أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﺎرﻳﻜﺎﺗﻴﺮ
ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻨﻬﻤﺮ ﻋﻠﻴﻚ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺒﺎت ﺗﻨﺘﻘﻞ إﻣﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ أو اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ. ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﺷﺎرﻟﻲ ﺷﺎﺑﻠﻦ ﻓﻲ وﺻﻔﻪ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﺳﺎﺧﺮﴽ ورﺑﻤﺎ ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﴼ.
وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺎﺧﺮﴽ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﻴﺒﺔ أﺷـﺒـﻪ ﺑــﺠــﺪة ﻣـﺴـﻨـﺔ راﻓـﻘـﺘـﻨـﺎ ﻃــﻮﻳــﻼ وروت ﻟـﻨـﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟـﻘـﺼـﺺ. ﻗـﺼـﺔ اﻟــﻐــﻮل واﻟـﻔـﻘـﺮ واﻟــﺤــﺮب واﻟــﻠــﺠــﻮء وﺑـﺪاﻳـﺔ اﳌـﺨـﻴـﻢ اﻟـــﺬي ﻋـﺸـﺖ ﻓـﻴـﻪ ﻗــﺮاﺑــﺔ اﻟـﻌـﺸـﺮﻳـﻦ ﻋــﺎﻣــﴼ، وﻟــﻢ أﺷﻬﺪ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ﺣﺘﻰ اﻟﻠﺤﻈﺔ. ﻟـﻢ ﻳﻜﻦ ذﻟــﻚ اﳌـﻜـﺎن ﺻﺎﻟﺤﴼ ﻟﻠﻌﻴﺶ اﻵدﻣﻲ، ﻟﻜﻨﻪ ﺷﻜﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﻐﻨﻴﺔ واﳌﺘﻌﺪدة ﻓــﻲ ذاﻛــﺮﺗــﻲ اﳌـﻜـﺎﻧـﻴـﺔ. ﻣﻨﺎﺿﻠﻮن ﻣـﺘـﻘـﺎﻋـﺪون، وﻳـﺴـﺎرﻳـﻮن، ورﺟـﺎل دﻳﻦ ﺑﺴﻄﺎء، وﻣﺜﻘﻔﻮن ﻳﺸﻜﻮن اﻟﻐﺮﺑﺔ ﺑﲔ أﻫﻠﻬﻢ، واﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﳌﺠﺎﻧﲔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺿﺤﺎﻳﺎ ﺳﻮء اﻟﻔﻬﻢ.
ﻛﻠﻬﻢ ﻓﻲ »ﺣﺎرة« واﺣﺪة، وﻛﻠﻬﻢ ﻳﺴﺨﺮون ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ. اﳌﻜﺎن ﻟﻌﺐ دورﴽ ﻛﺒﻴﺮﴽ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺳﺎﺧﺮة ﻟﺪي.
درﺳﺖ ﻓﻲ ﻣﺪارس وﻛﺎﻟﺔ اﻟﻐﻮث ﻟﻼﺟﺌﲔ. اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟـﻌـﺼـﺎ ﳌـﻦ ﻋـﺼـﻰ. اﻟﺤﺼﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻛﻨﺖ أﻧﺘﻈﺮﻫﺎ ﺑــﻔــﺎرغ اﻟـﺼـﺒـﺮ ﻟــﻢ ﺗـﻜـﻦ ﺗــﺄﺗــﻲ أﺑـــــﺪﴽ... ﺣـﺼـﺔ اﻟــﻔــﻦ. ﻛــﺎن ﻳﺘﻢ اﺳﺘﺒﺪاﻟﻬﺎ ﺑﺤﺼﺔ أﺧــﺮى. وأذﻛــﺮ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺠﻞ ﺣﺼﺔ »ﻓـــﺮاغ« ﻋﻠﻰ ﺟــﺪول اﻟﺤﺼﺺ. ﻟـﻢ أﻛـﻦ أﻓﻌﻞ ﺷﻴﺌﴼ ﻓـﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﺮاغ ﺳﻮى اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ. ﻛﻨﺖ أﻣﻸﻫﺎ ﺑﺎﻟﺮﺳﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﺎوﻻت اﻟﺼﻒ، وأﺗﻌﺮض ﻟﻠﺘﻮﺑﻴﺦ أﺣﻴﺎﻧﴼ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻋﻨﺪﻣﺎ أرﺳﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺐ اﳌﻨﻬﺎج. ﻛﻨﺖ أرﺳﻢ ﻣﺎ أراه. وأﺻﺒﺤﺖ أرﺳﻢ ﻣﺎ أﺗﺨﻴﻠﻪ. ﺛﻢ ﺑﺪأت ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، أرﺳﻢ ﻣﺎ أرﻳﺪ.
