إدﻏﺎر ﻣﻮران ﻳﻮﺟﻪ رﺳﺎﻟﺔ ﻟﻘﺎرئ ﻋﺮﺑﻲ »ﻳﻮاﺟﻪ أزﻣﺎت ﻋﺪة وﻣﺮﻛﺒﺔ«
أﺻــــــﺪرت »دار اﻟـــﺴـــﺎﻗـــﻲ« ﻫــﺬا اﻟـــﻌـــﺎم ﺗــﺮﺟــﻤــﺔ ﻟــﻜــﺘــﺎب اﻟـﻔـﻴـﻠـﺴـﻮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ إدﻏﺎر ﻣﻮران ﺑﻌﻨﻮان »ﻓﻲ ﻣﻔﻬﻮم اﻷزﻣــﺔ«، ﻧﻘﻠﺘﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑـــﺪﻳـــﻌـــﺔ ﺑـــﻮﻟـــﻴـــﻠـــﺔ. اﻟـــﻜـــﺘـــﺎب ﺻـﻐـﻴـﺮ اﻟﺤﺠﻢ، ﻻ ﻳﺘﺠﺎوز ٠٨ ﺻﻔﺤﺔ، ﻟﻜﻨﻪ ﻛـــﺎن ﻛـﺎﻓـﻴـﴼ ﻟﺘﻔﻜﻴﻚ ﻣـﻔـﻬـﻮم اﻷزﻣـــﺔ واﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎه وإﺧــﺮاج ﻣﺎ ﺑﻪ ﻣـﻦ دﻻﻻت. اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻓـﻲ اﻟﻜﺘﺎب أن ﻣﺆﻟﻔﻪ إدﻏــﺎر ﻣــﻮران ﻫـﻮ ﻣـﻦ وﺿﻊ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣــﺨــﺎﻃــﺒــﴼ اﻟـــﻘـــﺎرئ اﻟــﻌــﺮﺑــﻲ ﺑــﻘــﻮﻟــﻪ: »أﺗــﻤــﻨــﻰ أن ﺗــﻜــﻮن اﻹﺷــــــﺎرات اﻟـﺘـﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻔﻴﺪة ﻟﻠﻘﺎرئ اﻟــﻌــﺮﺑــﻲ اﻟــــﺬي ﻳــﻮاﺟــﻪ أزﻣـــــﺎت ﻋــﺪة وﻣـﺘـﺮاﻛـﺒـﺔ«، ﻓﻤﺎ اﳌﻘﺼﻮد ﺑـﺎﻷزﻣـﺔ وﻣﺎ ﻫﻲ أﺑﺮز ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻬﺎ؟
اﻟــﻜــﺘــﺎب ﺗــﻢ ﺗـﺄﻟـﻴـﻔـﻪ ﻋـــﺎم ٦٧٩١ وﻫﻮ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ »راﻫﻨﻴﺘﻪ«، ﻣﺎ دﻓﻊ اﳌﺘﺮﺟﻤﺔ إﻟﻰ أن ﺗﻀﻊ ﺑﻌﺪ اﳌﻘﺪﻣﺔ ﺗﻮﻃﺌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺣﻮار أﺟـــﺮاه ﻓـﺮﻧـﺴـﻮا ﻟﻴﻔﻮﻧﻴﻪ ﻣـﻊ إدﻏــﺎر ﻣــﻮران، وذﻟـﻚ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺘﲔ، ﻳﻨﺎﻗﺸﻪ ﻓــــﻲ ﻣــﻀــﻤــﻮن اﻟـــﻜـــﺘـــﺎب وﺳــﻴــﺎﻗــﺎت ﺗــﺄﻟــﻴــﻔــﻪ، ﻟـﻴـﺠـﻴـﺐ إدﻏـــــﺎر ﻣـــــﻮران أن اﻷزﻣــــــﺔ ﻣــﻔــﻬــﻮم ﻛــــﺎن ﻳــﺸــﻐــﻞ ذﻫــﻨــﻪ وﻳﺨﻠﻖ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻔﺎرﻗﺎت، ﺧﺼﻮﺻﴼ أن اﻟﺒﻮن ﺷﺎﺳﻊ ﺑﲔ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟــﻘــﺪﻳــﻤــﺔ ﻟـــﻪ واﻟــــﺪﻻﻟــــﺔ اﳌـــﻌـــﺎﺻـــﺮة، ﻓــﺈذا ﻛـﺎن اﻟﻴﻮﻧﺎن ﻳــﺮون اﻷزﻣــﺔ ﻫﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺗﺸﺨﻴﺺ اﳌــﺮض أي ﻟﺤﻈﺔ ﺑــــﺮوز اﻷﻋـــــﺮاض اﻟــﻮاﺿــﺤــﺔ، ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻓﻲ راﻫﻨﻨﺎ أﺻﺒﺤﺖ اﻷزﻣﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻐﻤﻮض وﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﺘﺸﺨﻴﺺ، ﻓـﻬـﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻏـﻴـﺎب اﻟـﺤـﺴـﻢ وﻏـﻴـﺎب اﻟــﻴــﻘــﲔ. وﻟـﻠـﺘـﻮﺿـﻴـﺢ ﻳــﻘــﺪم اﳌـﺆﻟـﻒ ﻛــﺜــﻴــﺮﴽ ﻣـــﻦ اﻷﻣــﺜــﻠــﺔ اﻟــﺘــﻮﺿــﻴــﺤــﻴــﺔ، ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﻧﻘﻮل إن ﻫﻨﺎك أزﻣﺔ وزارﻳﺔ. ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧـﻌـﺮف ﺟـﻴـﺪﴽ ﻣـﻦ ﺳﻴﻜﻮن اﻟﻮزﻳﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪ أو رﺋﻴﺲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ. واﻷﻣـــــــــﺮ ﻧـــﻔـــﺴـــﻪ ﻳــــﻘــــﺎل ﻋـــــﻦ اﻷزﻣــــــﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ، ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺠﻬﻞ ﻣﺂﻻﺗﻬﺎ. ﻓﻤﺎ اﻷزﻣﺔ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ؟
ﻳــﺮى إدﻏـــﺎر ﻣـــﻮران أن ﻣﻔﻬﻮم اﻷزﻣـــــﺔ ﻳــﺤــﻤــﻞ ﻓـــﻲ ﺟــﻮﻓــﻪ اﺧــﺘــﻼﻻ ﻓﻲ اﻟﺘﻮازن ﻣﻊ ﻏﻴﺎب اﻟﻴﻘﲔ، ﻓﻬﻲ ﻓﻮﺿﻰ ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ إﺧﻔﺎق ﻓﻲ ﺿﺒﻂ ﻧﻈﺎم اﻟﻜﺒﺢ وﻋــﺪم ﻗــﺪرة ﻋﻠﻰ ﻛﺒﺖ اﻻﻧﺤﺮاﻓﺎت، ﻣﺎ ﻳﺨﻠﻖ وﺿﻌﴼ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻘﺮ. ﻓﻤﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺻﻴﻒ ﻟﻸزﻣﺔ؟
ﻳــﻀــﺮب إدﻏــــــﺎر ﻣــــــﻮران اﳌــﺜــﺎل ﺑــﺎﻟــﺠــﺴــﻢ، ﺑــﺎﻋــﺘــﺒــﺎره »آﻟـــــﺔ ﺑــﺎﻟــﻐــﺔ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ«، ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎدﻳﺔ، ﻟﻜﻦ ﻫﻲ داﺋﻤﴼ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻷزﻣﺔ أو ﻟـﻨـﻘـﻞ إﻧــﻬــﺎ ﺗـﺸـﺘـﻐـﻞ ﻣــﻊ اﻟــﻔــﻮﺿــﻰ، ﻟﻜﻦ ﺑﻤﺠﺮد أن ﺗﺘﻌﻄﻞ آﻟﻴﺔ اﻟﺘﺤﻜﻢ وﺗﺘﺠﻤﺪ إﻣﻜﺎﻧﺎت اﻟﻀﺒﻂ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻵﻟﺔ ﻟﺘﺄﺛﻴﺮات داﺧﻠﻴﺔ أو ﺧﺎرﺟﻴﺔ، ﻓﺎﻟﺠﺴﻢ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﳌﺂزق، أي اﻷزﻣﺔ. وﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﺠﺘﻬﺪ اﻟﻨﻈﺎم ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﺨﻠﻖ اﻟﺘﻮازن، إﻣﺎ ﺑﺎﻟﺴﻌﻲ ﻟـــﻠـــﻌـــﻮدة إﻟــــــﻰ اﻟـــﺤـــﺎﻟـــﺔ اﻟـــﺠـــﺪﻳـــﺪة، وإﻣــﺎ ﺧﻠﻖ ﻧـﻈـﺎم آﺧــﺮ أﻛـﺜـﺮ ﺗﺮﻛﻴﺒﴼ ﻋــﻦ ﻃــﺮﻳــﻖ اﻟـﺘـﻜـﻴـﻒ ﻣــﻊ اﳌـﻌـﻄـﻴـﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة. إذا ﻛـﺎن ﻫـﺬا ﻋﻦ اﻟﺠﺴﻢ، ﻓــﻤــﺎذا ﻋــﻦ أزﻣــــﺎت اﳌـﺠـﺘـﻤـﻌـﺎت؟ إن اﻷزﻣــﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ارﺗﺒﺎﻃﴼ وﺛــﻴــﻘــﴼ ﺑــﻔــﻜــﺮة اﻻﺿــــﻄــــﺮاب وﺑــــﺮوز ﻇﻮاﻫﺮ أو ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺗﺸﻮش اﻟﺴﻴﺮ اﻟﻌﺎدي ﻟﻸﻧﺴﺎق واﳌﻨﻈﻮﻣﺎت، وﻣﺎ دام أن اﳌﻨﻈﻮﻣﺎت ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﺣﺘﻮاء اﻟﺸﺬوذات وﺿﻤﻬﺎ ﺿﻤﻦ اﻟﻜﻞ دون ﺗـﺮﻛـﻬـﺎ ﺗــﺆﺛــﺮ ﻋـﻠـﻰ ﺗــــﻮازن اﻟــﻜــﻞ ﻓﻼ ﺣـﺪﻳـﺚ ﻋـﻦ اﻷزﻣـــﺔ، ﻟﻜﻦ ﺑﻤﺠﺮد أن ﺗﻜﺜﺮ اﻻﺧــﺘــﻼﻻت وﻳﻌﺠﺰ اﻟﻜﻞ ﻋﻦ ﺿـﺒــﻄـﻬـﺎ، ﻓـﻨـﺤـﻦ ﻓـــﻲ ﻗــﻠــﺐ اﻷزﻣــــﺔ. ﻳﺆﻛﺪ إدﻏﺎر ﻣﻮران ﻋﻠﻰ أن ﻛﻞ ﻧﻈﺎم ﺣﻲ أو ﻛﻞ ﻧﻈﺎم اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺑـــﺎﻟـــﻀـــﺮورة اﻟــﻔــﻮﺿــﻰ ﻓـــﻲ داﺧــﻠــﻪ، ﻟــﻜــﻦ ﻫـــﺬا اﻟــﻨــﻈــﺎم ﻳـﺴـﻌـﻰ ﻻﺣــﺘــﻮاء ﻫﺬه اﻟﻔﻮﺿﻰ، ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻛﺒﺘﻬﺎ أو إﻓﺮاﻏﻬﺎ ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ أو ﺗﺼﺤﻴﺤﻬﺎ أو ﺗـﺤـﻮﻳـﻠـﻬـﺎ أو إدﻣـــﺎﺟـــﻬـــﺎ... وﻓـﻲ ﺣﺎل ﻣﺎ ﻋﺠﺰ اﻟﻨﻈﺎم ﻋﻦ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ، وﻓـــﺸـــﻞ ﻓـــﻲ ﻟــــﻢ ﺷــﻤــﻞ اﻟــﺘــﻨــﺎﻗــﻀــﺎت واﻻﺧـﺘـﻼﻻت ﻓﻲ ﺗﻮﻟﻴﻔﺔ ﻣﺘﻨﺎﻏﻤﺔ، ﻓــــﺈن اﻟــﻨــﺴــﻖ اﻟــﻜــﻠــﻲ ﻳـــﻜـــﻮن ﻣــﻬــﺪدﴽ ﺑـــﻞ ﻗـــﺎﺑـــﻼ ﻟــﻼﻧــﻔــﺠــﺎر، إﻧــﻬــﺎ اﻷزﻣــــﺔ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر.
ﻳــﻀــﻴــﻒ إدﻏــــــﺎر ﻣــــــﻮران أن أي أزﻣﺔ ﺗﻠﻢ ﺑﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻌﲔ ﺗﺤﻔﺰ ﻋﻨﺪه ﻣــﺴــﺎرﻳــﻦ ﻣـﺨـﺘـﻠـﻔـﲔ وﻣـﺘـﻨـﺎﻗـﻀـﲔ، وﻫﻤﺎ: أوﻻ، اﻟﻨﻜﻮص واﻻرﺗﻤﺎء ﻓﻲ ﺧـــﻼص ﻣــﺎﺿــﻮي واﻟـﺘـﻌـﻠـﻖ ﺑﻤﻨﻘﺬ ﻗـــﺪري، واﻟـﻌـﻤـﻞ ﻋﻠﻰ إداﻧـــﺔ اﳌـﺬﻧـﺐ، ﺳــﻮاء أﻛــﺎن ﻫـﺬا اﳌﺬﻧﺐ اﻟــﺬي ﺳﺒﺐ اﻷزﻣـﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﴼ، أم ﻛﺎن إداﻧـﺔ ﳌﺬﻧﺐ ﺧﻴﺎﻟﻲ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻛﺒﺶ ﻓﺪاء ﻧﺴﻌﻰ ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣــﻨــﻪ. وﻓـــﻲ ﻫـــﺬه اﻟـﺤـﺎﻟـﺔ ﺗﺼﺒﺢ اﻷزﻣﺔ ﻋﺎﻣﻼ ﻟﻠﺘﺮاﺟﻊ.