Asharq Al-Awsat Saudi Edition

أمَلي تجاه اليمن

- * وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة

التقيتُ في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بطفل صغيرٍ مميّزٍ يُدعى فواز، وذلك في مستشفى في عدن في اليمن. عمرُه ١٨ شهراً ووزنه يزيد قليلاً عن أربعة كيلوغراماتٍ. يُعاني فواز من سوء تغذية حادّ، وهو يُقيم في المستشفى منذ أكثر من شهر، وبالكاد يحتمل الحليب العلاجي الذي يُعطى إليه. وعلى الرغم من كل ذلك، فهو مثابرٌ، عازمٌ على العيش. ّ وبصمتٍ مُطبق، تمكث رُقيّة، والدة فواز، بجانب ابنها ليل نهار، تترقب حالته للتأكّد من صموده.

لم يستجب فواز لنوعين مُستخدمين من الحليب العلاجي على غرار معظم الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد. وبعد أسابيع مـن الفشل بإنجاح الـعـلاج وعمليات نقل الـدم الـكـثـيـر­ة، انـتـقـل الأطـبـاء إلــى معالجة فــواز بالحليب المـضـاد للحساسية الباهظ الثمن، وبالتالي تـعـيّن على عائلة فـواز تحمّل كلفته.

لا يمكن لفواز أن يستعيد عافيته من دون هذا الحليب. إلا أن عافيته ستكلّف عائلته ثمناً باهظاً. كلفة كل علبة من هذا الحليب هي نحو ٣٠ دولاراً. ولهذا الأمر عواقب مدمّرة، لا سيّما بالنسبة للعائلات التي تعيش على بضعة دولارات في اليوم. إن تأمين الدواء لطفل واحد يعني وجبة أقل في اليوم، وغذاءً أقلّ للعائلة، الأمر الذي يزيد من خطر سوء التغذية بالنسبة لباقي أطفال الأسرة.

لهذه القصة خاتمة سعيدة. ربح فواز، وغادر المستشفى في ٢٠ ديسمبر (كانون الأول)، واستمرّ بالتعافي. غير أن الملايين من اليمنيين لا يزالون يواجهون ظروفاً صعبة مماثلة. تشير تقديرات إحـدى وكـالات الإغـاثـة إلـى أن نحو ٨٥ ألـف طفل في اليمن خسروا معركتهم ضد المجاعة منذ عام ٢٠١٥.

ومن بين نحو ٢٠ مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة لـتـأمـين الــغــذاء، هـنـاك مــا يـقـرب ١٠ مـلايـين شـخـص هــم قـاب قوسين أو أدنى من المجاعة، بمن فيهم ٢٤٠ ألف شخص تقريباً يواجهون مستويات كارثية من الجوع وبالكاد هم على قيد الحياة. فقط نصف المرافق الصحية فقط في البلاد ما زالت تعمل

ُ بشكل كـامـل. أصـيـب مـئـات الآلاف مـن الـنـاس بــالأمــر­اض في العام الفائت بسبب سوء الصرف الصحي والأمراض المنقولة بواسطة الماء. وزادت الاحتياجات في جميع القطاعات بشكل كثيف. يعاني ملايين اليمنيين من الجوع والمـرض والضعف حالياً أكثر مما كانوا عليه في العام الفائت.

إن الأمـم المتحدة وشركاءها في الشق الإنساني يبذلون قصارى جهدهم ليحصل أمثال فواز على فرصة للحياة. فعلى مـدار عـام ٢٠١٨، وعلى الرغم من كـون اليمن واحـداً من أخطر الأماكن التي يمكن العمل فيها وأكثرها تعقيداً، قام نحو ٢٥٤ شريكاً دولـيـاً ووطـنـيـاً بالتنسيق فيما بينهم لتأمين الدعم لليمنيين، وبالتالي إنقاذ حياتهم. نحن نساعد معاً نحو ٨ ملايين شخص كل شهر في جميع أنحاء الـبـلاد، وهـذه أكبر عمليات الإغـاثـة في العالم. في شهر ديسمبر (كـانـون الأول) وحده، سجّلنا رقماً قياسياً في مجال تقديم المساعدات الغذائيّة لأكثر من ١٠ ملايين شخص.

ولكن، يتعيّن علينا القيام بأكثر من ذلك بكثير. نحن نعلم أنـنـا نستطيع إنـقـاذ مـلايـين الأرواح هـذا الـعـام. إلا أن الوقت ينفد، والمال أيضاً.

لهذا السبب، ستعقد الأمم المتحدة في ٢٦ فبراير (شباط) مؤتمراً رفيع المستوى لإعـلان التبرعات في جنيف، تتشارك في عقده حكومتا السويد وسويسرا. نحن بحاجة إلى أربعة مليارات دولار للاستجابة الإنسانية في اليمن هذا العام، أي بنسبة تزيد ٣٣ في المائة عن العام الماضي، وذلك لتأمين الغذاء، وعلاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية على غرار فواز، والـرعـايـ­ة الصحيّة، والمـيـاه النظيفة، إلـى غير ذلـك مـن أعمال الإغاثة.

قد يبدو حجم التمويل المطلوب هائلاً، لكنه سيمكننا من مـسـاعـدة ١٥ مـلـيـون يمني - نـحـو نـصـف عــدد الـسـكـان - عبر مـكـافـحـة الـكـولـيـ­را، وحـمـايـة الأطــفــا­ل مــن الأمــــرا­ض الـفـتـاكـ­ة، ومعالجة سـوء الـتـغـذيـ­ة، وتحسين الـظـروف المعيشيّة لأكثر الناس ضعفاً. ببساطة، لا يمكن لكل ذلـك أن يحدث من دون تمويل إضافي. لم تتوقف الــدول المانحة عن التبرّع بسخاء للاستجابة

ّ الإنسانية لليمن، ونحن نحثها على القيام بذلك مجددّاً هذا الـعـام. مـن مصلحتنا جميعاً أن نمنع المـأسـاة الإنسانيّة في الـيـمـن مـن الـتـدهـور أكـثـر. لـــديَّ كـل الأمـــل فـي أن ينقذ عملنا الجماعي في جنيف المزيد من الأرواح ويدعم العملية السياسية للاتجاه نحو حل سلمي.

نحن مدينون لأطفال اليمن وعائلاتهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia