اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻌﺪ »ﻛﻮروﻧﺎ«
ﻋﺮف اﺑﻦ ﻋﻘﻴﻞ اﻟﺤﻨﺒﻠﻲ )٠٢٥ﻫـ - ٦٢١١م( اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﻣﺎ ﻛﺎن ﻓـﻌـﻼ ﻳـﻜـﻮن ﻣﻌﻪ اﻟـﻨـﺎس أﻗــﺮب إﻟﻰ اﻟـﺼـﻼح وأﺑـﻌـﺪ ﻋـﻦ اﻟـﻔـﺴـﺎد«. وﻣﺎ ﻛـﺎن اﻟﺨﻼف ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﲔ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟــــــﺴــــــﺎدس ﻟـــﻠـــﻬـــﺠـــﺮة ﻋـــﻠـــﻰ ﻣـــــﺎذا ﺗﻌﻨﻲ اﻟـﺴـﻴـﺎﺳـﺔ، ﺑــﻞ ﻛــﺎن اﻟـﺨـﻼف ﻋــﻠــﻰ أﻣـــﺮﻳـــﻦ آﺧـــﺮﻳـــﻦ: أي اﻟـﺠـﻬـﺎت ﻫـــﻲ اﻷوﻟـــــــــﻰ ﻓـــﻲ اﻟـــﻘـــﻴـــﺎم ﺑـــﺬﻟـــﻚ أم ﻳــﻜــﻮن اﻟــﺘــﺼــﺮف ﺳـﻴـﺎﺳـﻴـﴼ، ﺣﺴﺐ اﻻﺧﺘﺼﺎص؟ وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ إدراك »اﳌﺼﻠﺤﺔ«، ﻓﻤﺎ ﺣــﺪود ﻣـﺮاﻋـﺎة اﳌﺼﺎﻟﺢ ﻓـﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟـﺸـﺮع أو اﳌــﺒــﺎدئ واﻵراء اﳌﺜﺎﻟﻴﺔ ﻷﻫــــــﻞ اﳌـــﺪﻳـــﻨـــﺔ اﻟـــﻔـــﺎﺿـــﻠـــﺔ، ﺣــﺴــﺐ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ؟ وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺟﺮى ﺗﺠﺎوز اﻹﺷــﻜــﺎﻟــﻴــﺔ اﻷوﻟـــــﻰ ﺑــﲔ اﻟـﺴـﻠـﻄـﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻘﻀﺎء، ﺑﺄن ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن، وﻫــــــﻮ ﺻــــﺎﺣــــﺐ اﻟــــﻴــــﺪ اﻟـــﻌـــﻠـــﻴـــﺎ ﻓــﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، اﻟﺘﺪﺧﻞ ﺣﺘﻰ ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻣﻦ ﺻﻼﺣﻴﺎت اﻟﻘﻀﺎء إذا ﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟﻚ »ﻣﺼﻠﺤﺔ راﺟﺤﺔ«؛ إﻧﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺬي أو ﻣﺎ اﻟﺠﻬﺔ أو اﻟـﺠـﻬـﺎت اﻟـﺘـﻲ ﺗــﺤــﺪد اﳌﺼﻠﺤﺔ اﻟـــﺮاﺟـــﺤـــﺔ؟ وﻇـــﻠـــﺖ اﻟــﺼــﻌــﻮﺑــﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻀﻴﺔ اﻷﺧـﺮى واﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﺑﺘﺤﺪﻳﺪ اﳌﺼﻠﺤﺔ؛ ﺑﻞ ﺗﺘﺠﺎوز ذﻟﻚ إﻟـــﻰ اﻟــﺘــﻘــﺎﺑــﻞ ﺑــﲔ اﻟـﻘـﻴـﻤـﺔ واﻟــﺤــﻖ: اﻟــﺸــﺮﻳــﻌــﺔ أو اﳌــﺜــﺎﻟــﻴــﺎت اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ =) ﻣﻬﻤﺔ اﻟﺪوﻟﺔ: ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟــــﺘــــﻲ ﻗــــﺪ ﻻ ﺗــﺤــﻘــﻘــﻬــﺎ ﺳـــﻴـــﺎﺳـــﺎت اﻋـــﺘـــﺒـــﺎر اﳌـــــﺼـــــﺎﻟـــــﺢ!(، ﻓــــﻲ ﻣــﻘــﺎﺑــﻞ اﻟـــﺴـــﻴـــﺎﺳـــﺎت اﻻﺻـــﻄـــﻼﺣـــﻴـــﺔ، ﻛـﻤـﺎ ﻳـﻘـﻮل اﻟـﻄـﺮﻃـﻮﺷـﻲ. وﻟـﺬﻟـﻚ وﺧـﻼل ﻧــــﺤــــﻮ اﻟــــــﻘــــــﺮﻧــــــﲔ، وﺗـــــﺤـــــﺖ وﻃــــــﺄة اﻟﻈﺮوف اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ )اﻟﻐﺰوات اﳌﻐﻮﻟﻴﺔ واﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ، واﻷوﺑﺌﺔ واﻟﻄﻮاﻋﲔ(، اﻧﺼﺮف اﻟﻔﻘﻬﺎء وﺑﻌﺾ اﳌﻔﻜﺮﻳﻦ اﻷﺧـــــﻼﻗـــــﻴـــــﲔ )اﻟـــــــﺬﻳـــــــﻦ ﻳـــﻤـــﺰﺟـــﻮن اﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻴﺎت ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ( إﻟﻰ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻋــﺘــﺒــﺎر اﳌــﺼــﻠــﺤــﺔ، وﻟــﺠــﻬــﺘــﲔ: أن اﳌﺼﻠﺤﺔ اﳌـﻌـﺘـﺒـﺮة ﻫــﻲ ﻃــﺮﻳــﻖ ﻣﻦ ﻃـــــﺮق إﺣــــﻘــــﺎق اﻟــــﻌــــﺪاﻟــــﺔ، وﺣــﻴــﺜــﻤــﺎ ﻇﻬﺮ اﻟﻌﺪل وأﺳﻔﺮ ﻋﻦ وﺟﻬﻪ ﻓﻬﻮ ﺷﺮع ﻣﻦ اﻟﺸﺮع – واﻟﺠﻬﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أن اﻟﻘﺎﺋﻤﲔ ﻋﻠﻰ اﻟـﺸـﺄن اﻟـﻌـﺎم ﻫﻢ اﻷﻛــﺜــﺮ ﺗــﺄﻫــﻼ ﻟﻠﺴﻴﺮ ﻓــﻲ اﳌﺼﺎﻟﺢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر ذﻟــﻚ واﺟـﺒـﴼ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻮن ﺣﻘﴼ؛ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﻢ اﳌﺴﺆوﻟﻮن ﺷﺮﻋﴼ وﺳــﻴــﺎﺳــﺔ ﻋـــﻦ »ﺣــﻔــﻆ اﻟــﺠــﻤــﺎﻋــﺔ«. وﺑــﺬﻟــﻚ ﻓـــﺈن ﻫــﺬه اﻟـﻨـﻘـﺎﺷـﺎت وﺳـﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﻈﺮوف ﺳﺮﻋﺖ ﻣﻦ اﺳﺘﺘﺒﺎب ﻧﻈﺮﻳﺔ »ﻣﻘﺎﺻﺪ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ« واﻟﺘﻲ ﺗـﻌـﻨـﻲ: ﺣـﻔـﻆ اﳌـﺼـﺎﻟـﺢ اﻟـﻀـﺮورﻳـﺔ اﻟﺨﻤﺲ ﻟﺒﻨﻲ اﻟﺒﺸﺮ: ﺣـﻖ اﻟﻨﻔﺲ )اﻟﺤﻴﺎة(، وﺣﻖ اﻟﻌﻘﻞ، وﺣﻖ اﻟﺪﻳﻦ، وﺣــﻖ اﻟﻨﺴﻞ، وﺣــﻖ اﳌـﻠـﻚ أو اﳌــﺎل. وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﺠﻬﺔ أن ﺗﻘﻮم ﺑﺬﻟﻚ ﻛــﻠــﻪ إﻻ اﻟــﺴــﻠــﻄــﺎت اﻟـﺴـﻴـﺎﺳـﻴـﺔ ﻓﻲ اﳌﺠﺘﻤﻌﺎت. وﻗﺪ أﺳﻬﻢ ﻫﺬا اﻹﺟﻤﺎع
ﻓــﻲ ﺗـﻘـﻮﻳـﺔ اﻟــﺪوﻟــﺔ وﺳـﻠـﻄـﺎﺗـﻬـﺎ ﻓﻲ اﻟــــﻈــــﺮوف اﻻﺳــﺘــﺜــﻨــﺎﺋــﻴــﺔ وﻓـــــﻲ ﻛـﻞ اﻟﻈﺮوف، ﺳﻮاء ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻐﺰو اﻷﺟﻨﺒﻲ، أو ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺠﻮاﺋﺢ اﻟﻮﺑﺎﺋﻴﺔ، أو اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ أو اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ. وﻫﻨﺎك رﺳﺎﻟﺔ ﻃﺮﻳﻔﺔ ﻛﺘﺒﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﺐ واﻟﻔﻴﻠﺴﻮف ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﻴﻒ اﻟﺒﻐﺪادي ﻋــﻦ »اﻻﻋــﺘــﺒــﺎر ﺑــﺎﻟــﺤــﻮادث اﻟﻜﺎﺋﻨﺔ ﺑﻤﺼﺮ« ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﻮﺑﺎء، واﻟﺘﻲ ﻳﺪﻋﻮ ﻓــﻴــﻬــﺎ اﻟــﺴــﻠــﻄــﺎت واﻷﻃــــﺒــــﺎء وأﻫـــﻞ اﳌــﻘــﺪرة ﻟــﻠــﻤــﺒــﺎدرة واﻟــﺘــﻌــﺎون ﻟﻜﻲ ﻻ »ﻳﺘﻨﺎﺻﺮ« اﻟـﻮﺑـﺎء واﳌﺠﺎﻋﺔ ﻣﻊ اﻟﻔﻮﺿﻰ واﺳﺘﻴﻼء اﻟﻔﺴﺎد! اﻟــﺮأﺳــﻤــﺎﻟــﻴــﺔ اﳌـﻨـﻄـﻠـﻘـﺔ وﺣـﺮﻳـﺎﺗـﻬـﺎ اﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ، وﻧﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎد اﳌﻮﺟﻪ ﻟــﺼــﺎﻟــﺢ اﻟــﺠــﻤــﻬــﻮر واﻟـــــــﺬي ﻳــﻘــﻴــﺪ اﻟــﺤــﺮﻳــﺎت اﻟــﻔــﺮدﻳــﺔ واﻟــﻌــﺎﻣــﺔ. وﻗــﺪ أﺟﻤﻊ اﻟﻔﺮﻳﻘﺎن ﻋﻠﻰ آﻟﻴﺎت ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻟﺤﻔﻆ اﻷﻣــﻦ واﻟــﺘــﻮازن اﻟﻨﺴﻲ ﻓﻲ اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ ﻓـــﻲ ﻣــﻴــﺜــﺎق اﻷﻣـــــﻢ اﳌـﺘـﺤـﺪة )٥٤٩١(، واﻹﻋــﻼن اﻟﻌﺎﳌﻲ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧـــﺴـــﺎن )٨٤٩١(. إﻧــﻤــﺎ ﻣــﻦ ﺗﺤﺖ ووراء ﻫﺬا اﻟﺘﻮاﻓﻖ، اﺳﺘﻤﺮت اﻟﺤﺮب أو اﻟﺤﺮوب اﻟﺒﺎردة اﻟﺘﻲ أﻓﻀﺖ إﻟﻰ ﻫــﺪم اﻟـﻨـﻈـﺎم اﻟـﺴـﻴـﺎﺳـﻲ اﻟﺸﻤﻮﻟﻲ اﻟــــــﺬي ﻳـــﻘـــﻮد اﻻﻗـــﺘـــﺼـــﺎد، وإﻃـــــﻼق
وأرﺑﻌﻴﻨﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ، أن اﻟــﻨــﻈــﺎم اﻟــﻔــﻴــﺪراﻟــﻲ اﻷﻣــﻴــﺮﻛــﻲ ﻫﻮ اﻷﻓﻀﻞ ﻟﻠﺠﻬﺘﲔ: اﻟﺤﺮﻳﺎت اﻟﻔﺮدﻳﺔ واﻷﺧﺮى اﻟﻌﺎﻣﺔ.
ﺑﻴﺪ أن اﻟﻨﻘﺎﺷﺎت ﺑﺸﺄن أﻓــــﻀــــﻞ اﻷﻧـــﻈـــﻤـــﺔ أو اﻟـــﺤـــﻜـــﻮﻣـــﺎت ﻟـﺼـﻮن اﳌـﺼـﺎﻟـﺢ اﻟـﻔـﺮدﻳـﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣـﻌـﴼ ﻟــﻢ ﺗــﺘــﻮﻗــﻒ. ﻓـﺎﻷﻧـﻈـﻤـﺔ اﻟـﺤـﺮة ﻏﻴﺮ اﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة وأوروﺑﺎ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، واﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ رﻓﺎﻫﺔ ووﻓﺮة ﻓﻲ اﻹﻧﺘﺎج واﻻﺳﺘﻬﻼك ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﺳﺎرت ﻓﻲ ﺳﻴﺎﺳﺎت إﻣﺒﺮﻳﺎﻟﻴﺔ ﺗﺠﺎه اﻟﺨﺎرج، »اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ اﻟــﺜــﺎﻟــﺚ«؛ ﺟـــﺎء ﻫــﻨــﺎك ﻣﻦ ﻳــﻘــﻮل: ﺑــﻞ ﻻ ﺑــﺪ ﻣــﻦ ﺗــﻌــﺪﻳــﻼت ﻓﻲ ﻧﻈﺎم اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت »اﻟﺤﺮة« ﺑــﺎﺗــﺠــﺎه إﺣــﻘــﺎق اﻟــﻌــﺪاﻟــﺔ ﺑـﺎﻟـﻔـﻌـﻞ، وﻟــﻴــﺲ اﻻﻛــﺘــﻔــﺎء ﺑــﺎﻟــﺒــﺮاﻏــﻤــﺎﺗــﻴــﺎت واﳌﻨﻔﻌﻴﺎت. واﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟـــﻰ ذﻟـــﻚ اﺳــﺘــﻤــﺮار ﺟــﺎذﺑــﻴــﺔ ﻓـﻜـﺮة اﻟــﻌــﺪاﻟــﺔ اﻻﺟــﺘــﻤــﺎﻋــﻴــﺔ واﻟــﺴــﻴــﺎﺳــﺔ ﺑـــﲔ ﻓـــﺌـــﺎت اﻟـــﺸـــﺒـــﺎب ﻓـــﻲ اﻷﻧــﻈــﻤــﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ.
ﻗﺎل ﻓﻴﻠﺴﻮف اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﺟـــــﻮن روﻟــــــﺰ ﻓــــﻲ ﻛـــﺘـــﺎﺑـــﻪ: »ﻧــﻈــﺮﻳــﺔ اﻟﻌﺪاﻟﺔ« )١٧٩١(، إن ﺣﻜﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﳌﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ واﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ اﻟﻘﻀﺎء ﻻ ﻳﻜﻔﻲ، وﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻹﺻﻐﺎء إﻟﻰ روح اﻟﻮاﺟﺐ )ﻓﻲ اﻷﺧﻼﻗﻴﺎت اﻟــﻜــﺎﻧــﻄــﻴــﺔ(. وﻟــﻴــﺴــﺖ ﻫــﻨــﺎك ﺟﻬﺔ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ اﻟﻨﻬﻮض واﻟﺘﺪﺧﻞ ﻟﺠﻌﻞ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺜﺮوة أﻛﺜﺮ ﻋﺪﻻ إﻻ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. وﻣﻨﺬ ﻋـﺎم ٢٧٩١ وإﻟـﻰ اﻟـــﻴـــﻮم، ﻻ ﺗــــﺰال ﻋــﺸــﺮات ﺑــﻞ ﻣـﺌـﺎت اﻟـــــــﺪراﺳـــــــﺎت واﻟــــﻜــــﺘــــﺐ ﺗــــﺼــــﺪر ﻓــﻲ اﳌﻼﺣﻈﺎت أو اﻹﺿﺎﻓﺎت ﻋﻠﻰ ﻋﺪاﻟﺔ روﻟﺰ ﻓﻜﺮة وﺣﺪودﴽ وآﻓﺎﻗﴼ.
إن اﻻﺧــــــــﺘــــــــﻼﻻت اﻟـــﺘـــﻲ اﺳـــﺘـــﻤـــﺮت وﺗــــﺰاﻳــــﺪت ﺑــﻌــﺪ ﺳــﻘــﻮط اﻷﻧـﻈـﻤـﺔ اﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ ﺧـــﺎرج اﻟﺼﲔ دﻟــﺖ ﻋﻠﻰ أن اﻟـﻌـﺪاﻟـﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺷـــﺪﻳـــﺪة اﻷﻫـــﻤـــﻴـــﺔ، ورﺑـــﻤـــﺎ ﻋــﺎدﻟــﺖ ﻓــﻲ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ اﻟــﻌــﺪاﻟــﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. ﻟـــــﻜـــــﻦ اﳌـــﺠـــﺘـــﻤـــﻌـــﺎت اﻟــــﻐــــﺮﺑــــﻴــــﺔ ﻣــﺎ اﻧــﺘــﻈــﺮت اﻟــﺤــﻜــﻮﻣــﺎت ﻓـــﻲ إﺣــــﺪاث اﻟﺘﺤﻮل ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟـﺘـﻮازن، وﻇﻬﺮت ﻓــﻴــﻬــﺎ ﺗـــــﻴـــــﺎرات ﻳــﻤــﻴــﻨــﻴــﺔ ﻣــﺘــﻄــﺮﻓــﺔ ﺗـﺮﻳـﺪ اﻻﺳـﺘـﺒـﺪال ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت )اﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ( ﺑﺤﺠﺔ إﺣﻼل ﺣﻜﻮﻣﺎت ﺗـــﺮﻋـــﻰ ﻣــﺼــﺎﻟــﺢ ﺗــﻠــﻚ اﳌــﺠــﺘــﻤــﻌــﺎت ﺑﺨﺎﺻﺔ، وﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ إذا ﻟﺰم اﻷﻣﺮ!
واﻟــــﻴــــﻮم، وﺑـــﻌـــﺪ ﺣـــﺪوث ﺟﺎﺋﺤﺔ »ﻛﻮروﻧﺎ«، وﺛﺒﻮت أﻧﻪ ﺣﺘﻰ اﻟــﺮﻋــﺎﻳــﺔ اﻟـﺼـﺤـﻴـﺔ ﻟـﻴـﺴـﺖ ﻣـﺆﻣـﻨـﺔ ﻓــﻲ دول ﻣــﺜــﻞ إﻳــﻄــﺎﻟــﻴــﺎ وإﺳـﺒـﺎﻧـﻴـﺎ وأﻣﻴﺮﻛﺎ؛ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﻨﻘﺎش اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟـــﺼـــﻐـــﻴـــﺮة اﻟـــﺤـــﺠـــﻢ أو اﻟــﻜــﺒــﻴــﺮة اﻟﺤﺠﻢ، إﻟﻰ ﻣﻬﻤﺎت اﻟﺪول اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ودورﻫـــــــــــﺎ ﻓـــﻴـــﻤـــﺎ ﺳـــــﻤـــــﺎه اﻟــﻔــﻘــﻬــﺎء اﳌــﺴــﻠــﻤــﻮن ﻗـــﺪﻳـــﻤـــﴼ: ﺣــﻔــﻆ اﻟــﻨــﻔــﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ. ﺑﻞ وﻳﺜﺒﺖ أﻳﻀﴼ واﻵن أﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺿﺮورﻳﴼ ﻓﻲ ﻫﺬه »اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟــﻌــﺎﳌــﻴــﺔ« وﺟـــــﻮد ﺣــﻜــﻮﻣــﺔ ﻋـﺎﳌـﻴـﺔ ﺗﺤﻔﻆ اﻟﻨﻮع اﻟﺒﺸﺮي واﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻓﻲ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ، وﺳـﻂ اﳌﺸﻜﻼت اﳌﺘﺮاﻛﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟــــﺪول اﻟـﻮﻃـﻨـﻴـﺔ ذات اﻟــﺴــﻴــﺎدة ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﻬﺎ اﻟﺨﺎص، ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ؛ ﺑﻞ إﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﻗﻢ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ، »واﻟﻠﻪ ﻏﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ أﻣﺮه وﻟﻜﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن«.