Asharq Al-Awsat Saudi Edition

ﻣﻘﺎﺗﻞ ﺑﻼ ﻗﻠﺐ

-

ﻻ ﺷــﻲء ﻳﻄﻤﺌﻦ ﻣﺜﻞ اﻟـﻌـﻠـﻢ، وﻻ ﺷــﻲء ﻳﺨﻴﻒ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﻠﻢ أﻳﻀﴼ. ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪم اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺎت اﻟﻌﻠﻮم، ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﺟﺎت ﺟﺪﻳﺪة ووﺿﻊ ﻋﻘﺎﻗﻴﺮ ﺟﺪﻳﺪة. وﻫﺎ ﻫﻮ اﻟﻴﻮم ﻳﺠﺮي اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟـﺠـﺮاﺣـﻴ­ـﺔ ﻋــﻦ ﺑـﻌـﺪ ﻣــﻦ ﻗـــﺎرة إﻟــﻰ ﻗـــﺎرة ﺗــﺎرﻛــﴼ ﻟـــ»اﻟــﺮوﺑــﻮ­ت« أو »اﻹﻧﺴﺎن اﻵﻟﻲ« أن ﻳﻘﻮم ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﺠﺮاﺣﲔ وﺑﺪﻗﺔ ﻻ ﺗﺨﻄﺊ. ﻟﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻛﻌﺎدﺗﻪ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪء ﻳﻄﻮر أﻳﻀﴼ »روﺑﻮﺗﴼ« ذﻛﻴﴼ ﻳﻘﺎﺗﻞ ﻋﻨﻪ وﻳﻘﺘﻞ ﻋﻨﻪ وﻳﺤﺎرب ﻋﻨﻪ أﻳﻀﴼ. أي إن اﻟﺠﻨﺪي اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻦ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻟﺤﻈﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﺸﻬﺪ ﻃﻔﻞ أو ﻋﺠﻮز أو ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪ ﻣﺮأى ﺟﻨﺪي آﺧﺮ ﻳﺮﻓﻊ راﻳﺔ اﻻﺳﺘﺴﻼم، ﺑﻞ ﺳﻮف ﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺘﻞ دون ﺷﻔﻘﺔ أو رﺣﻤﺔ، ﻷن اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺒﺄوه ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻘﺘﻞ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ أن ﻳﺤﺬروه ﺑﺄن ﻗﻮاﻧﲔ اﻟﺤﺮب ﺗﺤﻈﺮ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ وذاك.

ﻳﺠﺎدل ﻓﺮﻳﻖ آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺄن »اﻟﺮوﺑﻮت« أﻛﺜﺮ رﺣﻤﺔ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن. ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻨﻔﻌﻞ وﻻ ﻳﻐﻀﺐ وﻻ ﻳﻜﺮه وﻻ ﻳﺤﻘﺪ. ﻣﺜﺎل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﺠﺰرﺗﺎن: اﻷوﻟﻰ ﻋﺎم ٨٦٩١ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﻦ ﺟﻨﻮن ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﲔ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻓﻴﺘﻨﺎﻣﻴﺔ ﺗﺪﻋﻰ »ﻣﺎي ﻻي« وراﺣﻮا ﻳﻘﺘﻠﻮن أﻫﻠﻬﺎ ﺑﻮﺣﺸﻴﺔ ﻣﺮﻳﻌﺔ. واﻧﺘﻬﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﺴﻘﻮط ٠٠٤ ﻗﺘﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء واﻷﻃﻔﺎل واﻟﻌﺠﺎﺋﺰ. أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺤﺪﺛﺖ ﻋﺎم ٥٩٩١ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎم اﻟﺒﻮﺳﻨﻴﻮن اﻟﺼﺮب ﺑﺬﺑﺢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٨ آﻻف ﺑﻮﺳﻨﻲ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺑﻠﺪة ﺳﺮﺑﺮﻳﻨﻴﺘﺴﺎ. ﻓﻲ اﻷوﻟﻰ ﻛﺎﻧﺖ اﳌﺠﺰرة ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺔ ﻋﺼﺒﻴﺔ، أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﺪﺑﺮة وﻣﺨﻄﻄﴼ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻄﻬﻴﺮ ﻋﺮﻗﻲ واﺳﻌﺔ. ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺎل ﻣﺎذا ﺳﻴﻜﻮن اﻟﻔﺎرق ﺑﲔ اﻵﻟﺔ اﳌﺘﻮﺣﺸﺔ واﻹﻧﺴﺎن اﳌﺘﻮﺣﺶ ﻣﺎ دام اﻟﺬي ﻳﻘﺮر ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﺘﲔ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻷﺧﻴﺮ؟

ﻓﻲ اﳌﺎﺿﻲ ﻛﺎن إذا أرﺳﻞ دﻳﻜﺘﺎﺗﻮر ﺟﻴﺸﻪ إﻟﻰ اﻟﺤﺮب ﻳﺨﺎف ﻣﻦ ﻫﺰﻳﻤﺘﻪ وﻳﺨﺸﻰ ﻣﻦ اﻧﺘﺼﺎره... ﻓﺈذا ﻋﺎد ﻣﻨﺘﺼﺮﴽ ﻣﺰﻫﻮﴽ ﺣﺎول ﺿﺒﺎﻃﻪ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻢ. اﻟﺸﻲء اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ »اﻟﺮوﺑﻮت« ﻫﻮ اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ. وﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء ﻣﻬﻤﺘﻪ ﺳﻮف ﻳﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﻣﺮأب ﺑﻌﻴﺪ وﻳﺠﺮد ﻣﻦ ﺑﻄﺎرﻳﺎﺗﻪ ﻓﻴﻔﻘﺪ ﻛﻞ ﻗﻮاه. وأﻣﺎ ﻣﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ أﻓﻼم أو ﻧﻘﺮأ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﻋﻦ ﺟﻴﻮش »اﻟـﺮوﺑـﻮﺗـ­ﺎت« اﻟﺘﻲ اﻧﻘﻠﺒﺖ ﻋﻠﻰ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ، ﻓﻠﻴﺴﺖ إﻻ ﺧﻴﺎﻻ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﴼ. ﻓﻤﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ذﻛﺎء اﻵﻟﺔ، ﻓﻠﻦ ﻳﻜﻮن ﻓﻲ إﻣﻜﺎﻧﻬﺎ اﻟﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺪﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺒﺸﺮ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺎﻻت. وﻓﻲ أي ﺣﺎل، ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻔﻮﻻذي أو اﻟﺤﺪﻳﺪي ﻻ ﻳﺘﻌﻜﺮ ﻣﺰاﺟﻪ وﻻ ﺗﻌﺘﺮﻳﻪ اﻟﺸﻔﻘﺔ وﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑـﺎﻟـﺬل أو اﻟـﻬـﻮان. ﻟﻜﻦ ﻣــﺎذا ﻋﻦ اﻟﺠﻴﺶ اﳌﻘﺎﺑﻞ ﻣﻦ »روﺑﻮﺗﺎت« اﻟﻌﺪو؟ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﺸﻬﺪ اﻻﺷﺘﺒﺎك ﻣﻀﺤﻜﴼ ﺣﻘﴼ.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia