﻴﺸﻴﺎت اﻟﺸﻴﻌﻴﺔ واﻟﺴﻨﻴﺔ ﺳﻌﻴﴼ ﻟــﻜــﺴــﺐ ﺷـــــﺮوط اﻟــﻌــﻴــﺶ اﻷوﻟـــﻴـــﺔ ﻟﻬﻢ وﻷﺳﺮﻫﻢ، أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ أوﻻ ﻫﻲ اﳌﻈﻠﺔ اﻟﺤﺎﻣﻴﺔ ﻟﻬﻢ، وﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﻣﻞء اﻟـــﻔـــﺮاغ اﻷﻣـــﻨـــﻲ ﻣـــﻦ ﻗــﺒــﻞ اﳌـﻴـﻠـﻴـﺸـﻴـﺎت اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ أﺻﺒﺢ اﻟﻌﺮاق ﻣﺤﻜﻮﻣﴼ ﺑﻌﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻄﻐﺎة ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻃﺎﻏﻴﺔ واﺣﺪ، وأﺻﺒﺤﺖ اﻷرﺿـﻴـﺔ ﺟـﺎﻫـﺰة ﻟﻠﺨﻄﻮة اﻟـــﻼﺣـــﻘـــﺔ: اﻟــﻔــﺘــﻨــﺔ اﻟــﻄــﺎﺋــﻔــﻴــﺔ وﺗــﻐــﻴــﺮ اﳌــﻨــﺎﻃــﻖ دﻳــﻤــﻮﻏــﺮاﻓــﻴــﴼ وﻓـــﻖ اﻟﺨﻠﻔﻴﺔ اﳌـــﺬﻫـــﺒـــﻴـــﺔ، ﻣــــﻊ ﺑــــﻘــــﺎء ﺟــــــﺰر ﺻــﻐــﻴــﺮة ﻓـــﻲ ﺑـــﻐـــﺪاد ﻣــﺤــﺎﻓــﻈــﺔ ﻋــﻠــﻰ ﻧﺴﻴﺠﻬﺎ اﻟﺘﻌﺪدي.
أﻣــﺎ اﻟـﻜـﻴـﺎﻧـﺎت اﻟـﺪﻳـﻨـﻴـﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻷﺧـــــــﺮى ﻓــﻘــﺪ ﻏــــــﺎدر ﻣــﻌــﻈــﻢ أﺑــﻨــﺎﺋــﻬــﺎ اﻟﻌﺮاق، وﻫﺬا ﻳﺸﻤﻞ اﳌﺴﻴﺤﻴﲔ ﺑﺸﺘﻰ ﻣﺬاﻫﺒﻬﻢ واﻟﺼﺎﺑﺌﺔ، وﻏﻴﺮﻫﻢ، ﺑﻌﺪ أن ﻓﻘﺪوا ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﳌﻨﻬﺎرة ﻟﻬﻢ.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﻬﺎ أﻫﺎﻟﻲ ﺑـــﻐـــﺪاد ﺑـــﺎﻟـــﺪرﺟـــﺔ اﻷوﻟــــــﻰ ﺑـــﲔ ﻋــﺎﻣــﻲ ٦٠٠٢ و٧٠٠٢ اﻷﻛﺜﺮ ﻗﺘﺎﻣﺔ وﻣﺄﺳﺎوﻳﺔ، وﺧــــﻼﻟــــﻬــــﺎ ﺟــــــﺮت ﺣــــﻤــــﻼت اﻟــﺘــﻄــﻬــﻴــﺮ اﻟﻄﺎﺋﻔﻲ ﺑﺸﻜﻞ واﺳــﻊ، وﻗﺘﻠﺖ أﻋــﺪاد ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﳌﺪﻧﻴﲔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺸﻮاﺋﻲ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ رﺟﺎل اﳌﻴﻠﻴﺸﻴﺎت ﻣﻦ ﺳﻨﺔ وﺷﻴﻌﺔ، وﺑـﻴـﻨـﻬـﻢ اﻟـﻜـﺜـﻴـﺮ ﻣــﻦ اﻟـــﻜـــﻮادر اﳌﻬﻨﻴﺔ اﳌﺘﻘﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﳌﺠﺘﻤﻊ.
ﻛــﺎن ﻣﺼﻴﺮ اﻟــﻌــﺮاق ﻛــﺪوﻟــﺔ ﺧـﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻋﻠﻰ ﻛـﻒ ﻋﻔﺮﻳﺖ، وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﻫﺎﻧﺎت ﺗــﺪور ﻛﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻗـﺮب ﺗﻔﻜﻚ اﻟــﺒــﻠــﺪ ﺑــﺎﻟــﻜــﺎﻣــﻞ ﻋــﻠــﻰ أﺳــــﺲ ﻃـﺎﺋـﻔـﻴـﺔ وإﺛﻨﻴﺔ.
ﻛــــــــــﺄن اﻻﺣـــــــــﺘـــــــــﻼل اﻷﻣـــــــﻴـــــــﺮﻛـــــــﻲ - اﻟـﺒـﺮﻳـﻄـﺎﻧـﻲ ﺣـﻘـﻖ ﺑــﻘــﻮاﻧــﲔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺗـﻔـﻜـﻴـﻚ ﻟـﻠـﺒـﻠـﺪ وﺗــﻔــﺘــﻴــﺖ ﻟــﻠــﺤــﻤــﺔ اﻟـﺘـﻲ ﺗﺠﻤﻊ أﺑﻨﺎء ه ﻣﺎ ﻓﺸﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ اﻟﺤﺮوب وﻓﺘﺮات اﻟﺤﺼﺎر واﻟﺘﺠﻮﻳﻊ اﻟﺘﻲ ﻣﺮوا ﺑـﻬـﺎ، ﻓـﺒـﺪﻻ ﻣـﻦ اﻟـﺨـﻮف ﻣـﻦ ﻃـﺎﺋـﺮة ﻗﺪ ﺗـﻘـﺼـﻒ ﺑـﻴـﻮﺗـﻬـﻢ أﺻــﺒــﺢ اﻟــﺨــﻮف ﻣﻦ اﻟــﺠــﻴــﺮان، وأﺻــﺒــﺢ اﳌــﻴــﻞ إﻟـــﻰ ﻣـﻌـﺮﻓـﺔ ﻫﻮﻳﺔ اﻵﺧـﺮ اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ﺟـﺰءﴽ ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻃﻐﺖ ﺧﻼل ﺳﻨﻮات اﻟﺠﻤﺮ ﺗﻠﻚ. اﻧﺘﻘﻞ اﻟـــﺨـــﻮف ﻣـــﻦ أن ﻳـــﻜـــﻮن ﺧـــﺎرﺟـــﻴـــﴼ إﻟــﻰ داﺧﻠﻲ.
وﻓـــــــﻲ ﺧــــﻀــــﻢ ﻫـــــــﺬا اﻟــــــﺨــــــﻮف ﻣــﻦ اﻵﺧﺮ، رﻣﻲ ﻷﻫﺎﻟﻲ ﺑﻐﺪاد ذات اﻟﺘﻨﻮع اﳌـــﺬﻫـــﺒـــﻲ واﻟـــﺪﻳـــﻨـــﻲ واﻹﺛـــــﻨـــــﻲ، ﻃـــﻮق ﻧﺠﺎة ﻛـﺎن ﻣﻮﺷﻜﴼ ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘﻔﺎء: إﻧﻪ اﻟـﻌـﺸـﻴـﺮة واﻻﻧــﺘــﻤــﺎء اﻟــﻌــﺸــﺎﺋــﺮي، ﻓﻤﺎ دام اﻟﻌﺮاﻗﻴﻮن اﻟﻌﺮب، ﺳﻨﺔ أو ﺷﻴﻌﺔ، ﻳﻨﺘﻤﻮن إﻟـﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ واﻟﻌﺸﺎﺋﺮ أﺻﺒﺢ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ﺗﺠﺪﻳﺪ ﻫــﺬه اﻟﺠﺴﻢ اﳌﺘﺤﺠﺮ وإﻋﺎدﺗﻪ إﻟﻰ اﻟﺤﻴﺎة. وﻫﻜﺬا ﻇـــــﻬـــــﺮت ﻛــــﻴــــﺎﻧــــﺎت ﻳــــﺮأﺳــــﻬــــﺎ ﺷـــﻴـــﻮخ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﻮن أو أﺑﻨﺎؤﻫﻢ ﻟﻔﺾ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻟﺮﻋﺎﻳﺎﻫﻢ وﺗﻮﻓﻴﺮ ﺣـﺪ ﻣـﺎ ﻣـﻦ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻟﻬﻢ. أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻼ ﻋﺸﻴﺮة ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن ﻃﻠﺐ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻫـــﺬا اﻟــﻜــﻴــﺎن أو ذاك، وﺑـﺎﻟـﻄـﺒـﻊ ﻫـﻨـﺎك اﺷـــﺘـــﺮاك ﻳــﻘــﺪﻣــﻪ اﻟــﻔــﺮد ﻟــﺘــﻤــﺎرس ﻫــﺬه اﳌﺆﺳﺴﺎت دورﻫﺎ اﻟﻔﻌﺎل.
