إﺟﻤﺎع اﻟﻌﻠﻤﺎء... أﻻ ﻳﻨﺸﺊ ﻋﻠﻤﴼ؟
ﻟﻄﺎﳌﺎ ﻟﻔﺘﺖ ﻧﻈﺮي اﻷﻓﻜﺎر اﻟـــﻘـــﻴـــﻤـــﺔ اﻟــــﺘــــﻲ ﻗـــﺪﻣـــﻬـــﺎ ﻋــﻠــﻤــﺎء اﻟــﻄــﺒــﻴــﻌــﺔ، ﺣــﻴــﻨــﻤــﺎ ﻛـــﺘـــﺒـــﻮا ﻓـﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، أو ﻗـﺪﻣـﻮا آراء ﺗﻨﺪرج ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ. إن اﻃﻼﻋﻲ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﻘﻞ ﻣﺤﺪود. ﻟﻜﻦ ﻋﺪدﴽ ﻣﻠﺤﻮﻇﴼ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟـــﺬﻳـــﻦ ﻗـــــﺮأت ﻟــﻬــﻢ، ﺟــــــﺎءوا إﻟــﻰ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﳌــــﺜــــﺎل. ﻫـــﻜـــﺬا ﻛـــــﺎن آﻳــﻨــﺸــﺘــﺎﻳــﻦ وﻛـــــــﺎرل ﺑـــﻮﺑـــﺮ وﺗــــﻮﻣــــﺎس ﻛـــﻮن. وﻛــﺜــﻴــﺮ ﻏــﻴــﺮﻫــﻢ. ﻳــﺸــﻐــﻞ ذﻫـﻨـﻲ ﺳـــــــﺆال اﻟـــﻌـــﻼﻗـــﺔ ﺑــــﲔ اﻟــﻔــﻠــﺴــﻔــﺔ وﻋـﻠـﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، وﻳـﺆﳌـﻨـﻲ أﻧﻨﻲ ﻓـﻘـﻴـﺮ ﻓــﻲ ﻫـــﺬا اﻟــﺠــﺎﻧــﺐ وﻋـﺎﺟـﺰ ﻋﻦ ﺗﻔﺼﻴﺢ اﻷﺳﺌﻠﺔ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ أﺟﻮﺑﺔ.
ﻣـــﺎ دﻋـــﺎﻧـــﻲ ﻻﺳــﺘــﺬﻛــﺎر ﻫــﺬا اﳌـــﻮﺿـــﻮع اﻟـــﻴـــﻮم، ﻣــﻘــﺎل ﻟـﻌـﺎﳌـﺔ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟـﺴـﻌـﻮدﻳـﺔ اﻟـﺪﻛـﺘـﻮرة ﻏـﺎدة اﳌﻄﻴﺮي، ﻋﻨﻮاﻧﻪ »إﺟﻤﺎع اﻵراء ﻻ ﻳﺼﻨﻊ ﻋﻠﻤﴼ«. اﺳﺘﻌﺮض اﳌﻘﺎل ﺑﻌﻀﴼ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎة ﺳﺘﻴﻔﺎن ﻫﻴﻞ، وﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ روﻣﺎﻧﻲ - أﳌﺎﻧﻲ، ﺑﺮﻫﻦ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻄﻊ اﻟﺸﻚ، ﻋﻠﻰ أن اﺗــﻔــﺎق ﻣـﺌـﺎت اﻟـﻌـﻠـﻤـﺎء ﻋـﻠـﻰ رأي ﺑــﻌــﻴــﻨــﻪ، ﻻ ﻳـــﺤـــﻮل ﻫـــــﺬا اﻟـــــﺮأي إﻟـــﻰ ﺣـﻘـﻴـﻘـﺔ. ﻛـــﺎن ﻫـﻴـﻞ أول ﻣﻦ أﺛـﺒـﺖ إﻣـﻜـﺎﻧـﻴـﺔ ﺗــﺠــﺎوز اﻟـﺤـﺪود اﻟــﺘــﻲ رﺳـﻤـﺘـﻬـﺎ »ﻣــﻌــﺎدﻟــﺔ آﺑـــﻲ«، أي ﻣـﺠـﻤـﻮﻋـﺔ اﻟــﺤــﺴــﺎﺑــﺎت اﻟـﺘـﻲ وﺿﻌﻬﺎ اﳌﺨﺘﺮع اﻷﳌﺎﻧﻲ إرﻧﺴﺖ ﻛﺎرل آﺑﻲ ﻓﻲ ٣٧٨١ ﺣﻮل اﻟﺤﺪود اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻟﻘﺪرة اﳌﻴﻜﺮوﺳﻜﻮب. واﻋــــــﺘــــــﺒــــــﺮت ﻣـــــﻨـــــﺬﺋـــــﺬ، ﺣــﻘــﻴــﻘــﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﺎ.
