الأسر الدينية تصنع الرؤساء في السنغال
> انــتــخــابــات الــســنــغــال هـي الـ١١ منذ استقلال البلد عن فرنسا عام ١٩٦٠، ومكنت في مناسبتين من تحقيق التناوب السلمي على السلطة (٢٠٠٠ و٢٠١٢) فـي واحـد من أكثر البلدان الأفريقية استقراراً، بيد أن السنغاليين يرجعون هذا الاسـتـقـرار إلـى الــدور الــذي تلعبه الـزعـامـات الدينية السنغالية في الــســاحــة الــســيــاســيــة. إنــهــا أســر صوفية وعلمية عريقة في أغلبها تنحدر من قبائل مسلمة سبق أن حكمت أرض السنغال قبل وصول الفرنسيين في القرن التاسع عشر، واستمر نفوذها الروحي والديني خلال الاستعمار، لكنه تعزز أكثر بعد الاسـتـقـلال وتـأسـيـس الـدولـة الوطنية الحديثة.
وخــــلال الـحـمـلـة الانـتـخـابـيـة الأخـــــــيـــــــرة، تـــســـابـــق المـــرشـــحـــون لـــزيـــارة هـــذه الأســــر فــي مـراكـزهـا الروحية، وهي مدن داخل السنغال يقطنها الخليفة العام لكل أسرة، مــع حـاشـيـتـه الـقـريـبـة مــن أتـبـاعـه وتــــلامــــذتــــه، وتــتــبــع هـــــذه الأســــر للطريقتين التيجانية (تأسست قبل عدة قرون بفاس في المغرب)، والمـــريـــديـــة (تــأســســت فـــي الــقــرن التاسع عشر في وسط السنغال).
يـــــــــــــحـــــــــــــرص المــــــــــرشــــــــــحــــــــــون للانتخابات الرئاسية على الظهور في صور ومقاطع فيديو إلى جوار هذه الزعامات الدينية والصوفية، لـتـظـهـر كـأنـهـا تـمـنـحـهـم الـتـزكـيـة والــقــبــول، مــا يــرفــع مــن أسـهـمـهـم لدى الملايين من أتباع هذه الطرق الـصـوفـيـة المـنـتـشـرة بشكل واسـع فـي السنغال، ولكن زعـامـات هذه الــــطــــرق تـــؤكـــد دومـــــــاً أنـــهـــا عـلـى »الحياد التام« في الانتخابات.
خـــــلال الــحــمــلــة الانــتــخــابــيــة الأخيرة، قدم المرشح إدريسا سك نـفـسـه عـلـى أنـــه مــرشــح الـطـريـقـة المــــريــــديــــة، الـــتـــي تـــوصـــف بـأنـهـا الأقوى والأكثر نفوذاً في السنغال، وأكد في أكثر من مناسبة أنه أحد أتـــبـــاع هــــذه الــطــريــقــة، ولــــم تـخـلُ دعـايـتـه الانتخابية مـن استغلال واضـــــح لــهــذه الــطــريــقــة مـــن أجــل استقطاب أتباعها.
فـــــــي المـــــقـــــابـــــل مـــــــعـــــــروف أن الــرئــيــس المـنـتـهـيـة ولايــتــه مـاكـي ســال يـنـحـدر مـن أســـرة مـن أتـبـاع الطريقة التيجانية، التي توصف بأنها الأكثر انتشاراً في السنغال وغـرب أفريقيا عموماً، ولكنه في المقابل هو الرئيس السنغالي الذي دشن مشروع طريق سريعة تربط مـديـنـة طــوبــى، عـاصـمـة الـطـريـقـة المـريـديـة بالعاصمة داكـــار، وهـي طــريــق سـتـسـهـل وصـــــول مـلايـين الحجاج إلى المدينة المقدسة لدى قـــطـــاع واســــــع مــــن الــســنــغــالــيــين. ويثير التزاحم بين اثنين من أبرز المرشحين للرئاسيات في السنغال عـلـى أبـــــواب الــزعــامــات الـديـنـيـة، ارتياح المواطنين السنغاليين الذين يــعــتــبــرون أن احـــتـــرام الــزعــامــات الدينية شرط أساسي لحكم البلاد.
يقول خليلو كـان، وهـو بائع ملابس مستعملة في حي شعبي بـــــداكـــــار: »لـــــن نــقــبــل بـــــأن يـحـكـم السنغال من لا يحترم هذه الأسر العريقة، إن احترامها هو احترام للإسلام، لأنها تنشر قيم الإسلام الـسـمـح والمــعــتــدل، وبـالـتـالـي من الطبيعي أن يظهر لها السياسيون التقدير والاحترام .«
ويــضــيــف الــبــائــع لـــ »الــشــرق الأوســـــــــــط« قـــبـــل يــــــوم واحــــــــد مـن الاقـــــــــــتـــــــــــراع: »نــــــعــــــم ســــــأصــــــوت، ســأصــوت لـصـالـح المــرشــح الــذي احــتــرم الـطـريـقـة الـصـوفـيـة الـتـي أتبعها، أنا تابع للطريقة المريدية والـخـلـيـفـة الــعــام لــم يـعـلـن دعـمـه لأي واحــد مـن المـرشـحـين، ولكني سأصوت لصالح من يحافظ على مصالح الطريقة المريدية، ويحفظ مصالح السنغال، غالباً سأصوت لصالح المرشح الـذي أشترك معه فـي الطريقة نفسها.« فـي المقابل يقول ممادو انجاي، وهو طالب في جامعة داكار: »جميع السنغاليين يــحــتــرمــون الـــزعـــامـــات الــديــنــيــة، ولـــكـــن الــســنــغــال دولــــــة عـلـمـانـيـة ويجب أن تبقى كذلك، رجال الدين يجب أن ينشغلوا بتربية الناس وتـعـلـيـمـهـم، ويــتــركــوا الـسـيـاسـة لأهــل الـسـيـاسـة.« ويـؤكـد الطالب الجامعي أن »السياسيين هم من يكرسون نفوذ الزعامات الدينية لأنـهـم يتعاملون معهم كناخبين كبار رغبة منهم في الحصول على أصوات الناخبين .«
ويـــؤكـــد انـــجـــاي أنـــــه عـنـدمـا يدلي بصوته لن يفكر في موقف أي واحــد مـن الـزعـامـات الدينية، ويـقـول: »سأفكر فقط فـي المرشح الـذي أعتقد أنه سيوفر لي فرصة عــمــل عــنــدمــا أتــــخــــرج، هـــــذه هـي مشكلتي ويجب علي التفكير فيها بنفسي .«
ويعتقد آخـــرون أن السنغال يجب أن تحكم فقط من طرف »رجل مسلم وملتزم،« وهي التي يشكل المسلمون نسبة ٩٥ فـي المـائـة من سكانها، وإذا كانت علاقة المرشح جـيـدة بـالـزعـامـات الـديـنـيـة فـذلـك دلــيــل عــلــى أنــــه »مــســلــم مــلــتــزم«، وبالتالي فهو قادر على أن يحكم الـسـنـغـال، تلك هـي الطريقة التي يفكر بها عيسى صـو، وهـو رجل سبعيني متقاعد.
ويــــــعــــــود نـــــفـــــوذ الــــزعــــامــــات الـديـنـيـة فــي الـسـنـغـال إلـــى حقب سابقة لاستقلال البلاد، ولكن أول رئـيـس فـي تـاريـخ الـبـلـد المستقل، لــيــبــولــد ســــيــــدار ســـنـــغـــور، وهــو مسيحي كاثوليكي، ربط علاقات جيدة مـع هـذه الـزعـامـات الدينية وأعـــطـــاهـــا صــفــة »وســــطــــاء« بـين الــنــخــب الـسـيـاسـيـة والمــواطــنــين، وهــــي الــصــفــة الــتــي مـكـنـتـهـا مـن لـعـب دور سـيـاسـي والـتـحـول إلـى »صـــانـــعـــة لـــلـــرؤســـاء« بـالـتـزكـيـة والمباركة.