Asharq Al-Awsat Saudi Edition

تعليم الصينية في السعودية!

-

عـنـدمـا أعـلـن جــواهــر لال نـهـرو تمسكه بتعليم اللغة الإنجليزية للشعب الهندي (رغم كونها اللغة الرسمية للمستعمر البريطاني السابق للهند)، كان لديه يقين أن الإنجليزية هـي لغة العالم الاقـتـصـا­ديـة ولا بـد أن تكون للهند ميزة تنافسية بتعلمها اللغة، وصدق حدس الرجل لتتفوق الهند اليوم في العلوم الإداريـــ­ــة والـتـقـنـ­يـة الـعـالـيـ­ة بـسـبـب تمسكها بتعليم اللغة الإنجليزية (بعيداً عن المواقف الـعـاطـفـ­يـة تـجــاهـهـ­ا)، بــالإضــا­فــة طـبـعـاً إلـى أسباب أخرى.

أيضاً هناك موقف لي كوان يوو، الزعيم التاريخي ومؤسس سنغافورة الحديثة، الذي أصـر وبـقـوة على أن يتم تعليم طلبة الدولة الفتية بـالإضـافـ­ة إلـى اللغة الإنجليزية لغة الماندرين الصينية (وهي كانت لا تزال اللغة الـرسـمـيـ­ة للصين الـشـيـوعـ­يـة)، ولــم يحبذ أن يتبنى تعليم لغة الكانتونير الصينية التي كان يتحدث بها أهل هونغ كونغ ولا يزالون وهـم الذين كانوا يـقـودون اقتصاد »الصين« من الباب الخلفي. وجهة نظر لي كـوان يوو هـي أن الـصـين مـــارد فـي حـالـة سـبـات عميق وقتها وسيستيقظ، وأثبتت الأيـام أن رهانه كـان على حـق ونـالـت سـنـغـافـو­رة كماً مهولاً مــن الاســتــث­ــمــارات الـصـيـنـي­ـة ونــمــت بـسـرعـة الصاروخ لتصبح منافساً مهماً لهونغ كونغ وإحـــــدى مـنـصـات الاسـتـثـم­ـار الـصـيـنـي­ـة في جنوب شرقي آسيا.

الــيــوم تـتـوجـه الـسـعـودي­ـة بــقــوة وتـركـز تجاه الصين بعلاقات سياسية واقتصادية كبرى ولا عجب في ذلك، فالصين أهم شريك تـجـاري مـع الـسـعـودي­ـة، وهــي أكـبـر مستهلك للنفط السعودي، والاستثمار­ات السعودية فيها تـزداد بشكل تصاعدي واضـح. شركات تستثمر وطلبة يبعثون وزيــارات لا تتوقف لسنوات طويلة، والآن يأتي قرار إدخال اللغة الصينية في مناهج التعليم السعودي.

رمزية واضحة أن سوق العمل والعلاقة الاقتصادية مع الصين ستكون في الحمض النووي للتعليم السعودي وهو اتجاه واقعي لثقل العلاقة بين البلدين، وهو أيضاً شهادة واقــع ودلـيـل جـديـد عـلـى الـتـحـول والتغيير الـحـاصـل فــي الـسـعـودي­ـة. أراقــــب مــا يـحـدث وأتــذكــر مبتسماً الآراء الــحــادة الـتـي كانت تـحـذر وتكفر تعليم اللغة الإنجليزية ومن الابتعاث إلى »الخارج« للدراسة لأن كل ذلك هو جزء من مؤامرة »التغريب«، والآن يا ترى هـل سيسمع منهم أيضاً تحذيرات خطيرة عن مؤامرة »التشريق«؟ حقاً إن شر البلية ما يضحك. كل الأمل ألا يتم حصر تعليم اللغة الصينية فـي حـروفـهـا فـقـط، ولـكـن أمـلـي أن تضاف لذلك أبعاد حضارية مثل الاطلاع على أفكار كونفوشيوس وصن تزو وغيرهما من الفلاسفة المؤثرين في الفكر الصيني. وقيل قديماً في الأثر »اطلبوا العلم ولو في الصين.«

خطوة تعليم اللغة الصينية في المنهج السعودي خطوة واقعية لانعكاس العلاقة الاقــتــص­ــاديــة الاسـتـرات­ـيـجـيـة بــين الـبـلـديـ­ن والتبادل الثقافي والتعليمي يزيد العلاقة تـرسـيـخـاً. تعليم الـلـغـة الـصـيـنـي­ـة يـجـب ألا يحل بديلاً عن اللغة الإنجليزية ولكن يكون مــكــمــل­اً مــن الــنــاحـ­ـيــة المـنـهـجـ­يـة، لأن الـلـغـة الإنــجــل­ــيــزيــة سـتـظـل لــســنــو­ات طــويــلــ­ة لغة العلوم والاقتصاد.

 ??  ?? حسين شبكشي
حسين شبكشي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia