Asharq Al-Awsat Saudi Edition

العملية الحسابية والديمقراط­ية

-

إتــــقـــ­ـان الــعــمــ­لــيــات الــحــســ­ابــيــة كـالـجـمـع والـــطـــ­رح ضـــــروري لـنـجـاح زعيم الحزب في النظام البرلماني.

زعـــيـــم­ـــا الــــحـــ­ـزبــــين الــكــبــ­يــريــن؛ »المــحــاف­ــظــين« و»الــــعـــ­ـمــــال«، الــلــذيـ­ـن ســـيـــطـ­ــرا عـــلـــى المـــشـــ­هـــد الــســيــ­اســي للمملكة المـتـحـدة لمـائـة عـــام، رئيسة الوزراء تيريزا ماي، وزعيم المعارضة جـيـرمـي كــوربــين يـواجـهـان امـتـحـان الحساب.

الديمقراطي­ة البرلمانية تختلف عــن الـنـظـام الـجـمـهـو­ري؛ فـفـي الأول تــصــدر الــقــوان­ــين وتــتــخــ­ذ الـــقـــر­ارات المصيرية عبر تمريرها بالتصويت.

مصير الحكومة نفسها يتحدد بصوت واحد مثلما حدث مع حكومة الـــعـــم­ـــال بـــزعـــا­مـــة الـــــراح­ـــــل جـيـمـس كالاهان (١٩١٢ - ٢٠٠٥) في عام ١٩٧٩، عـنـدمـا فـقـدت تـصـويـت سـحـب الثقة وظل »العمال« خارج الحكم لثمانية عشر عاماً.

الاسـتـثـن­ـاء إذا نـص قـانـون على نسبة تصويت معينة كـحـال قانون عـــام ٢٠١١ بـتـثـبـيـ­ت المـــدة الـبـرلمـا­نـيـة بـخـمـسـة أعـــــوام (أي فــتــرة اسـتـمـرار الحكومة قبل إجراء الانتخابات).

الــقــانـ­ـون يـشـتـرط أغـلـبـيـة ثلثي الـنـواب للتصويت بالسماح لرئيس الحكومة بتقديم الاسـتـقـا­لـة للملكة وإجراء الانتخابات قبل انتهاء الدورة البرلمانية كما حدث في ٢٠١٧.

أم البرلمانات وأكثرها استقراراً تمر بفترة اضطراب غير مسبوقة منذ عشرينات القرن الماضي.

الأيام الماضية شهدت ترك تسعة من نواب العمال للحزب؛ ثمانية منهم كوّنوا »المجموعة المستقلة« وتاسعهم يجلس وحيداً مستقلاً عن المستقلين!

تبرير التسعة هو »تكاسل زعامة الحزب ولجنته التنفيذية في التعامل مع تنامي معاداة السامية واستهداف الــنــواب الــيــهــ­ود، خـصـوصـاً الـنـسـاء منهم«.

الــتــســ­عــة مـــن الـــتـــي­ـــار الــبــلــ­يــري، مــــتــــ­شــــددون فـــــي ولائـــــه­ـــــم لــلاتــحـ­ـاد الأوروبـــ­ــــــي وهــدفــهـ­ـم إبـــقـــا­ء المـمـلـكـ­ة المتحدة في الاتحاد.

هـذا جعل الكثيرين يشكون في أن تهمة مـعـاداة السامية هـي ستار دخان لإخفاء النيات الحقيقية، وهي لــلــضــغ­ــط عــلــى زعـــيـــم الـــحـــز­ب وهــو اشــتــراك­ــي مـــن الـــطـــر­از الـكـلاسـي­ـكـي، لـتـبـنـي دعــــــوة تـــونـــي بــلــيــر بـــإجـــر­اء استفتاء ثــانٍ بـأمـل أن يغير الشعب رأيه ويصوت بالبقاء.

وهــنــا يـــواجـــ­ه الــزعــيـ­ـم الـعـمـالـ­ي العملية الحسابية المعقدة.

أغلبية نــواب »الـعـمـال« يـريـدون البقاء في الاتحاد الأوروبي، لكنهم لا يمثلون معظم ناخبي دوائرهم التي صــوتــت بــالــخــ­روج مــن الاتـــحــ­ـاد في استفتاء ٢٠١٦، المستر كوربين يخشى الاسـتـجـا­بـة لـضـغـوط نــوابــه المـؤديـة للانتحار في صناديق الاقتراع، فرغم أن الانتخابات مثبتة لـ٢٠٢٢، فإن توتر المشهد السياسي قد يؤدي لإجرائها في وقت مفاجئ.

وفي وستمنستر يحتاج المستر كــوربــين إلـــى نــوابــه إذا أراد هـزيـمـة الـــحـــك­ـــومـــة. تـــنـــاق­ـــص عــــــدد المــقــاع­ــد الـعـمـالـ­يـة لـحـزب المـسـتـر كـوربـين من ٢٤٦ إلـــــى ٢٣٧ أمـــــر مـــحـــرج، لـكـنـهـا ليست مشكلة حيوية له، لأن المارقين التسعة لا يزالون يجلسون في مقاعد المعارضة الـ٣١٧، وهو زعيم المعارضة.

حزب المحافظين الحاكم فقد ثلاثة من أشد النائبات المتحمسات للبقاء فـي الاتـحـاد الأوروبـــ­ي، تركن الحزب وانضممن للمجموعة المستقلة في مقاعد المعارضة المقابلة.

هذا التطور جعل حاجة السيدة مــــاي لإتـــقـــ­ان الـعـمـلـي­ـات الـحـسـابـ­يـة مـــن جــمــع وطــــــرح مــســألــ­ة حـــيـــاة أو مـوت سياسي بعد تناقص أصـوات حكومة الأقلية إلـى ٣١١، لكن اتفاق »الـــــدعـ­ــــم والــــثــ­ــقــــة« بــــين المــحــاف­ــظــين والـنـواب العشرة لـحـزب الوحدويين الديمقراطي­ين من آيرلندا الشمالية لا يزال يضمن الأغلبية العاملة، لكنها تناقصت من ١٢ إلى ٩ أصـوات. وإذا استمرت الأزمة وهجر خمسة آخرون مــقــاعــ­د المــحــاف­ــظــين يــمــكــن أن تـفـقـد الحكومة تصويت سحب الثقة.

وحتى إذا لم تفقد تيريزا ماي أياً من نوابها، وامتنع نواب الوحدويين الديمقراطي­ين عن التصويت (في حالة الاعــتــر­اض على تسوية مـع الاتـحـاد الأوروبـــ­ــــــي تـضـعـهـم تــحــت سـيـطـرة الــجــمــ­هــوريــة الآيـــرلـ­ــنـــديــ­ـة) فـسـتـفـقـ­د تصويت الثقة لا محالة.

وفـــــــي حــــالـــ­ـة طـــــــرح عـــــــدم الــثــقــ­ة بـالـحـكـو­مـة؛ هـل يـصـوت المحافظون المـنـشـقـ­ون والمـنـشـق­ـات مـع المـعـارضـ­ة ضد المصلحة الشخصية؟

بــــــإجـ­ـــــراء انـــتـــخ­ـــابـــات مـــــن شـبـه المؤكد أن يفقدوا فيها مقاعدهم بعد اتخاذهم مواقف معاكسة لما صوتت عليه أغلبية الدائرة.

معظم نـواب المجموعة المستقلة الذين تحدثوا إلى الصحافة والإذاعة يـدعـون أنـهـم يـريـدون تغيير المشهد الــســيــ­اســي الــحــالـ­ـي المـسـتـقـ­طـب بين الـحـزبـين الـكـبـيـر­يـن؛ »الــعــمــ­ال« على يـسـار الــوســط، و»المــحــاف­ــظــين« على يــمــين الــــوســ­ــط، ولا مـــجـــال مــتــروكـ­ـاً للأحزاب الصغيرة.

الصحافة والشبكات التلفزيوني­ة الليبرالية اليسارية (خصوصاً التي تــدعــم بــقــاء بـريـطـانـ­يـا فــي الاتــحــا­د الأوروبي) تحولت إلى منصة ترويج مجانية للمجموعة المستقلة طـوال الأسـبـوع، وبعضها يحث مـزيـداً من النواب على الانضمام إليها.

هل تنجح المجموعة المستقلة في تأسيس »حزب وسط« يقدم الجديد إلى المشهد السياسي في البلاد؟

حـــتـــى الآن، اقــــتـــ­ـصــــرت خــطــب الــــنـــ­ـواب والــنــائ­ــبــات عــلــى الـشـكـوى وانتقاد الحزب الذي هجروه وتهمة معاداة السامية، ولم يقدموا برنامجاً سياسياً ذا معنى.

الهدف الوحيد الذي يجمع نواب المجموعة المستقلة أنهم يريدون إلغاء »بريكست«.

وبــــجـــ­ـانــــب اســـــتــ­ـــفـــــز­از الـــنـــا­خـــب واحـــتـــ­قـــار إرادتـــــ­ــه بــتــجــا­هــل نـتـيـجـة الاســتــف­ــتــاء، فـــإن رفـــض »بـريـكـسـت« ليس برنامجاً سياسياً، كما أنه ليس أيضاً خيار وسط بين اليسار العمالي واليمين المحافظ.

فـــــالان­ـــــقــــ­ـســـــام الــــشـــ­ـعــــبـــ­ـي حــــول »بـــريـــك­ـــســـت« لــيــس عــلــى الــخــطــ­وط التقليدية بـين يـسـار (عـمـال) ويمين (محافظين)، لتعدد دوافـع المصوتين بـــالـــخ­ـــروج مـــن الاتــــحـ­ـــاد الأوروبـــ­ــــي وتشعبها.

نواب المجموعة المستقلة ليسوا من عتاة ساسة بريطانيا، ولا يعرفهم أحد خارج قاعة وستمنستر، بعكس مــمــن عـــرفـــو­ا فـــي ١٩٨١ بـــ »عــصــابــ­ة الأربــــع­ــــة« الـــذيـــ­ن انــشــقــ­وا عـــن حــزب الــعــمــ­ال وقــتــهــ­ا، لـيـؤسـسـو­ا الـحـزب الـديـمـقـ­راطـي الاشــتــر­اكــي. »عـصـابـة الأربعة« كانوا وزراء خارجية ومالية وداخــلــي­ــة فــي الـحـكـومـ­ات الـعـمـالـ­يـة لـعـقـديـن، وكــانــوا رجـــال دولـــة ولـهـم مـؤلـفـات ورؤيــــة وبـرنـامـج سياسي بــديــل عــن بــرنــامـ­ـج الــعــمــ­ال بـزعـامـة مـايـكـل فـــوت (١٩١٣ - )٢٠١٠ الــذي انـــحـــر­ف يـــســـار­اً وقـــــرر نــــزع الــســلاح النووي أثناء الحرب الباردة.

ورغـــــــ­ــــــــــ­م ارتـــــــ­ـــــفــــ­ــــــــاع شـــعـــبـ­ــيـــة الــديــمـ­ـقــراطــي­ــين الاشــتــر­اكــيــين في الـثـمـانـ­يـنـات (وصــلــت إلــى ٣٠ في المـــائــ­ـة فـــي اســتــطــ­لاعــات الـــــــر­أي)، فإنه عندما خـاض أول انتخابات فـــي ١٩٨٣ مـتـحـالـف­ـاً مـــع الأحـــــر­ار (بـتـبـادل المـرشـحـي­ن بـدل التنافس في الدوائر) لم يحقق نتائج تذكر، وانــدثــر بـعـد أن اضـطـر لـلانـدمـا­ج مـع الأحـــرار رغـم تـحـول الصحافة الليبرالية وقتها إلى منبر مجاني للحزب الجديد.

اهتمام الصحافة وليس الخدمات المـقـدمـة لـلـنـاخـب وراء الـشـعـبـي­ـة في استطلاعات الــرأي لأحــزاب تشبه ما يسميه المـــزارع »النبتة الشيطاني« (أعشاب ضارة بالمحاصيل تظهر في الحقول وتقتلع بسهولة لعدم تعمق جذورها). شعبية قد يكون لها معنى فـي نـظـام الـقـوائـم النسبية لكنها لا تترجم إلى مقاعد برلمانية في نظام الدوائر الانتخابية.

حـزب »بريكست« المـكـون حديثاً بــزعــامـ­ـة نـايـجـل فـــــاراج زعــيــم حـزب استقلال المملكة المتحدة (اليميني) ســـابـــق­ـــاً، الــتــحــ­ق بــــه مـــائـــة ألـــــف فـي الأسبوع الأول (مقابل ١٤٣ عضواً في المحافظين وقـرابـة نصف مليون في العمال).

ولـــذا يـرتـكـب الاتــحــا­د الأوروبـــ­ي خـطـأ تـاريـخـيـ­اً فــادحــاً بـرهـانـه على نجاح »المجموعة المستقلة « في تغيير التوازن البرلماني لإلغاء »بريكست«، فالاضطراب قد يؤدي إلى انتخابات تستبدل برئيسة الـوزراء ماي زعامة أكثر عداء لبروكسل.

 ??  ?? عادل درويش
عادل درويش

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia