»الودائع الفائضة« في المصارف الأوروبية أغلبها موجود في ألمانيا وفرنسا
تمتلك المصارف الأوروبية كمية ضخمة مـن السيولة المـالـيـة. فحسب الخبراء المصرفيين في عاصمة المال الألمــانــيــة فــرانــكــفــورت، يــصــل حـجـم إجمالي السيولة المالية التي تتخطى احتياجات هذه المصارف، والمعروفة باسم »الودائع الفائضة«، والموجودة لدى البنك المركزي الأوروبي، إلى ١٫٢٥ تريليون يورو (١٫٤٢ تريليون دولار). اللافت أن ٦٧ في المائة من هذه الودائع موجود في ألمانيا، منها ٣٢٫٧ في المائة تحتاجها المصارف الأوروبية كل يوم لإدارة أنشطتها المحلية والخارجية، في حين تستأثر فرنسا بنحو ٢٤ في المائة منها، والنمسا بـ١٠ في المائة.
اللافت أن هـذه السيولة النقدية الـــفـــائـــضـــة لــــــدى المــــصــــرف المـــركـــزي الأوروبي تتمركز حالياً في تلك الدول الغارقة في بحر من الأموال الطازجة.
يقول إيريك دور، مدير الأبحاث الاقــتــصــاديــة فــي »مـعـهـد الاقـتـصـاد الـعـلـمـي والإدارة« فـــي بـــاريـــس، إن الـــنـــظـــام المـــصـــرفـــي الأوروبـــــــــــي غـيـر متوازن، مما ولّـد سجالات سياسية عدة بين القادة الأوروبيين. ويعارض الألمـان السياسة التوسعية للمركزي الأوروبي، لأن تراكم السيولة الفائضة لـــديـــه تـــرافـــقـــه تــكــلــفــة بــاهــظــة عـلـى المصارف الأوروبية.
ويــســتــطــرد قـــائـــلاً إن الـسـيـولـة الــفــائــضــة، أي كـمـيـة الأمـــــــوال الـتـي تـتـجـاوز كمية الاحـتـيـاطـات النقدية الـــضـــروريـــة الـــتـــي يـنـبـغـي عــلــى كـل مـصـرف أوروبـــي تأمينها لأنشطته الـــيـــومـــيـــة، يـــتـــم إيــــداعــــهــــا مــــن قـبـل المـــــصـــــارف عـــلـــى حـــســـابـــات خــاصــة لـهـا مـوجـودة لــدى المـصـرف المـركـزي الوطني أو المصرف المركزي الأوروبي. وتواكب عملية الإيـداع هـذه تكاليف عــالــيــة جـــــداً. وفــــي الـــوقـــت الـحـاضـر ترسو نسبة الفائدة على سالب ٠٫٤ في المائة، مما يستدعي رسوماً على كل مصرف أوروبي ليدفعها للمركزي الأوروبــي. ويبدو أن السيولة المالية الفائضة فـي كـل مـن ألمـانـيـا وفرنسا غمرت اقتصاد هذين البلدين بصورة غير مسبوقة تاريخياً.
ويـخـتـم بــالــقــول: »اعــتــمــاداً على بــــيــــانــــات شـــهـــر نـــوفـــمـــبـــر (تـــشـــريـــن الـــثـــانـــي) مـــن عـــــام ٢٠١٨، أسـتـطـيـع الـجـزم بــأن الـقـلـب الـنـابـض للسيولة المـالـيـة المـصـرفـيـة الأوروبــيــة مـوجـود فـي أوروبـــا الشمالية. وفيما يتعلق بودائع مصارف الدول الأوروبية لدى المركزي الأوروبي، تحتل ألمانيا المركز الأول، لأن مصارفها أودعت ٣٢٫٧٨ في المائة من سيولتها المالية لدى المصرف المـركـزي الأوروبـــي، تليها فرنسا في المـــركـــز الـــثـــانـــي (٢٤٫٠٥ فـــي المـــائـــة) وهولندا في المركز الثالث (١٠٫٧٤ في المائة) ثم لوكسمبورغ ( ٦٫٢٧ في المائة) وإسبانيا (٥٫٩٨ في المائة) وبلجيكا ٥٫٧١) فـــي المـــائـــة) وإيــطــالــيــا (٤٫٤١ فـي المـائـة) وفنلندا (٤٫٣٣ فـي المـائـة) والنمسا (٢٫٢٧ في المائة(«.
في سياق متصل، تقول الخبيرة الألمـــانـــيـــة لــيــنــا غــــــراف مــــن مــصــرف »دويـتـشـه بـنـك«، إن التعلّق الشديد بالمصرف المركزي الأوروبـي مصدره دول أوروبا الجنوبية. وتتباين ودائع المـركـزي الأوروبـــي فـي إطــار عمليات إعادة التمويل طويلة الأجل بين دولة أوروبـيـة جنوبية وأخــرى، وتستأثر إيـطـالـيـا بنحو ٣٢٫٩٣ فـي المـائـة من هـذه الـودائـع تليها إسبانيا (٢٣٫٠٥ في المائة) وفرنسا (١٥٫٦٤ في المائة) ثم ألمانيا (١٢٫١٢ في المائة) وهولندا )٣٫٨٣ في المائة) وبلجيكا (٣٫١٢ في المـــائـــة) والــنــمــســا (٢٫٧٣ فــي المــائــة) والـبـرتـغـال (٢٫٦ فـي المـائـة) وفنلندا )١٫١٩ في المائة)، ما يعني أن إيطاليا وإسبانيا قد تواجهان كـوارث مالية من دون الاعتماد على أموال المركزي الأوروبــي على عكس مـا يحصل في دول أوروبا الشمالية. كما أنهما غير قادرتين على التخلي عن اليورو مهما كان لأسباب تمويلية أوروبية بحتة لا تتعامل إلا بلغة اليورو.
وتـضـيـف: »فــي حــال قـــررت دول أوروبا الجنوبية الاستغناء عن أموال المركزي الأوروبي لسبب من الأسباب، حينئذ عليها الحصول بسرعة على حـجـم الـسـيـولـة نـفـسـه مــن الأســــواق المالية للسيطرة على ما يعرف بنسبة صافي التمويل المستقر. وإلا سوف تمر أسواقها المالية بصعوبات جمّة تـجـعـلـهـا عــرضــة لمــضــاربــات عـاتـيـة وحـــالـــة مـــن عــــدم الاســـتـــقـــرار قـصـيـر ومتوسط الأمد. ويعتبر عرض أذون الـخـزائـن للبيع فـي الأســــواق المـالـيـة العالمية أذكـى وأضمن وسيلة لجمع الأموال الطازجة بسرعة«.