ﻛﺄن ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﻣﺘﺪت ﻣﻦ ﻋﺎم ٣٠٠٢ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ﺗﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ ﺟــﺰأﻳــﻦ؛ اﻷول ﻛــﺎن ﻣﺤﻜﻮﻣﴼ ﺑﺎﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ، واﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻌﺸﺎﺋﺮﻳﺔ.
ﻣــﻦ اﻟـــﺪوﻟـــﺔ إﻟـــﻰ اﻟــﻄــﺎﺋــﻔــﺔ، ﺛــﻢ ﻣﻦ اﻟــﻄــﺎﺋــﻔــﺔ إﻟـــﻰ اﻟــﻌــﺸــﻴــﺮة. واﻵن ﺗـﺄﺗـﻲ اﻻﻧـﺘـﺨـﺎﺑـﺎت ﻟـﺘـﻀـﺮب ﻋــﺮض اﻟﺤﺎﺋﻂ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣــﻦ اﻷﻋــــﺮاف اﻟــﺘــﻲ رﺳﺨﺘﻬﺎ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﳌﺤﺎﺻﺼﺔ واﻧﻔﺮاط ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ.
اﻵن ﺗﻤﻴﻞ اﻟﻜﻔﺔ ﻟـﺘـﺸـﻜـﻞ ﺗﺤﺎﻟﻒ واﺳـــــــﻊ ﻋـــﺎﺑـــﺮ ﻟـــﻠـــﻄـــﻮاﺋـــﻒ واﻹﺛـــﻨـــﻴـــﺎت واﻷدﻳــــــﺎن، ﻳﺘﻜﻠﻒ ﺑـﺎﻟـﺤـﻜـﻢ ﻣــﻦ ﺧـﻼل ﺣــــﻜــــﻮﻣــــﺔ ﺗــــﻜــــﻨــــﻮﻗــــﺮاط )أي ﺣــﻜــﻮﻣــﺔ ﺧــﺒــﺮاء ﻟﻴﺴﻮا ﺑــﺎﻟــﻀــﺮورة أن ﻳﻜﻮﻧﻮا أﻋــــﻀــــﺎء ﺑـــﺮﳌـــﺎﻧـــﻴـــﲔ(، ﻓـــﻬـــﻞ ﺳـﻨـﺸـﻬـﺪ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺟـﺪﻳـﺪة: اﻟﺘﺤﺮك ﻣﻦ اﻟﻌﺸﻴﺮة إﻟـﻰ اﻟـﺪوﻟـﺔ، وﻣـﻦ اﻻﻧﺘﻤﺎء اﻟﻌﺸﺎﺋﺮي واﳌـﺬﻫـﺒـﻲ واﻟـﺪﻳـﻨـﻲ إﻟــﻰ اﻻﻧـﺘـﻤـﺎء إﻟﻰ اﻟﻮﻃﻦ. أن ﺗﺼﺒﺢ اﳌﻮاﻃﻨﺔ ﻫﻲ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻷﺳﺎس ﺗﻠﻴﻬﺎ اﻟﻬﻮﻳﺎت اﻷﺧﺮى؟
ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻷواﻧﻪ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻹﺟﺎﺑﺔ، ﻓﺎﻟﻌﺮاق واﻟﻌﺮاﻗﻴﻮن ﻇﻠﻮا ﻳﻔﺎﺟﺌﻮن اﻟـﻌـﺎﻟـﻢ ﺑﻘﺪرﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗــﺠــﺎوز أﺻﻌﺐ اﻟﻈﺮوف واﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻷﻧﻔﺎق اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟـﺘـﻲ ﻣـــﺮوا ﺑﻬﺎ ﻣــﻦ دون أن ﻳﺘﺸﺘﺘﻮا ﺷـــﺬر ﻣـــﺬر إﻟـــﻰ ﻛــﻴــﺎﻧــﺎت وﻛــﺎﻧــﺘــﻮﻧــﺎت ﺻﻐﻴﺮة ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب وﻃﻦ ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺤﺴﺐ ﻟﻪ ﺣﺴﺎﺑﴼ ﻛﺒﻴﺮﴽ.