إيطاليا مصممة على تغيير جذري لسياسة الهجرة في أوروبا
تطالب بالتعامل مع حدودها على أنها أوروبية وليست وطنية
»اللغم التائه« اصطلاح تعبيري في اللغة الإيطالية يُستخدم للدلالة عـلـى الـشـخـص الــــذي لا يــعــرف أحـد مــتــى وأيـــــــن يــمــكــن أن تـــصـــدر عـنـه مــواقــف مـتـفـجـرة. والــشــخــص الــذي ينطبق عليه هــذا الاصــطــلاح الـيـوم في إيطاليا، هو وزير الداخلية وزعيم »رابــطــة الــشــمــال« مـاتّـيـو سالفيني الــــذي لا يـتـوقـف عــن إلــقــاء الـقـنـابـل اليدوية عند كل تصريح أو موقف.
الــخــطــوات الأخـــيـــرة الــتــي أقــدم عليها سالفيني توحي بأن إيطاليا عازمة على مواصلة شدّ الوتر المتوتّر من غير أن تخشى عواقب الانقطاع، وأنــهــا مـصـمـمـة عـلــى دفـــع الاتــحــاد الأوروبــي إلـى تغيير سياسته حول مـــوضـــوع الـــهـــجـــرة. فــقــد أعــلــن عـبـر حـسـابـه عـلـى »تـويـتـر« أنــه طـلـب من رئـيـس الـحـكـومـة جـيـوزيـبـي كونتي عــدم المــشــاركــة فــي الـقـمـة الأوروبــيــة المـصّـغـرة الـتـي تـعـقـد غــداً الأحـــد في بـــروكـــســـل، لمــعــالــجــة مــلــف الــهــجــرة إذا كـانـت المـفـوضـيـة قـد أعـــدت نصّاً لمناقشته والاكـتـفـاء بـإضـافـة بعض اللمسات عليه.
يــومــاً بــعــد يــــوم تــبــدو المـعـركـة الــــدائــــرة فـــي أوروبـــــــا حــــول سـيـاسـة الهجرة كما لو أنها مواجهة إيطالية ضـــد بــقــيــة الأعــــضــــاء فـــي الاتـــحـــاد. المفوضية الأوروبـيـة ّحاولت احتواء الهجوم الأخير الـذي شنه سالفيني عــــنــــدمــــا أعـــــلـــــن مــــــفــــــوّض الـــهـــجـــرة اليوناني ديميتريس أفراموبولوس »أن إيـطـالـيـا تحملّت طــوال سـنـوات مـسـؤولـيـة أكــبــر مــن غـيـرهـا بكثير، ومن حقها أن تطالب بتغيير سياسة الـــــهـــــجـــــرة«. المــــســــتــــشــــارة الألمـــانـــيـــة مـــن نـاحـيـتـهـا تــجــاوبــت بــحــذر مـع المستجدات في هذا الملّف الحسّاس، مـحـشـورة أيـضـاً بــالإنــذار الــذي جـاء مــن داخــــل حـكـومـتـهـا الـقـائـمـة على تــــوازن دقـيـق لا يـحـتـمـل الـصـدمـات. لــكــن سـالـفـيـنـي عــــاد لـيـعـلـن أنــــه لـن يسمح بدخول مركب آخر يحمل ٢٢٤ مهاجراً إلى أي من الموانئ الإيطالية، رغـم أن المركب تملكه منظمة ألمانية غير حكومية ويرفع علماً هولنديّاً. ثم قال في إحدى تغريداته »المنظمات غير الحكومية الأجنبية التي تديرها طواقم أجنبية وترفع علماً أجنبياً، لن يُسمح لها بالدخول إلـى الموانئ الإيطالية بعد اليوم«، ووجّه انتقادات شديدة للمتطوعين الذين »يتاجرون باللحوم البشرية«.
