االكتشاف األهم
سوزي الحاج SUSIE EL HAGE أديبة لبنانية
كعالمـة ان صاحـب المجموعـة الشـعرية "أوراق العشـب" فارقـة فـي األدب األمريكـي. إنـه الشـاعر الشــهير "والــت ويتمــان"، أحــد أهــم رواد الشــعر الغربـي وأكثرهـم تأثيـرا فـي القـرن التاسـع عشـر. وتجـدر اإلشــارة إلــى أن علمــاء النفــس اعتبــروا أشــعاره دراســة خصبــة لمكّونــات النفــس البشــرية، كمــا اعتبــره النّقــاد بمرتبــة فيلســوف يملــك نظــرة شــاملة متكاملــة فــي الكــون واإلنســان والمجتمــع. آمـــن "ويتمـــان" بـــأن الحّريـــة الفرديـــة لـــن تجـــد متنّفســـا لهـــا إّاّل فـــي حـــب اإلنســـان لذاتـــه وحـــب اإلنســـان لآلخـــر وللمجتمـــع. وعـــن حـــب الـــذات اّل بـــد مـــن التوقـــف عنـــد مقولتـــه الشـــهيرة، حيـــث يقـــول "والـــت ويتمـــان": "أحتفـــل بنفســـي وأغنـــي نفســـي". فـــي هـــذا العصـــر، قـــد تبـــدو ثقافـــة "الســـلفي"، وغيرهـــا ممـــا يقترحـــه ويشـــجع عليـــه عالـــم التواصــل ااّلجتماعــي، وكأنهــا تدفــع اإلنســان إلــى حــب الــذات والثقــة بالنفــس، شــرط أّاّل يغــرق فــي متاهـــات المقارنـــة. غيـــر أن رحلـــة قبـــول الـــذات وحـــب النفـــس طويلـــة ومعّقـــدة، كمـــا يؤّكـــده علـــم النفـــس، إذ ســـرعان مـــا نتعّلـــم بعـــد تخّطـــي مرحلـــة الطفولـــة أن نقمـــع مشـــاعرنا مـــن أجـــل التكّيـــف مـــع المجتمـــع مـــن حولنـــا. وبـــداّل مـــن التعبيـــر عـــن النفـــس بعفويـــة وصـــدق وشـــفافية، نحـاول أن نـرّوض وننحـت الصـورة التـي سنعكسـها فـــي محيطنـــا. وهنـــا نذكـــر المقولـــة التـــي تبّناهـــا الفيلســـوف اليونانـــي العظيـــم ســـقراط: "اعـــرف نفســـك". إن هـــذه العبـــارة التـــي قـــد تبـــدو بســـيطة، تلّخـــص بالنســـبة إلـــى ســـقراط كل الوصايـــا الفلســـفية، ألنهـــا تســـاعدنا علـــى إدراك حدودنـــا، واألهـــم بالنســبة إليــه أن نــدرك أننــا علمنــا شــيئا، وغابــت عّنـــا أشـــياء. بالحديـث عـن الحضـارة اإلغريقيـة، تلفتنـا أسـطورة نركســـوس (أو نرجـــس) الـــذي رأى وجهـــه الرائـــع الجمـــال منعكســـا فـــي المـــاء، فعشـــق نفســـه حتـــى المـــوت. مـــن هنـــا انطلقـــت فـــي علـــم النفـس عبـارة النرجسـية نسـبة إليـه، وهـي تمّثـل مشـــكلة فـــي عالقـــة الفـــرد مـــع ذاتـــه وعالقاتـــه مـــع اآلخريـــن. واليـــوم صـــار العلـــم يتحـــدث عـــن النرجســـية الصحيـــة التـــي تعنـــي الحالـــة اإليجابيـــة لحـــب النفـــس، ألنهـــا ترتكـــز علـــى تقديـــر الـــذات والثقـــة فـــي النفـــس. بيــن عــزة النفــس والكبريــاء خيــط رفيــع كمــا بيــن الحكمـــة وااّلدعـــاء. يبقـــى ااّلكتشـــاف األهـــم أن قبولنـــا لذاتنـــا يجـــب أن يقودنـــا إلـــى قبـــول اآلخـــر، مهمـــا اختلـــف عنـــا.