أﻳﻬﺎ اﻟﻔﻘﺮاء... ﻛﻴﻒ اﻟﺤﺎل؟
ﺗﺤﺘﻔﻞ اﻷﻣﻢ اﳌﺘﺤﺪة ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺎت وﻇﻮاﻫﺮ وﺗﺴﻤﻴﺎت ﺗﺘﺠﺎوز اﳌﺌﺎت ﺳﻨﻮﻳﴼ. وﻫﻲ ﺗﻬﺪف إﻟﻰ ﺗﺴﻠﻴﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎﻛﻞ دوﻟﻴﺔ وأﻧﺠﻊ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﺒﻴﺎت وﻣﻀﺎﻋﻔﺔ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺎت. ﻣﻦ ﻫﺬه اﳌﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﻴﻮم اﻟﻌﺎﳌﻲ ﻟـﻠـﻐـﺔ ﺑــﺮاﻳــﻞ ﻓــﻲ ٤٢ ﻳـﻨـﺎﻳـﺮ )ﻛــﺎﻧــﻮن اﻟــﺜــﺎﻧــﻲ(، واﻟﻴﻮم اﻟﻌﺎﳌﻲ ﻟﻺذاﻋﺔ ﻓﻲ ٣١ ﻓﺒﺮاﻳﺮ )ﺷﺒﺎط(، واﻷﻳــﺎم اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ ﻟـﻸم ﻓﻲ ١٢ ﻓﺒﺮاﻳﺮ، وﻟﻠﻤﺮأة ﻓـﻲ ٨ ﻣــﺎرس )آذار(، وﻟﻠﺸﻌﺮ ﻓـﻲ ١٢ ﻣــﺎرس، وﻟﻠﻤﻴﺎه ﻓﻲ ٢٢ ﻣﺎرس، وﻟﻠﺴﻞ ﻓﻲ ٥٢ ﻣﺎرس، وﻟﻠﻀﻤﻴﺮ ﻓـﻲ ٥ أﺑـﺮﻳـﻞ )ﻧـﻴـﺴـﺎن(، وﻟﻠﻤﻼرﻳﺎ ﻓـﻲ ٥٢ أﺑـﺮﻳـﻞ، وﻟﻠﻀﻮء ﻓـﻲ ٦١ ﻣﺎﻳﻮ )أﻳــﺎر(، وﻟـﻠـﻨـﺤـﻞ ﻓــﻲ ٠٢ ﻣــﺎﻳــﻮ، وﻟــﻠــﻮاﻟــﺪﻳــﻦ ﻓــﻲ أول ﻳﻮﻧﻴﻮ )ﺣــﺰﻳــﺮان(، وﻟﻼﺟﺌﲔ ﻓـﻲ ٠٢ ﻳﻮﻧﻴﻮ، وﻟـــﻸراﻣـــﻞ ﻓــﻲ ٣٢ ﻳــﻮﻧــﻴــﻮ، وﻟـﻠـﺒـﺤـﺎرة ﻓــﻲ ٥٢ ﻳـﻮﻧـﻴـﻮ، وﻟﻠﺸﻄﺮﻧﺞ ﻓــﻲ ٠٢ ﻳـﻮﻟـﻴـﻮ )ﺗــﻤــﻮز(، وﻟـﻠـﺼـﺪاﻗـﺔ ﻓــﻲ ٠٣ ﻳـﻮﻟـﻴـﻮ، وﻟﻠﺸﺒﺎب ﻓــﻲ ٢١ أﻏﺴﻄﺲ )آب(.
وأﻛﺘﻔﻲ ﺑـﻬـﺬه اﳌﻨﺎﺳﺒﺎت وأﺧــﺘــﺎر ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻴﻮم »اﻟﺸﻌﺮ« ﻣﻘﻄﻌﴼ ﻣـﻦ ﻗﺼﻴﺪة ﻟﻠﺸﺎﻋﺮة اﻟــﻌــﺮاﻗــﻴــﺔ اﳌــﺒــﺪﻋــﺔ ﺳـــﺎﺟـــﺪة اﳌـــﻮﺳـــﻮي ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »ﻻ ﺗﺴﺄل ﻛﻴﻒ اﻟﺤﺎل« ﺗﻘﻮل ﻓﻴﻪ:
»ﻻ ﺗــﺴــﺄل ﻛــﻴــﻒ اﻟـــﺤـــﺎل/ ﻋــﻨــﺪي أﺟــﻮﺑــﺔ ﺷـﺎﻓـﻴـﺔ ﻋــﻦ أﻟــﻒ ﺳـــﺆال وﺳــــﺆال/ إﻻ ﻟﺴﺆاﻟﻚ ﻛــــﻴــــﻒ اﻟــــــﺤــــــﺎل/ وﻃــــﻨــــﻲ ﻣــــــﺄﺳــــــﻮر ﻣـــﻄـــﻌـــﻮن ﻣﺴﻠﻮب/ واﳌــﻮت ﻳﺤﺶ ﺑـﺄﻫـﻠـﻲ.../ ﺗﺘﺴﺮب أﻋــﻤــﺎر اﻟـــﻮرد ﻛـﻤـﺎء ﻣـﻦ ﻏــﺮﺑــﺎل/ وﻃـﻨـﻲ أﻛﻠﺘﻪ اﻟــﺤــﺮب/ ﻧﺼﻒ ﺑـــﻼدي ﻓــﻲ اﳌﻨﻔﻰ واﻟﻨﺼﻒ اﻵﺧﺮ أﺧﺒﺎر أﺳﻤﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻮال/ أو ﺗﺴﺄﻟﻨﻲ ﻛﻴﻒ اﻟﺤﺎل؟«.
ﻟــﻘــﺪ أﺧــــﺬ ﻛـــﺜـــﻴـــﺮون ﺣــﻘــﻮﻗــﻬــﻢ ﻣـــﻦ اﻷﻣـــﻢ اﳌﺘﺤﺪة ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ. ﻟﻜﻦ ﻣﺎ اﻟﺬي ﻧﺎﻟﻪ ﺿﺤﺎﻳﺎ اﻟـﻴـﻮم اﻟﻌﺎﳌﻲ ﻟـﻺرﻫـﺎب ﻓـﻲ ١٢ أﻏـﺴـﻄـﺲ؟ وﺿـﺤـﺎﻳـﺎ أﻋــﻤــﺎل اﻟـﻌـﻨـﻒ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﺪﻳﻦ؟ وﺿﺤﺎﻳﺎ اﻹﺧﻔﺎء اﻟﻘﺴﺮي؟
أرﻳﺪ أن أﻗﻮل إن اﻟﻔﻘﺮاء وﺣﺪﻫﻢ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﻳﻮم أﻣﻤﻲ ﻟﺮﻋﺎﻳﺘﻬﻢ، وﻫﻢ أﺣـﻮج ﻣﻦ أي ﻓﺌﺔ أﺧﺮى ﻛﻼﻋﺒﻲ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ - ﻣﺜﻼ - أو اﻟﺼﺪاﻗﺔ أو اﻟﺸﻌﺮ أو اﳌﺼﺎرف. وﻗﺪ ﻳﻘﻮل ﻗﺎﺋﻞ إن ﻫﻨﺎك ﻳﻮﻣﴼ دوﻟﻴﴼ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮ ﻓﻲ ٧١ أﻛﺘﻮﺑﺮ )ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻷول(، وأرد أن ﻫﻨﺎك ﻓﺮﻗﴼ ﺑﲔ اﻟﻔﻘﺮاء وﻫــــﻲ ﺻــﻔــﺔ إﻧــﺴــﺎﻧــﻴــﺔ ﻏــﻴــﺮ ﻋـــﺎدﻟـــﺔ ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ، وﻟﻮ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻛﻞ ﻋﺎم، أﻣﺎ اﻟﻘﻀﺎء ﻋــﻠــﻰ اﻟــﻔــﻘــﺮ، ﻓــﻬــﻮ ﻣـﻬـﻤـﺔ ﺗـﺴـﺘـﻐـﺮق ﺳــﻨــﻮات، وﻳــﺤــﺘــﺎج ﺗــﻀــﺎﻣــﻨــﴼ ﻋــﺎﳌــﻴــﴼ وﻣــﻴــﺰاﻧــﻴــﺔ ﻣـﺎﻟـﻴـﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻣـﻦ ﻓﺎﺋﺾ ﺛــﺮوات اﻟــﺪول واﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ؛ ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﺻﺔ أو ﻋﺎﻣﺔ.
ﻋــــﺮف اﻟـﺒـﻨـﻚ اﻟــﺪوﻟــﻲ »اﻟـﻔـﻘـﻴـﺮ« ﺑــﺄﻧــﻪ ﻣﻦ ﻳــﻨــﺨــﻔــﺾ دﺧـــﻠـــﻪ اﻟـــﺴـــﻨـــﻮي ﻋـــﻦ ٥٥٥ دوﻻرﴽ أﻣـﻴـﺮﻛـﻴـﴼ ﺳـﻨـﻮﻳـﴼ، ﻣــﻊ اﻷﺧـــﺬ ﻓــﻲ اﻻﻋــﺘــﺒــﺎر أن »اﻟﻔﻘﻴﺮ اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ« ﻏﻴﺮ »اﻟﻔﻘﻴﺮ اﻟﺒﻨﻐﻼدﻳﺸﻲ أو اﻹﺛـﻴـﻮﺑـﻲ ﻣــﺜــﻼ« ﻓــﻲ اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ اﻟﻮﺻﻔﻲ واﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ.
ﻧﺤﻦ أﻣــﺎم ﻋﺸﺮ دول ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻓـﻲ اﳌﻘﺪﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻔﻘﺮاء )وﻟﻴﺲ اﻟﻔﻘﺮ(، وﺑﻴﻨﻬﺎ دول ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﺻﻨﺎﻋﻴﴼ وﻗﻀﺎﺋﻴﴼ ﻣﺜﻞ اﻟﻬﻨﺪ واﻟﺼﲔ واﻟـﺒـﺮازﻳـﻞ وإﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺎ وﻧﻴﺠﻴﺮﻳﺎ وﻓﻴﺘﻨﺎم واﻟﻔﻠﺒﲔ وﺑﺎﻛﺴﺘﺎن وإﺛﻴﻮﺑﻴﺎ وﺑﻨﻐﻼدﻳﺶ، وﻫـــﻲ أﻛــﺜــﺮ ﻋــﺸــﺮ دول ﺗـــﻌـــﺪاد اﻟــﻔــﻘــﺮاء ﻓﻴﻬﺎ ﻳﺘﺮاوح ﺑﲔ ٨٥٣ ﻣﻠﻴﻮن ﻓﻘﻴﺮ و٥٣ ﻣﻠﻴﻮن ﻓﻘﻴﺮ. رواﻳـــــﺔ »اﻟـــﺒـــﺆﺳـــﺎء« اﻟــﺸــﻬــﻴــﺮة ﻋــﻦ ﻓــﻘــﺮاء اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ، ﻛﺘﺒﻬﺎ اﻟﺮواﺋﻲ واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻓﻴﻜﺘﻮر ﻫﻮﻏﻮ ﻋﺎم ٣٦٨١ ﻋــﻦ رﺟـــﻞ ﻓـﻘـﻴـﺮ ﻳــﺪﻋــﻰ ﺟـــﺎن ﻓــﺎﻟــﺠــﺎن ارﺗــﻜــﺐ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﺳـﺮﻗـﺔ ﺧﺒﺰ ﻹﻃـﻌـﺎم أﺧـﺘـﻪ وأوﻻدﻫـــﺎ، ﻓـﺤـﻜـﻤـﺖ ﻋـﻠـﻴـﻪ اﳌـﺤـﻜـﻤـﺔ ﺑـﺎﻟـﺴـﺠـﻦ ٩١ ﻋــﺎﻣــﴼ. وﻗﺎل ﻫﻮﻏﻮ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺮواﻳﺔ: »ﻃﺎﳌﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﻻ ﻣﺒﺎﻻة وﻓﻘﺮ ﻋﻠﻰ اﻷرض، ﻛﺘﺐ ﻛﻬﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺳﺘﻜﻮن ﺿﺮورﻳﺔ داﺋﻤﴼ«.
وﻋﻠﻰ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻷﻣـﻢ اﳌﺘﺤﺪة، ﻓـﺈن ٧٫٢ ﻣـﻠـﻴـﺎر ﺷـﺨـﺺ ﻣــﻦ اﻷﻛــﺜــﺮ ﻓــﻘــﺮﴽ وﺿـﻌـﻔـﴼ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن إﻟﻰ »دﺧﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﻣﺆﻗﺖ« ﻟـﺤـﻤـﺎﻳـﺘـﻬـﻢ ﻣــﻦ آﺛـــﺎر ﺟـﺎﺋـﺤـﺔ »ﻛــﻮﻓــﻴــﺪ - ٩١« ﻣﺜﻞ ﻓﻘﺪان اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ وﻣﺼﺎدر اﻟﺪﺧﻞ واﻟﻌﺰل اﻹﺟــــﺒــــﺎري. وﻳـــﻘـــﺪر ﺑــﺮﻧــﺎﻣــﺞ اﻷﻣـــــﻢ اﳌــﺘــﺤــﺪة اﻹﻧﻤﺎﺋﻲ »اﻟﺪﺧﻞ اﻷﺳﺎﺳﻲ اﳌﺆﻗﺖ« ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻔﻘﺮاء ﻓﻲ اﻟـﺪول اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ﺑﺤﺪود ٠٠٢ ﻣﻠﻴﺎر دوﻻر ﺷــﻬــﺮﻳــﴼ، وﻫـــﻮ رﻗـــﻢ ﻣــﺬﻫــﻞ ﻳـﺘـﻢ إﻧـﻔـﺎﻗـﻪ ﻟﺸﺮاء اﻟﻄﻌﺎم ودﻓﻊ ﻧﻔﻘﺎت اﻟﺼﺤﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﻋــﻼج ﻣﺼﺎﺑﻲ اﻟﺠﺎﺋﺤﺔ، ﻫـﺬا إذا ﻟـﻢ ﺗﻠﺘﻬﻢ ﻣــﺮﺗــﺒــﺎت ﻣـﻮﻇـﻔـﻲ اﳌـﻨـﻈـﻤـﺔ اﻟــﺪوﻟــﻴــﺔ وﻧـﻔـﻘـﺎت وﻓﻮدﻫﺎ وﻃﻴﺮاﻧﻬﺎ وإﻗﺎﻣﺘﻬﺎ وﺳﻴﺎراﺗﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ اﳌﺒﻠﻎ اﻟﻬﺎﺋﻞ. وﻓﻲ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻳﺒﻘﻰ اﻟـﻔـﻘـﺮاء ﻋـﻠـﻰ ﻣــﺎ ﻫــﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣــﻦ ﺿـﻌـﻒ وﺟــﻮع وﻣــــــﺮض وﺣــــﺮﻣــــﺎن وأﻣــــﻴــــﺔ. وﺗــﻘــﻴــﻢ اﳌـﻨـﻈـﻤـﺔ اﺣــﺘــﻔــﺎﻻت ﻟـﻠـﺨـﻄـﺐ واﻟــﺒــﻴــﺎﻧــﺎت واﳌـــــﺂدب ﻓﻲ »اﻟـــﻴـــﻮم اﻟــﻌــﺎﳌــﻲ ﻟــﻠــﻘــﻀــﺎء ﻋــﻠــﻰ اﻟـــﻔـــﻘـــﺮ«، وﻻ ﺗﻮﺟﻪ دﻋﻮة واﺣﺪة إﻟﻰ ﺷﺤﺎذ ﻟﺤﻀﻮر ﻫﺬه اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت.
ﺗـﻤـﻨـﺢ اﻟــــﺪول اﻟـﻐـﻨـﻴـﺔ ﺑــﲔ ﻓــﺘــﺮة وأﺧـــﺮى إﻋــﻔــﺎءات ﺧـﺎﺻـﺔ ﻟــﻠــﺪول اﻟﻔﻘﻴﺮة ﻣــﻦ ﺗﺴﺪﻳﺪ ﻣﺪﻳﻮﻧﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ ﺣﺠﺮ ﻋﺜﺮة أﻣــﺎم أي ازدﻫــﺎر أو ﺗﺨﻔﻴﺾ ﻇﺎﻫﺮة اﻟﻔﻘﺮ اﻟﻌﺎم. ﻟﻜﻦ ﺷﻄﺐ اﻟﺪﻳﻮن اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﳌﺴﺘﺤﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪول اﻟﻔﻘﻴﺮة ﻻ ﻳﺪﺧﻞ دوﻻرﴽ واﺣــﺪﴽ ﻓـﻲ ﺟﻴﺐ أي ﻓــﻘــﻴــﺮ، وإﻧـــﻤـــﺎ ﺗـﻀـﻴـﻊ اﻟــﻔــﺮﺻــﺔ ﻓـــﻲ ﻣـﺸـﺎرﻳـﻊ ﻓﺎﺷﻠﺔ أو ﻓﺴﺎد ﺣﻜﻮﻣﻲ أو ﻫـﺪر ﻓﻲ اﻹﻧﻔﺎق اﻟﺒﺎذخ ﻣﻦ ﻗﺼﻮر وﺳﻴﺎرات وﻃﺎﺋﺮات ﺧﺎﺻﺔ ورﺣﻼت ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﺗﺮﻓﻴﻬﻴﺔ.
وﻗـــــــﺮأت ﺗـــﻘـــﺮﻳـــﺮﴽ ﺳـــﻨـــﻮﻳـــﴼ ﻻﻓـــﺘـــﴼ أﺻـــــﺪره اﻟﺒﻨﻚ اﻟــﺪوﻟــﻲ اﻋــﺘــﺮف ﻓﻴﻪ ﻣــﻊ ﺑــﺪاﻳــﺔ اﻷﻟﻔﻴﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺑﺄن ٠٢ ﻓﻲ اﳌﺎﺋﺔ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ »ﻳﻌﻴﺸﻮن وﻳﻤﻠﻜﻮن«، أﻣـﺎ اﻟﺒﺎﻗﻮن ﻓﻼ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻋﻴﺸﺔ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ وﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﺷﻴﺌﴼ ﻣﻦ اﳌــﻮارد اﻷرﺿـﻴـﺔ. وﺑـﺎﻷرﻗـﺎم ﻓـﺈن ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟــﺪول اﻷﻛﺜﺮ ﻓﻘﺮﴽ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺜﻞ
ﺗﻨﺰاﻧﻴﺎ وﺳﻴﺮاﻟﻴﻮن ﻳﺒﻠﻎ ٠٠٥ دوﻻر ﺳﻨﻮﻳﴼ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺼﻞ ﻣﺘﻮﺳﻂ دﺧــﻞ اﻟـﻔـﺮد ﻓـﻲ اﻟــﺪول اﳌﺘﻘﺪﻣﺔ إﻟــﻰ ٠٢ أﻟــﻒ دوﻻر، وﻫــﻮ ﻣـﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻓﺠﻮة اﻟﻔﻘﺮ واﺳﻌﺔ وﻋﻤﻴﻘﺔ، ﺑﺤﻴﺚ أﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺴﻤﻴﺔ »اﻟﻔﻘﺮ اﳌﺪﻗﻊ«. و»اﳌﺪﻗﻊ« ﳌﻦ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ »اﻟﺬﻟﻴﻞ واﻟﻬﺰﻳﻞ واﻟﺤﻘﻴﺮ ﺣﺪ اﻟﺘﺼﺎق أﻧﻔﻪ ﺑﺎﻷرض«!
وﻳﺠﻬﺪ ﺧﺒﺮاء اﳌﻨﻈﻤﺎت اﳌﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ )وﻟﻴﺲ اﻟﻔﻘﺮاء( أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺑﻴﺎﻧﺎت دورﻳﺔ وﺗﺴﻤﻴﺎت ﺛﺮﻳﺔ ﻟﻠﻔﻘﺮ )ﻣﺮة أﺧﺮى ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻔﻘﺮاء( ﻣﺜﻞ اﻟﻔﻘﺮ اﳌﺘﻌﺪد اﻷﺑﻌﺎد، ﺷﺄﻧﻪ ﺷﺄن اﻟـﻔـﻨـﻮن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ، ﻓﻬﻨﺎك ﻓﻘﺮ رﻳـﻔـﻲ وآﺧـﺮ ﺣــﻀــﺮي، وﻓــﻘــﺮ دوﻟــــﻲ وآﺧــــﺮ إﻗـﻠـﻴـﻤـﻲ، وﻓـﻘـﺮ ﻃﻔﻮﻟﻲ وآﺧﺮ أﺳﺮي. وﻣﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت، ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺴﺐ اﻟﻔﻘﺮ اﳌﺘﻌﺪد اﻷﺑﻌﺎد ﺑﺤﺎﺻﻞ ﺿﺮب ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻔﻘﺮاء ﻓﻲ ﺷﺪة اﻟﻔﻘﺮ!
ﻟﻮ ﻛﺎن ﻋﺎﻟﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﺮاﺋﺪ اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ اﺑﻦ ﺧﻠﺪون ﺣﻴﴼ ﻟﺘﻤﺖ دراﺳﺔ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ اﻟﺸﺄن ﻓﻲ ﻛﻞ أﺣﻮال اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﻘﺪ ﻣﻴﺰ ﺑﲔ ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻤﺎط ﺑﻨﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت، ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﳌﻘﺘﺼﺮة ﻋــﻠــﻰ ﻣــﺎ ﻫــﻮ »ﺿــــــﺮوري« ﻓــﻲ ﺣــﺴــﺎب ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻔﻘﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻔﻆ اﻟﺤﻴﺎة. واﻟﻨﻤﻄﺎن اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﺜﺎﻟﺚ ﻫﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻔﺎف إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﺨﺮاب واﳌﺠﺎﻋﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ، وﻋﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﺑـ »ﺗﻼﺻﻖ اﻟﺠﺪران وﻋﺪم وﺟﻮد ﻓﻮاﺻﻞ ﺑﲔ اﳌﺴﺎﻛﻦ«. ﻋﺎش اﺑﻦ ﺧﻠﺪون )٢٣٣١ - ٦٠٤١م( ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ وﺗﺨﺮج ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺰﻳﺘﻮﻧﺔ وزار اﳌﻐﺮب واﻷﻧﺪﻟﺲ وﻣﺼﺮ، وﻣﻬﻨﺘﻪ ﻋﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧــﺴــﺎن، وﻣــــﺆرخ، وﻗــــﺎض، وﻛـﺎﺗـﺐ ﺳـﻴـﺮ ذاﺗــﻴــﺔ، وﻋــﺎﻟــﻢ اﺟــﺘــﻤــﺎع، واﻗــﺘــﺼــﺎدي، وﻓـﻴـﻠـﺴـﻮف، وﺳــﻴــﺎﺳــﻲ. وﻓـــﻲ ذﻟـــﻚ اﻟـﺘـﺎرﻳـﺦ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﺗــﺮك ﻟﻨﺎ وﺻﻔﺔ اﻟﻔﻘﻴﺮ اﻟــﺬي ﻳﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻔﺎف.
وﻣــﻨــﺬ اﺑـــﻦ ﺧــﻠــﺪون ﻓــﻲ اﻟــﻘــﺮﻧــﲔ اﻟـﺜـﺎﻟـﺚ ﻋﺸﺮ واﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﻋﺎﳌﴼ ﻓﻲ اﻗﺘﺼﺎد اﻟــﺤــﺮوب واﳌـﺠـﺎﻋـﺎت واﻟــﻜــﻮارث واﻷوﺑــﺌــﺔ إﻻ ﺣـــﲔ اﺑـــﺘـــﺪع اﻟــﺪﻛــﺘــﻮر ﻣـﺤـﻤـﺪ ﻣــﻬــﺪي ﺻـﺎﻟـﺢ وزﻳـــﺮ اﻟـﺘـﺠـﺎرة اﻟـﻌـﺮاﻗـﻲ ﻓــﻲ اﻟـﻨـﻈـﺎم اﻟﻌﺮاﻗﻲ اﻟــﺴــﺎﺑــﻖ )اﳌــﻘــﻴــﻢ ﺣــﺎﻟــﻴــﴼ ﻓــﻲ اﻷردن ﻣــﻦ دون ﻋﻤﻞ( ﻧﻈﺎم اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ اﻟﺘﻤﻮﻳﻨﻴﺔ اﻟــﺬي ﺳﺎوى ﺑﲔ اﻟﻔﻘﻴﺮ واﻟﻐﻨﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻤﻨﺤﻪ اﻟـﺪوﻟـﺔ ﻟﻜﻞ ﻣـﻮاﻃـﻦ ﻋـﺮاﻗـﻲ ﻓـﻲ ﺳـﻨـﻮات اﻟﺤﺼﺎر اﻟﺠﺎﺋﺮ اﻟــﺬي ﻓﺮﺿﺘﻪ اﻟــﻮﻻﻳــﺎت اﳌﺘﺤﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮاق ﺑﻌﺪ ﻏــﺰو اﻟـﻜـﻮﻳـﺖ ٠٩٩١ إﻟــﻰ اﺣـﺘـﻼل اﻟـﻌـﺮاق ﻓـﻲ ٣٠٠٢. وﻫــﺬا اﻟـﺤـﻞ اﻟـﺴـﺤـﺮي ﻻ ﻋـﻼﻗـﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻔﺎﻧﻮس اﻟﺴﺤﺮي وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺗﻤﻮﻳﻨﻴﺔ ﺗﻀﻤﻦ ﻟﻜﻞ أﺳﺮة ﻋﺮاﻗﻴﺔ أو ﻣﻘﻴﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق، واﻟـﺪﺑـﻠـﻮﻣـﺎﺳـﻴـﲔ ﻣــﻦ ﺟﻨﺴﻴﺎت أﺧـــﺮى، ﺳﻠﺔ ﻏـــﺬاء ﺷـﻬـﺮﻳـﺔ ﺗـﺘـﻜـﻮن ﻣــﻦ أﻛــﺜــﺮ ﻣــﻦ ٥١ ﻣــﺎدة ﻣﺴﺘﻮردة ﺑﺮﻗﺎﺑﺔ اﻷﻣﻢ اﳌﺘﺤﺪة، وﻓﻖ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻨﻔﻂ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻐﺬاء واﻟﺪواء. ودرس ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ واﻷﻣﻢ اﳌﺘﺤﺪة وﻣﻨﻈﻤﺔ اﻷﻏﺬﻳﺔ واﻟﺰراﻋﺔ ﻧﻈﺎم اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ اﻟﺘﻤﻮﻳﻨﻴﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ، ﻓﻮﺻﻔﻮﻫﺎ ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺑﺎن ﻛﻲ ﻣﻮن اﻷﻣﲔ اﻟﻌﺎم ﻟﻸﻣﻢ اﳌﺘﺤﺪة ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات ﻣﻦ ٦٠٠٢ إﻟﻰ ٦١٠٢ ﺑﻄﺎﻗﺔ »إﻧﻘﺎذ اﻟﻔﻘﺮاء«.
ﻻ ﻧﺮﻳﺪ ﻳﻮﻣﴼ ﻟﻠﻔﻘﺮ، وﻟﻜﻦ اﻟﻔﻘﺮاء ﻳﺮﻳﺪون »اﻟﻌﻴﺶ«، واﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﻠﻬﺠﺔ اﳌﺼﺮﻳﺔ ﻫﻮ اﻟﺨﺒﺰ.