Okaz

محتسبون أم محتبسون؟!

-

هناك فرق كبير بني االحتساب واالحتباس. األول يعني أن يخضع الشخص في عملية احتسابه للقوانني املرعية من املـؤسـسـا­ت املعنية املكلفة بوظيفة االحـتـسـا­ب، والـثـانـي أن يحبس اإلنسان نفسه على فكره واعتقاداته وينطلق منها منفردا إلى تنفيذ ما يراه هو وحده حقا ال يدانيه حق ومن رفض هذا الحق أو قننه فهو مرتكب لباطل. وقـــد حـــدث هـــذا (االحـــتــ­ـبـــاس) فــي أكــثــر مــن مـنـاسـبـة وأدى إلـى كــوارث كـان من املمكن أال تحدث لو أن العقل كـان سيد املوقف حينها وليس العاطفة املندفعة التي ال تقدر لألمور قدرها. لقد وصل الحال (باملحتبسني) أنهم نظموا احتفاالت شـوارعـيـة علنية فـي حـق بعض األشــخــا­ص، رجــاال ونساء، اتـضـح بـعـد ذلــك أنـهـم أبــريــاء. وحـتـى لــو لــم يـكـونـوا أبرياء لم يكن من االحتساب في شيء أن يجري التكبير والتهليل العلني على أخطائهم أو ارتكاباتهم بمثل هذه الصور التي تفزع املجتمع وتقض مضجع أمنه وسالمته التي بدونها ال يعود مجتمعا سويا. لست ضد االحتساب بأي صورة من الصور طاملا هو مقنن ومضبوط باللوائح وخاضع ملمارسة املعتمدين املفوضني رســمــيــ­ا بـــــأداء هـــذه الــوظــيـ­ـفــة؛ الـــذيـــ­ن يــثــابــ­ون إذا أحسنوا ويعاقبون إذا أخطأوا. لكنني بالتأكيد، وبدون أدنى تردد، ضــد االحــتــب­ــاس الـــذي يـضـع الــنــاس، جـمـلـة وتـفـصـيـا­ل، في مواقع الريبة ويطاردهم في خصوصياتهم ويفتش قلوبهم ويفرض عليهم وجهات نظر شخصية بحتة فيما هو داخل في باب املعروف وما هو داخل في باب املنكر. وقد قلت من قبل إن هناك قضايا دينية خالفية يجد فيها اإلنـسـان سعة فـي املمارسة والـتـصـرف، لكن مـا حــدث لفترة طويلة أن (املحتبسني) اعتبروا هــذه القضايا مسلمات أو مفروغ منها من وجهة نظرهم فــأرادوا، وما زالـوا، أن يسلم بها الــنــاس كما سلموا بها بغض النظر عــن كــل مــا يساق من أدلة وبراهني على تعدد االجتهادات واآلراء فيها. أي أن الغاية لدى هؤالء تحولت من النصح، الذي هو فيما أعرف أصل االحتساب، إلى العسف واإلجبار، بل وأحيانا االعتداء الــصــارخ على الـنـاس واخـتـيـار­اتـهـم تحت طائلة أنــه يجوز للشخص، طـاملـا عــد نفسه محتسبا، أن يفعل مــا يـشـاء وال يسأل أو يحاسب. واملؤسف أن هؤالء األشخاص (املحتبسني) وجدوا من يدافع عنهم وينافح عن ارتكاباتهم التي إما أن تبقى على ما هي عليه أو أننا نتهاون في شعيرة األمر باملعروف والنهي عن املنكر. ولـهـؤالء أقــول إن من بـاب ممارستكم لهذه الشعيرة وأماناتها أن تتفقهوا مـجـددا فـي أصولها وغاياتها. وأن تقلعوا عــن وضــع أنفسكم فــي مــواضــع التنظير والتأطير لهذه الشعيرة دونــا عن غيركم. لكم وجهة نظر ولآلخرين وجهات نظر، حيث ال يوجد من ينكر االحتساب ويفترض أال يـوجـد مـن يـقـول إنــه أعـلـم مـن غـيـره بـشـروط وممارسات االحتساب؛ والفيصل بني الجميع هو القوانني التي تؤخذ على أساس من الدراسة والتأني والتدبر، وتقر على أساس من املصلحة العامة التي ترعاها الدولة كما ترعى كل شأن اجتماعي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia