الجامعة العربية تطلق حملة واسعة في موسكو لدعم قضية القدس
أطلقت جامعة الدول العربية حــمــلــة تــعــد الأولــــــــى مــــن نـوعـهـا فــــي روســـــيـــــا، لــتــســلــيــط الـــضـــوء عــلــى الـــتـــطـــورات الـــجـــاريـــة حــول القدس، وحشد أوسـع تأييد على المــســتــويــين الــشــعــبــي والــرســمــي لــدعــم الـفـلـسـطـيـنـيـين، خـصـوصـاً فــــي مــديــنــة الــــقــــدس، ومــواجــهــة التحركات الأميركية والخطوات المتسارعة للحكومة الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير معالم المدينة، وتقويض إمكانية جعلها عاصمة لــلــدولــة الـفـلـسـطـيـنـيـة فـــي إطـــار حـل الـدولـتـين، بـحـسـب مـا يقوله الفلسطينيون.
ونــظّــمــت بـعـثـة الـجـامـعـة في مــوســكــو نـــــدوة مــوســعــة لإطـــلاق حملتها شهدت حضوراً لافتاً، إذ شــارك فيها مـن الـجـانـب الـروسـي ممثلون عـن منظمات اجتماعية وثــــقــــافــــيــــة، فــــضــــلاً عـــــن مـمـثـلـين للكنيسة الأرثـوذكـسـيـة الـروسـيـة والإدارة الروحية لمسلمي روسيا. وحضر من الجانب العربي سفراء وأكـاديـمـيـون ومـمـثـلـو مؤسسات اجتماعية وثـقـافـيـة. وتـحـدث في الندوة، إلى جانب سفير الجامعة الـــعـــربـــيـــة جــــابــــر حــبــيــب جـــابـــر، مستشار الرئيس الفلسطيني نبيل شعث الذي كان الضيف الرئيسي فــــي الـــفـــعـــالـــيـــة، وكــــــل مــــن سـفـيـر المــغــرب عـبـد الــقــادر لـشـهـب، وهـو عميد السلك الدبلوماسي العربي، وسـفـيـر الأردن أمـجـد العضايلة، والسفير الفلسطيني لدى روسيا عبد الحفيظ نوفل. ومـن الجانب الــروســي رئــيــس مــركــز »الــقــدس« سيرغي بوبورين، وممثل الإدارة الـديـنـيـة لمـسـلـمـي روســيــا ريـنـات ابيانوف، وممثل الكنيسة الروسية إيليا كاشيتسين.
ولفت سفير الجامعة العربية، في كلمة استهلالية، إلى الأهمية الـخـاصـة الـتـي تـولـيـهـا الـجـامـعـة لإطـــــــلاق هــــــذا الـــجـــهـــد، وقـــــــال إن مـبـادرتـهـا لإقـامـة فـعـالـيـات تنبّه إلى المخاطر الكبرى التي تتعرض لها القدس تأتي في ظل تهديدات غـيـر مـسـبـوقـة تـهـدف إلــى تـزويـر الــــتــــاريــــخ وإخـــــــــــراج الــــقــــدس مـن مـعـادلـة التسوية عبر الإجـــراءات السياسية والتحركات الأميركية والإســـرائـــيـــلـــيـــة عـــلـــى المــســتــوى السياسي التي تتزامن مع تصعيد وتــيــرة الانــتــهــاكــات عـلـى الأرض لـتـغـيـيـر مـعـالـم المــديــنــة. وتـوقـف عند ٣ نقاط رئيسية: الأولـى هي تـوسـيـع الاســتــيــطــان فــي الـقـدس وحــولــهــا، مـشـيـراً إلـــى وجـــود ٣٨ مـسـتـوطـنـة بــاتــت عـمـلـيـاً تـخـنـق مدينة الـقـدس وتقطع أوصالها، والـثـانـيـة الانــتــهــاكــات الممنهجة لـلـمـسـجـد الأقــصــى والاعـــتـــداءات الإسـرائـيـلـيـة عـلـى الفلسطينيين فــي الـــقـــدس، لافــتــاً إلـــى أن الـعـام المــاضــي شـهـد ٢٨٨ انـتـهـاكـاً ضد المــســجــد الأقــــصــــى، شــــــارك فـيـهـا ٢٩ ألــف مـسـتـوطـن، بينهم وزراء وأعـــضـــاء كـنـيـسـت ومــســؤولــون. وقــــال إن الـشـهـر الأول مــن الـعـام الـجـاري وحــده شهد أكـثـر مـن ٣٠ اعــــتــــداء عــلــى المــســجــد الأقـــصـــى، بـمـعـدل اعــتــداء واحـــد عـلـى الأقــل يومياً. وفي النقطة الثالثة، توقف عـــنـــد المــــوقــــف الـــــروســـــي الــثــابــت حيال وضع مدينة القدس، وملف التسوية عموماً، وقـال إن موقف روسيا المبدئي يعد أحـد الدعائم الأســاســيــة لــدفــع الــتــســويــة عـلـى أساس قرارات الشرعية الدولية.
وتناول نبيل شعث جانباً من الـبـعـد الـتـاريـخـي لمـسـألـة الـقـدس، مذكراً بـأن الفلسطينيين عرضوا مـنـذ عــام ١٩٣٩، وكــــرروا الـعـرض فــي ١٩٦٩، بــإقــامــة دولــــة واحـــدة علمانية، لا طائفية، حفاظاً على الأماكن المقدسة، لكن الإسرائيليين رفضوا العرضين، مما دفع العالم إلـــى الــتــوجــه إلـــى حــل الــدولــتــين. وزاد أن كـــل عـمـلـيـة الـــســـلام فـي المنطقة ترتكز على دولـة مستقلة على حدود عام ١٩٦٧، عاصمتها القدس الشرقية، مع حقوق العودة لـلاجـئـين، وأن الـتـلاعـب بمصير القدس يعني التلاعب بكل مسيرة السلام.
وأعــــــاد إلــــى الــــذاكــــرة أنــــه فـي عام ١٩٩٢، عندما تم توقيع اتفاق لإرجــــــاء حــســم مــلــفــات الـتـسـويـة النهائية، كانت القدس أحـد هذه المـلـفـات، مـمـا يـعـنـي أنــه لا يمكن لأي طرف أن يحسم بشكل منفرد وضع القدس من دون حل نهائي وشـامـل. ولفت إلـى أن الإجــراءات الإســـرائـــيـــلـــيـــة الـــحـــالـــيـــة ذهــبــت نـحـو تـحـويـل إسـرائـيـل إلــى دولـة »أبـارتـايـد قـانـونـي،« علماً بأنها »مـــارســـت الأبـــارتـــايـــد حــتــى الآن بحكم الـواقـع، لكنها بـدأت تنتقل إلى شرعنته عبر قانون الجنسية الأخـيـر،« بحسب مـا قـال. واعتبر القرارات الأميركية بمثابة »صفقة القرن « غير المعلنة رسمياً، بمعنى أن واشــنــطــن تـعـمـل عــلــى تنفيذ إجــراءات أحـاديـة، وتحويلها إلى أمر واقع.
وأشار سفير المملكة المغربية، مـن جهته، إلــى أن قضية القدس تـوحـد شـعـوب المـنـطـقـة، وتحظى بـتـأيـيـد واســـع فــي الـعـالـم، ولـفـت إلــــى الــــــدور الـــــذي يـلـعـبـه المــغــرب خـــصـــوصـــاً لــــكــــون المــــلــــك مـحـمـد السادس هو رئيس لجنة القدس، عــبــر الانـــــخـــــراط الـــكـــامـــل فــــي كـل المــــبــــادرات والــتــحــركــات »لـلـدفـاع عن الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني«. وعــلــى المـسـتـوى الإنــســانــي، لفت إلـى المساهمة الكبرى التي يقوم بـــهـــا بـــيـــت مــــــال الــــقــــدس الــتــابــع للجنة القدس في دعم مشروعات فــي قـطـاعـات الإســكــان والـتـعـلـيـم والـصـحـة والــشــؤون الاجتماعية والمرأة والطفولة.
أمــــــا الـــســـفـــيـــر الــفــلــســطــيــنــي فوصف مبادرة الجامعة العربية بأنها »استثنائية في أهميتها«، وشدد على أن الصمود الفلسطيني على الأرض، والـدعـم الـذي يقدمه الأشــقــاء والأصـــدقـــاء فــي الـعـالـم، سيمكن مـن إفـشـال صفقة الـقـرن، وتـقـويـض المـسـاعـي الإسـرائـيـلـي لتغيير مـعـالـم الــقــدس وشطبها من أجندة الحل السياسي.
ولــفــت الـسـفـيـر الأردنــــــي، من جــهــتــه، إلــــى »الأهــمــيــة الـخـاصـة لـتـوقـيـت إطــــلاق هـــذه المـــبـــادرة«، مــشــيــداً بــالمــوقــف الــــروســــي عـلـى المـسـتـويـين الـشـعـبـي والــرســمــي، وأكد على واجب الأردن في الدفاع عــن الــقــدس، مـنـبـهـاً إلـــى خـطـورة »الـلـعـبـة الجيوسياسية الـهـادفـة إلـى إفشال أي تسوية، وتقويض إمكانية أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية«. وشدد على أن الـقـضـيـة الـفـلـسـطـيـنـيـة تبقى الأولـى والمركزية للعالمين العربي والإسلامي، منبهاً إلى أن فشل حل الدولتين سيولد بيئة من الإحباط تغذي التطرف في المنطقة.
وقـــال رئـيـس المـركـز الـروسـي لحماية إرث مدينة القدس سيرغي بابورين إن المجتمع الروسي يؤيد الموقف الرسمي للقيادة الروسية في الموضوع الفلسطيني، معتبراً أن مشكلة الـقـدس لا تخص فقط العرب أو المسلمين، بل هي قضية إنسانية كبرى.
وأكـد نائب رئيس الإدارة في مجلس شورى المفتين في روسيا، رينات ابيانوف، التفاف مسلمي روسـيـا حــول دعــم الفلسطينيين والــقــدس، مـحـذراً مـن أن خـطـوات واشــنــطــن وتــــل أبــيــب تــقــود إلــى »كــارثــة جيوسياسية وإنسانية كبيرة«. كذلك أكد ممثل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية استعدادها لاســتــضــافــة أي فــعــالــيــات لـدعـم الـــقـــدس، وتــأكــيــد الــتــضــامــن بين المسلمين والمسيحيين فـي الدفاع عـن المـديـنـة المـقـدسـة لكل الأديــان. وذكر أن البطريرك كيريل أكد أخيراً أن »الوضع الخاص لمدينة القدس لا بد من المحافظة عليه، ومصير الــقــدس لـيـس مـسـؤولـيـة الـعـالمـين العربي والإسـلامـي وحدهما، بل مسؤولية كل المجتمع الدولي«.