ﻏﺎدة اﻟﺴﻤﺎن ﺗﻨﺘﻬﻚ »اﻟﺴﺮﻳﺔ« اﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ
ﻣﻦ اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺑﻌﺪ ﻏﺴﺎن ﻛﻨﻔﺎﻧﻲ وأﻧﺴﻲ اﳊﺎج؟
ﻟــﻴــﺴــﺖ اﻟــﻜــﺘــﺎﺑــﺔ ﻓــــﻲ ﻋـﻤـﻘـﻬـﺎ ﺳـــﻮى رﺳــﺎﺋــﻞ ﻣــﻦ ﻧـــﻮع ﻣــﺎ ﻳﺒﻌﺚ ﺑـﻬـﺎ اﻟــﻜــﺘــﺎب إﻟـــﻰ ﺟــﻬــﺎت ﻣـﺘـﻌـﺪدة اﻟـــــﻌـــــﻨـــــﺎوﻳـــــﻦ، دون أن ﻳـــﺘـــﻠـــﻘـــﻮا ﺑـﺎﻟـﻀـﺮورة إﺟــﺎﺑــﺎت ﻋﻨﻬﺎ. وﻫـﺬه اﻟﺠﻬﺎت ﻗﺪ ﺗﻜﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺬات، وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺑﺸﺮﴽ أو أﻣﺎﻛﻦ وأزﻣﻨﺔ ﻣﻔﻘﻮدة. ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﺴﺪدة ﺑﺎﺗﺠﺎه اﳌــﺮﺋــﻲ اﻟــــﺬي ﻳـﻬـﻤـﻨـﺎ أن ﻧــﺒــﻮح ﻟﻪ ﺑﻤﻜﻨﻮﻧﺎﺗﻨﺎ وﻧﺘﺒﺎدل ﻣﻌﻪ اﻟﺸﺠﻮن واﻟـــﻬـــﻮاﺟـــﺲ ووﺟـــﻴـــﺐ اﻟــﻘــﻠــﺐ، أو ﺑــــﺎﺗــــﺠــــﺎه اﳌــــﺠــــﻬــــﻮل واﻟــــﻼﻣــــﺮﺋــــﻲ اﳌﺴﺘﺘﺮ وراء ﻏﻤﻮﺿﻪ اﳌﻠﻐﺰ، ﻛﻤﺎ ﻫــﻮ ﺷـــﺄن اﻟــﺤــﻴــﺎة واﻟــﺤــﺐ واﳌـــﻮت وﻣﻌﻨﻰ اﻟﻮﺟﻮد وأﺳﺌﻠﺘﻪ اﳌﺮﻫﻘﺔ. ﻋــﻠــﻰ أن ﺛــﻤــﺔ ﻓــــــﻮارق ﻏــﻴــﺮ ﻗـﻠـﻴـﻠـﺔ ﺑـﲔ اﻟـﺮﺳـﺎﺋـﻞ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎرب ﺷﺘﻰ ﻣﻨﺎﺣﻲ اﻟـﺤـﻴـﺎة ووﺟﻮﻫﻬﺎ واﳌــــــــﻌــــــــﺪة أﺻــــــــﻼ ﻟـــﻠـــﻨـــﺸـــﺮ، وﺑـــﲔ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺘﺒﻬﺎ اﻟـﻌـﺎﺷـﻘـﻮن ﻋـﻠـﻰ ﻧـﺤـﻮ ﺧـــﺎص ﻣﻦ دون أن ﻳــﻀــﻌــﻮا ﻓـــﻲ ﺣـﺴـﺒـﺎﻧـﻬـﻢ إﻣــﻜــﺎﻧــﻴــﺔ ﺗـﻌـﻤـﻴـﻤـﻬـﺎ ودﻓــﻌــﻬــﺎ إﻟــﻰ اﻟﻨﺸﺮ ﻓـﻲ ﻳــﻮم ﻣـﻦ اﻷﻳـــﺎم. ﻓﺤﻴﺚ ﻳـﺤـﺮص اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓـﻲ اﻟـﻨـﻮع اﻷول، وﻣﻦ ﺿﻤﻨﻪ اﳌﺬﻛﺮات واﻻﻋﺘﺮاﻓﺎت وأدب اﻟﺴﻴﺮة، ﻋﻠﻰ إﺧﻔﺎء ﻗﺪر ﻗﻠﻴﻞ أو ﻛـﺜـﻴـﺮ ﻣــﻦ ﺳـﻠـﻮﻛـﻴـﺎﺗـﻪ وﻋـﻴـﻮﺑـﻪ وﻋﻮاﳌﻪ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ، ﻳﺘﺨﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﻮع اﻟــﺜــﺎﻧــﻲ ﻋـــﻦ ﺗـﺤـﻔـﻈـﺎﺗـﻪ وأﻗـﻨـﻌـﺘــﻪ، وﻳــــــﻘــــــﺪم ﻟــــﻠــــﻄــــﺮف اﻵﺧــــــــــﺮ ﻛــﺸــﻒ ﺣﺴﺎب ﺗﻔﺼﻴﻠﻲ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﺑﺪاﺗﻪ وﻫــﻮاﺟــﺴــﻪ وﻣــﺸــﺎﻋــﺮه اﳌﺘﺄﺟﺠﺔ. وإذا ﻛــــﺎﻧــــﺖ وﺳـــــﺎﺋـــــﻞ اﻟـــﺘـــﻮاﺻـــﻞ اﻟــﺸــﺨــﺼــﻲ ﺑـــﲔ اﻟــﺒــﺸــﺮ، ﺑــــﺪءﴽ ﻣﻦ اﻟـــﺤـــﻤـــﺎم اﻟــــﺰاﺟــــﻞ وﻋــــﻠــــﺐ اﻟــﺒــﺮﻳــﺪ وﺳــﻌــﺎﺗــﻪ ووﺻــــﻮﻻ إﻟـــﻰ اﻟـﺮﺳـﺎﺋـﻞ اﻹﻟــﻜــﺘــﺮوﻧــﻴــﺔ، ﻗــﺪ ﺣـﻔـﻠـﺖ ﺑﻤﻼﻳﲔ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺮﻛﻴﻜﺔ أو اﻟﺒﻠﻴﻐﺔ، ﻓﺈن ﺑــﻌــﺾ اﻟــﺮﺳــﺎﺋــﻞ اﻟــﻌــﺎﻃــﻔــﻴــﺔ اﻟـﺘـﻲ ﺗـــﺒـــﺎدﻟـــﻬـــﺎ ﻋـــﺒـــﺮ اﻟــــﺰﻣــــﻦ ﻣــﺒــﺪﻋــﻮن وﻣــﺒــﺪﻋــﺎت ﻣــﺘــﻤــﻴــﺰون، ﺗــﺮﻗــﻰ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ وﻋـﻤـﻘـﻬـﺎ اﻟــﺪﻻﻟــﻲ إﻟـــﻰ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻷدب اﻟﺮﻓﻴﻊ اﻟﺬي ﻳﺘﺠﺎوز ﻃﺎﺑﻌﻪ اﻟــﻌــﻼﻗــﺎت اﻟـﺜـﻨـﺎﺋـﻴــﺔ اﳌـﻐـﻠـﻘـﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻴﺮاﻧﻬﺎ ﻟﻴﻼﻣﺲ اﻷﻏــﻮار اﻷﺧﻴﺮة ﻟــﻠــﻨــﻔــﺲ اﻹﻧــﺴــﺎﻧــﻴــﺔ واﻟــﻬــﻮاﺟــﺲ اﳌــﺸــﺘــﺮﻛــﺔ ﺑـــﲔ اﻟـــﺒـــﺸـــﺮ. ﻻ ﺑـــﻞ إن اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺟﻴﻞ دوﻟـﻮز ﻳﺬﻫﺐ إﻟـﻰ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ ذﻟـﻚ، ﻓﻴﻌﺘﺒﺮ أن »ﻛـﻞ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﺣﺐ ﻣﻦ ﻧــﻮع ﻣــﺎ، وأن ﻋﻠﻰ اﳌــﺮء أﻻ ﻳﻤﻮت إﻻ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻫﺬا اﻟﺤﺐ، وﺑﻮاﺳﻄﺘﻪ ﻳﻜﺘﺐ أو ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ.«
ﺗـــﺒـــﺪو اﻟـــﺮﺳـــﺎﺋـــﻞ اﻷدﺑــــﻴــــﺔ ﻣـﻦ ﺑﻌﺾ وﺟﻮﻫﻬﺎ ﻧﻮﻋﴼ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎزﻳﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪف إﻟﻰ اﻻﻧﺼﻬﺎر ﺑﺎﻵﺧﺮ، أو ردم اﻟـﻬـﻮة اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺼﻠﻨﺎ ﻋﻨﻪ، أو ﻻﺳﺘﻌﺎدﺗﻪ ﻣﻦ ﻋﻬﺪة اﻟﻔﻘﺪان. ﻛــﺬﻟــﻚ ﻛـــﺎن ﺣـــﺎل ﺗــﻴــﺪ ﻫــﻴــﻮز اﻟــﺬي أﻫـــﺪى ﻟـﺰوﺟـﺘـﻪ اﻟـﺸـﺎﻋـﺮة ﺳﻴﻠﻔﻴﺎ ﺑــــﻼث دﻳـــﻮاﻧـــﻪ اﻟــﺸــﻌــﺮي »رﺳــﺎﺋــﻞ ﻋـــﻴـــﺪ اﳌــــــﻴــــــﻼد « ، ﺑـــﻌـــﺪ اﻧـــﺘـــﺤــﺎرﻫـــﺎ اﳌﺄﺳﺎوي ﺑﺴﻨﻮات، أو ﺣﺎل ﺟﻤﺎل اﻟﻐﻴﻄﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﺣﺎول ﻓﻲ »رﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎﺑﺔ واﻟﻮﺟﺪ « أن ﻳﺮﺑﻂ ﺑﲔ ﺣﻀﺎرة ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ اﻟﻐﺎﺋﺮة ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟــﺘــﺎرﻳــﺦ، وﺑـــﲔ اﻟــﺠــﻤــﺎل اﻷﻧــﺜــﻮي اﻟﺬي ﺛﻠﻢ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﲔ ﻗﺒﺎﺑﻬﺎ . وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓــﺈن اﻟـﺮﺳـﺎﺋـﻞ اﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ اﳌﺒﺎﺷﺮة ﺗﻜﺘﺴﺐ ﻧﻜﻬﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻷﻧﻬﺎ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﺒﻮح اﻟﺪاﺧﻠﻲ وﻫﺘﻚ اﻷﺣﺸﺎء ﻣـــﻨـــﻬـــﺎ إﻟـــــــﻰ اﻟـــــﺮﺻـــــﺎﻧـــــﺔ واﻟــــﺤــــﺬر وﺣــﺴــﺎﺑــﺎت اﻟــﺮﻗــﺎﺑــﺔ اﻻﺟـﺘـﻤـﺎﻋـﻴـﺔ واﻷﺧــﻼﻗــﻴــﺔ. وﻫــﻲ إذ ﺗـﻨـﺸـﺮ ﻋﻠﻰ اﳌﻸ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ، ﺗﻮﻓﺮ ﻟﻠﻘﺎرئ اﻟﻨﻬﻢ ﻣـﺘـﻌـﺔ اﻟــﻔــﻀــﻮل واﻟـﺘـﻠـﺼـﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﻮات اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﻟﻜﺒﺎر اﳌﺒﺪﻋﲔ وﻣـــــــﺎ ﻳــﻜــﺘــﻨــﻔــﻬــﺎ ﻣـــــﻦ ﺗـــﻨـــﺎﻗـــﻀـــﺎت وﺷـــــﻮاﺋـــــﺐ وﺗــــﺼــــﺪﻋــــﺎت داﺧــﻠــﻴــﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ. وﻟﻬﺬا ﺗﻠﻘﻒ اﻟﻘﺮاء ﺑﺸﻐﻒ ﺑﺎﻟﻎ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﳌﺘﺒﺎدﻟﺔ ﺑﲔ ﺟﺒﺮان ﺧﻠﻴﻞ ﺟﺒﺮان وﻣـﻲ زﻳــﺎدة، أو ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺎدﻟﻬﺎ ﻫﻨﺮي ﻣﻴﻠﺮ وإﻧﻴﻴﺲ ﻧﻦ، أو ﺳﻴﻤﻮن دي ﺑﻮﻓﻮار وﺟﺎن ﺑﻮل ﺳﺎرﺗﺮ . إن ﻛﺎف اﳌﺨﺎﻃﺐ اﻟﺘﻲ ﻳـﻌـﺘـﻤـﺪﻫـﺎ اﻟــﻌــﺸــﺎق ﻓــﻲ رﺳﺎﺋﻠﻬﻢ ﺗﺘﺠﺎوز اﻻﺳﻢ اﻟﺸﺨﺼﻲ ﻟﻠﻤﺮﺳﻞ إﻟﻴﻪ ﻟﺘﺘﺤﻮل إﻟﻰ أداة ﻟﻠﺘﻘﺮﻳﺐ ﺑﲔ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻟﻔﺤﺘﻬﻢ رﻳﺎح اﻟﻌﺸﻖ، أو ﻣﻦ ﻳﻨﺘﻈﺮون ﺑﻼ ﻃﺎﺋﻞ ﺣﺒﻴﺒﴼ أرﻫﻘﻬﻢ ﺻﺪوده أو ﻏﻴﺎﺑﻪ اﻟﻄﻮﻳﻞ...
ﻗــــــــــﺪ ﻻ ﺗــــــــﻜــــــــﻮن اﻟـــــــﺮﺳـــــــﺎﺋـــــــﻞ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻤﺪ ﻛــﺘــﺎب اﻟــﻐــﺮب وﺳــﺎﺳــﺘــﻪ وﻓـﻨـﺎﻧـﻮه إﻟــــــﻰ ﻧـــﺸـــﺮﻫـــﺎ ﻋـــﻠـــﻰ اﳌــــــﻸ ﻣـــﺪﻋـــﺎة ﻟﻠﺪﻫﺸﺔ أو اﻻﺳﺘﻬﺠﺎن، ﻷن ﻫﺆﻻء ﻟــﻴــﺴــﻮا ﻣــﺤــﻜــﻮﻣــﲔ ﺑــﺎﻟــﺘــﺎﺑــﻮﻫــﺎت اﻻﺟـــﺘـــﻤـــﺎﻋـــﻴـــﺔ واﻷﺧــــﻼﻗــــﻴــــﺔ اﻟــﺘــﻲ ﺗـﺠـﻌـﻞ ﻣــﻦ ﻛــﻞ اﻋـــﺘـــﺮاف ﺣـﻤـﻴـﻢ أو ﺑـﻮح ﻣﺘﺠﺮئ ﻧﻮﻋﴼ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻴﺤﺔ اﻟــﺸــﺨــﺼــﻴــﺔ اﳌـــﺠـــﻠـــﺠـــﻠـــﺔ. وﺣــﻴــﺚ ﻳﺘﺤﻮل أدب اﻟـﺴـﻴـﺮة اﻟـﻐـﺮﺑـﻲ إﻟﻰ ﺷﻬﺎدة ﺻﺎدﻗﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻋـﺎﺷـﻬـﺎ اﻟـﻜـﺎﺗـﺐ، ﻓــﺈن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ أدب اﻟﺴﻴﺮة اﻟــــﻌــــﺮﺑــــﻲ ﻳـــﻌـــﺘـــﻤـــﺪ ﻋــــﻠــــﻰ ﺗـــﻤـــﻮﻳـــﻪ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ واﻟﺘﺴﺘﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻴﻮب، وﺗـﻘـﺪم اﻟﺤﻴﺎة ﻛﻤﺎ ﻳﺮﻏﺐ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓﻲ ﻋﻴﺸﻬﺎ، ﻻ ﻛﻤﺎ ﺣﺪﺛﺖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ. وﻗـﺪ ﺗﻜﻮن ﻏــﺎدة اﻟﺴﻤﺎن ﻣـﻦ ﻫﺬه اﻟﺰاوﻳﺔ ﻫﻲ إﺣﺪى اﻟﺮاﺋﺪات اﻷﻛﺜﺮ ﺟــــﺮأة ﻋــﻠــﻰ اﻧــﺘــﻬــﺎك اﳌــﺤــﻈــﻮرات، واﻷﻛـــــــﺜـــــــﺮ إﺳـــــﻬـــــﺎﻣـــــﴼ ﻓــــــﻲ دﺣــــﺾ اﳌﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺬﻛﻮرﻳﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟــﻌــﺮب. وﻟﻌﻠﻪ ﻣـﻦ ﺑــﺎب اﻹﻧـﺼـﺎف ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ أن ﻧﺬﻛﺮ ﻧﺴﺎء ﻣﻤﺎﺛﻼت، ﻣـــــﻦ أﻣـــــﺜـــــﺎل ﻟـــﻴـــﻠـــﻰ ﺑــﻌــﻠــﺒــﻜــﻲ ﻓــﻲ رواﻳـﺘـﻬـﺎ » أﻧــﺎ أﺣـﻴـﺎ « ، وأﻣــﻞ ﺟـﺮاح ﻓﻲ » اﻟﺮواﻳﺔ اﳌﻠﻌﻮﻧﺔ « ، وﺻﻮﻻ إﻟﻰ ﺣــﻨــﺎن اﻟـﺸـﻴـﺦ وﻧــــﻮال اﻟــﺴــﻌــﺪاوي وﻓﺎﻃﻤﺔ اﳌﺮﻧﻴﺴﻲ وﻏﻴﺮﻫﻦ. ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﻏـﺎدة اﻟﺴﻤﺎن، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻷﻫـﻤـﻴـﺔ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﻟﻠﺴﺒﻖ اﻟﺰﻣﻨﻲ، ﻫﻮ ﺛـﺮاؤﻫـﺎ اﻹﺑـﺪاﻋـﻲ اﻟـﺼـﺎدر ﻋﻦ ﺷـﻐـﻒ ﺑـﺎﻟـﺤـﻴـﺎة ﻗــﻞ ﻧـﻈـﻴـﺮه، وﻋـﻦ ﺷــﺮر داﺧـﻠـﻲ ﻻ ﻳـﺘـﺮدد ﻓـﻲ ﺗﻮزﻳﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﲔ اﻟﺮواﻳﺔ واﻟﻘﺼﺔ واﳌﻘﺎﻟﺔ واﻟـــﺸـــﻌـــﺮ. وﺣـــﺘـــﻰ ﻓـــﻲ ﺣــﻮاراﺗــﻬــﺎ اﻟﺼﺤﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺻـﺪر آﺧﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺟﺎﻣﻊ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »ﺗﻌﺮﻳﺔ ﻛـﺎﺗـﺒـﺔ ﺗـﺤـﺖ اﳌـﺠـﻬـﺮ«، ﻧﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟــﻜــﺜــﻴــﺮ ﻣــــﻦ اﻟـــﻠـــﻘـــﻰ واﻹﺻـــــﺎﺑـــــﺎت اﻟــﻠــﻤــﺎﺣــﺔ اﻟـــﺘـــﻲ ﻻ ﺗــﻜــﻒ ﺻـﺎﺣـﺒـﺔ »اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻓـﻲ ﺑﺤﻴﺮة اﻟﺸﻴﻄﺎن« ﻋـــﻦ ﺗــﺴــﺪﻳــﺪﻫــﺎ إﻟـــﻰ ﻋــﻘــﻮل اﻟــﻘــﺮاء وﻗـﻠـﻮﺑـﻬـﻢ ﻓــﻲ آن. ﻓـﻬـﻲ ﻣــﻦ ﺗـﻘـﻮل ﻓـــﻲ إﺟــﺎﺑــﺘــﻬــﺎ ﻋـــﻦ ﺳـــــﺆال ﻳـﺘـﻌـﻠـﻖ ﺑـﻠـﻐـﺔ اﻟـــﺮواﻳـــﺔ وواﻗــﻌــﻬــﺎ اﻟــﺤــﺎﻟــﻲ: »اﻟــﺮداء ﻻ ﻳﺼﻨﻊ اﻟـﺮاﻫـﺐ، واﻹﻧـﺎء اﻟﻜﺮﻳﺴﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﻳﺤﺘﻮي ﺑﺎﻟﻀﺮورة أﺟـﻤـﻞ اﻷزﻫـــــﺎر.« وﻫــﻲ ﻣــﻦ ﺗﺼﻒ ﻓﻴﺮوز ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﺣﻨﺠﺮة اﳌـﺎ وراء.« وﻫﻲ ﻣﻦ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻣﻬﻤﺔ اﻟــﺘــﻐــﻴــﻴــﺮ اﳌـــﻨــﻮﻃـــﺔ ﺑــﻬــﺎ ﻓـــﻲ ﻋــﺎﻟــﻢ ﻋﺮﺑﻲ ﺑﺎﺋﺲ ﺑﺎﻟﻘﻮل: »إﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﺳﻮى ﺻﺪﻓﺔ ﺗﺤﺎول أن ﺗﻔﺮغ ﺑﺤﺮ اﻷﺣﺰان ﻣﻦ ﻣﻴﺎﻫﻪ.«
ﻟـــــﻢ ﻳـــﻜـــﻦ ﺑـــــﺎﻷﻣـــــﺮ اﳌــﺴــﺘــﻬــﺠــﻦ ﺗﺒﻌﴼ ﻟﺬﻟﻚ أن ﺗﺒﺎدر ﻏﺎدة اﻟﺴﻤﺎن، وﺑﺠﺮأة ﻧـﺎدرة، إﻟﻰ أن ﺗﻨﺸﺮ ﻋﻠﻰ اﳌـــﻸ اﻟــﺮﺳــﺎﺋــﻞ اﻟـﻌـﺎﻃـﻔـﻴـﺔ اﳌــﺆﺛــﺮة اﻟـــﺘـــﻲ ﺳــﺒــﻖ ﻟــﻐــﺴــﺎن ﻛــﻨــﻔــﺎﻧــﻲ أن ﺑـــﻌـــﺚ ﺑـــﻬـــﺎ إﻟـــﻴـــﻬـــﺎ ﻓـــــﻲ ﻣــﻨــﺘــﺼــﻒ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻔﺎﺋﺖ. وإذ ﺗﺆﻛﺪ اﻟــﻜــﺎﺗــﺒــﺔ ﻋــﻠــﻰ ﻋـــﺪم اﻣــﺘــﻼﻛــﻬــﺎ ﻷي ﻣـﻦ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺑﻌﺜﺖ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﻏﺴﺎن، وﺗﻨﺎﺷﺪ ﻣﻦ ﻳﺤﺘﻔﻈﻮن ﺑﻬﺎ أن ﻳــﻔــﺮﺟــﻮا ﻋـﻨـﻬـﺎ، ﺗــﺒــﺪو ﻣﻘﺪﻣﺘﺎ اﻟﻜﺘﺎب ﻛﺎﻓﻴﺘﲔ ﺗﻤﺎﻣﴼ ﻹﺷﻌﺎرﻧﺎ ﺑــــﺄن ذﻟــــﻚ اﻟــﺤــﺐ ﻟـــﻢ ﻳــﻜــﻦ أﺑــــﺪﴽ ﻣﻦ ﻃﺮف واﺣﺪ، وأن ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺬﻟﻚ اﻷﻟﻖ واﻟـﺒـﻬـﺎء ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﺗـﻜـﻮن ﻣﺪﻋﺎة ﻟــﻠــﺨــﺠــﻞ، أو أن ﺗــﻠــﻔــﻬــﺎ ﻏــﻴــﺎﻫــﺐ اﻟـــﻨـــﺴـــﻴـــﺎن: »ﻧـــﻌـــﻢ ﻛـــــﺎن ﺛــﻤــﺔ رﺟــﻞ اﺳـﻤـﻪ ﻏـﺴـﺎن ﻛـﻨـﻔـﺎﻧـﻲ، ﻳـﻘـﺮع ﺑـﺎب ذاﻛﺮﺗﻲ وﻳﺪﺧﻞ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻪ اﳌﺼﻔﺮة ﺑـﺎﻟـﻨـﻴـﻜـﻮﺗـﲔ وإﺑـــــﺮة ) أﻧــﺴــﻮﻟــﻴــﻨــﻪ ( وﺻـﺨـﺒـﻪ اﳌـــﺮح، ﻳـﺠـﺮﻧـﻲ ﻣــﻦ ﻳـﺪي ﻟﻨﺘﺴﻜﻊ ﻣﻌﴼ ﺗﺤﺖ اﳌﻄﺮ، وﻧﺠﻠﺲ ﻓﻲ اﳌﻘﺎﻫﻲ ﻣﻊ اﻷﺻﺪﻗﺎء، وﻧﺘﺒﺎدل اﳌﻮت واﻟﺤﻴﺎة واﻟﻔﺮح ﺑﻼ أﻗﻨﻌﺔ... واﻟﺮﺳﺎﺋﻞ أﻳﻀﴼ.« وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﳌﻔﺎﺟﺊ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﻴﻨﻪ أن ﺗﻮاﺟﻪ ﺻﺎﺣﺒﺔ »ﻻ ﺑﺤﺮ ﻓـﻲ ﺑـﻴـﺮوت« ﻛﻞ ﻫــﺬا اﻟــﻘــﺪر ﻣــﻦ اﻟـﻐـﺒـﺎر واﻟﻀﺠﻴﺞ ﻓـــــﻲ ﻋـــــﺎﻟـــــﻢ ﻋـــــﺮﺑـــــﻲ ﺗـــــﻘـــــﻮم ﻣــﻌــﻈــﻢ أدﺑـﻴـﺎﺗـﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻷﺧــﻼﻗــﻴــﺔ، وﻋـﻠـﻰ ﺟﻌﻞ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺷﺄﻧﴼ ذﻛﻮرﻳﴼ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز، وأداة ﻹﻋﺎدة إﻧﺘﺎج اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﺪﻳﻦ واﻷﺧــــــﻼق وﻧـــﻈـــﺎم اﻟــﻘــﻴــﻢ. وﻟـﻴـﺲ ﺻــﺤــﻴــﺤــﴼ ﺑـــــﺄي ﺣـــــﺎل اﻟــــﺰﻋــــﻢ ﺑـــﺄن ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻛﻨﻔﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺻﻮرة اﻟﻌﺎﺷﻖ اﳌــﺘــﻴــﻢ ﻳــﺴــﻲء إﻟـــﻰ ﺻــــﻮرة اﻟــﺮﺟــﻞ اﳌﻘﺎوم اﻟـﺬي ﻳﻤﺜﻠﻪ، ﺑﻞ اﻟﺼﺤﻴﺢ أﻧــﻪ ﻳـﻘـﺪم اﻟـﻮﺟـﻪ اﻹﻧـﺴـﺎﻧـﻲ اﳌﺘﺮع ﺑﺎﻟﺮﻗﺔ ﻟﺬﻟﻚ اﳌﻨﺎﺿﻞ اﻟﺼﻠﺐ اﻟﺬي ﻳﺮى ﻓﻲ اﻷﻧﻮﺛﺔ اﳌﺤﺘﺠﺒﺔ واﻟﻮﻃﻦ اﳌﻐﻴﺐ وﺟﻬﲔ ﻟﺤﻠﻢ واﺣﺪ، وﻳﺮى ﻓـــﻲ اﳌـــــــﺮأة، أﻧــﺜــﻰ وﻣـــﺒـــﺪﻋـــﺔ، رﻣـــﺰﴽ ﻟﻠﺠﻤﺎل اﻷﻳـﻘـﻮﻧـﻲ اﻟــﺬي ﻳﺸﻊ ﻣﻦ وراء ﻗــﺒــﺢ اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ وﻓــﻈــﺎﻇــﺘــﻪ. ﺛﻢ أﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻻﻓﺘﺘﺎن ﺑﺎﳌﺮأة اﳌﻌﺸﻮﻗﺔ ﻫـﻮ اﻟـﻮﺟـﻪ اﻵﺧــﺮ ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب، ﻣﻨﺬ ﺧﻄﺮ ﻟﻌﻨﺘﺮة أن ﻳﺘﻮﺋﻢ ﺑﲔ ﳌﻌﺎن اﻟﺴﻴﻮف وﺑﺮﻳﻖ اﻟﺸﻔﺎه، وﺣﺘﻰ اﻟﻘﻮﻟﺔ اﻟﺸﻬﻴﺮة »ﻧﺤﻦ ﻗﻮم ﺗـﺬﻳـﺒـﻨـﺎ اﻷﻋـــﲔ اﻟــﻨــﺠــﻞ\ ﻋـﻠـﻰ أﻧﻨﺎ ﻧــﺬﻳــﺐ اﻟـــﺤـــﺪﻳـــﺪا«، اﻟــﺘــﻲ ﻳﻨﺴﺒﻬﺎ اﻟــﺒــﻌــﺾ ﻷﺑــــﻲ ﻓـــــﺮاس اﻟــﺤــﻤــﺪاﻧــﻲ وﻳــﻨــﺴــﺒــﻬــﺎ آﺧـــــــﺮون ﻟــــﺴــــﻮاه. وﻟــﻦ ﻳــﻀــﻴــﺮ ﻛــﻨــﻔــﺎﻧــﻲ ﻓـــﻲ ﺷـــــﻲء ﻗــﻮﻟــﻪ ﻟﻐﺎدة : » ﻗﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﻬﻮرس ﺷﻮ إﻧﻨﻲ ﺳﺄﺗﻌﺐ ذات ﻳـﻮم ﻣﻦ ﻟﻌﻖ ﺣﺬاﺋﻚ اﻟــﺒــﻌــﻴــﺪ«، ﻓـﻔـﻲ ﻟـﻐـﺔ اﻟـﻌـﺸـﻖ ﻟﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﻣـﻦ ﻣﺠﺎل ﻟﻠﺸﻌﻮر ﺑﺎﳌﻬﺎﻧﺔ، وإﻻ ﻛﻴﻒ ﻧﻘﺮأ ﻗﻮل ﺑﺎﺑﻠﻮ ﻧﻴﺮودا ﻟـﺤـﺒـﻴـﺒـﺘـﻪ: »أرﻳــــﺪ أﺻــﺎﺑــﻊ ﻗﺪﻣﻴﻚ اﻟﻌﺸﺮة ﻟﻜﻲ آﻛﻞ واﺣﺪﴽ ﻛﻞ ﻳﻮم !« ﺛﻢ إن ﻓﻲ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻟﻐﺔ ﻣﺸﺪودة اﻟﻌﺼﺐ وﻣﺘﺮﻋﺔ ﺑﺎﻟﺼﻮر واﳌـــــــﺠـــــــﺎزات : » ﻛــــﻴــــﻒ ﻟـــــﻢ أﺗــﻤــﺴــﻚ ﺑـــﻚ ﻳـــﺎ ﻫـــﻮاﺋـــﻲ وﺧـــﺒـــﺰي وﻧــﻬــﺎري اﻟﻀﺤﻮك؟ أﻳﺘﻬﺎ اﳌﺮأة اﻟﺘﻲ ﻣﺜﻠِﻚ ﻻ ﻳﺮى، أﻳﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺬي وﻟﺪ ﺗﺤﺖ ﺟﻔﻨﻲ ﻣﺜﻞ ﺟﻨﺎﺣﻲ ﻋﺼﻔﻮر وﻟﺪ ﻓـــﻲ رﺣــــﻢ اﻟـــﺮﻳـــﺢ، أﻳــﺘــﻬــﺎ اﻟـﻌـﻴـﻨـﺎن اﻟﻠﺘﺎن ﺗﻤﻄﺮان ﺧﺒﺰ اﻟﻘﻠﺐ وﻣﻠﺢ اﻟﺴﻬﻮل اﻟﺠﺪﻳﺒﺔ. ﻳﺎ ﻃﻠﻴﻘﺔ، ﻛﻴﻒ اﻧﺨﻠﻌِﺖ ﻫﻜﺬا ﻋﻨﻲ؟ دوﻧــﻚ ﻟﺴﺖ إﻻ ﻗﻄﺮة ﻣﻄﺮ ﺿﺎﺋﻌﺔ ﻓﻲ ﺳﻴﻞ.«
ﺗـــﺒـــﺪو رﺳـــﺎﺋـــﻞ أﻧـــﺴـــﻲ اﻟــﺤــﺎج ﻣــﻦ ﻧـﺎﺣـﻴـﺔ ﺛــﺎﻧــﻴــﺔ، اﻟــﺘــﻲ ﻧﺸﺮﺗﻬﺎ اﻟـــﺴـــﻤـــﺎن ﺑـــﻌـــﺪ رﺣـــﻴـــﻠـــﻪ، ﻣــﻔــﺎﺟــﺌــﺔ ﺗــﻤــﺎﻣــﴼ ﻟـــﻘـــﺮاء اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ اﻟـــــﺬي ﻛــﺎن ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﻜﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺎﺗﻪ وﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟــﺸــﺨــﺼــﻴــﺔ. ﻓــﻘــﺪ ﻛــــﺎن أﻧــﺴــﻲ ﻣﻦ اﻟـﺨـﺎرج ﻏﻴﺮه ﻣﻦ اﻟـﺪاﺧـﻞ. ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أﻧــﻪ ﻛــﺎن ﻳﺤﺸﻮ ﺟﻨﻮﻧﻪ وﻓـﻮﺿـﺎه داﺧـــﻞ ﻟﻐﺘﻪ اﳌﺒﺎﻏﺘﺔ ﻓــﻲ ﺗﺸﻜﻠﻬﺎ وﺗﻤﺮدﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺋﺪ، ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻼﻣﺤﻪ وﺳﻠﻮﻛﻪ ﻳﻨﻀﺤﺎن ﺑﺎﻟﺮﻗﺔ واﻟـــﺨـــﺸـــﻮع اﻟـــﺨـــﻔـــﺮ. وﻟـــﻌـــﻞ ﻧـﻌـﺘـﻪ ﺑـﺎﻟـﻘـﺪﻳـﺲ اﳌــﻠــﻌــﻮن ﻛـــﺎن اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ اﳌﺨﺘﺰﻟﺔ ﳌﺜﻞ ﻫــﺬه اﳌــﻔــﺎرﻗــﺔ. ﻋﻠﻰ أن ﻣــﺎ ﻳﻠﻔﺘﻨﺎ ﻗﺒﻞ ﻛــﻞ ﺷــﻲء ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺗﻨﻮﻳﻪ اﻟﺴﻤﺎن ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﺐ ﻷﻧﺴﻲ أي رﺳﺎﻟﺔ، ﺑﻞ اﻛﺘﻔﺎؤﻫﺎ ﻓﻲ اﻵن ذاﺗﻪ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ » ﺣﻴﺎدي « وﺷﺪﻳﺪ اﻹﻳـــﺠـــﺎز ﺗــﺸــﻴــﺮ ﻓــﻴــﻪ إﻟــــﻰ ﻣـﻘـﺎﻫـﻲ ﺑـﻴـﺮوت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻛــﺎن ﻳﻠﺘﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺘﺎب واﳌﺜﻘﻔﻮن، وﻟـﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻬﺎ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ أﺛﺮ. أﻣﺎ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ ﻋــﺠــﺰﻫــﺎ ﻋــﻦ ﺗــﻤــﺰﻳــﻖ اﻟــﺮﺳــﺎﺋــﻞ ﳌﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ أدﺑﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ، ﻓﺘﺒﺪو ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ إﻗﺮار ﺿﻤﻨﻲ ﺑﺄن ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺄﻧﺴﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎوز ﺣﺪود إﻋﺠﺎﺑﻬﺎ ﺑﺘﺠﺮﺑﺘﻪ اﻹﺑـﺪاﻋـﻴـﺔ اﻟــﺮاﺋــﺪة. وﻣﺎ ﻳﻠﻔﺖ اﻻﻧﺘﺒﺎه أﻳﻀﴼ ﻫﻮ ﺗﻮﺿﻴﺤﻬﺎ ﻟـﻠـﻘـﺮاء أن أﻧـﺴـﻲ ﻟــﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺘﺰوﺟﴼ ﻟـــﺪى ﻛـﺘـﺎﺑـﺔ رﺳــﺎﺋــﻠــﻪ إﻟــﻴــﻬــﺎ، ﻓﻴﻤﺎ ﻟــــﻢ ﻧـــﺠـــﺪ ﻓــــﻲ ﺗــﻘــﺪﻳــﻤــﻬــﺎ ﻟــﺮﺳــﺎﺋــﻞ ﻛﻨﻔﺎﻧﻲ ﻣﺜﻞ ﻫــﺬا اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ، ﻛﻤﺎ ﻟــﻮ أن اﻟــﺤــﺐ ﻋـﻨـﺪﻫـﺎ ﻻ ﺳـــﻮاه ﻫﻮ ﻣــــﺎ ﻳــﻌــﻄــﻲ ﻟـــﻠـــﻌـــﻼﻗـــﺎت ﻣــﺴــﻮﻏــﻬــﺎ وﻣﺸﺮوﻋﻴﺘﻬﺎ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ. واﻟﻼﻓﺖ ﻫﻨﺎ أن رﺳﺎﺋﻞ اﻟﺤﺎج اﻟﺴﺒﻊ ﻛﺘﺒﺖ ﺟـﻤـﻴـﻌـﻬـﺎ ﻓـــﻲ اﻟــﺸــﻬــﺮ اﻷﺧـــﻴـــﺮ ﻣﻦ ﻋــﺎم ٣٦٩١ ﺛــﻢ اﻧﻘﻄﻌﺖ ﺑـﻌـﺪ ذﻟــﻚ، ﺑـﻤـﺎ ﻳـﺸـﻴـﺮ إﻟـــﻰ اﺣـﺘـﻤـﺎﻟـﲔ اﺛـﻨـﲔ، أوﻟـﻬـﻤـﺎ اﻧـﺘـﺼـﺎر اﻟـﻜـﺎﺗـﺐ ﻟﻜﺮاﻣﺘﻪ ﺣﲔ ﻟﻢ ﻳﻠﻖ ﻣﻦ اﳌﺮأة اﳌﻌﺸﻮﻗﺔ أي اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ، وﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺎ أﻗـﺪم ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺠﺮد ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ ﺟﺎﻣﺤﺔ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺧﻤﺪت ﻧﻴﺮاﻧﻬﺎ ﺣﲔ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﺳﺒﻴﻼ إﻟـﻰ اﻟﺘﺤﻘﻖ. »إﻧﻨﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻚ« ﻳﻘﻮل أﻧﺴﻲ ﻟـــﻐـــﺎدة ﻓـــﻲ ﻏــﻴــﺮ ﻣــﻨــﺎﺳــﺒــﺔ. وﻷﻧـــﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺘﺄﻛﺪﴽ ﻣﻦ اﻟﻌﻜﺲ ﻓﻬﻮ ﻳﺒﺬل ﻛــﻞ ﻃـﺎﻗـﺘـﻪ ﻟـﻜـﻲ ﻳـﺜـﺒـﺖ ﻟـﻬـﺎ ﺻـﺪق ﻣﺸﺎﻋﺮه ﻧﺤﻮﻫﺎ ووﻃﺄة ﻣﻜﺎﺑﺪاﺗﻪ. وﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﻄﺮف اﳌﻌﺸﻮق إﺷـﺎرات ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﻼﻃﻤﺌﻨﺎن، ﺗﻨﻔﻠﺖ اﻟﻠﻐﺔ ﻣﻦ ﻋﻘﺎﻟﻬﺎ ﻟﺘﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﺣﻤﻰ ﻫــﺬﻳــﺎﻧــﻴــﺔ وﻧــــــﺪاءات ﺑــﻼ ﻋــﻨــﺎوﻳــﻦ: »اذﻫــــــــﺐ أﻧــــــﺖ. اﺧــــﺮﺟــــﻮا ﻣــــﻦ ﻫـﻨـﺎ ﺑــﺴــﺮﻋــﺔ . ﺧــــﺬوا اﻟــﻜــﺮاﺳــﻲ ﻣـﻌـﻜـﻢ . ﻛﻠﻮﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج. ﻻ أرﻳﺪ أن ّأرى أﺣـﺪﴽ. أﺣﺮﻗﻮا اﻟﻜﺘﺐ ﺟﻴﺪﴽ وﻓﻠﺘﻮا اﻟــﺬﺋــﺎب. اﺗـﺮﻛـﻮا اﳌﻔﺎﺗﻴﺢ أﻣـﺎﻣـﻲ.« وﻓﻲ ﺧﻄﺎب اﻟﻌﺸﻖ اﻟﻬﺬﻳﺎﻧﻲ ﻫﺬا ﺛﻤﺔ داﺋﻤﴼ ﺣﺎﻻت ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺸﺎﻋﺮ اﻟﺨﺠﻞ واﻻﻧﺴﺤﺎق واﻟﻨﺪم وﺗﺄﻧﻴﺐ اﻟﺬات وﺻﻮﻻ إﻟﻰ ﻫـــﻮاﺟـــﺲ اﻟــﺠــﻨــﻮن واﳌـــــــﻮت. وإذا ﻛﺎن ﻫﻠﺪرﻟﻦ ﻗﺪ رأى اﻟﺤﺐ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻧﻮﻋﴼ ﻣﻦ اﳌﺮض اﳌﺨﺠﻞ، ﻓﺈن أﻧﺴﻲ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻧـﻔـﺴـﻪ »ﻣــﺮﻳــﻀــﴼ ﺑـﺴـﺮﻃـﺎن اﻟــﺰﻣــﻦ واﻟــﺨــﻴــﺒــﺔ « ، ﻓــﻲ اﺳـﺘـﺸـﺮاف ﺣﺪﺳﻲ ﻣﺒﻜﺮ ﻟﻠﻤﺮض اﻟــﺬي ﻗﺘﻠﻪ ﺑﻌﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﻘﻮد.
ﻟــﻘــﺪ وﻋــﺪﺗــﻨــﺎ ﻏـــــﺎدة اﻟــﺴــﻤــﺎن أﺧﻴﺮﴽ ﺑﻜﺸﻒ اﳌﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﳌﺴﺘﻮر، وﺑﻨﺸﺮ اﳌﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﳌﻮدﻋﺔ ﻓـﻲ ﻣـﻜـﺎن ﻣـﻦ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺷـﺪﻳـﺪ اﻟﻈﻤﺄ إﻟــﻰ اﻟـﺤـﺐ، وﻓــﻲ ﻣـﻜـﺎن ﻣـﻦ ﻋﻘﻠﻬﺎ ﺑــﺎﻟــﻎ اﻻﺳـــﺘـــﻨـــﺎرة. وإذا ﻛــــﺎن ﻫــﺬا اﻟـﻮﻋـﺪ ﻣـﻮﺿـﻊ ﺗﺮﺣﻴﺐ واﺳــﻊ ﻣﻦ ﻗـﺒـﻞ اﻷوﺳــــﺎط اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻛــﻤــﺎ ﻳـــﺘـــﺮاءى ﻟــــﻲ، ﻓــــﺈن ﻣـــﻦ ﺣﻘﻨﺎ ﺟـﻤـﻴـﻌـﴼ أن ﻧــﻄــﺎﻟــﺐ اﻟــﻜــﺎﺗــﺒــﺔ اﻟـﺘـﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻣﺔ ﺷﻌﺎرﻫﺎ اﻷﺛﻴﺮ أن ﺗـﺨـﺮج رﺳﺎﺋﻠﻬﺎ اﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ ﻣﻦ ﻇــﻠــﻤــﺔ اﻷدراج، ﻟــﻴــﺲ ﻓــﻘــﻂ ﻟـﻜـﻲ ﺗـــﻘـــﻒ ﻣــــﻊ اﻟــــﺬﻳــــﻦ ﻋــﺸــﻘــﻮﻫــﺎ ﻋـﻠـﻰ أرض اﻻﻋــﺘــﺮاف اﳌﺘﺒﺎدل واﻟـﺠـﺮأة اﳌﺘﻜﺎﻓﺌﺔ. ﺑـﻞ ﻟﻜﻲ ﺗﻤﻴﻂ ﻟﻘﺮاﺋﻬﺎ اﻟﻠﺜﺎم ﻋـﻦ أﻛﺜﺮ وﺟﻮﻫﻬﺎ اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﺘﺼﺎﻗﴼ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ واﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮي واﳌﻐﺎﻣﺮة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .