ﻣﻲ زﻳﺎدة اﻟﺮاﺋﺪة اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﺖ ﺑﺼﺨﺐ وﻣﺎﺗﺖ وﺣﻴﺪة
ﰲ ذﻛﺮى وﻓﺎﺗﻬﺎ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﺴﺒﻌﲔ
واﺣﺪ ﻣﻦ اﻷﻓﻼم اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮض ﺿﻤﻦ »ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺑﻴﺮوت ﻟﻸﻓﻼم اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻴﺔ« ذاك اﻟﺬي ﻛﺘﺐ اﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮ ﻟﻪ وأﺧﺮﺟﻪ اﳌﺼﺮي ﻣــﺤــﺴــﻦ ﻋـــﺒـــﺪ اﻟـــﻐـــﻨـــﻲ، ﻣـــﺤـــﺎوﻻ إﻋــــﺎدة ﻗــــﺮاءة ﺣــﻴــﺎة اﻷدﻳــﺒــﺔ ﻣﻲ زﻳﺎدة اﻟﺘﻲ ﻟﺤﻖ ﺑﻬﺎ اﻟﻈﻠﻢ ﺣﻴﺔ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻣﻴﺘﺔ، وﻗﻠﻴﻼ ﻣﺎ أﻧﺼﻔﺖ وﺑـﻘـﻴـﺖ ﺳـﻴـﺮﺗـﻬـﺎ ﻣـﺸـﻮﺑـﺔ إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑــﺎﻷﺳــﺮار، ﻓﺒﺎﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻧــﺎدرﴽ ﻣﺎ وﺟﺪﻧﺎ إﺟﺎﺑﺎت ﺷﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
واﻟــﻔــﻴــﻠــﻢ اﻟـــــﺬي ﻋــــﺮض ﻳــﻮم )أﻣـــﺲ( اﻟﺴﺒﺖ ﻓــﻲ »دار اﻟﻨﻤﺮ« ﻓــﻲ ﺑــﻴــﺮوت، ﻳـﻠـﻘـﻲ اﻟــﻀــﻮء ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻫﺬه اﻷدﻳﺒﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﺖ ﺑﲔ ﻟﺒﻨﺎن وﻓﻠﺴﻄﲔ وﻣــــــﺼــــــﺮ وﺗــــﻌــــﻠــــﻤــــﺖ ٩ ﻟـــــﻐـــــﺎت، وﻛﺘﺒﺖ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻘﺼﺔ واﳌﻘﺎﻟﺔ، وﻧﺎﺿﻠﺖ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﺤﺮﻳﺮ اﳌﺮأة، وأﺳﺎﻟﺖ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﺮ، إﻻ أن ﺑــﻌــﺾ ﺗـﻔـﺎﺻـﻴـﻞ ﺣـﻴـﺎﺗـﻬـﺎ ﺗـﺒـﺪو ﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ وﻛـﺄﻧـﻬـﺎ إﻣــﺎ ﺷﻮﻫﺘﻬﺎ اﳌﺒﺎﻟﻐﺔ، أو أﺿﻔﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﳌﺨﻴﻠﺔ ﺑﻌﻀﴼ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﻧﺘﺎزﻳﺎ ودﺳﺖ ﺑﲔ ﻃﻴﺎﺗﻬﺎ ﻋﺒﻖ اﳌﺆاﻣﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻠﻮ ﳌﻦ ﻳﺘﻨﺎﻗﻠﻮن اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت.
