وزراء »القوات« اعتبروا هدف الحملة لإعادة النازحين التطبيع مع النظام السوري
جعجع أكد لـ أن سبب المشكلة هو مَن هجّرهم
حاول رئيس الجمهورية ميشال عون أن يرسي في أول جلسة لحكومة الـرئـيـس سعد الـحـريـري بعد نيلها ثقة البرلمان، معادلة تتعلق بعودة النازحين السوريين، تقوم على أن من يمانع الدخول في تطبيع العلاقات بين لبنان وسوريا لا يريد إعادتهم إلى المناطق التي هُجّروا منها، لكنه قــوبــل بــمــوقــف مــتــشــدّد مـــن وزراء »الــقــوات اللبنانية« الـذيـن أجمعوا فـي مداخلاتهم على أنهم مـع عـودة النازحين اليوم قبل الغد وعدم ربط هذه العودة بالحل السياسي لإنهاء الـحـرب الـتـي اضـطـرتـهـم إلــى هجرة بلداتهم.
ومع أن عون بادر إلى رفع الجلسة بعد احتدام النقاش بينه وبين وزراء »الـقـوات« ومـن سـارع إلـى مساندته من الـوزراء المحسوبين على »محور المـمـانـعـة،« فـإن عـدم إعـطـاء الفرصة لــغــيــرهــم مـــن الـــــــــوزراء لا يــعــنــي أن ممثلي الحزب »التقدمي الاشتراكي« وتــيــار »المـسـتـقـبـل« ّيـتـنـاغـمـون مع الرئيس في موقفه ولا يتبنون موقف زمـلائـهـم فـي حــزب »الــقــوات« الـذيـن نطقوا بلسانهم، وإن كــان الرئيس الـحـريـري بقي صـامـتـاً، مـا اعتبرته مـصـادر مـواكـبـة لــلأجــواء المشتعلة التي سادت الجلسة أنه رغب في عدم رفـع منسوب التوتر رغـم أنـه ضمناً لا يـؤيـد مـا قـالـه الرئيس عـون حول صلاحياته إنْ لجهة أنه المسؤول عن حماية المصلحة الوطنية للبلد ورسم السياسة العامة للحكومة وهما من صلاحية مجلس الـــوزراء مجتمعاً، إضافة إلى أن الحريري هو مَن ينطق باسم الحكومة.
إلا أن رفــع الـجـلـسـة لــن يسحب الـــتـــداعـــيـــات المــتــرتــبــة عــلــى أقـــــوال الرئيس عون من السجال السياسي الذي أعقب انعقادها، وتحديداً حول تـوفـيـر الـغـطـاء لـلـزيـارة الشخصية الــذي قــام بـهـا وزيــر الــدولــة لـشـؤون الــنــازحــين صــالــح الــغــريــب لـدمـشـق الــتــي لـــم تــكــن مــوضــع تــرحــيــب مـن الرئيس الحريري ووزراء »الـقـوات« و»الـــتـــقـــدّمـــي«، لأنـــه لا عـلـم لمجلس الوزراء بها.
أمــــــا الــــقــــول بــــــأن عــــــدم تـطـبـيـع ّالعلاقة بين بيروت ودمشق لا يزال يــؤخــر عـــودة الــنــازحــين الـسـوريـين، فـــإن الــــــوزراء الــذيــن اعــتــرضــوا على هــذه المـقـولـة يـسـألـون: مـا المـانـع من إعادتهم، خصوصاً أن وزيـر الدولة لـــشـــؤون رئـــاســـة الــجــمــهــوريــة بـيـار رفول في الحكومة السابقة لم ينقطع عــن الــتــواصــل مــع كــبــار المـسـؤولـين السوريين وكان يتردد أسبوعياً على
ُ دمشق، إضافة إلى الدور الذي أوكل إلـى المـديـر الـعـام لـلأمـن الـعـام الـلـواء عباس إبراهيم بإجماع كل الأطراف الـسـيـاسـيـة والــــذي نـجـح فــي إعـــادة ألوف النازحين إلى بلداتهم، من دون السؤال عن دور الأمين العام للمجلس الأعـلـى اللبناني - الـسـوري نصري خوري، الذي مضى على تعيينه في منصبه أكثر من عقدين، وعاد أخيراً إلى الظهور في المناسبات...
لـذلـك يــرى مَــن يــعــارض تطبيع الـــعـــلاقـــة بــــين بــــيــــروت ودمــــشــــق أن الدخول في عملية التطبيع لا يهدف إلــى تـنـظـيـم عـــودة الـنـازحـين وإنـمـا إلى تعويم النظام السوري في ضوء الـــقـــرار الـــــذي اتـــخـــذه بــعــض الــــدول العربية بـضـرورة التريُّث في إعـادة فتح سفاراتها في دمشق، وهـذا ما يؤكده رئيس حزب »القوات« سمير جعجع الذي قال لـ »الشرق الأوسط:« إننا نمرّ حالياً في أكبر عملية غش ســيــاســي فـــي تـحـمـيـلـنـا مـسـؤولـيـة إعاقة عودة النازحين إلى بلداتهم...
ويـــــســـــأل جـــعـــجـــع: مـــــا الــجــهــة الـسـيـاسـيـة الـتـي كـانـت وراء إقـنـاع الـــرئـــيـــس عــــــون بــــــأن مـــجـــرد الـــبـــدء بتطبيع العلاقة بين البلدين سيدفع فـي اتـجـاه إعــادة الـنـازحـين؟ ويؤكد أن الــهــدف يـكـمـن فــي تـعـويـم نـظـام بــشــار الأســــد الــــذي لا يــبــدو أنـــه في وارد إعادتهم في وقت تشهد سوريا تبدلاً ديموغرافياً. كما يسأل جعجع: ما الذي منع وزراء »التيار الوطني« وحـلـفـاءهـم الــذيــن كــانــوا يـشـكّـلـون الأكــثــريــة فـــي حـكـومـتـي الـرئـيـسـين نــجــيــب مــيــقــاتــي وتـــمـــام ســـــلام مـن التواصل مع النظام السوري لإعادة هـــؤلاء الــذيــن يـجـب تـأمـين عـودتـهـم اليوم قبل الغد من دون ربطها بالحل السياسي؟
ويــلــفــت جــعــجــع إلـــــى أن هـنـاك حاجة إيرانية إلى تعويم الأسد وأن »حــزب الـلـه« يسعى إلــى تسويقها، وذلـــــــك لأن طــــهــــران اســتــثــمــرت فـي نظامه وأنفقت مليارات الــدولارات، عدا عن إنفاقها العسكري، وبالتالي لا تستطيع أن تتحمل إضـعـافـه أو خسارته لما سيكون له من ارتـدادات سلبية على الداخل في إيران. ويؤكد جعجع أننا كنا وما زلنا مع التواصل مـع المجتمع الـدولـي لتأمين مناطق
ّ آمنة لهم فـي سـوريـا على أن يتكفل بتمويل عودتهم، ويقول بأن الأسد الذي كان يدّعي أن له اليد الطولى في لبنان لم يعد يحتمل أي تأخير في تطبيع العلاقة بين البلدين.
ويـكـشـف جعجع عـن معلومات تــوافــرت لـديـه بــأن الـنـظـام الـسـوري يستقدم مجموعات من لون طائفي مــعــين وتـــحـــديـــداً مــــن أفــغــانــســتــان وباكستان وبعض الدول، لتوطينهم فــي مـنـاطـق مـعـيّـنـة فــي ســوريــا، تم تهجير أهـلـهـا مـنـهـا. ويـسـأل أيضاً »عــــــن لـــجـــوء بـــعـــض الأطــــــــــراف إلـــى المــزايــدات الـشـعـبـويـة بـدعـوتـهـم إلـى
ّ إعادة النازحين، وهم الآن يستخفون بعقول اللبنانيين بإيهامهم بأننا نحن ضد عودتهم، مع أن من يتزعّم مـــثـــل هــــــذه الـــحـــمـــلات يـــــــدرك جــيــداً أن المـشـكـلـة أولاً وأخــيــراً عـنـد الــذي هجّرهم، والذي لم يلتزم بالضمانات
ُ الروسية التي أعطيت للذين عـادوا إلـى درعـا والغوطة الشرقية وقامت أجـــهـــزتـــه بـمــلاحـقـتـهـم بـــذريـــعـــة أن بعضهم تـخـلّـف عــن تــأديــة الـخـدمـة العسكرية الإجبارية والآخـر ينتمي إلــى المـعـارضـة«. وعليه فــإن الـتـذرُّع بتطبيع العلاقة بين البلدين كشرط لإعــادة النازحين مـا هـو إلا محاولة مكشوفة لاستخدام هذا الملف لتعويم نظام الأسد، وإلا لماذا لم يبادر الأخير حـتـى الـسـاعـة إلــى تـوجـيـه الـدعـوات إلى النازحين للعودة، وهو كان أول مـن تباهى بـأن وجـودهـم فـي أماكن اللجوء يريحه داخلياً؟
لذلك فإن الحملة المنظّمة لتطبيع العلاقة بين البلدين تأتي في سياق الحملة السابقة التي تولاّها الوزير جبران باسيل لدعوة سوريا لحضور الــقــمــة الاقــتــصــاديــة الــعــربــيــة الـتـي استضافها لـبـنـان، وأيـضـاً اللاحقة التي تسبق استضافة تونس للقمة العربية، وإلا كيف يمكن الجمع بين رفـــع مـسـتـوى الــتــواصــل مــع الأســد وإدراج الــنــظــام الـــســـوري الـرئـيـس الحريري ورئيسَي »التقدمي« وليد جنبلاط وسمير جعجع على لائحة الإرهاب؟