»ﺣﻘﻮق اﳌﺴﻴﺤﻴﲔ«... ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺘﺨﻴﻠﺔ
ﻣـــــــــﻊ ﺗـــــــــــــــﺮدد ﺷــــــــﻌــــــــﺎر »ﺣــــــﻘــــــﻮق اﳌﺴﻴﺤﻴﲔ« وﺳﻂ ﺧﻀﻢ اﻟﺘﺠﺎذﺑﺎت واﻷزﻣــــــــــــﺎت اﻟــــﺘــــﻲ ﻳـــﻤـــﺮ ﺑـــﻬـــﺎ ﻟـــﺒـــﻨـــﺎن، ﺳـــﺄل أﺣـــﺪ اﻟـﺪﺑـﻠـﻮﻣـﺎﺳـﻴـﲔ اﻟﻐﺮﺑﻴﲔ اﳌﺨﻀﺮﻣﲔ: ﻫﻞ ﻳﻌﺮف ﺣﻘﴼ ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ ﻛـﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ أو ﻛـﻞ ﻣـﻜـﻮن ﻣـﻦ اﳌﻜﻮﻧﺎت اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ؟ ﺟﺎء ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﻓﻲ وﻗﺖ ﻳﺤﺎر ﻓﻴﻪ اﳌﺮاﻗﺐ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ أي اﺗﺠﺎه ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺈﺟﻤﺎع داﺧﻞ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ، ﻫﺬا إذا اﻓﺘﺮﺿﻨﺎ أن اﻹﺟــﻤــﺎع ﻣﻄﻠﺐ ﻓﻲ ﺣﺪ ذاﺗﻪ.
إذا راﺟﻌﻨﺎ ﺗـﺎرﻳـﺦ اﻟـﻄـﻮاﺋـﻒ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن، ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧـﺮى أن ﻛـﻼ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺮت أﻗـﻠـﻪ ﻓــﻲ ﻣـﺮﺣـﻠـﺔ ﺗـﺄﺳـﻴـﺲ ﻣﺸﺮوﻋﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﻔﺘﺮة ﺑﺪت ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺠﻤﻊ ﻋﻠﻰ رؤﻳﺔ واﺣﺪة. ﻟﻜﻦ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺒﺪد اﻧﻄﺒﺎع اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻈﺎﻫﺮة وأﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺳﻴﺎﺳﻲ واﺣﺪ، ﻟﻴﺘﺒﲔ أن اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﺘﻠﺔ ﻣﺘﺮاﺻﺔ ﺻـﻤـﺎء، أو ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﻘﻴﺎدي اﻟﻴﺴﺎري اﻟﺮاﺣﻞ ﻣﺤﺴﻦ إﺑـــﺮاﻫـــﻴـــﻢ، ﻻ ﻳــﻤــﻜــﻦ وﺻــﻔــﻬــﺎ ﺑــﺄﻧــﻬــﺎ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ - اﻟﻄﺒﻘﺔ.
ﻟﻴﺲ ﻣﻦ إﺟﺎﺑﺔ ﺟﺎﻫﺰة ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻋـﻦ ﺳــﺆال اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻲ اﻟﺤﺎﺋﺮ ﻟﺪى أي ﻣﻦ اﻷﻓﺮﻗﺎء، أوﻻ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻐﺮاﺑﺔ اﻓﺘﺮاض إﺟﻤﺎع ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻋﻠﻰ رأي واﺣﺪ إزاء ﻣــﺮوﺣــﺔ ﻣــﻦ اﻟـﻘـﻀـﺎﻳـﺎ اﳌﺼﻴﺮﻳﺔ اﳌـــﻌـــﻘـــﺪة، وﺛـــﺎﻧـــﻴـــﴼ ﻷن ﻛـــﻞ اﻟــﻄــﻮاﺋــﻒ ﺑﺎﺗﺖ ﻣﺮﺗﻬﻨﺔ ﻟﺰﻋﻤﺎء وﻗﺎدة ﻣﻤﺴﻜﲔ وﻣـﺘـﻤـﺴـﻜـﲔ ﺑـﻤـﻔـﺎﺻـﻠـﻬـﺎ إﻟـــﻰ ﺣــﺪود ﺑﺎت ﻳﺼﻌﺐ ﻣﻌﻬﺎ اﻟﻔﺼﻞ ﺑﲔ اﻟﺰﻋﻴﻢ وﺣـــﺰﺑـــﻪ واﻟــﻄــﺎﺋــﻔــﺔ، أو ﺑـــﲔ اﻟـﻄـﺎﺋـﻔـﺔ واﳌﻈﻠﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻀﻨﻬﺎ.
ﻓﻬﻞ ﻣﻮاﻗﻒ ﻛﻞ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﻮﺣﺪة
إزاء ﻣﻌﻀﻼت اﻟﺒﻼد وأﺑﺮزﻫﺎ: ﺣﻘﻮق اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ واﳌﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻄﺔ واﻟﻨﻈﺎم اﻟــﺴــﻴــﺎﺳــﻲ ﺑــﺸــﻜــﻞ ﻋــــــﺎم، واﻟـــﺴـــﻴـــﺎدة وﺣــــﻴــــﺎزة اﻟـــﺴـــﻼح ﺧـــــﺎرج اﻟــﺸــﺮﻋــﻴــﺔ، واﻟـــﻌـــﻼﻗـــﺎت اﻟــﺨــﺎرﺟــﻴــﺔ واﻟــﺴــﻴــﺎﺳــﺔ اﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ، إﻟﻰ ﻛﻞ اﳌﺸﻜﻼت اﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﺑـﺠـﺪﻳـﺪﻫـﺎ وﻗـﺪﻳـﻤـﻬـﺎ ﻣـﺜـﻞ اﻻﻗـﺘـﺼـﺎد اﳌــﻨــﻬــﺎر واﻷزﻣــــــﺔ اﳌــﺎﻟــﻴــﺔ واﳌــﺼــﺮﻓــﻴــﺔ واﻟﻔﺴﺎد واﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ اﻟﻘﻀﺎء، وﻏﻴﺮﻫﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺘﺴﻊ اﳌﺠﺎل ﻟﺬﻛﺮه.
ﻻ ﺑــﺪ ﻣــﻦ اﻹﺷــــﺎرة ﺑــﺪاﻳــﺔ إﻟـــﻰ أن اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﲔ، وﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎﺗﺐ ﻫﺬه اﻟﺴﻄﻮر، ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻨﻴﲔ ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎء إﻟﻰ ﻣﻜﻮن ﻃﺎﺋﻔﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر أن اﻹﻳﻤﺎن واﻷدﻳـــــﺎن ﻟـﻴـﺴـﺎ ﻫــﻮﻳــﺔ ﺑــﻘــﺪر ﻣــﺎ ﻫﻤﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺑﲔ اﻟﻔﺮد وﻣﺎ ﻳﺆﻣﻦ ﺑـــﻪ. ﻓـﺎﻟـﻄـﺎﺋـﻔـﺔ أو اﻟــﺪﻳــﻦ ﻟـﻴـﺴـﺎ ﺣﺰﺑﴼ أو ﺗﻨﻈﻴﻤﴼ أو ﻣﻴﻠﻴﺸﻴﺎ أو ﻧــﺎدﻳــﴼ أو ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻳﻨﺘﻤﻰ إﻟﻴﻬﺎ. وﻟﺘﺸﻌﺐ ﻫﺬا اﳌﻮﺿﻮع، ﺳﻨﻘﺘﺼﺮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﳌﺴﺎﺣﺔ ﻋــﻠــﻰ اﳌــﺴــﻴــﺤــﻴــﲔ ﻣـــﺜـــﺎﻻ ﻋــﻠــﻰ ﺑـﻘـﻴـﺔ اﻟﻄﻮاﺋﻒ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن.
ﻫـــﻞ ﺗـــﻌـــﺮف اﻟــﻄــﺎﺋــﻔــﺔ اﳌـﺴـﻴـﺤـﻴـﺔ ﻓﻌﻼ ﻣـﺎ ﺗـﺮﻳـﺪه؟ وﻫــﻞ ﻫـﻲ ﺑﻤﺬاﻫﺒﻬﺎ وأﻃــﻴــﺎﻓــﻬــﺎ ﻛــﺎﻓــﺔ ﻣـﺘـﻔـﻘـﺔ ﻋـﻠـﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟـﻮﺻـﻮل إﻟــﻰ ﻣـﺎ ﺗــﺮﻳــﺪه؟ إن ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﳌـﻮاﻗـﻒ ﻫــﺬه اﻷﻃــﻴــﺎف ﺗﻈﻬﺮ ﺗـﺒـﺎﻳـﻨـﴼ ﻓـﻴـﻤـﺎ ﺑـﻴـﻨـﻬـﻢ، وﻳـﺼـﻌـﺐ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﺔ ﻣﻬﻤﺎ ادﻋﺖ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﻘﻮل إﻧﻬﺎ ﺗﻨﻄﻖ ﺑﺎﺳﻤﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﴼ.
ﻓــــﻬــــﻨــــﺎك ﺑــــــﲔ اﳌـــﺴـــﻴـــﺤـــﻴـــﲔ ﻣــــﻦ اﻧـﻘـﻠـﺐ ﺟــﺬرﻳــﴼ ﻋـﻠـﻰ ﺗــﺎرﻳــﺨــﻪ اﻟـﻘـﺮﻳـﺐ وﺑـﺎت ﻳﺮﺿﻰ ﺑﻤﺎ ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻪ اﻟﺪوﻟﺔ وﺳــﻴــﺎدﺗــﻬــﺎ ﻣـــﻦ اﻧـــﺘـــﻬـــﺎﻛـــﺎت، وﻳـﻘـﺒـﻞ
ﺑــﻤــﻤــﺎرﺳــﺎت »ﺣــــﺰب اﻟــﻠــﻪ« وﺳـﻄـﻮﺗـﻪ ﻓــﻲ اﻟــﺪاﺧــﻞ وﺗــﺪﺧــﻼﺗــﻪ ﻓــﻲ اﻟــﺨــﺎرج. ﻫـــــﺬا اﻟـــﻔـــﺮﻳـــﻖ ﻋـــــﺎد إﻟـــــﻰ ﻗــﻤــﻘــﻢ ﺣـﻠـﻒ اﻷﻗﻠﻴﺎت، ﻓﻨﺴﻲ ﻣﻤﺎرﺳﺎت اﻻﺣﺘﻼل اﻟــﺴــﻮري وﻓـﻈـﺎﻋـﺎﺗـﻪ ﻋـﻠـﻰ ﻣــﺪى أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٠٤ ﺳﻨﺔ وﻳﺴﺘﻌﻴﺪ ﺑﻌﻀﻪ ﻣﺂﺛﺮه ﺑــﺰﻫــﻮ، واﻟـﺒـﻌـﺾ اﻵﺧـــﺮ ﺑــﺎت ﻣﻌﺠﺒﴼ ﺑﺎﻟﻨﻤﻮذج اﻹﻳـﺮاﻧـﻲ وﻗـﺎﺑـﻼ ﳌـﺎ ﻳـﺮوج ﻟﻪ وﻛﻴﻠﻪ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻋﺎدات ﻣﺴﺘﺠﺪة وﻣـــﻤـــﺎرﺳـــﺎت وﺷـــﻌـــﺎﺋـــﺮ اﺟــﺘــﻤــﺎﻋــﻴــﺔ، ﻣــﺘــﺸــﺪﻗــﴼ ﺑــــﺄن ﻟــﺒــﻨــﺎن ﺑــــﺎت ﺟـــــﺰءﴽ ﻣﻦ ﻣﺤﻮر اﳌﻤﺎﻧﻌﺔ واﳌﻘﺎوﻣﺔ.
وﻫـــــــــﺆﻻء راﺿـــــــــﻮن ﺑــــﺎزدواﺟــــﻴــــﺔ اﻟﺴﻼح واﺣﺘﻜﺎر ﻣﻴﻠﻴﺸﻴﺎ ﻟﻪ ﺧﺎرج اﻟــﻘــﻮات اﻟـﺸـﺮﻋـﻴـﺔ وﻻ ﻳـــﺮون ﻓــﻲ ذﻟـﻚ اﻧﺘﻬﺎﻛﴼ ﻟﻠﺴﻴﺎدة أو اﺣـﺘـﻼﻻ أﺟﻨﺒﻴﴼ ﻟـــﻠـــﺒـــﻼد، ﻋــﻠــﻤــﴼ ﺑـــــﺄن ﻫـــــﺬه اﳌـﻴـﻠـﻴـﺸـﻴـﺎ »ﺗــﺄﻛــﻞ وﺗــﺸــﺮب وﺗــﺘــﻤــﻮل« ﻣــﻦ دوﻟــﺔ
أﺟﻨﺒﻴﺔ ﻫــﻲ إﻳــــﺮان. وﻫــﻢ ﻳﺘﺤﻔﻈﻮن ﺗﺎﻟﻴﴼ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎد ﻟﺒﻨﺎن وﻋﻠﻰ ﺗﺪوﻳﻞ أزﻣـــﺘـــﻪ ﺑــﻮﺻــﻔــﻪ ﺧــﺮﻗــﴼ ﻟــﻠــﺴــﻴــﺎدة وﻻ ﻣــﻮﺟــﺐ ﻟـــﻪ ﻷن اﻟـــﺒـــﻼد ﻏــﻴــﺮ ﻣـﺤـﺘـﻠـﺔ، وﺑﺎﺗﻮا ﻛﺎﻷﻧﻈﻤﺔ اﳌﻌﺠﺒﲔ ﺑﻬﺎ، ﺻﻮﺗﴼ واﺣﺪﴽ ﺗﻌﺰف آﻻﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺗﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻣـﺴـﻌـﻰ ﻟــﺒــﻠــﻮرة ﻣـﺴـﻴـﺤـﻴـﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﻤﺎﺛﻞ اﻹﺳــﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣـﻦ اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ أﻣـﺮ ﻛﻬﺬا أﻗﻠﻪ اﺳﺘﻨﺎدﴽ إﻟﻰ ﻣﻔﻬﻮم اﳌﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﺤﻘﺔ.
وﻫــﻨــﺎك ﻣــﻦ اﳌﺴﻴﺤﻴﲔ ﻣــﻦ ﻳﻘﻒ ﻋــﻠــﻰ اﳌــﻘــﻠــﺐ اﻵﺧــــﺮ ﻣـﻌـﺘـﺒـﺮﴽ أن اﻟـﺒـﻠـﺪ ﻣﺤﺘﻞ وﺳـﻴـﺎدﺗـﻪ ﻣﻨﺘﻬﻜﺔ، وﻳــﺮى ﻓﻲ ﺳﻼح »ﺣﺰب اﻟﻠﻪ« ﺳﻼﺣﴼ ﻏﻴﺮ ﺷﺮﻋﻲ ﻣـــﺼـــﻮﺑـــﴼ إﻟـــــﻰ اﻟــــﺪاﺧــــﻞ وﻣــﺴــﺘــﺨــﺪﻣــﴼ ﻓــﻲ اﻟــﺨــﺎرج ﻟـﻠـﺪﻓـﻊ ﺑـﻄـﻤـﻮﺣـﺎت إﻳــﺮان اﻟﺘﻮﺳﻌﻴﺔ، وأن اﻟﺒﻼد رﻫﻴﻨﺔ ﺗﺴﺘﻐﻞ ﻛــــﻮرﻗــــﺔ ﻣــﻘــﺎﻳــﻀــﺔ ﻓــــﻲ ﻟــﻌــﺒــﺔ اﻟــﻨــﻔــﻮذ اﻟﺪوﻟﻴﺔ. ﻳﺪﻳﻦ ﻫﺆﻻء إﺑﻌﺎد ﻟﺒﻨﺎن ﻋﻦ ﻣﺤﻴﻄﻪ اﻟـﻌـﺮﺑـﻲ وﻋــﺰﻟــﻪ ﻋــﻦ اﳌﺠﺘﻤﻊ اﻟـﺪوﻟـﻲ، وﻳﻄﺎﻟﺒﻮن ﺑﺤﻴﺎده وﻋﻮدﺗﻪ إﻟـــﻰ اﳌـﻈـﻠـﺔ اﻟـﻌـﺮﺑـﻴـﺔ وﺗــﺪوﻳــﻞ أزﻣــﺘــﻪ. ﻟﻜﻦ ﺧﻼﻓﴼ ﻟﻠﻔﺌﺔ اﻷوﻟﻰ، ﻻ ﺗﺸﻜﻞ ﻫﺬه اﻟـﻔـﺌـﺔ ﺑـﻮﺗـﻘـﺔ واﺣــــﺪة، وﻫـــﺬا ﻣــﻦ ﺟﻬﺔ أﻣﺮ ﺻﺤﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻴﺎس اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ واﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ، وﻏﻴﺮ ﺻﺤﻲ إذا ﻣﺎ ﺗﻤﻌﻨﺎ ﻓﻲ أﺳﺒﺎب ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻤﺎﻳﺰ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد ﻟﺤﺮب ﺧﺎﺿﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﲔ ﺧﻄﺄ. وﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ذﻛــﺮ اﻟـﺤـﺮب أن ﻧــﺬﻛــﺮ ﺑﺄن إﻳﻼم اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﺎن أﺷﺪ ﻣﻦ إﻳﻼم اﻟﻄﻮاﺋﻒ اﻷﺧﺮى ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻓﻘﻀﻰ ﺧــﻼل اﻟـﺤـﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ ﻣـﻦ اﳌﺴﻴﺤﻴﲔ ﻋــﻠــﻰ أﻳــــــﺪي اﳌــﺴــﻴــﺤــﻴــﲔ ﻓــــﻲ ﻣــﻌــﺎرك ﺑﻴﻨﻬﻢ، أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻗﻀﻰ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻷﻃــﺮاف اﻷﺧــﺮى. وﻫﻮ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﺑﲔ اﳌﺴﻠﻤﲔ إﺑﺎن اﻟﺤﺮب ﻧﻔﺴﻬﺎ.
إﻟـﻰ ﻫــﺬا، ﻇﻬﺮت اﳌﺘﻐﻴﺮات اﻟﺘﻲ ﺧﺒﺮﺗﻬﺎ اﻟﺒﻼد ﻣﺆﺧﺮﴽ ﺷﺮاﺋﺢ ﺟﺪﻳﺪة أﺑــﺮزﻫــﺎ اﺛـﻨـﺘـﺎن: اﻷوﻟـــﻰ ﻫــﻲ ﺷﺮﻳﺤﺔ اﳌﺜﻘﻔﲔ ﻣـﻦ أﺑـﻨـﺎء ﻛـﻞ اﻟـﻄـﻮاﺋـﻒ ﻏﻴﺮ اﳌﻌﻨﻴﲔ ﺑﺎﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ، وﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣــﺴــﻴــﺤــﻴــﻮن، ﻳـﺘـﺤـﻠـﻘـﻮن ﺣـــﻮل ﻫـﻮﻳـﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺔ وﻃﻨﻴﺔ وﻗﻴﻢ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ واﻟﺤﺪاﺛﺔ وﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن. واﻷﺧﺮى ﺷــﺮﻳــﺤــﺔ ﻋــﻤــﺮﻳــﺔ ﻣـــﻦ اﻟــﺸــﺒــﺎب ﺗﻀﻢ أﻳــﻀــﴼ ﻛــﻞ اﻟــﻄــﻮاﺋــﻒ، ﻟـﻬـﺎ رؤى وﻗﻴﻢ وﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻟﺸﺮاﺋﺢ اﻟﻌﻤﺮﻳﺔ اﻷﺧﺮى، وﻣﺎ ﻳﻌﺪ ﻣﻘﺒﻮﻻ وﻋﺎدﻳﴼ ﻋﻨﺪ ﻛـــﺒـــﺎر اﻟـــﺴـــﻦ ﺑـــــﺎت ﻋــﻨــﺪﻫــﺎ ﻣــﺮﻓــﻮﺿــﴼ وﻣﺴﺘﻬﺠﻨﴼ وﻓﻲ أﺣﻴﺎن ﻛﺜﻴﺮة ﻓﺎﺳﺪﴽ.
ﻗـﺪ ﻳﺠﻴﺐ ﻫــﺬا اﻟـﺴـﺮد ﻋـﻦ ﺳـﺆال اﻟــﺪﺑــﻠــﻮﻣــﺎﺳــﻲ اﻷﺟـــﻨـــﺒـــﻲ اﳌــﺨــﻀــﺮم: اﳌﺴﻴﺤﻴﻮن ﻓـﻲ ﻟﺒﻨﺎن ﻟﻴﺴﻮا ﺑﻮﺗﻘﺔ واﺣـــــﺪة ﻟــﺘــﻜــﻮن ﻟــﻬــﻢ ﻣــﻄــﺎﻟــﺐ واﺣــــﺪة ورؤﻳــــــــــﺔ ﺳـــﻴـــﺎﺳـــﻴـــﺔ واﺣــــــــــﺪة وﺣـــﺘـــﻰ ﻣﻔﻬﻮم واﺣـــﺪ ﳌــﺎ ﻳﺤﻜﻰ ﻋــﻦ »ﺣﻘﻮق اﳌـــﺴـــﻴـــﺤـــﻴـــﲔ«، وﻛــــــﻞ ذﻟــــــﻚ ﻣـــــﻦ دون اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻟﺠﺪل ﺣﻮل ﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﳌﺴﻴﺤﻴﺔ »دﻳﻨﴼ ودﻧﻴﺎ« ﺗﻔﺮز ﻻﻫﻮﺗﴼ ﺳـﻴـﺎﺳـﻴـﴼ أم ﻻ. وﻳـﻨـﺴـﺤـﺐ ذﻟـــﻚ ﻋﻠﻰ اﻟـــﻄـــﻮاﺋـــﻒ اﻷﺧــــــﺮى ﻻ ﺳــﻴــﻤــﺎ اﻟــﺴــﻨــﺔ واﻟﺪروز، وﺑﺪرﺟﺔ أﻗﻞ اﻟﺸﻴﻌﺔ ﻷﺳﺒﺎب ﻋـــﺪة أﺑــﺮزﻫــﺎ ﺗــﺠــﺬر »ﺣـــﺰب اﻟــﻠــﻪ« ﻓﻲ اﻟـﺒـﻴـﺌـﺔ اﻟـﺸـﻴـﻌـﻴـﺔ ﻋــﻠــﻰ ﻣـــﺪى أرﺑــﻌــﲔ ﺳﻨﺔ وأﻛﺜﺮ، ﺑﺤﻴﺚ ﻧﺸﺄت أﺟﻴﺎل ﻋﻠﻰ ﻓـﻜـﺮ وﻣــﻤــﺎرﺳــﺎت وﺷـﻌـﺎﺋـﺮ وﺧـﺪﻣـﺎت ﻳـﺼـﻌـﺐ ﺗـﺠـﺎﻫـﻠـﻬـﺎ أو اﻟــﻘــﻔــﺰ ﻓـﻮﻗـﻬـﺎ، ﺗﻀﺎف إﻟﻴﻬﺎ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻹﻟﻐﺎء واﻟﻨﻔﻲ واﻟﺘﺮﻫﻴﺐ واﻻﻏﺘﻴﺎل اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﺤﺰب ﺿﺪ اﻷﺻﻮات اﻟﻨﺎﻓﺮة.
واﺳــــــــﺘــــــــﻄــــــــﺮادﴽ، ﻟـــــﻌـــــﻞ اﻟـــــﺨـــــﻼف واﻻﺧــــﺘــــﻼف ﻓـــﻲ ﺻـــﻔـــﻮف اﻟــﻄــﻮاﺋــﻒ رﺣﻤﺔ ﻓـﻲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ، ﻷﻧــﻪ ﻗﺪ ﻳــﺴــﻤــﺢ ﺑــﺘــﺒــﻠــﻮر ﻫـــﻮﻳـــﺔ ﺟــﺎﻣــﻌــﺔ ﺑـﲔ اﳌـﺘـﻔـﻘـﲔ ﻣــﻦ ﻛــﻞ اﳌــﻜــﻮﻧــﺎت ﻛــﺎﻧــﺖ ﻗﺪ
ﺗﻈﻬﺮت ﺑﺪاﻳﺔ ﻓﻲ اﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ٤١ ﻣﺎرس )آذار( ٥٠٠٢ واﻟـــﺘـــﻲ ﺷــﻜــﻠــﺖ ﻟـﺤـﻈـﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻗﺪ ﻻ ﺗﻌﻮض، وﺛﺎﻧﻴﺔ ﺧﻼل اﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ٧١ أﻛﺘﻮﺑﺮ )ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻷول( ٩١٠٢ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﺷﺮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ وﺗﺠﺎذﺑﺎﺗﻬﺎ. اﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺘﺎن أﺟﻬﻀﺘﺎ ﺑــﻔــﻌــﻞ اﻻرﺗــــــﻬــــــﺎن ﻟــﻄــﺒــﻘــﺔ ﺳــﻴــﺎﺳــﻴــﺔ ﻃـﺎﺋـﻔـﻴـﺔ ﻣﻜﻴﺎﻓﻴﻠﻴﺔ ﻓــﺎﺳــﺪة، وﻋـﺎﻣـﻞ اﺳــﺘــﻘــﻮاء ﻣﻴﻠﻴﺸﻴﺎوي ﻏـﻴـﺮ ﻣﺴﺒﻮق ﻟﻮﻛﻴﻞ ﺷﺮﻋﻲ ﻟﻘﻮى ﺧﺎرﺟﻴﺔ.
وﻳـــﻜـــﻤـــﻦ اﻻﻟــــﺘــــﺒــــﺎس اﻷﻛـــــﺒـــــﺮ ﻓــﻲ اﺳﺘﻌﺼﺎء اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ: ﻫـــــــﻞ ﻳــــﻤــــﻜــــﻦ اﺧـــــﺘـــــﺼـــــﺎر اﻟـــــﻄـــــﻮاﺋـــــﻒ ﺑــﺰﻋــﺎﻣــﺎﺗــﻬــﺎ اﻟــﺴــﻴــﺎﺳــﻴــﺔ؟ وﻫـــــﻞ ﻣـﻦ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺑـﲔ ﻫــﺆﻻء وأﺑـﻨـﺎء اﻟﻄﻮاﺋﻒ؟ وإﻟــــــﻰ أي ﻣـــــﺪى ﻳـــﻌـــﺒـــﺮون ﻓـــﻌـــﻼ ﻋـﻦ رﻏــﺒــﺎﺗــﻬــﻢ وﻃـــﻤـــﻮﺣـــﺎﺗـــﻬـــﻢ؟ ﻟــﻌــﻞ ﺑـﲔ ﻓﺎﺋﺾ ﻛـﻼم اﻟﺰﻋﻤﺎء وﻓﺎﺋﺾ ﺻﻤﺖ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﻄﻮاﺋﻔﻪ ﻛﺎﻓﺔ ﺟـﻮاﺑـﴼ ﺷﺎﻓﻴﴼ ﻟﻮﻗﻮف اﻟﻄﺮﻓﲔ ﻋﻨﺪ ﻧﻘﻴﻀﲔ. اﻟﺪاﻟﺔ اﳌـﻬـﻤـﺔ واﳌــﺄﺳــﺎوﻳــﺔ ﺗـﻜـﻤـﻦ ﻓــﻲ ﺳــﺆال اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻲ أﻛـﺜـﺮ ﻣـﻦ اﻹﺟــﺎﺑــﺔ ﻋﻨﻪ، ﻷﻧــﻪ ﻳـﻈـﻬـﺮ أن اﻟــﺨــﺎرج ﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟﻴﻨﺎ ﻛـﻤـﺠـﻤـﻮﻋـﺎت ﻣــﺒــﻌــﺜــﺮة ﻣــﻦ اﻟــﻄــﻮاﺋــﻒ ﻻ ﻛـﺸـﻌـﺐ ﻓــﻲ دوﻟــــﺔ وﻃــﻨــﻴــﺔ واﺣــــﺪة، وﻳـــﻨـــﻈـــﺮ إﻟــــــﻰ ﺟــــﻞ »اﻟـــــﺰﻋـــــﻤـــــﺎء« ﻋـﻠـﻰ أﻧـﻬـﻢ ﻛﺎﻟﺒﻬﻠﻮاﻧﺎت اﻟـﺘـﻲ ﺗﺒﻜﻲ أﻛﺜﺮ ﻣـﻤـﺎ ﺗــﻀــﺤــﻚ، ﺗﻨﻘﻠﺐ ﻋـﻠـﻰ ﻣﻮاﻗﻔﻬﺎ وﺗﺘﺸﻘﻠﺐ ﺑــﲔ اﻻرﺗــﻬــﺎﻧــﺎت ﻻ ﻟﺴﺒﺐ إﻻ ﻛﻴﺪﻫﺎ وﺗﻀﺨﻢ أﻧﺎﺗﻬﺎ وﻏﺒﺎﺋﻬﺎ. واﳌـﺼـﻴـﺒـﺔ اﻷﻛــﺒــﺮ أن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﻠﻬﺚ ﻟـﺘـﺤـﺼـﻴـﻞ »ﺣــﻘــﻮق اﳌـﺴـﻴـﺤـﻴـﲔ« ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺘﺨﻴﻠﺔ ﻣﻦ دون أن ﻳﻌﻲ أﻧﻪ ﻳﺒﺪد اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ.
إذا راﺟﻌﻨﺎ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻄﻮاﺋﻒ ﰲ ﻟﺒﻨﺎن ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺮى أن ﻛﻼ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺮت ﺑﻔﱰة ﺑﺪت ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﲡﻤﻊ ﻋﻠﻰ رؤﻳﺔ واﺣﺪة ـ أﻗﻠﻪ ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻣﺸﺮوﻋﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ـ ﻟﻜﻦ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺒﺪد ﻫﺬا