أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﳌﻌﻄﻲ ﺣﺠﺎزي ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻠﻐﺔ اﳌﺘﻮﺗﺮة واﳌﻜﺎﺑﺪات »اﻟﻠﻴﻠﻴﺔ«
ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻪ »ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻼ ﻗﻠﺐ« ﺷﻜﻠﺖ إﺣﺪى اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﻔﺎرﻗﺔ ﰲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﳊﺪﻳﺚ
إذا ﻛــــــــﺎن اﻟــــﻘــــﻠــــﻖ واﻟــــﺘــــﻮﺗــــﺮ ﻫـﻤــﺎ اﻟـﺴـﻤـﺘـﲔ اﻟــﺒــﺎرزﺗــﲔ اﻟﻠﺘﲔ ﺗــﻼزﻣــﺎن اﻟــﺸــﻌــﺮاء واﻟـﻔـﻨـﺎﻧـﲔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ واﻟـﺤـﻴـﺎة، ﻓﺄﻛﺎد أذﻫـــــــﺐ ﺟــــﺎزﻣــــﴼ إﻟــــــﻰ اﻟــــﻘــــﻮل ﺑـــﺄن ﻫﺎﺗﲔ اﻟﺴﻤﺘﲔ ﻻ ﺗﻨﻄﺒﻘﺎن ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻋﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻣــﻊ أﺣـﻤـﺪ ﻋﺒﺪ اﳌﻌﻄﻲ ﺣـﺠـﺎزي. ﻓـــــــﻮراء اﻟــــﻬــــﺪوء اﻟـــﻈـــﺎﻫـــﺮي اﻟـــﺬي ﻳﺸﻲ ﺑﻪ ﺳﻠﻮك اﻟﺸﺎﻋﺮ، ودﻣﺎﺛﺘﻪ واﺑـﺘـﺴـﺎﻣـﺎﺗـﻪ اﻟــﻮدﻳــﺔ، ﺛـﻤـﺔ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن واﻟﻘﻠﻖ اﻟﻐﺎﺿﺐ اﻟﺬي ﻳﺘﺒﺪى ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺮات اﻟﺤﺎدة، ﻛﻤﺎ ﻓـــــﻲ ﺧــــﻄــــﻮط اﻟـــــﻮﺟـــــﻪ وﻣـــﻼﻣـــﺤـــﻪ اﻟـــﺤـــﻴـــﺮى. وإذا ﻛــــﺎن اﻟــﺸــﻌــﺮ ﻣـﻦ ﺟــﻬــﺘــﻪ ﻗـــﺪ ﺗــﻜــﻔــﻞ ﺑــﺘــﻔــﺮﻳــﻎ ﺑﻌﺾ ﻣــــﺎ ﺗــﺤــﻤــﻠــﻪ ﺷــﺨــﺼــﻴــﺔ ﺣـــﺠـــﺎزي ﻣـــــﻦ ﺷـــﺤـــﻨـــﺎت ﻋــﺼــﺒــﻴــﺔ ﻋـــﺎﻟـــﻴـــﺔ، وﺗـﺤـﻮﻳـﻠـﻬـﺎ إﻟـــﻰ ﻗـﺼـﺎﺋـﺪ ﻧﺎﺑﻀﺔ ﺑﺎﻟﺘﻮﺗﺮ واﻻﻧﺪﻓﺎع اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ، ﻓﺈن اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧـﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺤﻨﺎت ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺗﻔﺮﻳﻐﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﳌﻮاﻗﻒ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ، أو اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟـﺠـﺮﻳـﺌـﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺤﻮل ﺻـﺎﺣـﺐ »ﻣﺮﺛﻴﺔ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﺠﻤﻴﻞ« إﻟـــﻰ ﻃـــﺮف ﺷــﺒــﻪ داﺋــــﻢ ﻓــﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﳌـــــﻌـــــﺎرك اﻟــﺴــﻴــﺎﺳــﻴــﺔ واﻟــﻔــﻜــﺮﻳــﺔ واﻷدﺑـــــﻴـــــﺔ اﻟـــﺘـــﻲ ﺷــﻬــﺪﺗــﻬــﺎ ﺑـــﻼد اﻟﻜﻨﺎﻧﺔ ﻋﺒﺮ ﺳﺘﺔ ﻋﻘﻮد ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ. وﻣﺎ ﻳﻠﻔﺖ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻫﻮ أن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻔﻞ اﻵن ﺑﺎﻟﺬﻛﺮى اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﺜﻤﺎﻧﲔ ﳌﻴﻼده ﻣﺎ ﻳﺰال رﻏــﻢ ﺗــﺮاﺟــﻊ إﺻـــﺪاراﺗـــﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺣﺎﺿﺮﴽ ﺑﻘﻮة ﻓﻲ اﳌﺸﻬﺪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﳌﺼﺮي واﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﻳﺰال ﻳــﺨــﻮض ﺣـــﺮوﺑـــﴼ وﺳـــﺠـــﺎﻻت ﺑﻼ ﻫﻮادة، دﻓﺎﻋﴼ ﻋﻦ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻪ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ اﻷدب واﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، وﺑﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﺘﻨﻮﻳﺮ، وﺑﻨﺎء اﻟـــﺪوﻟـــﺔ اﳌــﺪﻧــﻴــﺔ، وﻣــﻮاﺟــﻬــﺔ ﻗــﻮى اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ اﻟﻈﻼﻣﻲ، ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى.
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺒﺪ اﳌﻌﻄﻲ ﺣﺠﺎزي اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟـﺬي ﻏـﺎدر ﺷﺎﺑﴼ ﻣﺴﺮح ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ اﻟﺮﻳﻔﻲ ﻟﻴﺼﻄﺪم ﺑــﺠــﺪران اﻹﺳــﻤــﻨــﺖ واﻟـــﻔـــﻮﻻذ ﻓﻲ اﳌــﺪن اﻟﻜﺒﻴﺮة، إذ ﻻ ﺑـﺪ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻳــﻼﺣــﻆ أن أﻛــﺜــﺮ ﻣــﻦ ﺗـﺴـﻌـﲔ ﻓﻲ اﳌـﺎﺋـﺔ ﻣـﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ﻳﻨﺤﺪرون ﻣﻦ اﻷرﻳـــــــﺎف اﻟـــﺘـــﻲ ﻳــﺴــﻬــﻢ ﻓــﻀــﺎؤﻫــﺎ اﳌــــﻔــــﺘــــﻮح، وﻃــﺒــﻴــﻌــﺘــﻬــﺎ اﻟــﻐــﻨــﻴــﺔ ﺑـﺎﳌـﺮﺋـﻴـﺎت، ﻓـﻲ إﻟـﻬـﺎب اﳌﺨﻴﻼت، وإﻏﻨﺎﺋﻬﺎ ﺑﺎﻟﺼﻮر واﻷﺣﺎﺳﻴﺲ واﻟــــﺪﻓــــﻖ اﻟــﺘــﻌــﺒــﻴــﺮي. وﻫـــــﻢ ﺣـﲔ ﻳــــﻔــــﺪون إﻟــــــﻰ اﳌـــــــﺪن واﻟـــﻌـــﻮاﺻـــﻢ اﻟﻜﺒﺮى ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺰق اﻟﺪاﺧﻠﻲ أو اﻟﻔﺼﺎم اﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﲔ ﻋــــﺎﻟــــﻢ اﻷﻣــــــــﺲ اﳌــــﻠــــﻔــــﻮح ﺑــﻨــﺴــﻴــﻢ اﻟــــﺒــــﺮاءة اﻟـــﺮوﻣـــﺎﻧـــﺴـــﻲ، واﻟــﻌــﺎﻟــﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟــﺬي ﻳﺘﺰاﺣﻢ ﻓﻴﻪ اﻵﻻف ﺑﺎﳌﻨﺎﻛﺐ ﺑﺤﺜﴼ ﻋﻦ ﻟﻘﻤﺔ اﻟﻌﻴﺶ، أو ﻋـــﻦ ﺑـــﺮﻳـــﻖ اﻟــﺸــﻬــﺮة واﻟــﻨــﻔــﻮذ واﳌـــــــــــــﺎل. ورﻏـــــــــﻢ أن ﻇــــــــﻼل ﻫــــﺬه اﻟــﺘــﻤــﺰﻗــﺎت ﻗـــﺪ ﺷــﻜــﻠــﺖ اﻟــﻬــﺎﺟــﺲ اﻷﺑــــﺮز ﻋـﻨـﺪ ﺷــﻌــﺮاء اﻟـﺮوﻣـﺎﻧـﺴـﻴـﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻓﻲ ﻣﻄﺎﻟﻊ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋــــﺸــــﺮ، ﻓـــﺈﻧـــﻬـــﺎ ﻟـــــﻢ ﺗـــﻨـــﻌـــﻜـــﺲ ﻓــﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺼﻮص اﳌﺘﻔﺮﻗﺔ ﻟﻠﺴﻴﺎب وﺑﻠﻨﺪ اﻟﺤﻴﺪري وﺻــﻼح ﻋﺒﺪ اﻟﺼﺒﻮر، ﺑـــﺎﻟـــﻘـــﺪر اﻟـــــــﺬي ﻋـــﺮﻓـــﺘـــﻪ ﻣــــﻊ ﻋــﺒــﺪ اﳌــﻌــﻄــﻲ ﺣــﺠــﺎزي ﻓــﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻪ اﻟــﺮاﺋــﺪة »ﻣـﺪﻳـﻨـﺔ ﺑـﻼ ﻗـﻠـﺐ«، ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻠﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﻤﺮارة: »أواﺟﻪ ﻟﻴﻠﻲ اﻟﻘﺎﺳﻲ ﺑﻼ ﺣﺐ \ وأﺣﺴﺪ ﻣﻦ ﻟﻬﻢ أﺣــﺒــﺎب \ وأﻣــﻀــﻲ ﻓــﻲ ﻓـــﺮاغ ﺑــﺎرد ﻣــﻬــﺠــﻮر \ ﻏــﺮﻳــﺐ ﻓــﻲ ﺑـــﻼد ﺗـﺄﻛـﻞ اﻟﻐﺮﺑﺎء \ ﻃﺮﻗﺖ ﻧﻮادي اﻟﻐﺮﺑﺎء ﻟﻢ أﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ \ وﻛﺎن اﻟﺤﺎﺋﻂ اﻟﻌﻤﻼق ﻳﺴﺤﻘﻨﻲ \ وﻳﺨﻨﻘﻨﻲ«. وﻓـــــــﻲ ﻧــــﺼــــﻮص أﺧــــــــــﺮى، ﺗــﺘــﺨــﺬ اﻟــﻐــﻨــﺎﺋــﻴــﺔ ﻃــﺎﺑــﻌــﴼ أﻗـــﻞ إﻧــﺸــﺎدﻳــﺔ، وأﻛــﺜــﺮ اﺣـﺘـﻔـﺎء ﺑـﺨـﻠـﺠـﺎت اﻟﻨﻔﺲ وﺗﺮددات اﳌﻌﻨﻰ، وﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺠﺴﺪه ﺑﻮﺿﻮح ﻗﺼﻴﺪة »اﻟﺴﺠﻦ«، ﺣﻴﺚ ﻧﻘﺮأ: »واﻟﺴﺠﻦ ﻟﻴﺲ داﺋﻤﴼ ﺳﻮرﴽ وﺑﺎﺑﴼ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ \ ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن واﺳﻌﴼ ﺑﻼ ﺣـﺪود \ ﻛﺎﻟﻠﻴﻞ ﻛﺎﻟﺘﻴﻪ \ ﻧﻈﻞ ﻧﻌﺪو ﻓﻲ ﻓﻴﺎﻓﻴﻪ \ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻴﺒﻨﺎ اﻟﻬﻤﻮد \ وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺴﺠﻦ ﺟﻔﻨﴼ ﻗﺎﺗﻢ اﻷﻫـــﺪاب ﻧﺮﺧﻴﻪ \ وﻧﻨﻄﻮي ﺗﺤﺖ اﻟﺠﻠﻮد \ ﻧﺠﺘﺮ ﺣﻠﻢ اﻟﻌﻤﺮ ﻓﻲ ﺻﻤﺖ وﻧﺨﻔﻴﻪ \ وأن ﻧﻌﻴﺶ دون ﺣﺐ، دون إﻧﺴﺎن ودود«.
ﻓــــﻲ »ﻣـــﺪﻳـــﻨـــﺔ ﺑــــﻼ ﻗــــﻠــــﺐ«، ﻻ ﻧــﻘــﺮأ ﺳــﻴــﺮة ﻣــﺪﻳــﻨــﺔ ﺑــﺬاﺗــﻬــﺎ، وﻻ ﻓﺮد ﺑﻌﻴﻨﻪ، ﺑﻞ ﻧﻘﺮأ ﺳﻴﺮة ﺿﻴﺎع اﻹﻧـﺴـﺎن اﳌﻌﺎﺻﺮ ﻓﻲ زﺣــﺎم اﳌﺪن اﻟﻜﺒﻴﺮة اﳌﻌﻮﳌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺪق ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ واﺣﺪ ﺑﺎﻵﺧﺮ وﻻ ﻳﺮاه، واﻟﻨﺎس ﻳـﻤـﻀـﻮن ﺳــﺮاﻋــﴼ، وﻳــﺤــﺪﻗــﻮن ﻓﻲ اﻟﻼﺷﻲء وﻛﺄﻧﻬﻢ أﺷﺒﺎح أﻧﻔﺴﻬﻢ. وﻟﺬا ﻓﻘﺪ ﻻ ﻳﺤﻔﻞ أي ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻔﺘﻰ ﺿﻞ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺰﺣﺎم، أو ﺑــﻤــﻘــﺘــﻞ ﺻـــﺒـــﻲ ﺑـــﺎﺋـــﺲ ﺗـﺤـﺖ ﻋﺠﻼت ﻋﺮﺑﺔ ﻋﺠﻠﻰ. وإذ ﺗﺤﻤﻞ اﳌــﺠــﻤــﻮﻋــﺔ ﻣــــﻦ ﺑــﻌــﺾ زواﻳــــﺎﻫــــﺎ أﺑﻌﺎدﴽ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ورؤﻳـﻮﻳـﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ، ﺗــــﺬﻛــــﺮﻧــــﺎ ﺑـــﺒـــﻌـــﺾ أﻋـــــﻤـــــﺎل ﺷــﻠــﻲ وووردﺳــــــــﻮورث وﻏــﻮﺗــﻪ ورﻳـﻠـﻜـﻪ وﻛــﺎﻓــﻜــﺎ، ﺣــﻴــﺚ ﻳــﻘــﻒ اﻷدب ﻋﻠﻰ اﳌــــﻔــــﺘــــﺮق اﻟـــﺼـــﻌـــﺐ ﺑـــــﲔ ﺑــﺴــﺎﻃــﺔ اﳌــﺎﺿــﻲ اﻟــﺮوﻣــﺎﻧــﺴــﻲ وﺗـﻌـﻘـﻴـﺪات اﻟﺤﺎﺿﺮ وﺗﺤﻮﻻﺗﻪ اﻟﺸﺎﺋﻜﺔ. ﻓﺈن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻻ ﻳﺤﻮﻟﻬﺎ إﻟﻰ أﻃﺮوﺣﺎت ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة، وﻻ إﻟﻰ ﻣﻘﺎرﺑﺎت ذﻫﻨﻴﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮارة، ﺑﻞ ﻳﺒﺚ ﻓـــﻲ أوﺻــﺎﻟــﻬــﺎ ﻛــﺜــﻴــﺮﴽ ﻣـــﻦ اﻟــــﺪفء واﻟــﺘــﻮﻫــﺞ اﻟـﻘـﻠـﺒـﻲ اﳌـﻨـﺒـﺜـﻘـﲔ ﻋﻦ اﳌﻌﺎﻧﺎة. وﺣﻴﺚ إن اﺧﺘﻴﺎر اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻷوزاﻧـــــــــﻪ ﻻ ﻳــﻨــﺠــﻢ ﻋــــﻦ اﻟــﺼــﺪﻓــﺔ اﳌـــــﺠـــــﺮدة، ﺑـــﻞ ﻫـــﻮ اﺧـــﺘـــﻴـــﺎر ﺷـﺒـﻪ ﻣﻘﺼﻮد ﻟﻔﻀﺎء اﳌﻌﻨﻰ وﺗﻤﻮﺟﺎت اﻟﻨﻔﺲ، ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻔﻬﻢ اﻟﺴﺒﺐ اﻟــﺬي دﻓـﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ إﻟـﻰ أن ﻳـﺠـﻌـﻞ ﻣــﻦ اﻟــﺮﺟــﺰ ﺑــﺤــﺮه اﻷﺛــﻴــﺮ. ﻓﻬﺬا اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي أﻧﻒ ﻣﻨﻪ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻟﺴﻬﻮﻟﺘﻪ وﻃﺎﺑﻌﻪ اﻟﻨﺜﺮي، ﻳﻮﻓﺮ ﻟﻠﺸﻌﺮاء اﻟﺤﺪﻳﺜﲔ ﻣﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪﻫﻢ ﻋـﻠـﻰ ﻟــﻲ ﻋـﻨـﻖ اﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ اﳌـﻔـﺮﻃـﺔ، وﻣـﺎ ﻳﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ ﻣﻘﺎرﺑﺘﻬﻢ ﻟﻮاﻗﻊ اﻟــﻌــﻴــﺶ وﺗــﻔــﺎﺻــﻴــﻠــﻪ اﻟــﺒــﺴــﻴــﻄــﺔ: »اﻟﻠﻴﻞ ﻓﻲ اﳌﺪﻳﻨﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة \ ﻋﻴﺪ ﻗﺼﻴﺮ \ اﻟﻨﻮر واﻷﻧـﻐـﺎم واﻟﻨﺴﺎء واﻟـــﺸـــﺒـــﺎب \ واﻟـــﺴـــﺮﻋـــﺔ اﻟــﺤــﻤــﻘــﺎء واﻟــــــﺸــــــﺮاب ﻋـــﻴـــﺪ ﻗــﺼــﻴــﺮ \ ﺷـﻴـﺌـﴼ ﻓــﺸــﻴــﺌــﴼ ﻳــﺴــﻜــﺖ اﻟـــﻨـــﻐـــﻢ \ وﻳــﻬــﺪأ اﻟـﺮﻗـﺺ وﺗﺘﻌﺐ اﻟــﻘــﺪم \ وﺗﻜﻨﺲ اﻟﺮﻳﺎح ﻛﻞ ﻣﺎﺋﺪة \ ﻓﺘﺴﻘﻂ اﻟﺰﻫﻮر \ وﺗـــﺮﻓـــﻊ اﻷﺣــــــــﺰان ﻓـــﻲ أﻋــﻤــﺎﻗــﻨــﺎ رؤوﺳﻬﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮة«.
ﺛــﻤــﺔ ﻓـــﻲ ﺷــﻌــﺮ ﻋــﺒــﺪ اﳌـﻌـﻄـﻲ ﺣــــــﺠــــــﺎزي ﻣــــــﻦ ﺟــــﻬــــﺔ أﺧـــــــــﺮى ﻣــﺎ ﻳـــﺨـــﺘـــﺮق ﺳـــﻘـــﻒ اﻵﻳـــﺪﻳـــﻮﻟـــﻮﺟـــﻴـــﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﻨﻘﻬﺎ، ﻟﻴﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﳌـﻜـﺎﺷـﻔـﺎت اﻟـﺪاﺧـﻠـﻴـﺔ واﻟـﺮؤﻳـﻮﻳـﺔ اﻷﺷـــــــﺪ ﻏـــﻤـــﻮﺿـــﴼ واﻟـــﺘـــﺒـــﺎﺳـــﴼ ﻣـﻦ ﺳــــــﻄــــــﻮح اﻟـــــﺴـــــﻴـــــﺎﺳـــــﺔ اﳌـــﺘـــﻘـــﻠـــﺒـــﺔ اﻟــﻌــﺎﺑــﺮة. ﻓــﺎﻟــﺸــﺎﻋــﺮ اﻟــــﺬي أﻋـﺠـﺐ ﺑﻌﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ، وﺑﻜﻰ ﻏﻴﺎﺑﻪ ﻋﺒﺮ ﻏـــﻴـــﺮ ﻗـــﺼـــﻴـــﺪة وﻣــــﺮﺛــــﻴــــﺔ، واﻟـــــﺬي ﺗﻔﺘﺤﺖ ﻣﻮﻫﺒﺘﻪ ﻓـﻲ ﻇـﻞ اﻟﺤﻘﺒﺔ اﻟﻨﺎﺻﺮﻳﺔ، واﻟﺬي ﺧﺎض ﻣﻊ ورﻳﺜﻪ ﻣﻮاﺟﻬﺎت ﻗﺎﺳﻴﺔ أدت إﻟﻰ ﻫﺠﺮﺗﻪ اﻟــﻄــﻮﻳــﻠــﺔ إﻟــــﻰ ﻓــﺮﻧــﺴــﺎ، ﻟـــﻢ ﻳـﺨـﻒ ﻓـﻴـﻤـﺎ ﺑـﻌـﺪ ﻧــﻘــﺪه اﻟــﻘــﺎﺳــﻲ ﻟـﻠـﻮاﻗـﻊ اﻟــﻌــﺮﺑــﻲ اﳌــــﺘــــﺮدي ﺑــﻔــﻌــﻞ ﺗﻐﻴﻴﺐ اﻟﻌﻘﻞ وﻏـﻴـﺎب اﻟـﺤـﺮﻳـﺔ، وﺗﻌﻄﻴﻞ اﻟﻘﻮى اﳌﻬﻴﻤﻨﺔ ﻷي ﻓﺮﺻﺔ ﺟﺪﻳﺔ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ. وﻗﺪ ﺑﺪا ذﻟﻚ واﺿﺤﴼ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﺣﺠﺎزي اﳌﺘﻤﻴﺰة »ﻣﺮﺛﻴﺔ ﻟــﻠــﻌــﻤــﺮ اﻟـــﺠـــﻤـــﻴـــﻞ«، اﻟـــﺘـــﻲ ﻳــﺪﻣــﺞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﻨﺠﺎح ﺑـﲔ ﺻﻮت اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ وﺻــــﻮت اﻟــﺠــﻤــﺎﻋــﺔ، ﻛﻤﺎ ﺑﲔ ﻣﺄﺳﺎﺗﻪ ﻛﺈﻧﺴﺎن وﻣﺄﺳﺎة أﻣﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺰل ﺗﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﻔﺮد ﻃﺮﻳﻖ ﺧﻼﺻﻬﺎ اﻷﻧﺠﻊ »وﻟﻘﻴﺘﻚ \ أﻧﺖ اﻟﺬي ﻗﻠﺖ ﻟﻲ: ﻋﺪ ﻟﻐﺮﻧﺎﻃﺔ \ وادع أﻫﻞ اﻟﺠﺰﻳﺮة أن ﻳﺘﺒﻌﻮﻧﻲ \ وأﺣﻲ اﻟﻌﻘﻴﺪة \ إﻧﻨﻲ أﺣﻠﻢ اﻵن \ ﻟﻢ ﺗﺄت ﺑﻞ ﺟﺎء ﺟﻴﺶ اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ \ ﻓﺎﺣﺘﻤﻠﻮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﻧﺒﻜﻲ ﻋﻠﻰ اﳌـﻠـﻚ \ ﻻ ﻟﺴﺖ أﺑﻜﻲ ﻋﻠﻰ اﳌـﻠـﻚ \ ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﺮ ﺿﺎﺋﻊ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻏﻴﺮ وﻫﻢ ﺟﻤﻴﻞ«.
ﻋـــﻠـــﻰ أن اﻟـــﻔـــﺠـــﻮة اﻟــﻨــﻔــﺴــﻴــﺔ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺑﲔ واﻗـﻊ اﻟﺤﺎل اﻟﻌﺮﺑﻲ وﺗﻄﻠﻌﺎت اﻟﺸﺎﻋﺮ وﻫﻮاﺟﺴﻪ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ أن أﺧﺬت ﺷﻜﻠﻬﺎ اﻟﺘﺼﺎﻋﺪي، ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى. وﻗﺪ أﺳﻬﻤﺖ إﻗـــﺎﻣـــﺘـــﻪ ﻓـــﻲ ﺑـــﺎرﻳـــﺲ ﻓـــﻲ ﺗــﻮﻓــﻴــﺮ اﺣﺘﻜﺎﻛﻪ ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐﺮب، وﺗﻮﺳﻴﻊ داﺋــــــــﺮة اﻃــــﻼﻋــــﻪ ﻋـــﻠـــﻰ اﻟــﺜــﻘــﺎﻓــﺎت واﳌـــــــــــــﺪارس اﻷدﺑــــــﻴــــــﺔ واﻟـــﻔـــﻜـــﺮﻳـــﺔ اﳌــﺘــﺒــﺎﻳــﻨــﺔ، وﻣــــﻦ ﺛـــﻢ ﺗـﻤـﻜـﻴـﻨـﻪ ﻣﻦ اﻟــــﻐــــﻮص ﺑـــﻌـــﻴـــﺪﴽ ﻓــــﻲ ﻣـــﺴـــﺎءﻻﺗـــﻪ اﻟــﻔــﻠــﺴــﻔــﻴــﺔ واﻟـــــﻮﺟـــــﻮدﻳـــــﺔ. وﻣـــﻦ ﻳـﺘـﺎﺑـﻊ أﻋــﻤــﺎل اﻟــﺸــﺎﻋــﺮ اﳌﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺧــﺼــﻮﺻــﴼ اﻟــﻼﺣــﻘــﺔ ﻣــﻨــﻬــﺎ، ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻌﺎﻳﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﺼﺎدي اﻟﻮاﺿﺢ أو اﻟــﺨــﻔــﻲ ﺑـــﲔ ﻣـــﺎ ﺗــﻌــﻜــﺴــﻪ ﺗـﻠـﻚ اﻷﻋﻤﺎل ﻣﻦ ﺗﺒﺮم ﻣﺮﻳﺮ ﺑﻤﺴﺎرات اﻟــﺤــﻀــﺎرة اﻹﻧـﺴـﺎﻧـﻴـﺔ وﻣــﺂﻻﺗــﻬــﺎ، ورؤﻳﺎ ﺗﻮﻣﺎس إﻟﻴﻮت اﻟﺘﺸﺎؤﻣﻴﺔ ﻓـــﻲ »اﻷرض اﻟـــــﺨـــــﺮاب«. ﻛــﻤــﺎ أن ذﻟـــــــﻚ اﻟــــﺸــــﻌــــﻮر اﳌــــﻤــــﺾ ﺑــﻔــﺴــﺎد ﺑـﺬرة اﻷﺷـﻴـﺎء، وﺳﻘﻮط اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ وﻫﺪة اﻟﻌﻘﻢ واﻟﺨﻮاء اﻟــﻌــﻨــﲔ، ﻳــﺘــﻘــﺎﻃــﻊ ﻣـــﻦ ﺟــﻬــﺘــﻪ ﻣﻊ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺧﻠﻴﻞ ﺣﺎوي اﻟﺘﻲ رأت ﻓﻲ ﻓــﻜــﺮة اﻻﻧــﺒــﻌــﺎث اﻟــﺘــﻤــﻮزي وﺟـﻬـﴼ آﺧﺮ ﻟﻌﻮدة ﻟﻌﺎزر ﻣﻦ اﳌﻮت، ﺧﺎوﻳﴼ وﻋﻨﻴﻨﴼ وﺑـــﺎردﴽ ﻛﺎﻟﺜﻠﺞ. وﻫــﻮ ﻣﺎ ﺗــﻜــﺸــﻒ ﻋـــﻨـــﻪ ﺑــﺎﻟــﺨــﻴــﺒــﺔ ﻧـﻔـﺴـﻬـﺎ ﻗﺼﻴﺪة ﺣﺠﺎزي »ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟــﻠــﻴــﻞ«، ﺣـﻴـﺚ ﻧــﻘــﺮأ: »ﻛــﻴــﻒ ﺻـﺎر ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﺤﺴﻦ ﻣﻬﺠﻮرﴽ \ وﻣﻠﻘﻰ ﻓـــﻲ اﻟــﻄــﺮﻳــﻖ اﻟـــﻌـــﺎم \ ﻳﺴﺘﺒﻴﺤﻪ اﻟﺸﺮﻃﻲ واﻟـﺰاﻧـﻲ \ ﻛﺄﻧﻨﻲ ﺻﺮت ﻋﻨﻴﻨﴼ ﻓﻠﻢ أﺟــﺐ ﻧــﺪاءﻫــﺎ اﻟﺤﻤﻴﻢ اﳌﺴﺘﺠﻴﺮ \ ﺗﻠﻚ ﻫﻲ اﻟﺮﻳﺢ اﻟﻌﻘﻮر \ أﺣـﺴـﻬـﺎ ﺗـﻘـﻮم ﺳــﺪﴽ ﺑـﲔ ﻛـﻞ ذﻛـﺮ وأﻧﺜﻰ \ إﻧﻬﺎ اﻟﺴﻢ اﻟﺬي ﻳﺴﻘﻂ ﺑﲔ اﻷرض واﻟﻐﻴﻢ \ ﺑﲔ ﺷﻬﻮة اﳌﻮت وﺷﻬﻮة اﻟﺤﻀﻮر«. وﻟـﻢ ﺗﺨﺘﻠﻒ اﳌــﺄﺳــﺎة ﻓــﻲ »أﺷــﺠــﺎر اﻹﺳـﻤـﻨـﺖ« ﻋـﻨـﻬـﺎ ﻓــﻲ اﳌــﺠــﻤــﻮﻋــﺎت اﻟـﺴـﺎﺑـﻘـﺔ، ﺣﻴﺚ اﻟﻨﻀﻮب ﻧﻔﺴﻪ واﻟﺘﺼﺤﺮ إﻳﺎه، وﺣﻴﺚ اﳌﺪن ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﻜﻮﻣﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﺸﻠﻞ اﻹﺑـﺪاﻋـﻲ ﺑﺎﺗﺖ، وﻓــﻖ ﺗﻌﺒﻴﺮ اﻟـﺸـﺎﻋـﺮ ﺣـﺴـﻦ ﻃﻠﺐ »ﻣـــــﺪﻧـــــﴼ ﺑـــــﻼ ﻗــــﻠــــﺐ وﻻ ﻋــــﻘــــﻞ ﻓــﻲ آن واﺣــــــﺪ«. ﻓــﻔــﻲ اﻟـــﺰﻣـــﻦ اﻟــﻌــﺮﺑــﻲ اﳌﺘﺨﺜﺮ، ﻻ ﻳﺘﺒﺪل اﻟـﺤـﺎل إﻻ إﻟﻰ ﻣــﺎ ﻫــﻮ أﺳــــﻮأ، وﻻ ﻳـﺴـﻠـﻢ اﻟـﺠـﺪب ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﻮر إﻻ ﻟﺠﺪب آﺧﺮ أﻛﺜﺮ ﻓــﺘــﻜــﴼ ﺑـــــﺎﻷرض اﻟــﻌــﻄــﺸــﻰ »وﻫــــﺬا ﺷـــﺠـــﺮ اﻹﺳـــﻤـــﻨـــﺖ ﻳــﻨــﻤــﻮ ﻛــﻨــﺒــﺎت اﻟﻔﻄﺮ \ ﻳﻜﺴﻮ ﻗﺸﺮة اﻷرض \ ﻓﻼ ﻣﻮﺿﻊ ﻟﻠﻌﺸﺐ \ وﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺬا اﳌﻄﺮ اﻟﺪاﻓﻖ ﻓﻮق اﻟﺤﺠﺮ اﳌﺼﻤﺖ \ ﻻ ﻳﻨﺒﺖ إﻻ ﺻﺪﴽ \ أو ﻃﺤﻠﺒﴼ دون ﺟﺬور«.
ﻻ ﺑــﺪ ﻓــﻲ ﺧـﺘـﺎم ﻫــﺬه اﳌﻘﺎﻟﺔ ﻣـــﻦ اﻟــﺘــﻨــﻮﻳــﻪ ﺑــــﺄن اﻓـــﺘـــﺘـــﺎن ﻋـﺒـﺪ اﳌﻌﻄﻲ ﺣﺠﺎزي ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﻻ ﻳﺪﻓﻌﻪ إﻟﻰ اﻻﺳﺘﺴﻼم اﻟﺴﻬﻞ ﻹﻏﻮاﺋﻬﺎ اﻟــــﻄــــﺎﻏــــﻲ، ﺑــــﻞ ﻫــــﻮ ﻳـــﺤـــﺮص ﻛـﻞ اﻟـــــﺤـــــﺮص ﻋــــﻠــــﻰ اﳌـــــــﻮاءﻣـــــــﺔ ﺑــﲔ ﻣـﻘـﺘـﻀـﻴـﺎت اﻟــﺠــﻤــﺎل اﻟـﺘـﻌـﺒـﻴـﺮي وﻗﺪرة اﳌﻌﻨﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻘﻖ، دون أن ﻳــﻄــﻤــﺴــﻪ ﺗــﻌــﺴــﻒ اﻟــﻬــﻨــﺪﺳــﺔ أو زﺧـــﺮف اﻷﺷـــﻜـــﺎل. وﻻ ﺑــﺪ ﻣﻦ اﻹﺷـــﺎرة إﻟــﻰ أن اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑـــﺎﻟـــﻔـــﻦ اﻟــﺘــﺸــﻜــﻴــﻠــﻲ أﺳـــﻬـــﻢ إﻟـــﻰ ﺣــــﺪ ﺑــﻌــﻴــﺪ ﻓــــﻲ ﺗــﺤــﻮﻳــﻞ ﺻــــﻮره إﻟــــﻰ ﻣــﺸــﺎﻫــﺪ ﻣــﺤــﺴــﻮﺳــﺔ ﻗـﺎﺑـﻠـﺔ ﻟـﻠـﺘـﻤـﺮﺋـﻲ ﻋـﻠـﻰ ﺷــﺎﺷــﺔ اﳌـﺨـﻴـﻠـﺔ، وإﻟـﻰ أن اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﳌﺴﺮح أﺑﻌﺪ ﻧـﺼـﻮﺻـﻪ ﻋــﻦ اﻟﺘﻨﻤﻴﻂ ورﺗــﺎﺑــﺔ اﻟــﺼــﻮت اﻟـــﻮاﺣـــﺪ، وﺣــﻮﻟــﻬــﺎ إﻟـﻰ ﻣـــﺤـــﺎورات دراﻣـــﻴـــﺔ ﺑــﲔ اﻟـﺸـﺎﻋـﺮ وذاﺗـــــــﻪ، أو ﺑــﻴــﻨــﻪ وﺑــــﲔ اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ، وإﻟــــﻰ أن اﻫــﺘــﻤــﺎﻣــﻪ ﺑـﺎﳌـﻮﺳـﻴـﻘـﻰ ﺳﺎﻋﺪه ﻋﻠﻰ ﻛﺒﺢ ﺟﻤﺎح اﻟﺮﺧﺎوة اﻟــﻐــﻨــﺎﺋــﻴــﺔ ﻓـــﻲ ﻗــﺼــﺎﺋــﺪه، وﻋـﻠـﻰ رﻓــــــﺪ أوزاﻧــــــــــﻪ ﺑـــﻌـــﻨـــﺎﺻـــﺮ اﻟــﻐــﻨــﻰ اﻹﻳــﻘــﺎﻋــﻲ واﻟــﺘــﻨــﺎﻇــﺮ اﻟــﺪاﺧــﻠــﻲ، وﻋــﻠــﻰ اﻟـﺘـﺤـﻜـﻢ اﳌــﺎﻫــﺮ ﺑـﻘـﻮاﻓـﻴـﻪ، اﻟﺴﺎﻛﻨﺔ ﺑﻐﺎﻟﺒﻴﺘﻬﺎ، اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺮع ﻓــﻲ اﺳــﺘــﺨــﺪاﻣــﻬــﺎ ووﺿــﻌــﻬــﺎ ﻓﻲ اﳌــﻜــﺎن اﳌــﻼﺋــﻢ. وﻫـــﺬه اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﻘﺼﻴﺪة »اﻟـﺤـﺠـﺎزﻳـﺔ« ﻗـﺪ أﺛــﺮت ﻓـﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣـﻦ اﻟﺘﺠﺎرب اﳌﺼﺮﻳﺔ واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻼﺣﻘﺔ، وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ أﻣﻞ دﻧﻘﻞ اﻟـﺬي أﻋﻠﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺮة ﻋﻦ ﺗﺄﺛﺮه ﺑﺤﺠﺎزي. وإذا ﻛﺎن اﻟﺒﻌﺾ ﻳﺄﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺎزي ﻗﻠﺔ إﺻـــﺪاراﺗـــﻪ، وﺗـﺒـﺎﻋـﺪﻫـﺎ اﻟـﺰﻣـﻨـﻲ، ﻓـﺈن ﻫـﺬا اﳌﺄﺧﺬ ﻳﺤﺴﺐ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﻻ ﻋﻠﻴﻪ، ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻷﻧـﻪ ﻣـﻦ ﺑﲔ اﻟﻘﻠﺔ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﺷﺠﺎﻋﺔ اﻟﺼﻤﺖ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑﻞ ﻷن اﻟﻐﺰارة اﳌـــﻔـــﺮﻃـــﺔ ﻟـــﻢ ﺗــﻜــﻦ ﻳـــﻮﻣـــﴼ ﻣــﻌــﻴــﺎرﴽ ﺣــﻘــﻴــﻘــﻴــﴼ ﻟــﻠــﺤــﻜــﻢ ﻋــﻠــﻰ اﻹﺑــــــﺪاع، إذ ﺛــﻤــﺔ ﺷــﻌــﺮاء ﻋـــﺮب وﻋــﺎﳌــﻴــﻮن اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﻋﺒﺮ أﻋﻤﺎل ﺟﺪ ﻗﻠﻴﻠﺔ أن ﻳـــﺨـــﺮﺟـــﻮا ﻟــﻐــﺎﺗــﻬــﻢ اﻷم ﻣـﻦ ﺳﻜﻮﻧﻬﺎ اﻟﺮﺗﻴﺐ، وأن ﻳﺮﻓﺪوﻫﺎ ﺑــــﺄﺳــــﺒــــﺎب اﻟــــﺘــــﺠــــﺪد واﳌــــﻐــــﺎﻳــــﺮة واﻟﺘﻮﻫﺞ اﻟﺪﻻﻟﻲ. وﻷن »اﻟﺸﻌﺮ راﺋـــﻊ ﻛــﺎﻟــﺤــﺐ، وﻗــــﺎس ﻛــﺎﳌــﻮت«، ﻛـﻤـﺎ ﻳﻌﺒﺮ اﻟـﺸـﺎﻋـﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ، ﻛـﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ أن »ﻳـﻤـﻮت« ﻃﻮﻳﻼ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺮاوده ﻋﻦ »ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ« اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﻠﻜﺔ إﻟﻬﺎﻣﻪ اﻟﺤﺮون، وﺑﻌﺪ اﺛﻨﲔ وﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣﴼ ﻣﻦ اﻟﺼﺪ، ﻓﻴﻬﺘﻒ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ »ﻃﻠﻞ اﻟﻮﻗﺖ« وﻗﺪ اﺗﺨﺬت ﺷـــﻜـــﻞ أﻧـــــﺜـــــﻰ: »ﻟـــــﺴـــــﺖ ﺻــﺎﺣــﺒــﺔ اﻟﺠﺴﺪ \ إﻧﻪ ﻛﺎﺋﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻴﻪ ﺣﲔ دﺧﻠﺖ ﻫﻨﺎ ﻓﺠﺄة \ وﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻌﺪي \ زاﺋﺮ ﻏﺎﻣﺾ ﺟﺎء ﻛﺎﻟﻈﻞ ﻣﺘﺸﺤﴼ ﺑـﺜـﻴـﺎﺑـﻚ \ ﺛــﻢ ﺗــﺠــﺮد ﻟﻲ وﺗﻔﺮد ﻓﻲ رﻛﻨﻪ اﳌﻔﺮد \ ﻓﺎﺗﺮﻛﻴﻪ ﺑﻤﻔﺘﺮق اﻟﻮﻗﺖ واﺑﺘﻌﺪي«.