اﻛﺘﺸﻔﺖ أن ﻣﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ أرﻳﺪه ﻫﻮ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﺗﻤﺎﻣﴼ ﳌﺎ ﻳﺮﻳﺪه اﻵﺧﺮون. اﻟﻔﻦ واﳌﺴﺘﻘﺒﻞ ﻻ ﻳﺠﺘﻤﻌﺎن، وﻫﻨﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺻﺮاع ﻣﻊ اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺷﺮح ﻣﻔﻬﻮم اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ. ﻗﺮرت أن أﺳﺘﻤﺮ، وأن أﺟﺪ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﳌﻮﻫﺒﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﻬﻨﻲ. أﻣﺘﻠﻚ ﻣﻮﻫﺒﺔ اﻟﺮﺳﻢ وأﻗــﺮأ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻷدب، وﻟـﺪي ﻓﺎﺋﺾ ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ اﻟﻘﺎﺗﻤﺔ.
وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻲ رﺳﺎﻣﴼ ﻟﻠﻜﺎرﻳﻜﺎﺗﻴﺮ ﻓﻲ ﺻﺤﻒ أﺳﺒﻮﻋﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ، أوﻟــﻬــﺎ ﻛـﺎﻧـﺖ ﺟــﺮﻳــﺪة »اﳌــﺠــﺪ« اﻷﺳـﺒـﻮﻋـﻴـﺔ، اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮت ﻟﻲ أول رﺳﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻼف. أﻏﻠﻘﺖ اﻟﺼﺤﻴﻔﺔ وﺗﻨﻘﻠﺖ ﺑﲔ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﻒ اﻷﺧﺮى، إﻟﻰ أن ﺑﺪأت اﻟﻨﺸﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻳـــﻮﻣـــﻲ ﻓـــﻲ ﺻــﺤــﻴــﻔــﺔ »اﳌـــﺴـــﺎﺋـــﻴـــﺔ« اﻷردﻧــــﻴــــﺔ ﻓـــﻲ ﻣـﻨـﺘـﺼـﻒ ﺗﺴﻌﻴﻨﺎت اﻟﻘﺮن اﳌﺎﺿﻲ ﺑﺪﻋﻢ اﻹﻋﻼﻣﻲ ﺑﺎﺳﻢ ﺳﻜﺠﻬﺎ، اﻟﺬي ﻗﺪﻣﻨﻲ ﻟﻠﻘﺮاء ﻓﻲ أول ﻣﻘﺎل ﻧﺸﺮﻫﺎ ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ.
»ﻣﻄﺤﻨﺔ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ«... ﻫﺬا اﻟﻮﺻﻒ اﻟﺬي ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ إﻋﻼﻣﻴﲔ ﻗﺪاﻣﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻟﺘﺤﻘﺖ ﺑﺠﺮﻳﺪة »اﻟﺪﺳﺘﻮر« اﻷردﻧﻴﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ. اﳌﻌﺎدﻻت ﺗﺘﻐﻴﺮ. اﻟﺘﺤﺎﻳﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﻴﺐ أﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺎء واﳌﻮﺿﻮﻋﻴﺔ وأﻛﺜﺮ ﺻﻌﻮﺑﺔ.
أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻊ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻷردﻧﻴﺔ )اﻟﺪﺳﺘﻮر( أﺿﺎﻓﺖ إﻟـﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺮة اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ ﻃﻤﻮﺣﴼ ﻓﻲ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻟﻠﻤﻨﺎﺑﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷوﺳﻊ اﻧﺘﺸﺎرﴽ. وﺑﺪأت اﻟﻨﺸﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ »اﳌﺠﻠﺔ« اﻟﻠﻨﺪﻧﻴﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﺤﻤﻮد ﻛـﺤـﻴـﻞ. وﺑــﻌــﺪ رﺣـﻴـﻠـﻪ ﻛﻠﻔﺘﻨﻲ »اﻟــﺸــﺮق اﻷوﺳـــــﻂ« ﺑـﺈﻛـﻤـﺎل اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟــﻮﻋــﺮة واﻟﺼﻌﺒﺔ ﳌﺴﻴﺮة ﻓـﻨـﺎن ﻣﻬﻢ وﻓــﻲ ﺟﺮﻳﺪة دوﻟﻴﺔ وراﺋﺪة ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻷﻣـﺮ ﺳﻬﻼ، وﻣﺎ زال ﺻﻌﺒﴼ. ﺗﻌﻠﻤﺖ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻛﺎﻓﻴﴼ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ أن أرﺳﻢ ﻓﻘﻂ ﻣﺎ أرﻳﺪ. ﻳﺠﺐ أن أرﺳﻢ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﺪ؛ ﻷﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺻﺤﺎﻓﻴﺔ ﻋﺮﻳﻘﺔ ﺗﺘﺤﻤﻞ اﳌﺴﺆوﻟﻴﺔ اﳌﻬﻨﻴﺔ ﻣﻌﻲ ﻛـﺮﺳـﺎم ﻛﺎرﻳﻜﺎﺗﻴﺮ ﺳﻴﺎﺳﻲ.
ﻫﺬا ﻣﺎ ﺣﺪث ﻗﺒﻞ ﺳﻨﻮات ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻣﻜﺎﺗﺐ ﺟــﺮﻳــﺪة »اﻟـــﺸـــﺮق اﻷوﺳـــــﻂ« ﻓــﻲ ﻟــﺒــﻨــﺎن ﻻﻗــﺘــﺤــﺎم وﺗـﺨـﺮﻳـﺐ واﻋــﺘــﺪاء ﻣــﻦ ﻗـﺒـﻞ ﻣـﺨـﺮﺑـﲔ ﺑﺴﺒﺐ رﺳــﻢ ﻛـﺎرﻳـﻜـﺎﺗـﻴـﺮ ﻳﺼﻒ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﺣﻴﻨﻬﺎ، وﻗﺪ ﻓﺴﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺧﺎﻃﺌﺔ. وأدى ذﻟـــﻚ إﻟـــﻰ اﺷــﺘــﻌــﺎل أزﻣـــﺔ ﻛـﺒـﻴـﺮة ﻣــﻊ اﻟـﻜـﺜـﻴـﺮ ﻣــﻦ اﳌـﺆﺳـﺴـﺎت اﻟـﻠـﺒـﻨـﺎﻧـﻴـﺔ. واﺳــﺘــﻄــﺎﻋــﺖ إدارة اﻟـﺼـﺤـﻴـﻔـﺔ اﺣـــﺘـــﻮاء اﻷزﻣـــﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﻬﻨﻴﺔ واﻗـﺘـﺪار ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ اﻟــﺬي داﻓﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻒ رﺳــﺎم اﻟﻜﺎرﻳﻜﺎﺗﻴﺮ، وﻗﺪﻣﺖ ﺗﻔﺴﻴﺮﴽ ﻣﻬﻨﻴﴼ ﻟﻠﺮﺳﻢ، وﻋﺒﺮت ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ ﻟﻠﺒﻨﺎن واﻟﺸﻌﺐ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ. ﻫﻨﺎ ﺗﺘﻌﻠﻢ أن اﻟﻜﺎرﻳﻜﺎﺗﻴﺮ ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد رﺳﻢ ﻓﻘﻂ... واﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮد أﺧﺒﺎر وﻣﻘﺎﻻت... إﻧﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ.
* ﻓﻨﺎن أردﻧﻲ رﺳﺎم اﻟﻜﺎرﻳﻜﺎﺗﻴﺮ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ »اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ«