حفاوة الشرق بولي العهد رسالة للغرب
المـــتـــغـــيـــرات الاقـــتـــصـــاديـــة فـي القارة الآسيوية أسرع من أن يدركها المــحــافــظــون فـــي الــيــســار الــغــربــي، ويـبـدو أن تـأثـيـرهـا الـسـيـاسـي هو الآخـر أسـرع وأبعد من أن يـراه هذا الـتـيـار الــذي مـا زال يقبع فـي وهـم الـسـيـطـرة والـهـيـمـنـة والــقــدرة على إجـبـار الآخـريـن على الانـصـيـاع له مـن خــلال الـتـهـديـد والـغـطـرسـة، أو من خلال التدثر بشعارات حقوقية تـنـهـار حــين يـوضـع المـحـك المحلي والوطني الغربي.
جــولــة ولـــي الـعـهـد الـسـعـودي الأمـــيـــر مـحـمـد بـــن ســلــمــان لــلــدول الآسيوية دعت بن هوبارد وجافير هيرينانديز من »نيويورك تايمز« إلـى تطمين الأميركيين بأنه مهما بـــعـــدت الــســعــوديــة عـــن الـــولايـــات المــــتــــحــــدة واتــــجــــهــــت شـــــرقـــــاً، فـــإن الولايات المتحدة ستظل هي الحليف الأسـاسـي والرئيسي لها أيـاً كانت التحولات التي تجريها السعودية تـــجـــاه الــــشــــرق، بــالاســتــعــانــة بـمـا قاله محمد اليحيى رئيس تحرير »العربية« )إنغليش( »الصين تعتبر لاعــبــاً وشــريــكــاً لـلـمـمـلـكـة الـعـربـيـة الـسـعـوديـة، ولـكـن لــو تـحـدثـنـا عن الـعـلاقـات الاسـتـراتـيـجـيـة فــلا أحـد يمكنه أن يستبدل مكانة الولايات المتحدة .«
الأمــــــر لا بـــد أن يـــدعـــو لـلـقـلـق لدى الغرب، فهذه الجولة لم تبعث برسائلها المملكة العربية السعودية فقط، بل كانت رسائل شرقية أكثر منها سـعـوديـة، وهـذا ما يجب أن يلحظه هذا اليسار.
دعـــــــــك مـــــــن قــيــمــة الــصــفــقــات الــتــجــاريــة الـــــتـــــي عــــقــــدهــــا ولــــي العهد الأمير محمد بن سـلـمـان مــع بـاكـسـتـان والـــــــهـــــــنـــــــد والــــــصــــــين أثـــنـــاء زيـــارتـــه وتــقــدر بـمـلـيـارات الــــدولارات، وقــــــد كــــــان مــمــكــنــاً أن تكون من نصيب دول أوروبـــيـــة أو مــن نـصـيـب الــولايــات المتحدة، كما كان الحال سابقاً، حيث تلعب الولايات المتحدة دور الحليف الأساسي والشريك التجاري الأول.
ودعـك من الرسالة التي أرادت المملكة العربية السعودية أن تصل بــأن هـنـاك خــيــارات وبــدائــل كثيرة مــســتــعــدة لاســتــقــبــال الاســتــثــمــار السعودي في أي وقت.
دعك من كل هذه الرسائل وركز وراقـب الرسالة التي أرسلتها دول الــشــرق الـــثـــلاث، مــن خـــلال فـخـامـة الاســتــقــبــال وهــيــبــتــه الــتــي حـظـي بــهــا ولــــي الــعــهــد الـــســـعـــودي عـنـد هــذه الــــدول الـــثـــلاث... إنـهـا رسـالـة بــأن جميع المــحــاولات الـتـي بذلها المـتـحـالـفـون مــع إيــــران و»الإخـــــوان المــســلــمــين« لــــلإســــاءة إلــــى صـــورة السعودية وقيادتها جميعها باءت بالفشل هنا.
ورغم أن الصين لم تعد وليست عـلـى اســتــعــداد لقطع علاقتها بإيران، ولكن اســــتــــقــــبــــالــــهــــا لـــولـــي الـعـهـد الـسـعـودي هي والـــهـــنـــد وبــاكــســتــان كـــان اســتــقــبــالاً لـرجـل دولـــــــــــــــــة، ورحــــــــــــــب بـــه بـــــصـــــفـــــتـــــه شـــخـــصـــاً وبـــــــدولـــــــتـــــــه المـــمـــلـــكـــة الــعــربــيــة الــســعــوديــة بصفتها حليفاً قوياً مرحباً به، وهي رسالة قــــويــــة هــــزمــــت حـفـلـة البروباغندا الغربية، وأثبتت أن تلك الحملة الشعواء والممولة قطرياً لم ولـن تجد لها صـدى هنا فـي شرق الكرة الأرضية. لقد كان الاستقبال الفخم رسالة للغرب أن عالمكم غير عالمنا.
لا تـسـتـطـيـع أن تـقـنـع الـهـنـدي أو الباكستاني، على سبيل المثال، بـمـثـالـيـة الـــغـــرب الـحـقـوقـيـة الـتـي رفع شعارها في حملته المناهضة للمملكة العربية السعودية، فهذا الغرب كان إلى وقت قريب مستعمراً لـهـاتـين الــدولــتــين قـبـل الاسـتـقـلال وقــبــل الانــفــصــال، وذاقــتــا مـنـه كل أنواع الذل والاستعباد، وبعض من عاصر تلك المرحلة ما زال حياً، لذلك فهو لا يرى في الدموع التي تذرف في الحملات التي تشن ضد أي دولة شرقية غير أنها دموع التماسيح.
ولا تختلف الصين التي ترفض تماماً أن يملي عليها أحد مقاييس الغرب ومعاييره باعتبارها معايير (إنسانية) شاملة، فالصين وحدها كوكب يعادل ثلث الكرة الأرضية، ولا تقبل بالعبث في أمنها تحت ذريعة الـحـريـة الـفـرديـة، كـمـا يـنـادي بذلك اليسار الليبرالي، ناهيك من انتقاد الـــحـــزب الــشــيــوعــي الــصــيــنــي عـبـر جريدته »غلوبال تايمز« ازدواجية المــعــايــيــر الـــتـــي تـتـبـعـهـا الـــولايـــات المــتــحــدة والــبــعــض فـــي الـــغـــرب فـي تعاملهم مع ملف اختفاء الصحافي الـسـعـودي جـمـال خـاشـقـجـي، حيث استنكر مـوقـف تـلـك الـــدول الغربية وأمـــيـــركـــا حـــيـــال أزمــــــة الــصــحــافــي الـسـعـودي، مـؤكـداً أن الـغـرب ينتهج سياسة الكيل بمكيالين.
جـــمـــيـــع تـــلـــك الـــــــــــدول عــايــشــت الازدواجــــيــــة الــغــربــيــة الــتــي تقيس بــهــا مـعـايـيـر الأمــــن فــي دولــهــم مع معاييرها في دولنا.
وفــي الـوقـت الــذي يـدعـو بعض أعــضــاء الـكـونـغـرس الأمــيــركــي إلـى وقـف بيع الـسـلاح للمملكة العربية الـسـعـوديـة، وفـي ألمانيا يُتخذ قـرار بـوقـف بـيـع الــســلاح، تــرد باكستان والهند والصين باستقبال ولي العهد الــســعــودي اســتــقــبــال رجــــل الــدولــة وبكسر البروتوكول من أجله وتفتح الصين له ذراعيها وما أكثر البدائل! وهناك روسيا وكوريا وغيرهما.
بقي علينا أن نــدرك نحن تلك التحولات ونعرف أن حاجة العالم لنا لا تقل عن حاجتنا له ونتصرف مع الجميع على هذا الأساس.