ﻟــﻜــﻦ اﻟـــﻌـــﻮدة إﻟـــﻰ ﺣــﻴــﺎة ﻣﻲ زﻳﺎدة ﺗﻈﻬﺮ ﻛﻢ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺿﺤﻴﺔ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺳﺒﻘﺖ زﻣﻨﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻻ ﻳﺰال ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﴼ، وﻫﻲ ﺗﻨﻬﻞ ﻣﻦ ﻧﺼﻮص اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺣﲔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻤﻴﺬة ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺻﺮة، وﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﻬﺎ إﻟﻰ ﻟــﺒــﻨــﺎن وﺗــﻌــﻠــﻤــﺖ ﻓـــﻲ ﻋـﻴـﻨـﻄـﻮرة وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻲ اﻟﺮاﻫﺒﺎت اﻟﻌﺎزارﻳﺔ، ﻗــــﺒــــﻞ أن ﺗـــﻨـــﺘـــﻘـــﻞ إﻟـــــــﻰ ﺟـــﺎﻣـــﻌـــﺔ اﻟــﻘــﺎﻫــﺮة. ﻟـﻴـﺲ ﻏـﺮﻳـﺒـﴼ ﺑـﻌـﺪ ذﻟـﻚ أن ﺗﺼﺪر دﻳﻮاﻧﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮي اﻷول »أزﻫﺎر اﻟﺤﻠﻢ« ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻣﺨﺘﺒﺌﺔ وراء اﺳـﻢ ﻣﺴﺘﻌﺎر ﻫﻮ »إﻳﺰﻳﺲ ﻛﻮﺑﻴﺎ«. وﻫﻮ اﺳﻢ دال، إذ إن إﻳﺰﻳﺲ ﻫﻲ إﻟﻬﺔ اﻟﺨﺼﺐ واﻷﻣــﻮﻣــﺔ ﻋﻨﺪ ﻗـﺪﻣـﺎء اﳌﺼﺮﻳﲔ ﻓــﻴــﻤــﺎ ﺗــﻌــﻨــﻲ ﻣــــﻔــــﺮدة »ﻛـــﻮﺑـــﻴـــﺎ« ﺑﺎﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ اﻟــﻐــﺰارة أو اﻟــﺰﻳــﺎدة، أي ﻫــﻮ ﺗـﺮﺟـﻤـﺔ ﻻﺳـــﻢ ﻋﺎﺋﻠﺘﻬﺎ. أرادت ﻣـﻲ أن ﺗﻜﻮن إﻳـﺰﻳـﺲ ﻫﻲ اﻟــﺘــﻲ ﺗﻌﻠﻤﺖ ﺑـﻔـﻀـﻞ ﻣﺜﺎﺑﺮﺗﻬﺎ ﻣـــﺎ ﻟـــﻢ ﻳــﺘــﺢ ﻟــﺒــﻨــﺎت ﺟـﻨـﺴـﻬـﺎ ﻣﻦ ﺟﻴﻠﻬﺎ، وﺗﻤﻜﻨﺖ ﻋﻨﺪ وﺻﻮﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻋﺎم ٧٠٩١ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﻬﺎ ﻣــﻦ اﻟــﻌــﻤــﻞ اﻟــﺠــﺎد ﻋــﻠــﻰ اﻟﺘﻤﻜﻦ ﻣـﻦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻟﺘﻨﻄﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻓﻴﻬﺎ. ﻫﻲ أﻳﻀﴼ اﻟﺘﻲ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻗﺮأت ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث وﻋﺮﻓﺖ اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻦ ﻛﺜﺐ. وﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬه اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﲔ ﻏﺮب أﺣﺒﺖ ﻗﻴﻤﻪ وﺷﺮق ﺗــﻘــﻤــﺼــﺖ روﺣــــــــﻪ، ﺑـــــﺪت ﻣــــﻲ أو ﻣــﺎري ﻛﻤﺎ ﻛـﺎن اﺳﻤﻬﺎ اﻷﺻﻠﻲ، ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﺑﲔ ﻋﺎﳌﲔ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﲔ، أﺣـﺪﻫـﻤـﺎ ﻣﻨﻔﺘﺢ، ﺟـــﺬاب، ﺑـــﺮاق، وآﺧــــﺮ ﻣــﺤــﺎﻓــﻆ ﻳــﻜــﺒــﻞ ﺣـﺮﻛـﺘـﻬـﺎ. ﻟﻢ ﺗﻨﺨﺮط ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ ﻛﺎﺳﻢ ﺛﻮري ﻛﻤﺎ ﻫﺪى اﻟﺸﻌﺮاوي، ﻟﻢ ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻗﺎﺳﻢ أﻣﲔ ﻃﺎﻟﺒﺔ ﻗﻠﺐ اﳌﻌﺎدﻟﺔ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أواﺋﻞ ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪﻣﻮا ﻣﺼﻄﻠﺢ »اﻟــــﻨــــﺴــــﻮﻳــــﺔ« وأﺧــــــــــﺬت ﺗــﺘــﺮﺟــﻢ رواﻳﺎت إﻟﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ، ﺛـــﻢ ﻛــﺘــﺒــﺖ ﻓـــﻲ ﺳــﻴــﺮ ﻣــﻨــﺎﺿــﻼت ﻣﺜﻞ »ﺑﺎﺣﺜﺔ اﻟﺒﺎدﻳﺔ« و»ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺗﻴﻤﻮر« ووردة اﻟﻴﺎزﺟﻲ، وﺣﻮﻟﺖ ﺳﻴﺮﺗﻬﺎ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ إﻟـﻰ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺑﺤﺚ ﻣﻮﺟﻊ ﻋﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ.
ﻛﺘﺒﺖ ﻓـﻲ ﺻﺤﻒ وﻣﺠﻼت ﻛﺜﻴﺮة ﻣﺜﻞ »اﻷﻫﺮام«، و»اﻟﻬﻼل«، و»اﳌـــــــــﻘـــــــــﻄـــــــــﻢ«، و»اﻟــــــــــــﺰﻫــــــــــــﻮر«، و»اﳌــﻘــﺘــﻄــﻒ«، وﻟـــﻢ ﺗــﻜــﻦ ﺑـﻌـﻴـﺪة ﻓـــﻲ اﻷﺻـــــﻞ ﻋـــﻦ أﺟــــــﻮاء اﻟـﻜـﺘـﺎﺑـﺔ واﻟـــﺼـــﺤـــﺎﻓـــﺔ، ﻓـــﻮاﻟـــﺪﻫـــﺎ ﻳــﺼــﺪر »اﳌـــــﺤـــــﺮوﺳـــــﺔ«، وﻫــــــﻲ ﻣــﻔــﺘــﻮﻧــﺔ ﺑـــــﺎﻷدب واﻟــﺸــﻌــﺮ ﻣــﺸــﻐــﻮﻟــﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻳﻮم ﻛﺎﻧﺖ اﻟــﻨــﻬــﻀــﺔ ﻓـــﻲ ﻋــﺰﻫــﺎ واﻟــﺤــﻤــﺎس ﻟــﻠــﺬﻫــﺎب إﻟــــﻰ ﺣـــﻴـــﺎة أﻓـــﻀـــﻞ ﻓـﻲ أوﺟﻪ.
اﳌﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻟﻔﺘﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻧﻈﺎر ﻓﻲ ﻣﺼﺮ، ﻛﺎﻧﺖ ﻳﻮم ﺣﻔﻞ ﺗﻜﺮﻳﻢ ﺧﻠﻴﻞ ﻣﻄﺮان، ﻓﻮﺟﺊ ﺑﻬﺎ رﺟــﺎل اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻷدب ﻓـﻲ ﻣﺼﺮ وﻫــــﻲ ﺗــﺘــﺤــﺪث دون ارﺗــــﺒــــﺎك أو ﺗــﻠــﻌــﺜــﻢ، ﻣــــﻊ أن إﺻــــــــــﺪارات ﻟـﻬـﺎ ﺳــﺒــﻘــﺖ ﻫــــﺬا اﻟـــﺘـــﺎرﻳـــﺦ. ﻓـــﱳ ﺑﻬﺎ ﻣــﻦ ﺳـﻤـﻌـﻮﻫـﺎ ﻳــﻮﻣــﻬــﺎ، ﻛـﻈـﺎﻫـﺮة ﻓﻲ اﻟﺠﺮأة واﳌﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻛﺎن ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﳌــﺮأة ﻣﻮﺿﻊ ﺟﺪل، ﻓﺈذا ﺑﻬﺎ ﺗﻨﺎﻗﺶ وﺗﺤﺎﺟﺞ، ﺗﻌﺰف اﳌﻮﺳﻴﻘﻰ، ﺗﻜﺘﺐ ﻋـﻦ اﻻﻧﻌﺘﺎق، وﺗﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﺻﺎﻟﻮﻧﻬﺎ اﻷدﺑـــﻲ اﻟــﺬﻳــﻦ ﻛــﺎﻧــﻮا ﻳﺘﻘﺎﻃﺮون إﻟﻴﻪ ﻳﻮم اﻟﺜﻼﺛﺎء.
ﻟــــﻴــــﺲ ﻏــــﺮﻳــــﺒــــﴼ أن ﻳــﺘــﻨــﺎﻓــﺲ اﻷدﺑـــــﺎء اﻟــﺬﻳــﻦ ﻳـــﺮﺗـــﺎدون ﺻـﺎﻟـﻮن ﻣــﻲ ﻋــﻠــﻰ ﻋـﺸـﻘـﻬـﺎ. وﺣـــﲔ ﺗــﺮاﺟــﻊ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﻃﻠﺒﺖ ودﻫﺎ، ﻳﺨﻴﻞ إﻟﻴﻚ أن ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻴﺔ أدﺑﻴﺔ رﺟـﺎﻟـﻴـﺔ ﻓــﻲ ذاك اﻟــﺰﻣــﺎن ﻟــﻢ ﺗﺤﺐ ﻣــــﻲ وﺗــﺘــﻤــﻨــﺎﻫــﺎ، ﻣــــﻦ ﻃــــﻪ ﺣـﺴـﲔ إﻟــﻰ ﻋـﺒـﺎس ﻣﺤﻤﻮد اﻟـﻌـﻘـﺎد اﻟـﺬي ﻣـﻦ وﺣﻴﻬﺎ ﻛﺘﺐ ﻗﺼﺘﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة »ﺳـــــــــﺎرة« إﻟـــــﻰ ﻣــﺼــﻄــﻔــﻰ ﺻــــﺎدق اﻟــــﺮاﻓــــﻌــــﻲ وإﺳـــﻤـــﺎﻋـــﻴـــﻞ ﺻـــﺒـــﺮي، واﻟـــــﻼﺋـــــﺤـــــﺔ ﺗــــــﻄــــــﻮل. ﻓــــــﻲ ﺷــــــﺎرع »ﻣﻈﻠﻮم ﺑـﺎﺷـﺎ« ﺑﻘﻴﺖ ﻣـﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﻨﺨﺒﺔ اﳌﺼﺮﻳﺔ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﻣﺸﺎرﺑﻬﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ، وﺗﺪﻳﺮ اﻟﺤﻮارات اﻟـــﺤـــﺎرة اﻟــﺘــﻲ ﻟــﻢ ﺗــﻜــﻦ ﺳـﻬـﻠـﺔ ﺑﲔ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪﻳﻦ وأﺣﻴﺎﻧﴼ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﲔ.
رﻏﻢ ﻛﻞ اﻟﺤﺐ اﻟﺬي أﺣﻴﻄﺖ ﺑــﻪ، ﻻ ﻳـﺒـﺪو أن ﻣـﻲ ﻛـﺎﻧـﺖ راﻏﺒﺔ ﻓــﻲ اﻟــﺮﺟــﺎل اﻟــﺬﻳــﻦ ﺣــﻮﻟــﻬــﺎ، وﻟـﻢ ﻳﺠﺘﺬﺑﻬﺎ إﻻ ﺟﺒﺮان ﺧﻠﻴﻞ ﺟﺒﺮان اﻟـﺬي ﻗـﺮأت ﻛﻠﻤﺘﻪ ﻳﻮم اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﺧﻠﻴﻞ ﻣﻄﺮان ووﺟﺪت ﻓﻴﻪ ﺻﻨﻮ روﺣـــﻬـــﺎ. ﺛــﻤــﺔ ﻣـــﺤـــﺎوﻻت ﻛـﺜـﻴـﺮة ﻟﻔﻬﻢ ﻫــﺬه اﻟـﻌـﻼﻗـﺔ اﻟـﻐـﺮﻳـﺒـﺔ ﺑﲔ ﻟـﺒـﻨـﺎﻧـﻴـﲔ أﺣــﺪﻫــﻤــﺎ ﻓـــﻲ أﻣــﻴــﺮﻛــﺎ واﻵﺧﺮ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ دون أن ﻳﻠﺘﻘﻴﺎ ﻣــﺮة واﺣــــﺪة. اﻟـﺮﺳـﺎﺋـﻞ اﳌﺘﺒﺎدﻟﺔ ﺑﲔ اﻟﺤﺒﻴﺒﲔ ﻃﻮال ﺗﺴﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻋـــﺎﻣـــﴼ ﺗــﻨــﻢ ﻋـــﻦ ﺣـــﺐ ﺟــــــﺎرف ﻣـﻦ ﻣـــﻲ وﻋـــﺎﻃـــﻔـــﺔ أﻗـــــﻞ ﺟــﻤــﻮﺣــﴼ ﻣـﻦ ﺟﺒﺮان اﻟﺬي ﻛﺎن ﻓﻲ ﻛﻨﻒ ﻣﺎري ﻫﺎﺳﻜﻞ وﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﺒﺮﺑﺎرا ﻳﻮﻧﻎ. ﳌﺎذا ﺻﺪت ﻣﻲ ﻛﻞ أوﻟﺌﻚ اﻟﺮﺟﺎل اﻟــــﺬﻳــــﻦ ﻛـــــﺎن ﻳــﻤــﻜــﻦ أن ﻳــﺆﻣــﻨــﻮا ﻟـﻬـﺎ اﻟـــﺪفء واﻟــﺴــﻌــﺎدة اﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ وﺗــﻌــﻠــﻘــﺖ ﺑــــﺴــــﺮاب ﺟـــــﺒـــــﺮان؟ ﻣـﺎ اﻟـــﺬي ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻗـــﺎدرة ﻋـﻠـﻰ رﻓـﺾ ﻛــــﻞ ﺗـــﻠـــﻚ اﻟــــﻌــــﻮاﻃــــﻒ اﻟــﺠــﻴــﺎﺷــﺔ اﻟــﺘــﻲ أﺣــﺎﻃــﺘــﻬــﺎ ﻣـﻔـﻀـﻠـﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ذاك اﻻﻧــﺘــﻈــﺎر اﻟـﺼـﻌـﺐ ﻟـﺮﺳـﺎﺋـﻞ ﻣﻌﺸﻮق ﻫـﻼﻣـﻲ ﻏﻴﺮ ﻗــﺎدر ﻋﻠﻰ ﻓــﻌــﻞ ﺷــــﻲء ﻟــﻬــﺎ ﻏــﻴــﺮ ﺗــﺰوﻳــﺪﻫــﺎ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻓﻴﺎﺿﺔ. ﻫﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ رﺟﻞ ﺧﺎرج اﳌﻌﺎﻳﻴﺮ اﳌﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎرﺑﻬﺎ، وﻟﻢ ﻳﻠﺢ ﻟﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﺟﺒﺮان؟
ﻳـﺤـﺎول اﻟﻔﻴﻠﻢ اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻲ أن ﻳــﺠــﻴــﺐ ﻋــﻠــﻰ أﺳــﺌــﻠــﺔ ﻋـــــﺪة، ﻟـﻌـﻞ أﻫـــﻤـــﻬـــﺎ ﻫــــﻮ ﺳـــﺒـــﺐ اﻧـــﺘـــﻬـــﺎء ﻣـﻲ إﻟــﻰ اﻟﻌﺼﻔﻮرﻳﺔ ﻓـﻲ ﻟﺒﻨﺎن ﺑﻌﺪ وﻓــﺎة واﻟــﺪﻫــﺎ ﻋــﺎم ٠٣٩١ ﺑﻤﺮض ﻋــﻀــﺎل، وﻣـــﻦ ﺛــﻢ رﺣــﻴــﻞ ﺟــﺒــﺮان ﻓﻲ ﻣﻐﺘﺮﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﻳﻠﻴﻪ، ووﻓـﺎة واﻟﺪﺗﻬﺎ ﻋﺎم ٢٣٩١، ﺣﻴﺚ ﺳــﺘــﻘــﻀــﻲ ﻫــﻨــﺎك ﺳـــﻨـــﻮات ﻏــﺎﻳــﺔ ﻓـﻲ اﻟـﻘـﺴـﻮة، وﻛـــﺎدت ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ ﻫــــﺬا اﳌـــﻜـــﺎن اﳌــﻈــﻠــﻢ ﻟــــﻮﻻ ﺗــﺪﺧــﻞ أﻣـــــﲔ اﻟـــﺮﻳـــﺤـــﺎﻧـــﻲ، وﺣـــﻤـــﻠـــﺔ ﻓـﻲ اﻟـــﺼـــﺤـــﺎﻓـــﺔ. ووﺻــــــﻞ اﻷﻣــــــﺮ إﻟــﻰ ﻣﺠﻠﺲ اﻟـﻨـﻮاب اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ، وأﺛـﺎر ﺑﻌﺾ أﻋﻀﺎﺋﻪ اﻟﻘﻀﻴﺔ، وﺑﺪأت ﺣــﺮﻛــﺔ ﺗــﻄــﺎﻟــﺐ ﺑـــﺈﺧـــﺮاج »ﻧـﺎﺑـﻐـﺔ اﻟﺸﺮق« ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ اﳌﺠﺎﻧﲔ. ﻫﻜﺬا وﺗﺤﺖ اﻟﻀﻐﻂ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻲ ﻋــﺎم ٨٣٩١، ﻟﺘﻌﺎﻟﺞ ﻣـﻦ اﻻﻧﻬﻴﺎر اﻟﻌﺼﺒﻲ اﻟــﺬي ﻛــﺎن ﻗـﺪ أﺻﺎﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺮوت، وﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻣﺮة أﺧﺮى.
ﺑـﲔ أن ﺗـﻜـﻮن ﻣـﻲ ﻗـﺪ ﺣﻤﻠﺖ ﺑﺬرة اﻻﺿﻄﺮاب ﺑﺴﺒﺐ ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﺑﲔ ﺛﻘﺎﻓﺘﲔ، وﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ اﺿﻄﺮت ﻓــﻴــﻬــﺎ ﻟـــﻠـــﻤـــﻮاﺟـــﻬـــﺔ ﺑـــﺎﺳـــﺘـــﻤـــﺮار، وﺑــﻴــﺖ ﺗــﺮﺑــﺖ ﻓــﻴــﻪ وﺣـــﻴـــﺪة ﺑﻌﺪ وﻓـــــﺎة ﺷــﻘــﻴــﻘــﻬــﺎ وﻫــــﻲ ﺻــﻐــﻴــﺮة، وﺑﲔ ﻣﻦ ﻳﺘﻬﻢ ﻋﺎﺋﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻄﻤﻊ ﻓـــﻲ ﺛــﺮوﺗــﻬــﺎ واﺳــﺘــﻐــﻼل ﻓـﺮﺻـﺔ ﺗـﻌـﺮﺿـﻬـﺎ ﻟــﺼــﺪﻣــﺔ ﻧـﻔـﺴـﻴـﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﻮﻓﻴﺎت اﳌﺘﻼﺣﻘﺔ اﻟﺘﻲ أﺣــــﺎﻃــــﺖ ﺑــــﻬــــﺎ، ﻟــﻴــﺮﻣــﻴــﻬــﺎ زورﴽ ﺑـﺎﻟـﺠـﻨـﻮن، ﺗﺒﻘﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣـﺮض ﻣـــﻲ ﻣـــﻮﺿـــﻊ ﺟـــــﺪل ﻣـــﺘـــﻮاﺻـــﻞ ﻻ ﻳﺤﺴﻤﻪ اﻟﻔﻴﻠﻢ.
ﻓــــــﻲ أي ﺣـــــــــﺎل، اﻟـــﻮﺛـــﺎﺋـــﻘـــﻲ ﻋﻤﻮﻣﴼ ﻳﻌﻴﺪ إﻟﻰ اﻟﻮاﺟﻬﺔ ﻗﺼﺔ ﻣـــﻲ، وﻳــﻘــﺪم آراء ﻟـﻜـﺘـﺎب وأدﺑـــﺎء ﻣﻦ ﻣﺼﺮ وﻟﺒﻨﺎن وﻳﻠﺘﻘﻲ ﺑﺄﺣﺪ أﻗـــﺮﺑـــﺎء ﻣــﻲ دون أن ﻳـﻜـﺸـﻒ ﻋﻦ وﺛﺎﺋﻖ ﺟﺪﻳﺪة أو ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻛﺒﻴﺮة ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻌﺮوﻓﺔ، ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ ذﻛﺮى أدﻳﺒﺔ اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﺗﺴﺘﺤﻖ أن ﻧﺘﺬﻛﺮ ﺳﻴﺮﺗﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣــﺮور ٧٧ ﺳﻨﺔ ﻋﻠﻰ وﻓﺎﺗﻬﺎ، ﻓﻲ اﻋﺘﺮاف ﻟﺘﺄﺛﻴﺮﻫﺎ وﻧﻀﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻴﺎة ﻧﺴﻮﻳﺔ أﻓﻀﻞ.
ﻓﺎﻟﺜﻤﻦ اﻟﺬي دﻓﻌﺘﻪ ﻣﻲ ﻛﺎن ﺑـﺎﻫـﻈـﴼ، واﻧـﻔـﻀـﺎض اﻷﺣــﺒــﺔ ﻣﻦ ﺣـﻮﻟـﻬـﺎ ﻛـــﺎن ﻣـﺸـﻴـﻨـﴼ. ﻓـﻠـﻴـﺲ ﻣﻦ ﻋﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة اﻷدﺑﻴﺔ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ أن ﺗﻘﻀﻲ ﻫــﺬه اﻟــﺮاﺋــﺪة ﺑﺼﻤﺖ وﻻ ﻳﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺟﻨﺎزﺗﻬﺎ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﺳــــﻮى ﺛــﻼﺛــﺔ ﺑــﻘــﻮا ﻳــﺘــﺬﻛــﺮوﻧــﻬــﺎ وﻫـــــــــﻢ: أﺣـــــﻤـــــﺪ ﻟـــﻄـــﻔـــﻲ اﻟـــﺴـــﻴـــﺪ، وأﻧﻄﻮان ﺟﻤﻴﻞ، وﺧﻠﻴﻞ ﻣﻄﺮان.