ﻧﻴﺘﺸﻪ... اﺳﺘﻌﺎدة وﺗﻮﻇﻴﻒ ﻛﻠﻤﺎ اﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﻧﻮازع اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ
٥٧١ ﻋﺎﻣﴼ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻟﺪ ﻓﻴﻠﺴﻮف »إرادة اﻟﻘﻮة« ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻛﺜﲑ ﻣﻦ ﻣﺒﺠﻠﻲ ﻧﻴﺘﺸﻪ أن أﻣﺮ ﺗﺴﻴﻴﺴﻪ وﺗﺒﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺎزﻳﲔ إﳕﺎ ﻛﺎن ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺳﺬاﺟﺔ وﺗﺂﻣﺮ ﺷﻘﻴﻘﺘﻪ إﻟﻴﺰاﺑﻴﺚ اﻟﱵ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻐﺮه ﺑﻌﺎﻣﲔ
أﺻــﺎﺑــﺖ اﻟــﺘــﺼــﺪﻋــﺎت اﻟـﺘـﻲ ﺗـــﺮﺗـــﺒـــﺖ ﻋـــﻠـــﻰ اﻷزﻣــــــــــﺔ اﳌـــﺎﻟـــﻴـــﺔ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ ﻋــﺎم ٨٠٠٢ اﳌﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟـﻐـﺮﺑـﻴـﺔ ﺑﺤﻤﻰ ﻏـﻀـﺐ ﺷﻌﺒﻲ واﺳــــﻊ اﻟــﻨــﻄــﺎق ﺿـــﺪ ﻛـــﻞ أﻧـــﻮاع اﻟﺴﻠﻄﺎت؛ ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ وﺳﻴﺎﺳﻴﺔ وﺗﻘﻨﻴﺔ، دون أن ﻳﺘﻮﻓﺮ ﻟﺪﻳﻬﺎ أي ﺗﺼﻮرات ﻣﺤﺪدة ﺑﺸﺄن اﻟﺸﻜﻞ اﻟــﺒــﺪﻳــﻞ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺳـﺒـﻞ اﻟـﻌـﻴـﺶ، ﻓـــﻐـــﺮق ﻛـــﺜـــﻴـــﺮون ﻓــــﻲ اﻟــﻌــﺪﻣــﻴــﺔ واﻟﻴﺄس، وأﺻﺒﺤﻮا ﻻﺣﻘﴼ ﻣﻄﻴﺔ ﺳــﻬــﻠــﺔ ﻟــﻜــﻞ ﺳــﻴــﺎﺳــﻲ ﺷـﻌـﺒـﻮي ﻳـــﺘـــﺎﺟـــﺮ ﺑــــﺎﻟــــﺤــــﺮوب اﻟــﺜــﻘــﺎﻓــﻴــﺔ وأزﻣـــــﺎت اﻟــﻬــﻮﻳــﺎت اﳌـﺘـﻨـﺎﻗـﻀـﺔ، ﻓﻜﺎن اﻻﺳﺘﻔﺘﺎء اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻋﻦ اﻟـﺨـﺮوج ﻣـﻦ اﻻﺗـﺤـﺎد اﻷوروﺑــﻲ )ﺑﺮﻳﻜﺴﺖ(، واﻧﺘﺨﺎب اﻟﺮﺋﻴﺲ دوﻧـــــﺎﻟـــــﺪ ﺗـــﺮﻣـــﺐ ﻓــــﻲ اﻟــــﻮﻻﻳــــﺎت اﳌﺘﺤﺪة، وﺣﺼﻮل أﺣﺰاب اﻟﻴﻤﲔ اﳌـﺘـﻄـﺮف واﻟـﻔـﺎﺷـﻴـﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ اﻟﺴﻠﻄﺔ أو ﺗﻤﺜﻴﻞ ﻏـﻴـﺮ ﻣـﺴـﺒـﻮق ﻓــﻲ ﺑــﺮﳌــﺎﻧــﺎت ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﻠﺪ أوروﺑﻲ.
ﻓـــــﻲ ﻣــــﻨــــﺎخ ﻫـــــــﺬه اﻷﺟــــــــﻮاء اﳌﻀﻄﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻧﻌﺪام اﻟﺒﺼﻴﺮة وﻓﻘﺪان اﻻﺗﺠﺎه، ﻳﺒﺤﺚ اﻟﺸﺒﺎب اﻟـــﻐـــﺮﺑـــﻲ اﳌــﺘــﻌــﻄــﺶ ﻟــﻠــﺨــﻼص اﻟــــﻔــــﺮدي ﻣــــﻦ أﺣــــــــﻮال ﺿــﺎﺋــﻘــﺘــﻪ اﻟـــﻌـــﻤـــﻮﻣـــﻴـــﺔ ﻓــــﻲ ﺑـــﺤـــﺮ اﻷﻓــــﻜــــﺎر اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﳌـــﻠـــﻬـــﻤـــﺔ ﻋـــﻠـــﻪ ﻳـــﺠـــﺪ ﻣـــﺨـــﺮﺟـــﴼ، ﻟﺘﻨﺘﻬﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ ﻣﻨﻪ إﻟﻰ ﻓﻴﻠﺴﻮف »اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺨﻄﻴﺮة« وﺻﺎﺣﺐ »إرادة اﻟﻘﻮة«، اﳌﻌﺎدي ﻟــﻸﻓــﻜــﺎر اﻹﻧــﺴــﺎﻧــﻴــﺔ اﻟــﺤــﺪﻳــﺜــﺔ، وﺣـــﻘـــﻮق اﻹﻧــــﺴــــﺎن، واﳌــــﺴــــﺎواة اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ؛ اﻷﳌﺎﻧﻲ ﻓﺮﻳﺪرﻳﻚ ﻧﻴﺘﺸﻪ )٤٤٨١ - ٠٠٩١(.
ﺧــــــﻼل اﻟـــﻌـــﻘـــﺪ اﻟــــﺤــــﺎﻟــــﻲ، ﻻ ﺳـــﻴـــﻤـــﺎ اﻟـــــﺴـــــﻨـــــﻮات اﻷﺧــــــﻴــــــﺮة، ﻋﺎدت ﻧﺘﺎﺟﺎت ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻟﺘﺘﺼﺪر ﻣـﺒـﻴـﻌـﺎت اﻟــﻜــﺘــﺐ اﻟـﻔـﻠـﺴـﻔـﻴـﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺎت اﻟـﻐـﺮب، وﻇـﻬـﺮت ﻣﻨﻬﺎ ﻃـــﺒـــﻌـــﺎت ﻣــــــﺠــــــﺪدة، ﻛـــﻤـــﺎ ﺳــﻴــﺮ ﻣــــﺘــــﻌــــﺪدة ﻟـــﺤـــﻴـــﺎﺗـــﻪ وﻣــــﻮاﻗــــﻔــــﻪ، وﺗــــﻮﺳــــﻌــــﺖ اﻟــــﻨــــﻘــــﺎﺷــــﺎت ﺣـــﻮل أﻓﻜﺎره ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻗﻊ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﻓﻜﺎر أي ﻓﻴﻠﺴﻮف ﻣﻌﺎﺻﺮ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻋــﺪة ﻣﺆﺳﺴﺎت ﺛــﻘــﺎﻓــﻴــﺔ وﺳــﻴــﺎﺳــﻴــﺔ ﻟــﻼﺣــﺘــﻔــﺎل ﺑﺎﻟﺬﻛﺮى ٥٧١ ﳌـﻮﻟـﺪه، وﻟــﻢ ﻳﻌﺪ ﻣــﺴــﺘــﻐــﺮﺑــﴼ أن ﺗـــﺠـــﺪه ﺣـــﺎﺿـــﺮﴽ ﺑـﺄﻓـﻜـﺎره وﻣـﻼﻣـﺤـﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺋﺪ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻨﺎﺑﺾ ﺑﺎﻷﺳﺌﻠﺔ وأن ﻳﺼﻴﺮ »ﻫﻜﺬا ﺗﻜﻠﻢ زرادﺷــﺖ« - أﺷﻬﺮ ﻛﺘﺒﻪ - أﻧﻴﺴﻬﻢ وﻗﺎﻣﻮس ﻛﻼﻣﻬﻢ.
وﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أن ﻗـﺪر ﻧﻴﺘﺸﻪ، اﻟـﺬي أﺻﺎﺑﺘﻪ ﻟﻮﺛﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮن ﻓﻲ آﺧﺮ أﻳﺎﻣﻪ وﻣﺎت ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل ﻛﻠﻤﺘﻪ اﻷﺧــﻴــﺮة، أن ﻳـﻈـﻞ داﺋـﻤـﴼ ﻣﻮﺿﻊ ﺗﻮﻇﻴﻒ واﺳﺘﻌﺎدة ﻛﻠﻤﺎ اﺳــﺘــﻴــﻘــﻈــﺖ ﻧــــــﻮازع اﻟـﻌـﻨـﺼـﺮﻳـﺔ اﻷوروﺑــــــــﻴــــــــﺔ، وﺗـــﺸـــﻈـــﻰ اﻟــﻜــﻔــﺮ ﺑﺎﳌﻨﻈﻮﻣﺎت اﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ، وﺳــــﺎدت اﻷزﻣــﻨــﺔ اﳌـﻈـﻠـﻤـﺔ. ﻓﻬﻮ ﻛــﺎن ﻓﻴﻠﺴﻮف اﻟـﻔـﻮﻫـﺮر اﻟـﻨـﺎزي أدوﻟـــــﻒ ﻫــﺘــﻠــﺮ اﳌــﻔــﻀــﻞ، وﻃــﺎﳌــﺎ أﻋﻠﻦ اﻟﺪوﺗﺸﻲ اﻟﻔﺎﺷﻲ اﻹﻳﻄﺎﻟﻲ ﺑـﻴـﻨـﻮﺗـﻮ ﻣﻮﺳﻴﻠﻴﻨﻲ ﻋــﻦ دﻳــﻨــﻪ اﻟــــﺪاﺋــــﻢ ﻟــــﻪ ﻓــــﻲ ﺗــﺸــﻜــﻞ أﻓــــﻜــــﺎره، واﻧــﺘــﺸــﺮت أﻋــﻤــﺎﻟــﻪ ﺑـﻜـﺜـﺎﻓـﺔ ﺑﲔ ﺷﺒﺎن اﻟﻴﻤﲔ اﻷوروﺑﻲ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﺣﺘﻰ أن اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ، ﺑﺮﺗﺮاﻧﺪ رﺳﻞ، ﻓﻲ ﺳﺮده ﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻋﺘﺒﺮ أن ﺗﻠﻚ اﻟـــــــــــــﺤـــــــــــــﺮب اﻟــــــــﻜــــــــﺒــــــــﺮى ﻛــــﺎﻧــــﺖ ﻗــﺒــﻞ ﻛــــــــــﻞ ﺷـــــــﻲء »ﺣـــــــــــــــــــــــــــــﺮب ﻧــــﻴــــﺘــــﺸــــﻪ«، وﻳـــــــــﺤـــــــــﺎول اﻟـــــــﺒـــــــﻌـــــــﺾ ﻓـــﻲ زﻣــﺎﻧــﻨــﺎ اﻟــــــــــــــﺮاﻫــــــــــــــﻦ اﻻﺳــﺘــﻌــﺎﻧــﺔ ﺑــﻪ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺻــــــــــــﻌــــــــــــﻮد ﺷﺨﺼﻴﺎت ﺷــــﻌــــﺒــــﻮﻳــــﺔ ﻣـــــــــــــــــــــﺜـــــــــــــــــــــﻞ اﻷﻣـــــﻴـــــﺮﻛـــــﻲ ﺗـــــــﺮﻣـــــــﺐ أو اﻟﻬﻨﻐﺎري أورﺑﺎن.
ﻟﻜﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮﴽ ﻣﻦ اﻻﻟﺘﺒﺎس وﺳﻮء اﻟﻔﻬﻢ ﻳﺤﻴﻂ ﺑـﺄﻋـﻤـﺎل ﻫــﺬا اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف، اﻟــﺬي ﺗــــﻮرط ﺑــﻤــﻮاﻗــﻒ وأﻓـــﻜـــﺎر ﺗﻤﺜﻞ ﺧﻼﺻﺔ ﻓﻜﺮ اﻟﻨﺨﺒﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ اﻷرﺳــﺘــﻘــﺮاﻃــﻴــﺔ ﺧـــﻼل اﻟـﻨـﺼـﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣـﻦ اﻟـﻘـﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ اﳌﻴﻼدي ﺗﻌﻜﺲ ﻧﺰﻋﺎﺗﻬﺎ اﳌﻮﻏﻠﺔ ﺑﺎﻟﺘﺮﻓﻊ واﻻﺳﺘﻌﻼء واﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﻌﻨﺼﺮي واﻟﺠﻨﺪري واﻟﺪﻳﻨﻲ. ﻓﻬﻮ ﻛﺎن ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻌﺪاء ﳌﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻤﻴﻪ اﻟــﻴــﻮم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ، ﺑﻞ وأي ﻧﻈﺎم ﻳﺴﺎوي ﺑﲔ ﻓﺌﺎت اﳌﺠﺘﻤﻊ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺧﻄﺮﴽ داﻫﻤﴼ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻓﻴﻪ، واﻋﺘﺒﺮ داﺋﻤﴼ أن أﻓﻜﺎر اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺸﺖ ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻷوروﺑﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺟﺎن ﺟﺎك روﺳﻮ ﻟﻢ ﺗﺘﺴﺒﺐ ﻓﺤﺴﺐ ﻓـــﻲ ﻗـــﻴـــﺎم اﻟــــﺜــــﻮرة اﻟــﻔــﺮﻧــﺴــﻴــﺔ - اﻟـــﺘـــﻲ أﻗـــﺼـــﺖ اﻷرﺳـــﺘـــﻘـــﺮاﻃـــﻴـــﺔ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﳌﺼﻠﺤﺔ اﻟﺒﺮﺟﻮازﻳﲔ ﻣــﺤــﺪﺛــﻲ اﻟــﻨــﻌــﻤــﺔ، ﺑـــﻞ وأﻃـﻠـﻘـﺖ ﺳﻤﻮم اﻷﻓﻜﺎر إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻄﺎﺑﻊ ﻓـــﻲ اﻟــﻔــﻀــﺎء اﻷوروﺑـــــــــﻲ، وﻫــﻲ اﻷﻓــﻜــﺎر اﻟــﺘــﻲ ﻛـــﺎن ﻳــﺮاﻫــﺎ ﺗﻠﻴﻖ ﺑـﻤـﺠـﺘـﻤـﻌـﺎت اﻟـﻌـﺒـﻴـﺪ اﳌــﻬــﺎدﻧــﺔ. ورﻏــــﻢ اﻟــﺘــﺠــﺎﻫــﻞ ﺷــﺒــﻪ اﳌﺘﻌﻤﺪ ﻣــــﻦ ﻗـــﺒـــﻞ دارﺳــــــــﻲ ﻧــﻴــﺘــﺸــﻪ ﻓـﻲ اﻟﻐﺮب ﳌﻮاﻗﻔﻪ اﳌﻌﻴﺒﺔ ﺑﻤﺴﻄﺮة أﻳﺎﻣﻨﺎ اﻟﺮاﻫﻨﺔ - ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟـﻌـﺒـﻮدﻳـﺔ ﺗـﺤـﺪﻳـﺪﴽ، ﻓــﺈن اﳌﻄﻠﻊ ﻋــﻠــﻰ أﻋـــﻤـــﺎﻟـــﻪ ﻻ ﺑـــﺪ أن ﻳـﺘـﻌـﺜـﺮ وﻟـــــﻮ ﺑــﻘــﻠــﻴــﻞ ﻣــﻤــﺎ ﻳـــﻘـــﺮب ﻟــــــ٠٠٣ ﻣـــﻮﺿـــﻊ ﻧــﻈــﺮ ﻓـﻴـﻬـﺎ ﻟـﻠـﻌـﺒـﻮدﻳـﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻻزﻣــﺔ اﻷﻣــﻢ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻛﻤﺎ ﻛـﺎن ﺣـﺎل اﻟﻴﻮﻧﺎن اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ أو ﻓﻠﻮرﻧﺴﺎ أﻳــﺎم آل ﻣﺪﻳﺘﺸﻲ، وأﻧـﻬـﺎ ﻧـﻈـﺎم اﻷﺷــﻴــﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ وأﻓـــــﻀـــــﻞ ﻣـــــﺎ ﻳـــﻤـــﻨـــﺢ ﻟـــﻸﻓـــﺎرﻗـــﺔ اﻟـــﺴـــﻮد، ﻓــﻬــﻢ ﻋــﻨــﺪه ﻻ ﻳـﺘـﺄﳌـﻮن ﻛﻤﺎ ﻳﺘﺄﻟﻢ اﻟﺒﺸﺮ، ﻛﺄﻧﻬﻢ ﺧﻠﻘﻮا ﳌﺎ ﺷﻖ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ﻓﻘﻂ.
اﺳﺘﻐﻼل ﻧﻴﺘﺸﻪ ﺳﻴﺎﺳﻴﴼ
ﻣﻊ ذﻟــﻚ، ﻓﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺘﻌﺎﻃﻲ ﻧـﻴـﺘـﺸـﻪ اﳌــﻌــﺎﺻــﺮﻳــﻦ ﻳــﺄﺗــﻮن إﻟـﻴـﻪ ﻣﻦ ﺑﻮاﺑﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣـــﻦ أن ﻫــــﺬا اﻟــﻔــﻴــﻠــﺴــﻮف اﳌــﻌــﻨــﻲ ﺑــﺎﻟــﻔــﺮداﻧــﻴــﺔ واﻟــﺘــﻔــﻮق واﻹﻧــﺴــﺎن اﻟــﺠــﺪﻳــﺪ )اﻟــﺴــﻮﺑــﺮﻣــﺎن( ﻟــﻢ ﻳـﺘـﺮك ﻣــﻄــﻠــﻘــﴼ ﻣــﻨــﻈــﻮﻣــﺔ ﻓــﻜــﺮ ﺳــﻴــﺎﺳــﻲ ﻣـﺘـﻜـﺎﻣـﻠـﺔ، وﻛـــﺎن ﻋﻤﻠﻪ ﻣﺘﻤﺤﻮرﴽ أﺳــﺎﺳــﴼ ﺣـــﻮل اﳌــﺴــﺄﻟــﺔ اﻟـﺜـﻘـﺎﻓـﻴـﺔ، وﺟــــﻞ ﻣـــﺎ ﻳــﻨــﻘــﻞ ﻋــﻨــﻪ ﻣـــﻦ ﻣــﻮاﻗــﻒ ﺳـــﻴـــﺎﺳـــﻴـــﺔ ﻣـــﺮﺗـــﺒـــﻂ ﺑــﺤــﻘــﻴــﻘــﺔ أن اﻟــﺜــﻘــﺎﻓــﺔ ﺑــﻤــﺠــﻤــﻠــﻬــﺎ ﻧـــﺘـــﺎج ﻧــﻈــﺎم ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻣﺤﺪد ﻻ أﻛﺜﺮ، وأن اﻟﺬي ﻳــﺘــﺼــﺪى ﳌــﺴــﺄﻟــﺔ ﺗــﺸــﻜــﻴــﻞ ﺛـﻘـﺎﻓـﺔ اﳌـﺠـﺘـﻤـﻌـﺎت ﻻ ﺑــﺪ أن ﻳــﻌــﺮج ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ.
ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺶ ﻓﻲ ﻇﻞ أﻧﻈﻤﺔ دﻳــﻤــﻘــﺮاﻃــﻴــﺔ ﺑــﺎﳌــﻌــﻨــﻰ اﳌــﻌــﺎﺻــﺮ وﻛــــــﺎﻧــــــﺖ أﻓـــــــﻜـــــــﺎره ﻣـــﻨـــﺘـــﺰﻋـــﺔ ﻣــﻦ أﺟـــﻮاء ﻛﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﻌﻜﺲ ﺗــﺨــﺼــﺼــﻪ اﻷﻛــــﺎدﻳــــﻤــــﻲ اﻟــﺪﻗــﻴــﻖ وإﻳـــﻤـــﺎﻧـــﻪ ﺑـــﺎﻟـــﻨـــﻤـــﻮذج اﻹﻏــﺮﻳــﻘــﻲ ﻛﻌﺼﺮ ذﻫﺒﻲ ﻟﻠﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ أن ﻇﺮوﻓﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻃﺒﻌﺖ وﺑــﺸــﺪة رؤﻳــﺘــﻪ إﻟـــﻰ اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ. ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﻣﻘﺖ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻣﻌﺎﺻﺮه ﻣﻮﺣﺪ أﳌــﺎﻧــﻴــﺎ أﺗـــﻮ ﻓـــﻮن ﺑــﺴــﻤــﺎرك اﻟـــﺬي ﻟﺠﺄ إﻟــﻰ اﻟﻘﻮﻣﻴﺎت اﻟﻀﻴﻘﺔ ﺑـﺪﻻ ﻣــﻦ اﻟـﻌـﻤـﻞ ﻷﺟــﻞ أوروﺑــــﺎ ﻣـﻮﺣـﺪة ﻋــﻈــﻴــﻤــﺔ ﻗــــــــــﺎدرة ﻋـــﻠـــﻰ ﻣــﻨــﺎﻓــﺴــﺔ اﻹﻣــــــﺒــــــﺮاﻃــــــﻮرﻳــــــﺘــــــﲔ اﻟـــــﺮوﺳـــــﻴـــــﺔ واﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻓـﻲ ﻓﻀﺎء اﻷﻃﻤﺎع اﻻﺳــﺘــﻌــﻤــﺎرﻳــﺔ ﻛــﻤــﺎ ﻛــــﺎن ﺣــﻠــﻤــﻪ، وﻗﻀﻰ ﺷﻄﺮﴽ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﻓﻲ أﺟﻮاء اﻷرﺳـﺘـﻘـﺮاﻃـﻴـﺔ اﻷوروﺑـــﻴـــﺔ ﺿﻤﻦ ﺣﺎﺷﻴﺔ اﳌﻮﺳﻴﻘﺎر اﻷﳌﺎﻧﻲ اﻟﻨﺠﻢ رﻳﺘﺸﺎرد ﻓﺎﻏﻨﺮ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻔﺮﻗﻬﻤﺎ اﳌـﻮاﻗـﻒ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻧﻈﺮﺗﻪ إﻟﻰ اﻷدﻳﺎن، ﺧﺼﻮﺻﴼ اﳌﺴﻴﺤﻴﺔ - اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺒﺮﻫﺎ ﻧﻴﺘﺸﻪ دﻳﺎﻧﺔ ﺗﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﻀﻌﻔﺎء. وﻗﺒﻠﻬﺎ ﺷﻬﺪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺣﺸﺮﺟﺎت وآﻻم اﻟﺠﺮﺣﻰ اﳌﻌﺬﺑﲔ ﺑـــــﻼ أﻣــــــﻞ ﺑـــﺎﻟـــﻨـــﺠـــﺎة ﻓـــــﻲ اﻟـــﺤـــﺮب اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ - اﻟﺒﺮوﺳﻴﺔ ﻋـﺎم ١٧٨١ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﺗﻄﻮع ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻠﺘﻤﺮﻳﺾ، وأﺻـﻴـﺐ ﻻﺣﻘﴼ ﻫـﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑـــــﺄﻣـــــﺮاض ﻛـــﺜـــﻴـــﺮة ﻋــــﻮﻟــــﺞ ﻣــﻨــﻬــﺎ ﺑــﺄﺳــﺎﻟــﻴــﺐ ﺑـــﺪاﺋـــﻴـــﺔ ﻳــﻌــﺘــﻘــﺪ أﻧــﻬــﺎ ﺗــﺴــﺒــﺒــﺖ ﻟــــﻪ ﺑــﻤــﺼــﺎﻋــﺐ ﺻـﺤـﻴـﺔ ﻃﻮال ﺣﻴﺎﺗﻪ، وﻛﺎﻧﺖ ﺳﺮ إﺻﺎﺑﺘﻪ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﻪ ﺑـ٢١ ﻋﺎﻣﴼ.
ﻟﻜﻦ اﻟــﺬي ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺒﺠﻠﻲ ﻧﻴﺘﺸﻪ أن أﻣــﺮ ﺗﺴﻴﻴﺴﻪ وﺗﺒﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺎزﻳﲔ إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻧـﺘـﻴـﺠـﺔ ﺳــﺬاﺟــﺔ وﺗــﺂﻣــﺮ ﺷﻘﻴﻘﺘﻪ إﻟـــﻴـــﺰاﺑـــﻴـــﺚ اﻟـــﺘـــﻲ ﻛـــﺎﻧـــﺖ ﺗــﺼــﻐــﺮه ﺑـــﻌـــﺎﻣـــﲔ. إذ ﻛـــﺎﻧـــﺖ اﻷﺧــــﻴــــﺮة ﻗـﺪ ﺗﺰوﺟﺖ ﻣﻦ ﻣﻔﻜﺮ أﳌﺎﻧﻲ ﻣﺘﻄﺮف ﻛــﺎن ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺘﻔﻮق اﻟﺠﻨﺲ اﻵري اﺻـﻄـﺤـﺒـﻬـﺎ ﻣــﻌــﻪ إﻟـــﻰ ﺑـــﺎراﻏـــﻮاي ﻓﻲ أﻣﻴﺮﻛﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﺴﻌﻰ ﻹﻗﺎﻣﺔ أﳌﺎﻧﻴﺎ ﺟﺪﻳﺪة، ﻟﻜﻦ ﻣــﺸــﺮوﻋــﻪ ﻓــﺸــﻞ وأﻓــﻠــﺲ واﻧـﺘـﻬـﻰ ﺑﻪ إﻟﻰ اﳌﻮت ﻛﻤﺪﴽ. وﻫﻜﺬا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋـﺎدت اﻷرﻣﻠﺔ وﺣﻴﺪة إﻟـﻰ أﳌﺎﻧﻴﺎ وﺟﺪت ﻓﻲ اﻟﺘﺮﻛﺔ اﻷدﺑﻴﺔ ﻷﺧﻴﻬﺎ - اﻟﺬي ﻣﺴﻪ اﻟﺠﻨﻮن وﻗﻀﻰ ﻧﺤﺒﻪ ﻣــﻨــﺠــﻢ ذﻫــــﺐ ﻓـــﻲ أﺟــــــﻮاء ﺻــﻌــﻮد اﻟﻨﺎزﻳﺔ ﻋﺸﺮﻳﻨﺎت اﻟﻘﺮن اﳌﺎﺿﻲ، ﻓﺰورت ﻣﺮاﺳﻼت ﺑﺎﺳﻤﻪ وﻧﺸﺮت ﻣــــﻦ أوراﻗــــــــــﻪ ﻏـــﻴـــﺮ اﳌـــﻄـــﺒـــﻮﻋـــﺔ ﻣــﺎ ﻳﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ أﺟﻮاء اﻟﺴﻮق اﻟﺴﺎﺋﺪة ﺣــﻴــﻨــﻬــﺎ اﻟــــﺘــــﻲ ﻛــــﺎﻧــــﺖ ﻣـﺘـﻌـﻄـﺸـﺔ ﺑﺸﺪة ﻷﻓﻜﺎر ﺗﺒﺮر أوﻫـﺎم اﻟﺘﻔﻮق وﻛﺮاﻫﻴﺔ اﻵﺧﺮ، ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ إن ﻫﺘﻠﺮ ﻛـــﺎن ﻳـــﺮى ﻧـﻔـﺴـﻪ ﺗـﺠـﺴـﻴـﺪﴽ ﻟﻔﻜﺮة اﻹﻧﺴﺎن اﳌﺘﻔﻮق )اﻟﺴﻮﺑﺮﻣﺎن( ﻛﻤﺎ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﻧﻴﺘﺸﻪ. وﻫﻨﺎك اﻵن ﺷﻜﻮك ﻗــﻮﻳــﺔ ﺑــــﺄن ﻛــﺘــﺎب »إرادة اﻟــﻘــﻮة« اﻟــــﺬي ﻧــﺸــﺮﺗــﻪ إﻟــﻴــﺰاﺑــﻴــﺚ ﺑﻮﺻﻔﻪ آﺧﺮ أﻋﻤﺎل ﺷﻘﻴﻘﻬﺎ ﻋﻤﻞ ﻣﻨﺤﻮل ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻷرﻣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪﴽ وراء أﺳﻄﻮرة ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻛﻤﺎ ﻧﻌﺮﻓﻪ اﻟﻴﻮم، وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻈﻢ زﻳﺎرات ﻟﺸﺒﺎن اﻟـﺤـﺰب اﻟـﻨـﺎزي إﻟـﻰ ﻗﺒﺮه، ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻀﺎﻓﺖ ﻫﺘﻠﺮ ﺷﺨﺼﻴﴼ ﻓﻲ ﻣﻘﺮ اﻷرﺷﻴﻒ اﳌﺨﺼﺺ ﻷﻋﻤﺎﻟﻪ وأﻫــﺪﺗــﻪ اﻟﻌﺼﺎ اﻟـﺘـﻲ ﻛــﺎن ﻳﺘﻮﻛﺄ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ أﻳﺎﻣﻪ اﻷﺧﻴﺮة.
ﻟــــﺮﺑــــﻤــــﺎ، وﺑــــﻌــــﺪ ﻛـــــﻞ ﺷـــﻲء ﻗـــﺪ ﺻــﺪﻗــﺖ ﻧـــﺒـــﻮءة ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﻨﺎ اﳌـــﺠـــﻨـــﻮن اﻟــــــﺬي ﻗـــــﺎل إن اﺳــﻤــﻪ ﺳــﻴــﺬﻛــﺮ دوﻣــــﴼ ﻣـﺮﺗـﺒـﻄـﴼ ﺑــﻤــﺂس ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺗﺼﻴﺐ اﻟـﺒـﺸـﺮ، ﻓﻬﺎ ﻫﻲ ﻇﻼﻣﻴﺎت اﻟﻔﺎﺷﻴﺎت اﻟﺼﺎﻋﺪة ﺗﺴﺘﻌﻴﺪه ﻣﻦ ﺟﻴﻮب اﻟﺘﺎرﻳﺦ.