Okaz

شيء عن «حدود» الدول العربية....؟!

- Sfadil50@hotmail.com

الـحـدود الدولية هـي: الخطوط الفاصلة التي تبدأ، أو تنتهي عندها أقاليم وسيادة الدول املتجاورة. وأهميتها تكمن في كونها الحد الذي تبدأ سـيـادة دولــة على إقليمها، وبـعـده تنتهي هــذه الـسـيـادة. ويمكن أن تكون الحدود «طبيعية» تتمثل في العوامل الجغرافية املختلفة التي تفصل بني قطعتني من األرض، أو «اصطناعية» معتمدة على خطوط الطول والعرض الوهمية، ومــوثــقـ­ـة عـلـى األرض بــعـالمــ­ات مــمــيــز­ة، لـتـعـرف أكــثــر عـلـى الــخــرائ­ــط. كـمـا تــوثــق في اتفاقيات دولية تحددها وترسخها. وال تقتصر الحدود على اليابسة فقط، بل تشمل املاء والفضاء، وفق ما ينص عليه قانون الحدود البحرية الدولي، املعتمد عام ،م1994 وقانون البحار الدولي. ولم يعرف اإلنسان الحدود (بمعناها السياسي الحالي) إال اعتبارا من العام 348م، عندما وقعت معاهدة «فيردن» التي بموجبها قسمت اململكة الـكـارولـ­نـجـيـة األوروبـــ­يـــة إلـــى ثـــالث مــمــالــ­ك. وتعتبر مـعـاهـدات الصلح أكـثـر االتـفـاقـ­يـات املــحــدد­ة للحدود الدولية املعاصرة. وقد أصبحت «الحدود» التي رسمتها الـدول الغربية الـــكـــب­ـــرى (وخـــــاصـ­ــــة بــريــطــ­انــيــا وفـــرنـــ­ســـا وإيطاليا وإسـبـانـي­ـا) لغالبية الـــدول العربية حـــدودا ثابتة، أو شـبـه ثــابــتــ­ة... مـعـتـرفـا بـهـا عـربـيـا وعــاملــي­ــا. وإن جاز لـنـا أن نطلق عـلـى كـامـل هــذه الــحــدود مسمى معينا فلعلنا نختار تسميتها بــ«حـدود سايكس – بيكو»، نسبة للدبلوماسي­ني البريطاني مارك سايكس، والفرنسي فرانسوا بيكو، اللذين وقعا اتفاقية تقسيم تركة اإلمبراطور­ية العثمانية، باتفاق سرى، عقد يوم ،م1916/5/16 أي قبل قـرن من الـزمـان. صحيح، ليس كل الـحـدود البينية العربية رسمتها اتفاقية سايكس – بيكو، ولكن هذه االتفاقية تظل أشهر أدوات تقسيم وتمزيق واقتسام البالد العربية. **** و«الحدود» أمر ال بد منه اآلن، وال مفر. وقد تكون، في بعض األحوال، شرا ال بد منه، بالنسبة للدول وللعالقات الدولية. فللحدود إيجابيات عديدة، وسلبيات أيضا. ولعل أهـم إيجابياتها تحديد نطاق الـدولـة، واإلقليم الــذي تبسط سيادتها عليه، ومـن ثم تجري عليه قوانينها ونظمها املختلفة، حماية لهويتها وحفظا ألمنها واستقرارها. يقول خبراء الحدود إن أهـم سلبيات وجـود الحدود بني البلدان املختلفة، هـي: كون الحدود تعيق التواصل بني البشر، ولو كانوا من أسرة واحدة. وقد تعرقل انتقال السلع والخدمات، ورؤوس األموال، وتالقح الحضارات. **** وفي الدول الفيدرالية يجب إبقاء الحدود في ما بني الواليات املكونة للدولة الفيدرالية، ولكن على الورق، وفي الخرائط فقط... وأهمية بقائها كذلك نابعة من كون دستور كل والية يمتد نطاق تطبيقه ضمن حدود الوالية اإلقليمية، حيث ينتهى سريان دستور الوالية املعنية، ليبدأ سريان دستور آخر. رسم الحدود بني الدول املختلفة يعتبر من أصعب املهام السياسية، ومن األمور بالغة األهمية في العالقات الدولية. إذ يترتب على قيام حـدود معينة الكثير من التبعات التي تمس حياة الشعوب السياسية واالقتصادي­ة واالجتماعي­ة واألمنية، في الصميم. وكثيرا ما ترسم الحدود بشكل يحابي طرفا على حساب آخر، أو يهمل جانبا مهما، ليركز على جوانب أقـل أهمية. األمـر الـذي يـؤدي الحقا إلـى نشوء صراعات دولية ال حصر لها بني الـدول املتجاورة. ويعتبر الخالف الحدودي أحد أهم أسباب الحروب الــدولــي­ــة الــدامــي­ــة، خــاصــة فــي مــا بــني الــــدول الــتــي يــوجــد بينها تــداخــل ديموغرافي وجغرافي متصل. **** ويالحظ أن معظم الحدود في ما بني البالد العربية قد استقر، ونشأت في إطارها دول قطرية، لكل منها هوية متميزة، وإن كان الجميع ينتمون ألمة واحدة، يـربـط فــي مــا بينها: الــديــن الــواحــد والـلـغـة الواحدة، والـتـقـال­ـيـد والــتــار­يــخ واملــصــا­لــح واألخــطــ­ار املشتركة. وكلها «عناصر» كان يجب أن تسهم في توحيد هذه البالد، وتكاملها، حتى مع بقاء معظم الحدود الحالية على ما هي عليه. وال شك أن هناك مشاكل وخالفات حدودية كثيرة في ما بني أغلب الــدول العربية الحالية، بعضها ساكن، واآلخــر سـاخـن... وذلـك نتيجة لـ«العشوائية» التي تم بها رسم هذه الحدود، وعدم مراعاة العوامل الديموغراف­ية والجغرافية على األرض، كما ينبغي. حدود «سايكس – بيكو» قد رسخت، مرحليا، على األقل، وسواء كانت مقبولة، أو غير مقبولة. وهي حدود فيها الكثير من السلبيات، وربما بعض اإليجابيات. أصبح العالم العربي بهذه الحدود مقسما، ومجزأ... ومع ذلك، فإن أعداء األمة العربية يحاولون اآلن اإلمـعـان في تقسيم املقسم، وتجزئة املـجـزأ، تحقيقا لهدفهم استغالل هـذه األمــة عبر إضعافها أكثر. وواقع العالم العربي، بصفة عامة، الضعيف واملهترئ يساعد األعداء على تحقيق كل أهدافهم املدمرة في األرض العربية، بما في ذلك هدف إعادة التقسيم شبه املعلن. لقد حــان للعرب أن يعطوا مسألة الــحــدود البينية العربية هــذه اهتماما مناسبا... يحفظ أمن وسالمة ووحدة البالد العربية، ويقيها املزيد من شرور التقسيم والتجزئة. إضافة إلى منع هذه الحدود من إعاقة التعاون والتكامل في ما بني بالد الوطن العربي الواحد.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia