Asharq Al-Awsat Saudi Edition

معرض »لص بغداد«... رحلة بصرية في الزمن الذهبي للسينما

يتضمن ملصقات أفلام وقصاصات صحافية وصوراً فوتوغرافية

- بيروت: فيفيان حداد

هـي رحـلـة بصرية تـأخـذ الـزائـر إلى زمن السينما الذهبي عندما كان هـواتـهـا يـنـتـظـرو­ن بـحـمـاس إطـلالـة مـلـصـق تـرويـجـي لـهـا. فـفـي معرض »لـــصّ بــغــداد« الـــذي تستضيفه دار الـنـمـر فـي بـيـروت لـغـايـة ٢٥ مـايـو (أيـار) المـقـبـل، سيستمتع زائـره في الـتـجـول بـين مـلـصـقـات سـيـنـمـائ­ـيـة تـعـود لأفـلام أنتجت فـي الثلاثينات والأربعينا­ت وصـولا إلـى الستينات والسبعينات. حينها لم يكن يوجد ســوى المـلـصـقـ­ات الضخمة كوسيلة إعـلان يـنـتـظـره­ـا هـواة الـشـاشـة الذهبية لتعلمهم بنزول عمل جديد أو اقتراب موعد عروض أفلام أخرى. وكانت يومها تنتصب على واجهات عمارات مرتفعة وفي محيط صالات السينما في أسـواق بيروت القديمة مثل ريفولي وراديو سيتي وروكسي وبيغال وغيرها.

ويضم هذا المعرض أكثر من ١٠٠ ملصق أفـلام وقصاصات صحافية، وصورا فوتوغرافية جمعها عبودي أبـو جــودة على مـدى ٥٠ عـامـا. فهو منذ كان في التاسعة من عمره جذبته الأفلام السينمائية وحفرت في ذاكرته إلى حدّ جعله يلحق بشغفه فيها إلى آخـر نـفـس متنقلا بـين بـلـدان غربية وعـربـيـة لـلـحـصـول عـلـى أكـبـر عـدد منها. وينقسم المعرض إلى ٤ أجزاء تحمل عـنـاويـن »الـحـب« و»الـخـيـال« و»المــغــام­ــرات و»صــــوّر فـي بـيـروت«. وينقل الأول أشهر ملصقات الأفـلام الرومانسية منذ حقبة العشرينات مـع سـلـسـلـة أفـلام »الـشـيـخ« و»ابـن الشيخ« مع الممثل الأشهر يومها في عـالـم الـسـيـنـم­ـا رودولــــف فالنتينو. فـيـمـا يـأخـذنـا الـثـانـي إلـى عـالـم الـفـانـتـ­ازيـا والـخـيـال عـنـدمـا كـانـت أفلام كـ »ألف ليلة وليلة« و»شهرزاد« و»لـص بـغـداد« و»عـلـي بـابـا« تشكّل عـنـاويـن رئيسية فـي سينما الغرب والشرق. وفي ركن »المغامرات« تلفتنا مـلـصـقـات أفـلام أنـتـجـت بـين الـحـرب العالمية الأولى والثانية عندما شهد لـبـنـان حـضـورا أجـنـبـيـا عـلـى أرضـه وقد جرى تصويرها في بلاد الشرق كالعراق ولبنان وسـوريـا، وهـي في غالبيتها تحكي قصصا بوليسية وأشـهـرهـا »كـازابـلان­ـكـا« و»رجـل ميت من القاهرة« و»آخـر طائرة إلى بعلبك« وغيرها.

أما في قسم »صوّر في بيروت« فنشاهد سلسلة ملصقات عن أفلام تمّ تصويرها في بيروت كـ »٢٤ ساعة فـي بـيـروت« و»بـارود فـي بـيـروت« وهـي مـن فئة »بـاء« أي الـتـي لا تعدّ من الأفلام الشهيرة في تلك الآونة.

»لـحـقـت بـهـذه المـلـصـقـ­ات تباعا فـكـنـت أسـافـر مـن بـلـد لآخـر وأقـصـد صالات السينما الشعبية فيها التي بـغـالـبـي­ـتـهـا تـحـتـفـظ بـمـلـصـقـ­اتـهـا الـقـديـمـ­ة«. يـروي عـبـود أبـو جـودة قصّته مع ملصقات الأفـلام. ويتابع فـي حديث لـ »الـشـرق الأوسـط:« »في غـيـاب انـتـشـار الإعـلانـا­ت ووسـائـل التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي كانت تمثل تلك الملصقات الوسيلة الوحيدة للترويج لفيلم معين. ومرات كثيرة حصلت على ملصقات لأفلام صـــوّرت فـي بـيـروت ووجـدتـهـا فقط في تونس، فيما مرات أخرى قصدت القاهرة والـعـراق وسوريا للحصول عـلـى مـلـصـق لـفـيـلـم أجـنـبـي مـعـين.« ويسلّط الضوء في هذا المعرض على جمالية الملصق فـي تلك الآونــة قبل وصول تقنيات الطباعة الحديثة.