لـكـن سـالـفـيـنـي الـــذي يــبــدو في حملة انتخابية دائمة يتوقف عليها مـصـيـره الــســيــاســي، أصــبــح يـشـكّـل أيـضـاً عبئاً كـبـيـراً عـلـى شـركـائـه في الحكومة الذين يضاعفون عدد نوابه
ّ فـي الـبـرلمـان. فـقـد حـــذر زمـيـلـه وزيـر النقل والبنى التحتية الـذي ينتمي إلـــى حــركــة »الــنــجــوم الــخــمــس«، أن القرار بإقفال الموانئ من صلاحيات وزارتـــه ولـيـس وزارة الـداخـلـيـة، وأن السفينة سيُسمح بدخولها إلى ميناء إيطالي للتحقيق مع طاقمها.
وتــحــاول المـفـوضـيـة الأوروبــيــة إرضــاء الـطـرفـين الألمـانـي والإيـطـالـي الــلــذيــن تـلـتـقـي مـصـالـحـهـمـا حــول جـــــوهـــــر المــــشــــكــــلــــة، وتــــتــــبــــاعــــد فــي الأولويات والتوقيت.
فالمستشارة الألمانية تريد إنقاذ تحالفها الحكومي بعد تهديد وزير داخــلــيــتــهــا بـــفـــرض إجـــــــــراءات عـلـى الحدود لمنع دخول المهاجرين إذا لم يُعدّل نظام اللجوء في بلدان الاتحاد، بينما تطالب إيطاليا بالتعامل مع حـدودهـا على أنها حـدود أوروبـيـة، ولــيــس وطــنــيــة، كــي لا تـتـحـول إلـى مخيم كبير للمهاجرين الذين ترفض البلدان الأخرى استقبالهم.
وقد وضعت المفوضية الأوروبية مـسـودّة أولــى لمـشـروع الاتـفـاق الـذي سـيـنـاقـش غـــداً، وضـمّـنـتـه إجــــراءات لـتـعـديـل نــظــام الــلــجــوء مــن نـاحـيـة، وأخــــــرى لمــراقــبــة مـشـتـركـة لـلـحـدود الخارجية وتقاسم الأعباء بين الدول، عـلـمـاً بـــأن دولاً مـثـل الـنـمـسـا لديها تحفظات شديدة على نظام التقاسم، أو المجر التي يرفض رئيس وزرائها أوروبان استقبال أي مهاجر »حفاظاً على الهويّة المسيحية لبلاده.«
وفي محاولة لتهدئة الإيطاليين، أعـلـن المـفـوّض الأوروبـــي للهجرة أن بروكسل تجري مـفـاوضـات متقدمة مع بلدان في شمال أفريقيا مثل مصر وليبيا والجزائر وتونس لاستضافة مراكز للمهاجرين الــــراغــــبــــين فــــي الـــتـــوجـــه إلـــى أوروبــــا. لكنه عــاد واستبعد فكرة إقامة منشآت في ليبيا بسبب الأوضاع فيها، ورفض بشدة أن تكون هذه المراكز على غرار غوانتنامو.
فــي غــضــون ذلـــك عــــادت نـيـران المـــنـــاوشـــات الــكــلامــيــة بـــين فـرنـسـا وإيــطــالــيــا إلــــى الاشـــتـــعـــال بــعــد أن
ُ أ خمدت بسرعة في اليومين الماضيين، عــنــدمــا وصــــف الــرئــيــس الـفـرنـسـي مانويل ماكرون التيارات الشعوبية بـــمـــرض الـــــجـــــذام، غــــامــــزاً مــــن قــنــاةٍ إيطاليا من غير أن يسّميها، »تنمو هـــذا الــتــيــارات عــلــى امـــتـــداد الــقــارة الأوروبـيـة، في بلدان كنا نعتقد أنه
من المستحيل أن تعود وتظهر فيها. أصدقاؤنا وجيراننا يطلقون أسوأ المواقف والاستفزازات من غير أن يثير ذلك أي عجب بيننا.«
وقــد جــاء الـــرد الأول هــذه المــرة على لسان زعيم »النجوم الخمس« لويجي دي مايو شريك سالفيني في الحكومة الذي قال : »الجذام الحقيقي هو نفاق الذين يرفضون المهاجرين على الحدود، ويعطوننا دروساً في الأخـــــلاق عـنـدمـا نـطـالـب بـالـتـوزيـع العادل للمهاجرين على الشركاء في أوروبا .«