ﻗﻀﻰ ﻫﻴﻞ ﺳﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻟﺘﻬﻤﻴﺶ ﻓﻲ اﳌﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ؛ ﻷن ادﻋـﺎءاﺗـﻪ »ﺗــﺨــﺎﻟــﻒ اﳌــﻨــﻄــﻖ اﻟـــﺴـــﺎﺋـــﺪ، أي اﻟـﺮأي اﻟـﺬي أﺟﻤﻊ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻃﻴﻠﺔ ﻗﺮن وﻧﺼﻒ اﻟﻘﺮن«. ﻟﻜﻨﻪ ﻓــﻲ ﻧـﻬـﺎﻳـﺔ اﳌــﻄــﺎف ﻧــﺎل اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻟــــﺬي ﻳـﺴـﺘـﺤـﻘـﻪ، وﻣــﻨــﺢ ﺟــﺎﺋــﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ﻓﻲ ٤١٠٢.
ﺣــﺴــﻨــﴼ... ﻣــﺎ اﻟـــﺬي ﻳـﺪﻋـﻮﻧـﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻴﻮم؟
ﻳﻮاﺟﻬﻨﻲ داﺋﻤﴼ ﺳـﺆال: ﻫﻞ ﻳــﺼــﺢ اﻷﺧـــــﺬ ﺑـــــﺮأي ﻟــﺒــﺎﺣــﺚ أو ﻣﻔﻜﺮ ﻣﻌﺎﺻﺮ، وﺗﺮك آراء أﺟﻤﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﳌﺌﺎت ﻣﻦ ﻣﻔﺴﺮي اﻟﻘﺮآن واﻟﻔﻘﻬﺎء ﻃﻴﻠﺔ ﻗﺮون؟
ﺗــﻨــﻄــﻮي ﻓــــﻲ ﻫـــــﺬا اﻟـــﺴـــﺆال ﺛــــﻼﺛــــﺔ ﻣــــﻮﺿــــﻮﻋــــﺎت ﻣــﺨــﺘــﻠــﻔــﺔ ﺗـــــﻤـــــﺎﻣـــــﴼ. ﻟــــــــﺬا ﺳــــﻨــــﺤــــﺘــــﺎج إﻟــــﻰ اﺳﺘﻴﻀﺎح ﻣـﺎ اﻟــﺬي ﻳﺸﻐﻞ ﺑﺎل اﻟـﺴـﺎﺋـﻞ ﻗﺒﻞ ﻣـﻮاﺻـﻠـﺔ اﻟﻨﻘﺎش. ﻓﻠﻌﻞ اﻟــﺴــﺆال ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﳌﻨﻬﺞ، ﻳـﻤـﻜـﻨـﻨـﺎ ﻗــﻮﻟــﻪ ﺑـﺼـﻴـﻐـﺔ أﺧــــﺮى: اﺗﻔﺎق اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻋﻠﻰ رأي ﺑﻌﻴﻨﻪ، أﻻ ﻳﻌﻄﻴﻪ ﺻﻔﺔ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻘﻄﻌﻲ أو اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ؟ وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺴﺆال ﻣــﺘــﻌــﻠــﻘــﴼ ﺑـــﺎﻟـــﺤـــﻜـــﻢ )اﻟــﺘــﻜــﻠــﻴــﻒ اﻟـﺸـﺮﻋـﻲ(، أي: إذا اﺣﺘﺠﺖ إﻟﻰ اﺳﺘﺒﻴﺎن ﺗﻜﻠﻴﻔﻲ اﻟﺸﺮﻋﻲ، ﻓﻬﻞ آﺧﺬ ﺑﺮأي ﻳﺘﺒﻨﺎه ﺷﺨﺺ واﺣﺪ أو ﻋـــﺪد ﻗــﻠــﻴــﻞ، أم أﺧــﺘــﺎر اﻟـــﺮأي اﻟـﺬي ﻳﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ أﻛﺜﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء؟ أﻣـــﺎ اﳌـــﻮﺿـــﻮع اﻟــﺜــﺎﻟــﺚ ﻓﻴﺘﻌﻠﻖ ﺑــــﺎﻻﻃــــﻤــــﺌــــﻨــــﺎن أو اﻻﻧــــﻌــــﻜــــﺎس اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﻠﻌﻠﻢ. وﻫﻮ ﻳﺘﻀﺢ ﻓﻲ ﺳﺆال: ﻟﻮ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﺑﺘﻌﺪد اﻵراء ﻓﻲ أﻣــﻮر اﻟـﺪﻳـﻦ وﺗﻐﻴﺮﻫﺎ ﺑـﲔ ﺣﲔ وآﺧﺮ، أﻻ ﻳﺆدي ﻫﺬا إﻟﻰ إﺿﻌﺎف ﺣـــﺎﻟـــﺔ اﻻﻃـــﻤـــﺌـــﻨـــﺎن اﻟــــﻀــــﺮوري ﻟﻠﺘﺪﻳﻦ؟
أﻋــــﺘــــﻘــــﺪ أن ﻛــــــﻞ ﻣــــــﻦ ﻳـــﺮﻳـــﺪ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ أﻣﻮر اﻟﺪﻳﻦ، ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻓﻬﻢ اﻟﻔﺎرق ﺑﲔ اﳌﻮﺿﻮﻋﲔ اﻷول واﻟــﺜــﺎﻧــﻲ: اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﻜﻢ. ﻓـﺎﻟـﺤـﻜـﻢ ﻻ ﺗــﺄﺧــﺬه ﻣــﻦ ﻋــﺸــﺮات اﻟـــﻌـــﻠـــﻤـــﺎء، ﺑــــﻞ ﻣــــﻦ ﻋـــﺎﻟـــﻢ واﺣــــﺪ ﺗــﻄــﻤــﺌــﻦ إﻟـــﻴـــﻪ. وﻗــــﺪ ﻳـــﻜـــﻮن أﻗــﻞ ﺗﻤﺮﺳﴼ وﺧﺒﺮة ﻣﻦ ﺳﻮاه. ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺗﺨﺘﺎر اﻟــﺬﻫــﺎب إﻟــﻰ ﻃﺒﻴﺐ أﻗﻞ ﺷﻬﺮة أو ﺧﺒﺮة ﻣﻦ ﻏﻴﺮه؛ ﻷﻧﻚ ﺗﺮﺗﺎح إﻟﻰ ﻃﺮﻳﻘﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ أو ﻣﻘﺎرﺑﺘﻪ ﻟﻠﻤﺸﻜﻼت.
اﻹﺟـــــﻤـــــﺎع ﻋـــﻠـــﻰ رأي ﻳــﺰﻳــﺪ ﻗﻴﻤﺘﻪ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، وﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﻄﻤﺌﻨﴼ أﻛــﺜــﺮ. ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻠﻐﻲ اﺣـﺘـﻤـﺎﻻت وﺟـﻮد رأي أﺻـﻮب ﻣﻨﻪ أو أﻛﺜﺮ ﺗﻘﺪﻣﴼ. إن ﺗﺜﺒﻴﺖ اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﻫﻮ دور اﻟﺪاﻋﻴﺔ واﻟﻘﺎﺋﺪ. أﻣﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﺪوره ﺗﻔﻜﻴﻚ اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن وإﺛﺎرة اﻷﺳــــﺌــــﻠــــﺔ، أي ﺗـــﻮﺳـــﻴـــﻊ دواﺋــــــﺮ اﻟـﺸـﻚ. ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺘﺒﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ أﻣـﻮر اﻟﺪﻳﻦ. ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺴﺘﻤﻊ إﻟﻴﻪ ﻟﺘﻮﺳﻴﻊ ﻣﻌﺎرﻓﻨﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ وﻏﻴﺮ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ. ﻛﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺄﺧﺬ اﻟﻌﻠﻢ ﻣــﻦ اﻟــﺪاﻋــﻴــﺔ أو اﻟــﻘــﺎﺋــﺪ، ﻓـــﺪوره ﻫــﻮ ﺗــﻌــﺰﻳــﺰ اﻟـﺘـﻘـﻠـﻴـﺪ، أي اﺗــﺒــﺎع ﻣــﺎ ﻫــﻮ ﻣﺴﺘﻘﺮ، وﻟـﻴـﺲ اﻹﺑـــﺪاع أو اﻻﺑــــﺘــــﺪاع. اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ دﻟــﻴــﻞ إﻟــﻰ اﳌـﺴـﺘـﻘـﺒـﻞ ﺑــﻘــﺪر ﻣــﺎ اﻟــﺪاﻋــﻴــﺔ أو اﻟﻘﺎﺋﺪ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻟﺤﻀﻮر اﻟﺘﺎرﻳﺦ.