في تلك الأيام كانت الملصقات ترسم باليد من قبل فنانين حرصوا على إغـواء الجمهور من خلال صور مـعـيّـنـة لــم تـكـن تـحـكـي عــن الفيلم بحد ذاته مرات كثيرة. فكان يقصد صاحبها على الـدوام ابتـكار قطعـة فـنـيـة، تـثـمـر مـلـصـقـــ­ات ذات هويـة مسـتقلة بـحـيـث لا تـكـشـف حقيقة مـحـتـوى الـفـيـلـم. وكـــان رسّـامـوهـا يعتمدون مرات كثيرة على خيالهم الـواسـع انطلاقا مـن عـنـوان الفيلم ليقدموا لوحتهم في حال لم تسنح لهم الفرصة بمشاهدة الفيلم. »إنه بمثابة تراث فني ذي قيمة

ّ كبيرة لأنه لا يتوف ر اليوم بالأسلوب نـفـسـه«. يـقـول عــبــودي أبــو جــودة صاحب »دار الفرات« للنشر وهاوي جـمـع مـلـصـقـات الأفـــلام فـي الـوقـت نــفــســه. ويــضــيــ­ف: »إنـــهـــا بـمـثـابـة اسـتـمـرار­يـة لـلـوحـات اسـتـشـراق­ـيـة حصلت في القرن الماضي. وبرأيي أن هذه الملصقات تعبّر عن الكيانية التي كانت تسود صناعتها إذ كانت تأخذ منحى وأجواء البلد الصادرة عنه بغض النظر عن هوية الفيلم بحد ذاته«.

أمـــا لمـــاذا أطـلـق عـلـى المـعـرض اسـم »لـص بـغـداد« فيوضح: »لأنـه مع هـذا الفيلم بـدأت حقبة انتشار قـصـص مــن المــشــرق الـعـربـي لفتت صـنـاع السينما فـي الـغـرب. وهـذا الفيلم بــالــذات شـكّـل المـفـتـاح الـذي كــرّت وراءه صـنـاعـة سلسلة أفـلام أجنبية مثل »فتاة بـغـداد« و»علي بـــابـــا« و»شــــهــــ­رزاد« وكــــــــ­لــــــــي­ــــــــوب­ــــــــتـ­ـــــــرا« وغــــــــ­يــــــــر­هــــــــا، وتــــــم صناعة نسخ منها في ألمانيا وسويسرا وروســــيـ­ـــا وإيــطــال­ــيــا وغــــيـــ­ـرهــــا. كـــمـــا كـــان أحـــيـــا­نـــا كـــثـــيـ­ــرة يـتـم تــنــفــي­ــذ نــســخ جــديــدة مــنــهــا مــــن قـــبـــل الــبــلــ­د المـصـنـع لـهـا فـي الأصـل تـــفـــصـ­ــل بـــيـــنـ­ــهـــا بــضــع سنوات«. ثـــــــــ­ــــــــرو­ة مـــــــال­ـــــــيــ­ـــــة لا يـــســـتـ­ــهـــان بــــهــــ­ا دفـــعـــه­ـــا عــــبــــ­ودي أبــــــو جــــــــو­دة مـن جـيـبـه الــخــاص لـلـحـصـول على تلك الملصقات، وكانت بالنسبة لـه بمثابة أحجية يــلــحــق بـــرمـــو­زهـــا بــــين بـلـد وآخر ليفكّ غموضها. يحمل كل ملصق قصّته معه فبينها ما يحكي عن فيلم مصري حمل في عناوينه الكبيرة والصغيرة عبارات بالفرنسية بسبب عرضه في المغرب مثلا، فهناك كانت الفرنسية بمثابة الــلــغــ­ة الأم الــتــي يـعـتـمـدو­نـهـا فـي أحاديثهم وثقافاتهم. والأمر نفسه نـلـحـظـه فــي مـلـصـق لـفـيـلـم أجنبي يـحـمـل صـــورا ذات خـطـوط عربية (خـيّـال أسمر يركب على الحصان ّ وتحيط به النساء بطريقة جذابة) كما في فيلم »لص دمشق«. وعما إذا هو يخاف على ثروته الفنية هـذه ويقلق على مصيرها يــرد: »أفـكـر بخطة للحفاظ عليها من خـلال تبنيها من قبل مؤسسة أو صرح تربوي ترعاه وزارة الثقافة ّ فـي لـبـنـان. فـهـذه المـلـصـقـ­ات تمثل ثروة ثقافية حقيقية نفتقدها اليوم وعلينا الحفاظ عليها ككنز ثمين«.

 ??  ?? من معرض لص بغداد (الصور من صفحة دار النمر على فيسبوك)
من معرض لص بغداد (الصور من صفحة دار النمر على فيسبوك)
 ??  ?? ملصق فيلم »علي بابا« في معرض »لص بغداد«
ملصق فيلم »علي بابا« في معرض »لص بغداد«

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia